في مقال تحليلي نشره على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تعرّض المحلل السياسي نصر الدين السويلمي إلى تاريخ حركة النهضة الإسلامية، وما يمكن أن تكون عليه بعد انتخابات نوفمبر 2019.
الأستاذ نصر الدين السويلمي أكد على الدور الريادي الذي تلعبه حركة النهضة في الانتقال الديمقراطي، والدور الذي يمكن أن يمكن أن يلعبه رئيسها اشليخ راشد الغنوشي، فيما أسماها “معالجات ما بعد انتخابات 2019”.
وفي المقال الذي عنونه “القرار الخطير ! عن النهضة والغنوشي وقصر قرطاج..”، اعتبر المحلل السياسي نصر الدين السويلمي أنّ حركة النهضة تبحث عن “موقع سياسي رسمي لرجل قام بأدوار أكبر بكثير من مجرد مناصب سيادية عابرة”، تتويجًا لرجل ناضل ولازال فاعلًا في انتقال سياسي ديمقراطي في تونس الجديدة.
حركة النهضة قاطرة التجربة التونسية
وقال السويلمي: “لعبت النهضة دور القاطرة للتجربة التونسية وتلعب اليوم هذا الدور وكل المؤشرات تؤكد أنها ستلعبه في المرحلة المقبلة، ولعلها ستكون الأُسس خلال مرحلة تفكك فيها نداء الكوكتال”تجمعي- يساري- نقابي” وتعثرت تجربة الجبهة الشعبية كواجهة رئيسية لليسار المنتظم، ودخل الاتحاد بشكل عشوائي مرتبك على الخط السياسي، ليس كجهة داعمة ولا كجهة راعية بل كجهة رهان مباشر أقرب الى سلوك الائتلاف او الحزب أو الجبهة منه إلى الفعل النقابي، وهذا سيحوله إلى خصم مباشر لكل المكون السياسي، ويحيله على النسخة القرْوية التي تتمعش من الإغاثي لإنعاش السياسي كما يتمعش الاتحاد من النقابي لإرباك السياسي.
تلك معطيات تؤكد أنّ معالجات ما بعد انتخابات 2019 ستكون أهمّ من نتائج 2019، وعليه أصبح يتحتم اعتماد مقاربات ذكية ثابتة خالية من روح المغامرة متخففة من “دعها حتى تكون”، ينسحب هذا على جميع الأحزاب والقوى السياسية، لكنه يعني النهضة قبل غيرها، نظرًا للأدوار التي لعبتها والأدوار التي يجب أن تلعبها في المستقبل القريب والمتوسط لصالح الانتقال الديمقراطي.
حركة النهضة من الحالة الحزبية إلى الحالة الوطنية
أضاف السويلمي: “ولأن النهضة انتقلت من حالة حزبية الى حالة وطنية بما قدمته من أدوار، أصبح شأنها يعني الرأي العام الوطني وليس النهضاوي فحسب، لذلك لا مناص من تقديم مقاربة “سياسوصحفية” تتعرض إلى السجال الحاصل حول ترشح زعيم الحركة الى الرئاسة من عدمه، بل ظهرت تخمينات حول إمكانية العمل على وصول الرجل الى منصب رئاسة برلمان”2019-2024″! وكأن النهضة تبحث رغم أنف المقروء عن موقع سياسي رسمي لرجل قام بأدوار أكبر بكثير من مجرد مناصب سيادية عابرة، هذا السعي الى موقَعة الغنوشي داخل المؤسسات الرسمية يطرح الكثير من الاسئلة واكثر منها تخمينات لا تخلو من بعض الهواجس، إلا إذا كانت الصورة المتوفرة للإعلام المتابع غير تلك المعطيات التي تملكها مؤسسات الحركة وتخفى على المشهد، هناك يمكن للإعلامي طرح مقاربات تمزج بين القراءة والنقد، باستعمال المعطيات المتوفرة، وكلما تبينت معطيات جديدة كلما كانت القراءة في حاجة الى التحيين.
يؤكد المشهد الظاهر للعين المجردة، ان البلاد في حاجة الى نهضة راعية متماسكة بقيادة متمرسة، وأنّ الذي سيؤثر في مستقبل التجربة التونسية هو الحزب القوي وليس المنصب القوي، وأن المغامرة نحو رئاسة منزوعة الأنياب وطريقها غير معبدة مع شارع قلق يقلّب مزاجه بنسق جنوني، مغامرة مثل هذه قد تسع شخصيات وطنية حالمة، سحْبها من سوق التوازنات إلى سوق المغامرات لا يؤثر على التجربة التونسية، كما يسع شخصيات أخرى متخففة من تداعيات الفشل، تهمها نسبة نجاح 1% ولا تزعجها نسبة فشل 99%، لكن حجم المغامرة والمنصب الشبه شرفي، لا تسع شخصية في حجم الغنوشي، شكّل الملاذ عند الانسداد وظلّ يغذي التجربة من خابية التنازلات والمقاربات، رجل قضم من جسد النهضة لصالح الدولة، تماسكت الدولة وظلت النهضة واقفة في المقدمة!!! رجل بهكذا مواصفات تحتاجه الساحة لإدارة مفارقاتها، خاصة وأنّ الكثير من القوى السياسية وبفعل الانشطارات والانفجارات التي عصفت بالمشهد السياسي، بدأت تركن إلى فكرة الرعاية، وكأنها تبجل الدور النهضاوي المرافق للتجربة دون الإعلان عن ذلك بشكل صريح لحسابات كثيرة ومعقدة، رغم ذلك هي تعلم أنّ النهضة ترعى الدولة من عبث الأحزاب الحاكمة والمتحكمة والمحكومة.
اختلافات وتجاذبات داخل حركة النهضة
يواصل الأستاذ نصر الدين السويلمي تحليله للوضع السياسي التونسي قبل أشهر من انتخابات 2019، وفي تحليل قال عنه إنه “سياسوصحفية”:
لا شك أن داخل النهضة اختلافات وتجاذبات وحالة من التباين المتحكم في جرعاته، لكن ليس الأمر كما تصوره بعض وسائل الإعلام التي تشير إلى خلافات حادة، حتى وصل الإعلام الإماراتي إلى التبشير بانهيار داخلي قريب للحركة، وإن كنا لا نعتقد أنّ قيادات محّصتها السجون والمنافي تنزل من مستوى الاختلافات المحمودة إلى الخلافات المنبوذة، فإنّ القواعد التي تحسن تهبّ حين تخيّم المخاطر، قادرة على تعديل البوصلة، ونحسب أنّ القواعد التي لفحتها سنوات الجمر جاهزة إلى سنن التنافس وحتى التجاذب، لكنها غير جاهزة إلى القيام بعمليات تخندق قاسية وربما قاسمة، تختصر مشروع التاريخ والدم والشهادة والمحنة، في مشاريع ضيقة لا تأخذ سمتها من مرجعية الرسالة المحمدية الخالدة. لا نحسب أنّ القواعد قبل القيادة ستنزل إلى مستوى التنازع الوطدي العمالي، لأنّ ذلك ببساطة لا يتجانس وتاريخ الدم والألم، ومن ثمّ أصبح على النهضة الجنوح إلى معالجات نهضاوية وتجنب المعالجات الوطدية، فالفروق بين القوّاد والضحية أوسع بكثير من الفروق بين الجلاد والضحية، لذلك وعلى الأرجح أنّ أيّ معالجات لا تستحضر رقائق الجماعة وتضحيات الاتجاه وصبر النهضة، ستنتهي متسكعة على موائد موزاييك وشمس والحوار التونسي، يترقب هذا وذاك دوره في قاعة الانتظار، حتى ينتهي المذيع مع الرحوي أو طوبال، فيدخل هو..أو هو.. الأستوديو ثم يشرع في سرد الوقائع، لا أحد يتوقع أن تهوي الرجال من مواسم الشهادة ووقائع الزنزانة إلى عرائس يراقصها بوبكر بن عكاشة وتلثمها مايا القصوري.
تونس تحتاج نهضة قوية متماسكة باجتهادات متنوعة
تحتاج تونس اليوم وخاصة ما بعد الانتخابات القادمة إلى نهضة قوية متماسكة باجتهادات متنوعة وليس بشقوق متعددة، نهضة ترتقي مؤسساتها إلى مستوى تضحيات مناضليها، نهضة تحترم قواعدها ذات التضحيات الشامخة الضاربة، ولا تعاملها كالقطيع، هذه غنم فلان وتلك ماعز فلتان! وتحتاج النهضة إلى دمج النواة الصلبة في مركز القرار وترحيل الشخصيات المرنة إلى مؤسسات الدولة “وزراء.. كتاب دولة.. ولاّة..”.
تحتاج حركة النهضة الى استدعاء النضال ليقوم على أشغال النضال، وأيّ نضال أكبر من معارك تمْسيك الصفوف وردم الهوة وتفويت الفرصة على قوى إقليمية وقفت حائرة عاجزة أمام صلابة التجربة التونسية، رغم ما توفر لها من مواد سامة تمت تونستها قديمًا.
تلك نهضة تحتاجها تونس
تحتاج حركة النهضة فيما تحتاج إلى شخصية مثل الغنوشي بعد أن استثمرت فيه دم قلبها، استثمرت فيه سنوات الجماعة وسنوات الاتجاه وسنوات النهضة، سنوات المحنة والمنحة حتى استوى وارتقت حواسه السياسية إلى مستوى التحدّي، يمكن لقوى سياسية عاقلة أن تقوم بفرملة جوادها حين يتصدر و يدخل المنعرج، فقط لأنّ التراتيب الداخلية لا تسمح له بمواصلة الانتصار!
نحسب أنّ الأخبار التي بدأت تنتشر تباعًا عن خلافات نهضوية مزعومة، ليست إلّا محاولة لضرب تماسك الحزب الأكبر في البلاد، والدليل أنّ الإعلام الإماراتي دخل على الخط وتولى التسويق لمثل هذه الإشاعات.. تعلم النهضة أنّ كل الأحزاب التي اختارت مقاربات الأبيض والأسود انتهت على قارعة الفشل تعاقر الخيبة، وأنّ المستقبل لثقافة التنسيب والحوارات الطويلة التي يفنى أصحابها ولا تفنى، تملك النهضة تخمة من القادة، تفانوا في تغليب مصلحة الحركة على مصالحهم الخاصة، والأرجح أنّ ذخيرتهم الأخلاقية ستسمح لهم بالتوسع في ثقافة الإيثار، إذْ لابد من حوارات قوية تحسّن هندام النهضة وتحصّنها من الداخل وتجهزها لشتاء مقبل يبدو أنّ صقيعه لا يصمد أمامه إلا أولي العزم.. نهضة مأمولة تراعي قيمة الشهداء وتراعي قيمة الزعماء وتراعي قيمة الأتقياء، وتعتمد على الشراكة المرهقة بدل القطيعة المريحة، تلك نهضة تحتاجها تونس، تحتاجها المنطقة، تحتاجها الثورات المنكوبة لتجدد على وقع نجاحاتها أمل العودة من بعيد.