تناول الأستاذ مصباح شنيب، في خاطرته هذه، موضوعًا شغل باب أهالي تطاوين، والولايات المحاذية للصحراء أو الولايات الصحراوية، مثل قبلّي ومدنين، ويتمثل في الصحراء الخاضعة لسيطرة الجيش التونسي منذ رحيل المستعمر الفرنسي.
ويجد الفلاحون صعوبة، أو “شيئًا من التعطيل” عندما يقرّرون التحوّل إلى أراضيهم في الصحراء التونسية، وخاصة لرعي أغنامهم، فلا يمكنهم ذلك إلا بعد الحصول على ترخيص من السلطات في تلك الجهة.
الأستاذ مصباح شنيب يدعو السلطات التونسية إلى رفع الحواجز عن الصحراء، ويقول: “ارفعوا الحواجز عن الصحراء فكثير علينا أن نظلم مرتـين”.
ولاية تطاوين والصحراء التونسية
يُقال دائمًا، إنّ تطـاوين تمسح ربع مساحة الجمهورية، وهو قولٌ لايقف على قدميه بل هو مفرغٌ من معناه أصلًا -وإنْ تباهى به البعض واعتبره ذريعةً لاهتمام الحكومة بالجهة وإعمارها- لأنّ الحكومات المتتالية بناءً على المنجز في التنمية، لا ترى في تطـاوين أكثر من زائـدة دوديـة في جغرافية تونس.
هذه المساحة المتباهى بها تقضم الصحراء جلهـا، والصحراء أمّمها أوكاد مرسوم الحماية الفرنسية منذ 1895، ولم تتحرّر من قيده إلى يوم الناس هذا.
هذه الصحراء الخاضعة لسلطة الجيش التونسي منذ رحيل المستعمر، لايمكن النفاذ إليها إلّا بعد الحصول على جوازٍ خاصٍّ يسلّم إلى المعنيّ بالأمر بعد إجـراء بحث أمني، بما يعني أنّ متساكني تطاوين محرّمٌ عليهم أن يمدّوا أيديهم أو حتى أطراف أصابعهم إلى هذه الصحراء المحسوبة جزءًا من تراب الولايـة الغرّاء إلا أن يكونوا رعاة أو غاسلي صحون في مطابخ حضائر النفط الموشك على النفاد.
الصحراء التونسية والثروات المحجوبة
قد تكون هنـاك حـاجة إلى تلك التدابير الأمنية التي يمنع على العامة من أشباهنا الخوض فيها، غير أنّ هذه العامة، لم يتناه إلى سمعها يومًا أنّ حادثًا أمنيًا قد هزّ هذه الصحراء المليئة بالرمال وبما تحت الرمال.
لكن ما نعرفه أنّ تمديد الحظر على الصحراء حجب عنا ثرواتٍ استفاد منها غيرنا ريعًا وشغلًا وحدائق غُلبًا وفاكهةً… فهنيئًا لإخواننا في “الوطن” والملّة بما كسبت أيديهم.
مصالح فرنسا ومصالح تونس
لم نفهم طوال هذه السنوات كيف تلاقت مصالح فرنسا الأمنية ومصالح تونس المستقلة وأحسب أنّ عيوننا ستقرّ وأنّ قلوبنا ستسعد لوتفضّل مسؤول بتفسير سرّ هذه العسكرة في زمن الاستقلال، بل زمن الثورة على سياسات زمن الاستقلال.
يا أيها الذين عسكروا صحراءنا قد حرمتمونا من استغلالها في مآرب عديدة، ومن استغلال مائها الغزير في زمن العطش، ومن توظيف فراغها الموحش وكثبانها في سياحة المغامرة.
صحراء تونس وأمراء الخليج
ماذا تركتم لنا بعد قنص غزلانها وفتحها لأمراء الخليج لاصطياد حبـارها… ضيوف كثر تمكنهم الحكومات السابقة من فتنة الصحراء ومن عذرية الطبيعة فيمتصون رحيقها ويرحلون ويأبون اليوم أن يمدّوا لنا يد المساعدة.
ارفعوا الحواجز عن الصحراء فكثير علينا أن نظلم مرتـين
اطمئـنوا، لن نطالب بانفصال الصحراء مهما تضاعف التهميش وتتالت المراسيم المكرسة له.
ثقوا بأنّنا سنقاتلكم لو حدثتكم أنفسكم يومًا بالانفصال عنّا.
حرّروا أنفسكم من هذه التُرّهات وطهّروا خطابكم من هذه الأوهام.
لو حدثتكم عن “ثورة الودارنة” خلال العشريتين الأولييْن من القرن العشرين، لعرفتم أنّ الصحراء وتطاوين بالذات هي التي دفعت الثمن الأغلى، ولم تتاجر يومًا بدماء شهدائها، ولم تجعل منها قميص عثمان في معركة بناء تونس الحديثة.
أفرجوا عن الصحراء يرحمكم اللــــه.