أجرت صحيفة “المرصد” الليبية حوارًا مع خليفة حفتر، القائد العام للجيش الليبي، تحدث فيه عن حرب طرابلس، وما بعدها، وعن فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي المعترف به دوليًا، وعن مبادرته الأخيرة لحلّ الأزمة الليبية، وقال عنها إنها “مفتقدة للجدية وخالية من بنود معالجة أسباب الأزمة”.
وقال إنّ السرّاج: “دائمًا ما يُشعرك دون أن يدري بأنّ هناك جهة ما “مرعوب” منها بشدّة وبدرجة لا توصف”.
وعبّر خليفة حفتر عن أمله في أن يعطي المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة حقّ الجيش الليبي، مشيرًا إلى أنه تغيّر في الفترة الأخيرة.
وأشار خليفة حفتر إلى الدول التي لها علاقات طيبة مع ليبيا، دون أن يذكر تونس، منتقدًا حركة النهضة.
وإليكم أهمّ ما جاء في حوار المشير خليفة حفتر:
خليفة حفتر والموقف الأوروبي
س –هل تعوّلون على موقف أوروبي جادّ فى هذه المرحلة؟!
– بداية نحن نعوّل على سواعد جنودنا وضباطنا الميامين وعلى دعم الشعب الليبي الذي لم يخذلنا منذ بداية حربنا على الإرهاب واستعادة الوطن، ولكن يبقى الموقف الأوروبي مهمًا بالنسبة لنا، ولعل صدقنا فى التعامل معهم وما يشاهدونه على أرض الواقع هو ما دفعهم لكتابة هذا التقرير، نحن نريد منهم تفهم رغبة الشعب الليبي فى تغيير واقعه والخروج من الأزمة والتي تبدأ من محاربة الإرهاب وتفكيك المليشيات وإنهاء مرحلة اغتصاب السلطة دون تفويض من الناس .
س – قاطعته قائلًا : وهل ترون إمكانية نجاح ذلك فقط عبر عملية ”طوفان الكرامة العسكرية” التي انطلقت منذ فترة قريبة في طرابلس ؟!
– لا، فالحلّ لابد أن يكون عبر المسار السياسي وبمشاركة كلّ الليبيين، العملية العسكرية تستهدف أوضاعًا مستعصية عجزت كل السبل عن معالجتها، من تواجد القيادات الإرهابية ونشاطها فى تجنيد خلايا داخل طرابلس إلى تواجد وانتشار المليشيات وسيطرتها على أموال الشعب الليبي فى مصرف ليبيا المركزي هناك، وممارستها للحرابة والخطف والابتزاز إلى تنامي نشاط الجماعات الإجرامية وعصابات الجريمة المنظمة والمتاجرة بالبشر وتهريب النفط والمحروقات، وحتى جماعات الإسلام السياسي التى عطلت الحياة السياسية وأفسدت مناخها، بل ووصلت إلى تنفيذ أجندات خارجية تتعارض مع مصالح الشعب الليبي تمامًا .
هذا الجزء باختصار هو المستهدف من العملية العسكرية وما عدا ذلك سيجد له الشعب الليبي الحلول عبر الحوار والنقاش بوسائل سلمية وسياسية وديمقراطية .
خليفة حفتر مرحلة ما بعد تحرير طرابلس
س – هل يمكننا معرفة ملامح مرحلة ما بعد تحرير طرابلس وانتهاء المهمة العسكرية التى تحدثت عنها ؟!
– بشكل مجمل وطبيعي أيضًا، سندخل فى مرحلة انتقالية واضحة ومنضبطة هذه المرة من حيث المدة والصلاحيات. ومن المهم أن تُنجز فى هذه المرحلة الانتقالية عدة مهام أساسية لتمهيد الأرضية أمام الوضع الدائم، منها حل كافة المليشيات ونزع سلاحها ومنح الضمانات لكل من يتعاون فى هذا المجال، وحلّ كافة الأجسام المنبثقة عن اتفاق الصخيرات الذي انتهت مدته وفشل فى إيجاد أي مخرج للأزمة بل خلق أزمات، وطبعًا تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها التجهيز لهذه المرحلة الدائمة التي نتحدث عنها .
س – ماذا تقصد بتجهيز الأرضية للمرحلة الدائمة؟!
– أقصد التجهيز للوضع الدائم والطبيعي الذي ستستقر عليه الدولة لتنطلق فى عمليات الإعمار والتنمية وإزالة تراكمات سنوات طويلة من المراوحة . فمثلًا سيكون من مهام حكومة الوحدة الوطنية التجهيز للانتخابات وعودة المسار الديمقراطي بالعمل على مشروع قانون انتخابات جديد خالٍ من العيوب السابقة.
سيكون من مهامها أيضًا أمر مهم آخر وهو تشكيل لجنة صياغة دستور جديد ووضع مشروع قانون للاستفتاء عليه، وكذلك إعادة التوازن لقطاع النفط وعوائده، حل مشاكل الناس العالقة وتسهيل شؤون حياتهم المعيشية وبالأخص إنهاء أزمة السيولة، وكذلك الشروع فى توحيد مؤسسات الدولة وإداراتها بعد سنوات الانقسام والعبث الذي تسببت فيه الأجسام السابقة خلال صراعها غير القانوني على السلطة وانقلابها على تعهداتها وارتهانها للمليشيات منذ ما قبل وبعد عملية فجر ليبيا الإرهابية التي أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين وأدرك العالم أجمع بأنها كانت السبب في انقسام مؤسسات الدولة ووصولها إلى ما وصلت له من كوارث .
خليفة حفتر وحكومة وحدة وطنية
س- إذًا الركيزة الأساسية ستكون حكومة وحدة وطنية يوكل لها ترتيب البيت الداخلي وتجهيز البلاد للمرحلة الدائمة وفق مسار ديمقراطي ينتهي بدستور وانتخابات؟!
– نعم هذا ما أعنيه بالضبط، ستكون لدينا بإذن الله مرحلة انتقالية تديرها حكومة وحدة وطنية ستعمل بعد تحرير طرابلس مباشرة وإذا لم تتمكن من العمل لأسباب لوجستية أو أمنية مؤقتة فقد تباشر عملها من أي مدينة أخرى مثل بنغازي أو أي مدينة مستقرة وآمنة في الغرب أو الشرق أو الجنوب إلى حين تجهيز طرابلس والانتقال لها. نحن لا نفرق كما تعلم بين مدينة وأخرى أو جهة وجهة ثانية ، نرى فقط ليبيا الواحدة الموحدة .
س – ولكن هناك من يشكّك فى نوايا الجيش حيال هذه الافكار؟!
– مبتسمًا .. كان الأولى أن يشكّكوا فى نوايا المنقلبين على الديمقرطية عبر السلاح، وعادوا إلى الحكم بواسطة مليشيات فجر ليبيا الإرهابية – كما صنفها البرلمان – واحتلوا العاصمة وفرضوا فيها حكومة متطرفة موازية بقوة السلاح (يقصد حكومة الإنقاذ).
الأولى بهؤلاء أن يشككوا فى المجلس الرئاسي الذي رفض تسليم السلطة بعد انتهاء مدة إتفاق الصخيرات ثلاث مرات وصدور أحكام قضائية بالجملة ضده وضد قرارته قاضية بانعدام صفته القانونية وتحالفه مع المليشيات للبقاء فى السلطة ضارباً بعرض الحائط كل هذه الأحكام الصادرة عن القضاء الليبي .
الأولى بهم أن يشكّكوا فى من يُمكّن للجماعات الإرهابية والمليشيات ويمنحها الملاذ الآمن والأموال ويطلق يدها لتدمير الدولة ومؤسساتها، أما الجيش فهو من حمى الانتخابات الأخيرة – سنة 2014 – ووقع على كافة المبادرات الدولية اللاحقة بخصوص انتخابات جديدة وهو من سيضمن ويحمي تأسيس الدولة الليبية الجديدة إن شاء الله .
من يقف وراء تعطيل الانتخابات
س – من عطّل الانتخابات طيلة العام الماضي؟
– ليس الجيش من عطلها وليس هو من أخلّ بالتزامه بشأن الانتخابات التي كان يجب أن تجرى نهاية 2018 ثم تأجلت لبداية 2019، بل المجلس الرئاسي الذي منع التمويل تارة على مفوضية الانتخابات وهذا بلسان رئيسها وعجز حكومته عن تأمين مقرها حتى دمرها الإرهابيون، وتارةً بالطعن في قانون الاستفتاء وخلق معضلة عويصة حول القاعدة الدستورية وتارةً بالتحجج بالظروف الأمنية وفي كل مرة حجة جديدة وهكذا .
لقد كانت الانتخابات مطلبنا منذ البداية ووافقنا عليها وطالبنا بها في لقاء أبوظبي 1 و 2 وباريس 1 و 2 وباليرمو في إيطاليا كحل لأزمة الشرعية وكانت مطلب غالبية الليبيين في استطلاعات الرأي، فماذا حدث؟. الذي حدث هو أنّ هذه الحكومة كانت أيضًا توافق ونستبشر بضوء في بداية النفق، ثم تعود إلى طرابلس حيث مليشياتها وما يسمّى مجلس الدولة غير الدستوري الذي تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين المصنفة مؤخرًا من قبل البرلمان كجماعة إرهابية وتتراجع عن كل شيء يتمّ الاتفاق حوله، باختصار شديد هم من عرقل هذه العملية بالحجج التي حدثتك عنها سلفًا وغيرها بالكثير من العبث .
س – دعنا ننتقل إلى الموقف الدولي، كيف تراه أو كيف تقيِّمه فى ظل سيطرة الجيش على غالبية الأراضي الليبية وتأمينه للنفط وحجم التأييد الشعبي الذي يحظى به وفقًا لآخر استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات دولية مرموقة؟!
– الموقف الدولي أغلبه داعم للجيش بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن لم يدعمنا أرسل لنا يؤكد تفهمه لموقف الجيش وتحركاته، وفى المقابل نحن نتحدث معهم بصراحة عن أفكارنا لمرحلة ما بعد تحرير طرابلس التى دائمًا ما تكون محلّ نقاش مع شخصيات وقبائل ليبية أيضًا. ونرى أنها أفكار جيّدة لا تصادم المصالح المشتركة لهذه الدول مع ليبيا ولا تعرقلها بل تتقاطع معها بشكل إيجابي يخدم مصلحة شعوبنا وبلداننا ويحفظ السيادة ويوطّد العلاقات الرسمية والشعبية والاقتصادية وما إلى ذلك.
تونس غائبة في علاقات خليفة حفتر
س – وماذا عن الموقف الإقليمي وخاصة دول الجوار؟!
– أيضًا الموقف الإقليمي ممتاز. فبالإضافة إلى علاقاتنا المميزة مع جيراننا في مصر وتشاد والنيجر ومع الأشقاء في السعودية والإمارات والأردن والكويت، سجلنا تطورًا مهمًا فى علاقاتنا مع الجزائر والسودان. ونعتقد أنهم يومًا بعد يوم باتوا يتفهمّون طبيعة حركة الجيش وإسهامه إلى جانب شعبنا فى محاولة الخروج من الوضع الخانق إلى مرحلة انتقالية ثم إلى مرحلة دائمة تنتهي فيها كل المعاناة إن شاء الله. وهذا ما سترونه قريبًا بعد تحرير طرابلس وفي هذا الصدد أتمنى الاستقرار للسودان والجزائر في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها البلدان مؤخرًا.
خليفة حفتر ينتقد حركة النهضة
س – هناك شخصيات من دول الجوار – مثل قيادات حركة النهضة التونسية مثلًا – تتحدث بشكل مستفزّ وخطاب تحريضي تثير من خلاله مخاوف دول الجوار من سيطرة الجيش على طرابلس. برأيك ما مردّ هذا الأمر؟.
– أولًا ما يقوم به الجيش شأن ليبي داخلي محض، ولن نسمح بتفسيره بشكل يناقض مبدأ السيادة الوطنية قطعيًا وهذه الشخصيات التي أشرت لها لا تمثل دولها ولا شعوبها وربما هي رهينة أجندات معادية لليبيا. وأعتقد أنّ المخاوف – إن وجدت – نابعة من خشية فرار الإرهابيين والمجرمين من طرابلس بعد هزيمتهم إلى بعض دول الجوار كما فرّ لنا إرهابيون ومتمردون من هذه الدول في مراحل سابقة وقتلوا مئات الليبيين بالعمليات الانتحارية والقتالية في بنغازي ودرنة والجنوب وغيرها من مدننا ومناطقنا .
وهنا أنا أؤكد لهم أنّ أقصر الطرق لإزالة هذه المخاوف هي التعاون بشكل مباشر مع الجيش الوطني والأجهزة الأمنية الليبية لإنهاء تهديد هذه المجموعات لأمن المنطقة فهذه مصلحة مشتركة لكل من يدرك مفهوم الأمن. فنحن جيران وأشقاء وبيننا علاقات وطيدة واتفاقيات وطيدة يمكن تفعيلها لإزالة كل المخاوف أو التشويش المبالغ فيه، واستبداله بعمل مشترك لصالح شعوبنا وضد الإرهاب فقط .
مبادرة السراج تفتقد إلى الجدية
س – هل اطلعت على مقترح مبادرة فايز السراج الأخيرة؟
-لا أعتقد أنّ لديه ما يقول. فهذا الرجل مرتبك وقراره ليس فى يده، لقد خَبِرتُه وعرفته جيدًا منذ عدة سنوات وتحدثت معه بشكل مباشر كما تعلمون، إنه حقًا لا يدري ماذا يريد، ولا يستطيع أن يوقع أي اتفاق، ودائمًا ما يُشعرك دون أن يدري بأنّ هناك جهة ما “مرعوب” منها بشدّة وبدرجة لا توصف .
وعلى أيّ حال المبادرة بالإضافة إلى أنها مفتقدة للجدية وخالية من بنود معالجة أسباب الأزمة، فهي أيضًا ليست للسراج، بل هي عبارة عن صدى لكلام غسان سلامة المكرر، فالمبادرات لا معنى لها ما لم تكن شجاعة وتحمل بنودًا صريحة تمسّ صلب الأزمة وتعالجها جذريًا، ولذا فهي غير ذات قيمة وردّنا عليها هو ذات ردّنا على ما قاله سلامة سابقًا.
أكرّر ، لسنا ضد الحلول السياسية ولا ضد العملية الديمقراطية ولا ضد الانتخابات، بل نرى في الأخيرة الطريق الأمثل، أسوة بكل دول العالم ، أبجديات الديمقراطية هي الاحتكام لصندوق الاقتراع حصرًا وليس الاحتكام لتوافق مزعوم فُرض غصبًا على الليبيين في ردهات الفنادق، ولكننا نعتقد بأنّ كل هذه القيم المؤسٍسة للدولة المدنية العصرية لا يمكن أن تعيش فى ظل سيطرة الإرهاب وجماعات مثل القاعدة والليبية المقاتلة والإخوان المسلمين والمليشيات وعصابات الجريمة المنظمة والتهريب والخطف ودواعش المال العام لذلك وجب تصويب الوضع على الأرض .
أؤكد مجددًا.. بعد تحرير طرابلس سنتحدث مع الشعب الليبي مباشرة عن كل هذه الأمور، وسنضعها فى مسارها الصحيح الذي يخدم مصلحة ليبيا والليبيين ويحافظ على وحدة أراضيها وتماسك شعبها واستثمار ثروتهم التي تهرّب يوميًا بالملايين برًا وبحرًا وجوًا على يد عصابات يقودها مطلوبون دوليًا ومحليًا، وبالمناسبة هؤلاء يشكلون غالبية من نقاتلهم اليوم في طرابلس وهذا ليس سرًا وهو معروف لدى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي جيدًا.
خليفة حفتر وغسان سلامة
س – ذكرت د . غسان سلامة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، كيف هي علاقتك به هذه الأيام في ظل مواقفه وتصريحاته التي يراها البعض متشنجة تجاهكم؟.
– بشكل عام أنا احترمه وأقدّره، فهو رجل مثقف وعربي وقومي، ولكن فى الآونة الأخيرة بدت لي معلوماته مبتورة ولا يفي الجيش الوطني حقه، رغم تزويدنا له بكل ما يريد وانفتاحنا عليه، فإحاطاته أمام مجلس الأمن أو بعض التقارير المُشوشة لبعثته هي ما يجعلنا نعتقد بأنّ التعاون معهم غير مُجدٍ.
إلا أنه وفى آخر لقاء جمعنا سوية نفى لي ما نقل عنه من كلام، وأكد بأن كلامه وُضع فى غير سياقه، وأنه سيعمل على توضيح الأمر وأنا بدوري أخبرته صراحة بأنني لازلت آمُل أن يستمرّ التعاون بيننا ويتطور نحو آفاق حلّ الأزمة وأنني لا أريد أن أعامله مثل المبعوثين السابقين.