رفض عدد من الأطباء التونسيين الترفيع الذي أقره المجلس الوطني لعمادة الأطباء في تعريفة العيادات الطبية اعترافًا منهم بأنّه لا يراعي مقدرة المواطنين التونسيين التي اهترأت منذ سنوات بفعل الزيادات المشطة في الأسعار.
هذا الترفيع في تعريفة العيادات الطبية أثارت جدلًا بين المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت مبعثًا للسخرية والتندّر ممن يبرّرها ويؤكد أنها ليست مجحفة، حتى لكأنّما الكاتب العام لعمادة الأطباء الدكتور نزيه الزغل يسكن في مكان آخر غير تونس، أو أنه لا يعرف شيئًا عن مقدرة التونسيين الشرائية، أو أنه لا يستقبل من المرضى سوى الميسورين.
وكان المجلس الوطني لعمادة الأطباء التونسيين أعلن عن الترفيع في تعريفة العيادات الطبية سواء بالنسبة لطب الاختصاص أو الطب العام، وهو ما أثار سخط واستغراب المواطن التونسي الذي يئنّ منذ سنوات تحت رحمة الارتفاع الفاحش لأسعار جميع المواد الحياتية الضرورية.
رفض من الجنوب إلى الشمال
دوّن الدكتور نبيل الجمل، الإخصائي في أمراض القلب والشرايين في صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” معتبرًا أنّ قرار عماد الأطباء فوقيّ: “الترفيع المشط الذي قررته عمادة الاطباء قرار فوقي لا يمثل عدد كبير من الاطباء خاصة في الجنوب التونسي وفي الجهات الداخلية”.
وأضاف الدكتور نبيل الجمل: “قرار فوقي لا ياخذ بالاعتبار المقدرة الشرائية للمواطنين”.
وقال أستاذ الجامعة التونسية محمد ضيف الله: “مهنة الطب مهنة إنسانية. البعض لا يرى فيها إلا الجانب المادي. لو لم يكن فيها جانب إنساني لما كان شارل نيكول. شارل نيكول نموذج للطبيب الإنساني.
وكتب أحد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو مصطفى محمود: “من المفروض أنّ كل مراجعة للتعريفة الطبية يشارك فيها المواطن، وبالتالي أدعو كلّ المواطنين ليقاطعوا العيادات الخاصة إلا في الحالات القاهرة وبتوجيه من المستشفى العمومي”.
وأضاف: “يجب الضغط على السلطة لتحسين وضعية قطاع الصحة العمومية، وهي مطالبة بمتابعة الأطباء الخواص متابعة جدية في خلاص الجباية والضريبة على الدخل الحقيقي”.
وزيرة الصحة تتبرّأ من قرار عمادة الأطباء
أكدت وزيرة الصحة العمومية سنية بالشيخ أن لا علاقة لها بقرار ترفيع عمادة الأطباء في تعريفة العيادات الطبية، والتي أقرّتها وبدأ تنفيذها منذ الأول من جوان الجاري.
وأشارت سنية بالشيخ إلى أنّ هذه الزيادة دورية، وهي تتمّ بعد كل فترة بثلاث سنوات.
الترفيع في تعريفة العيادات الطبية
كشف المجلس الوطني لعمادة الأطباء أنه تمّ الاتفاق على الزيادة في تعريفة عيادة الطب العام من 35 دينارًا لتصبح بين 45 دينارًا، أما بالنسبة لأطباء الاختصاص بالتعريفة ارتفعت من 50 دينارًا إلى 70 دينارًا، أما بالنسبة للعيادات في المنزل فقد ارتفعت بنسبة كبيرة من 52.500 دينارًا إلى 67.500 دينارًا بالنسبة للطب العام، وتصل إلى 90 دينارًا في أيام الراحة. وارتفعت من 75 دينارًا إلى 105 دينارًا بالنسبة لأطباء الاختصاص، وتصل إلى 140 دينارًا في أيام الراحة والأعياد.
يذكر أنّ التعريفات الجديدة للعيادات الطبية بدأ تطبيقها في الأول من جوان 2019.
الترفيع في تعريفة العيادات الطبية: ما العلاقة بين الطب والكهرباء؟
أكد كاتب عام عمادة الأطباء نزيه الزغل أنّ تعريفة العيادات الطبية للطب العام لم ترتفع إلا بمبلغ 5 دنانير، متسائلًا في استنكار: “.. وهل تعتبر هذه الزيادة مجحفة؟”.
الزغل يتساءل كذلك، في تصريح لموقع الشاهد: “إذا كانت أسعار الكهرباء والكراء والمعدات الطبية قد ارتفعت، فكيف لا يتمّ الترفيع في تعريفة العيادات الطبية للطبيب؟”، معتبرًا أنّ الزيادة “غير مسقطة، بل بعد مراجعة عادية”.
وأكد نزيه الزغل أنّ الزيادة “لا تستحق مثل هذه الضجة”، معتبرًا أنّ تناولها بالنقاش “جدال عقيم”.
وفي تصريح لصحيفة “الصباح” التونسية، في ماي 2015، قال مدير التأمين على المرض والمكلف بالإعلام بـالصندوق الوطني للتأمين على المرض “كنام يونس بن نجمة: “بخصوص سعر العيادات الطبية، فهي محددة بـ18 دينارًا بالنسبة للطبيب العام و30 دينارًا بالنسبة لطبيب الاختصاص، وأنّ كل ما يخالف ذلك يعدّ خرقًا للقانون”.
وأشار بن يونس إلى أنه “لا توجد حاليًا إجراءات ردعية في الغرض، كما أنّ الأطباء يطالبون بالترفيع في تعريفة العيادة، في حين أنهم مطالبون باحترام التعريفة والوضعية المادية لمنظوري صندوق التأمين على المرض”.
الرفيع في تعريفة العيادات الطبية: عمادة الأطباء تهدّد الأطباء
ضمن المنشور الذي أوردته عمادة الأطباء، وكشفت فيه عن الزيادة في تعريفة العيادات الطبية، ضمّنته كذلك بالفصلين 42 و44 اللذين يمنعان على الطبيب منعًا باتًّا التخفيض في تعريفة العيادات التي أقرّها المجلس الوطني لعمادة الأطباء، بدوافع تنافسيّة. ومن لا يحترم “الميثاق الأخلاقي” يضع نفسه تحت طائلة التتبعات التأديبية.
ويضيف الفصل 44 أنّ الطبيب من حقّه أن يفحص من يريد مجّانًا، من أقاربه أو أصدقائه، أو زملائه في العمل، أوالعاملين معه في نفس القسم، وغير ذلك.
من يحمي المواطن من المرض؟
المواطن التونسي يجد نفسه غير محميّ من الزيادات المتصاعدة في الأسعار، في جميع القطاعات، وهو يتساءل، هل أنّ الحكومة موافقة على الزيادة في تعريفات العيادات الطبية؟. وهل أنّ اتحاد الشغل لا يرى مانعًا في ذلك؟. وهل أنّ الأحزاب السياسية، بمختلف توجّهاتها، لا تمانع في مثل هذه الزيادات؟.
زيادات لا يقدر المواطن على الالتزام بها، فهل نطلب من المرض أن يبقى بعيدًا عن المواطن؟. وهل ندفع المريض للالتجاء إلا للعيادات الخاصة بسبب الوضع البائس الذي تعاني منه المستشفيات العمومية؟.
بعد الثورة مباشرة، في العام 2011، وعندما كان الاتفاق بين “الكنام” وعمادة الأطباء ما يزال ساري المفعول، وعندما كان سعر تعريفة عيادة الطب العام 5.400 دينارًا، بدأ بعض الأطباء في مطالبة المريض بدفع 6 دنانير، وهكذا بدأت الأسعار ترتفع شيئًا فشيئًا دون الرجوع إلى الصندوق الوطني للتأمين على المرض.
هذه الزيادات أثارت سخرية الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي اعتبرها البعض “رأسمالية متوحشة” تقتل الضعفاء، فكيف سيقاومون هذا الشطط في الأسعار؟.
وهل بهذا الترفيع في تعريفة العيادات الطبية، الذي لا يراعي المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، تعملون على حمايته من الأمراض، أم بتشجيعه على التّداوي بالطب الرّعواني الذي عرف انتشارًا واسعًا في تونس خلال السنوات الأخيرة؟.