أثار انتشار موجة حرائق المحاصيل الزراعية في عدد من الولايات التونسية ملتهمة لآلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية، ومحصول الفلاحين من القمح والشعير استغراب التونسيين.
وتساءل عديد المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي عن أسباب حرائق المحاصيل الزراعية التي شهدتها عدد المناطق الفلاحية في الكاف وجندوبة وسليانة وزغوان، واتهّموا البعض بالوقوف وراء هذه الجرائم التي تتطلب التحقيق والعقوبة.
هذا الاتهام بإمكانية وقوف أطراف معيّنة وراء موجة حرائق المحاصيل الزراعية برز اليوم في بيان الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الذي دعا إلى “فتح تحقيق جدّيّ للكشف عن أسباب وملابسات نشوب الحرائق ومعاقبة المتورّطين في هذه الاعتداءات”.
صابة حبوب هامّة جدًّا
أكد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار، اليوم، أنّ صابة الحبوب لموسم 2019 هامّة جدًّا، فهو يأمل أن يتمّ تجميع ما بين 11 و12 مليون قنطار، أي ما يمثل تقريبًا نصف الإنتاج.
وأعطيت ليوم الثلاثاء، إشارة انطلاق موسم الحصاد بولاية الكاف، شمال غربي تونس. وأشار الزار، في تصريح لإذاعة “شمس أف أم” الخاصة إلى الصعوبات الكبيرة التي يتعرض لها المنتجون، وأساسًا عمليات التجميع في ظلّ إضراب المجمّعين عن العمل.
واعتبر أنّ مسألة التعيير من أهمّ المشاكل التي تؤثر على قيمة الإنتاج، داعيًا إلى الترفيع في أسعار الحبوب، لأنّ ما أقرّته الحكومة لا يكفي الفلاحين لتغطية مصاريفهم، وفق تصريحه.
أما عن حرائق المحاصيل الزراعية، فقد دعا إلى التصدّي لها من أجل المحافظة على الثروة الوطنية من الحبوب لأهميتها في تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي.
حرائق المحاصيل الزراعية
تقوم فرق الحماية المدنية بدور كبير في السيطرة على موجة حرائق المحاصيل الزراعية التي اندلعت بعديد المناطق، في الشمال الغربي لتونس، ففي معتمدية الدّهماني من ولاية الكاف، أتى حريق على أكثر من 50 هكتارًا من الحبوب.
وفي معتمدية السّرس من ولاية الكاف، أتى حريق شبّ بإحدى الضيعات الفلاحية على أكثر من 200 هكتار، منها 120 هكتارًا في ضيعة فلاحية دولية، و80 هكتارًا أراضي خاصة.
وفي ولاية سليانة، أتى حريق نشب في أحد الحقول الفلاحية القريبة من مدينة سليانة، ولولا تدخل فرق الحماية المدنية بسرعة ونجاعة لانتشرت الحرائق ووصلت المنازل.
وفي تصريح إذاعي، قال وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري سمير بالطيب إنه سيتمّ تعويض الفلاحين المتضرّرين من موجة الحرائق التي خلّفت خسائر كبيرة.
واعتبر أنّ صابة الحبوب، برغم الحرائق التي التهمت مئات الهكتارات من جملة مليون و309 ألف هكتار من الزراعات الكبرى، تبقى مهمّة.
وأكد أنه سيتمّ، ولأول مرة، استخدام الطائرات بدون طيّار (درون) لتأمين صابة الحبوب ومراقبة المتسبّبين الفعليّين في الوقوف وراء إشعال الحرائق، مشيرًا إلى أنّ وزارة الفلاحة كوّنت 40 شابًّا قادرين على تسيير طائرات “الدرون”.
وأوضح وزير الفلاحة أنّ طائرات “الدرون” ستحلّق على امتداد مساحات حقول الحبوب لتأمين الصابة، مشدّدًا أنه يجب أن يتحمّل كلّ مسؤوليته في اندلاع الحرائق، سواء كانت بفعل فاعل، أي بدافع إجرامي، أو عن طريق الخطأ البشري، كإلقاء السجائر مثلًا.
الاعتداء على اقتصادنا الوطني وأمننا الغذائي
عبّر الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عن تعاطفه مع منتجي الحبوب المتضرّرين، مؤكدًا على ضرورة التعجيل بجبر الأضرار والخسائر الفادحة التي لحقت بهم جرّاء موجة الحرائق.
ودعا الاتحاد في بيان نشره اليوم على موقعه الرسمي إلى “فتح تحقيق جدّيّ للكشف عن أسباب وملابسات نشوب حرائق المحاصيل الزراعية وتتبّع ومعاقبة كل من أتثبت التحقيقات تورّطه وتعمّده اقتراف هذه الاعتداءات”، معتبرًا أنها “ترتقي إلى مستوى الجرائم المرتكبة في حقّ بلادنا واقتصادنا الوطني وأمننا الغذائي”.
ودعا الاتحاد، وهو منظمة حكومية إلى “مزيد توفير الإمكانيات المادية واللّوجستية الضرورية، ما يساعد على سرعة التدخل لمجابهة الحرائق وإرساء إستراتيجية وطنية للتوقّي منها”.
وجدّد استعداد الفلاحين لمعاضدة ومساندة جهود مختلف الهياكل ومكونات المجتمع المدني من أجل إنجاح موسم الحصاد والتجميع وحماية صابة الحبوب وتأمينها من كل الأخطار الطبيعية والبشرية، باعتبارها ثروة وطنية.
حرائق المحاصيل الزراعية تهدّد الأمن الغذائي التونسي
أكد المحامي سمير بن عمر في تدوينة له في صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أنّ الأمن الغذائي التونسي مهدّد.
واستنكر عدم دعوة مجلس الأمن القومي للانعقاد، وكتب: “مجلس الأمن القومي الذي تمت دعوته للنظر في قانون المساواة في الإرث، والنظر في ملفات منشورة أمام القضاء، مازال يغطّ في سبات عميق، ولم تتمّ دعوته للنظر في سلسلة الحرائق التي تمثل تهديدًا للأمن الغذائي للبلاد”.
من جانبه، كتب الإعلامي كمال الشارني “عن صابة ملأت العين، ثم غدرتها النّار”، ودوّن على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “يقترن الحريق في ذهني باحتراق نادر التبن بنار برّاد الشاي، وبأنها نار لا تنطفئ إلا بالتراب، لكن يخيّل لي في طفولتي أني رأيت أهلي يحترقون مع حريق حقول “هرية بالزاهي”، وأوحى لي أحد ما أنّ نيران الحصائد كانت بسبب دعاء الشر من الهطّاية الذين لم يأخذوا حقهم في العشر من الحصاد”.
وأضاف الشارني في تدوينته: “من لم ير احتراق حقل قمح أو نادر تبن، لا يعرف معنى اللّوعة، من لم يسمع الضجيج الكارثيّ للنار التي لا تتوقف في هشيم السنابل، لا يعرف معنى احتراق الروح والإحباط، من لم ير الوجه الأزرق لمن رأى الحجر السماوي (البرد) يضرب حقوله فيسوّي السنابل بالتراب، يحمد الله لأنه لا يعرف معنى الخيبة النهائية، ذلك أنّ علاقة الفلاح بالسنابل تبدأ بحلم بلا ضمانات، اعطوني مهنة تبدأ برمي فلوسك (أموالك) في التراب لثمانية أشهر دون أن تملك أية ضمانة سوى الرجاء من السماء، حتى إذا جاءت الصّابة وملأت العين، غدرتها النار”.