“الفساد مازال مقيمًا بيننا”، هذا ما أكده الناشط السياسي مصباح شنيب في رسالته المفتوحة إلى رئيس الحكومة، واستشهد شنيب بما قاله رئيس الحكومة تحت قبّة البرلمان التونسي منذ نحو سنتين “إما الفساد وإما الدولة “، وقال: “هكذا نطق ” يوسف الشاهد ” رئيس الحكومة واضعًا نفسه بين الجنة والنار، بلهجة لا لبس فيها منتصرًا لتونس وللدولة، بما يعني أنّ تونس في قبضة الفاسدين ليست تونس، وأنّ الدولة إذا اخترقها الفساد ضاع معناها وفقدت صفتها”.
وأضاف: “نزل الخبر بردًا وسلامًا على قلوب التونسيين العليلة وعقولهم الكليلة من فرط ما تكبدوا من الألم وهم يرون الفاسدين على بلاتوهات الإعلام يعلنون إيماءً وتصريحًا بما مفاده أنهم عناوين المشهد السياسي وصانعوه وأنهم أرباب كلابه”.
وقال الأستاذ مضباح شنيب في رسالته: “حيّرت هذه الصفاقة التونسيين وهم يرون ببصرهم وبصائرهم إلى أيّ درك نزل الخطاب السياسي على أيدي رهط من آكلي السّحت، أبوْا إلا أن يفسدوا “السياسة” بعد أن عاثوا في المال فسادًا”.
مكافحة الفساد: هل نجح الشاهد في فتح “عشّ الدبابير”؟
قال الناشط مصباح شنيب: “لم يكن إطلاق المعركة ضد الفساد أمرًا طارئًا بالنسبة إلى يوسف الشاهد أو مجرد مناورة سياسية للتغطية على صعوبات أخرى كثيرة، وإنما كانت جملة صريحة وردت منذ خطاب التنصيب. لم يقف عندها الملاحظون طويلًا ليأسهم من جرأة أي حكومة على فتح “عش الدبابير””.
وشدّد على أنّ “حكومة الشاهد لم تتعجل الأمر بحثًا عن سياق مناسب لتنفيذ ما وعدت به التونسيين، ولم يطلق أعضاؤها ألسنتهم بالتهديد، والوعيد، ولم يستبقوا الأمر بحملة إعلامية بل اكتفى الشاهد بتصريح مقتضب طمأن فيه التونسيين بأنّ حكومته ماضية إلى النهاية في حربها على الفساد ، لأنّ المواطنين فقدوا منذ وقت طويل الثقة في تصريح الحكومات ووعودها التي قليلًا ما ترى النور”.
تمشٍّ لا يخلو من تدبير في مكافحة الفساد
وأضاف شنيب في رسالته المفتوحة إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد: “يبدو أنّ الحكومة خيرت الابتعاد عن الضجيج الإعلامي وراهنت على المباغتة في إيقاف الفاسدين والمهربين وتركت الأفعال تتكلم، وهذا في حد ذاته تمش لا يخلو من تدبير”، مشيرًا إلى أنّ “المواطنين ابتهجوا – وحقّ لهم ذلك – بإطلاق الحرب على الفساد، وأيّدوا هذه الخطوة، لكن شكوكًا عميقةً ما تزال تساورهم حول جدية الحكومة في المضيّ إلى النهاية في مكافحة الفساد. غير أنّ الشاهد لا يملك اليوم بعد تصريحه المقتضب إلا أن يفي بوعوده أو ينزاح عن المشهد السياسي لأنّ الجمل القليلة التي فاه بها تقيده تقييدًا ولا تسعفه بأيّ منفذ للطوارئ في صورة نكوصه عن ذلك”.
وأشار إلى أنه “في مقابل ذلك، على التونسيين أن يغتنموا هذه الفرصة، وأن يؤيدوا هذا التمشّي، وأن يقبلوا بالتضحيات اللازمة لكنس الفساد من أرض تونس، وإرساء حوكمة رشيدة تتناغم مع مطالب الثورة في الإصلاح وقطع دابر الفساد، حيثما حطّ رحاله”.
وختم رسالته بالقول: “نحن جميعًا مع تونس التي تكافح الفساد. في هذه اللحظة بالذات ينبغي أن نذهب موحدين نحو هدف محدّد، ألا وهو تطهير تونس من الفساد والفاسدين”.
ضرورة تنقيح مجلة الإجراءات الجزائية
دعا رئيس الهيئة العليا لمكافحة الفساد شوقي الطبيب لدى حضوره في البرلمان التونسي إلى ضرورة تنقيح مجلة الإجراءات الجزائية، ومنح قضاة القطب القضائي المالي كل الإمكانيات، وتفعيل الجهاز الفني داخل القطب لتسهيل عمليات البتّ في قضايا الفساد المالي.
وأضاف الطبيب، وفق موزاييك أف أم، أنّ “معدل نشر قضية فساد أمام القضاء التونسي تتراوح بين 5 و10 سنوات، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك، وهي مدة غير معقولة وطويلة”، داعيًا إلى فتح هذا الملف ومعالجته جدّيًّا”.
وأشار رئيس الهيئة العليا لمكافحة الفساد أنّ القانون ينصّ على نشر مضمون التصاريح الخاصة في غضون ستة أشهر، منتقدًا رئيس الحكومة الموكول له الأمر بذلك، لكنه لم يفعل، وبالتالي لم تنشر التصاريح الخاصة بالفئات الثماني المعنيّة بذلك، وهي رئاسة الجمهورية وأعضاء الحكومة والبرلمان والهيئات الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء والمجالس البلدية.
انضمام تونس إلى اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته
أكد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب خلال اجتماع بالبرلمان بإشراف لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، أنّ المصادقة على الاتفاقية المذكورة من شأنها أن تعزّز مكانة تونس وصورتها في مجال الحوكمة والشفافية و تحسنها، فضلًا عن رفع منسوب الثقة لدى المستثمرين الأجانب.
وأضاف الطبيب، وفق الصفحة الخاصة للبرلمان أنّ “هذه الاتفاقية ستدعم الترسانة التشريعية التي تمّ وضعها بهدف مكافحة الفساد على غرار القوانين المتعلقة بحماية المبلغين عن حالات الفساد، و إحداث لجنة التحاليل المالية، و التصريح بالمكاسب، وحق النفاذ إلى المعلومة”.
وشدّد على ضرورة تشريك القطاع الخاص و المجتمع المدني و الإعلام في متابعة تنفيذ هذه الاتفاقية. من جانبهم أكد النواب الحاضرون على “أهمية التوعية و العمل على مزيد تحسيس الرأي العام بخطورة آفة الفساد وانعكاسها المباشر على مناخ الاستثمار والتنمية، داعين إلى ضرورة تنسيق جميع المجهودات الوطنية المبذولة في هذا الاتجاه”.