نشر موقع “لوب لوج” الأمريكي، مقالا للخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، هيلينا كوبان، تحدثت فيه عن تراجع نبرة التصعيد ضد إيران خلال الأسابيع الأخيرة، لافتةً إلى أنّ المواجهة التي استعدّ لها العالم بعد تحشيد أمريكي في منطقة الخليج، لم تندلع.
وقالت الخبيرة البارزة في مركز “إنترناشيونال بوليسي” إنّ: “كلاب الحرب لم تعد تنبح في منطقة الخليج والشرق الأوسط”، مشيرةً إلى أنّ “المواجهة التي استعدّ لها العالم عقب تشديد الإدارة الأمريكية للعقوبات ضد إيران ونشر حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام لنكولن، وكذلك العديد من الوحدات العسكرية الأخرى في قبالة الخليج، لم تندلع”.
وقام قسم الترجمة بصحيفة “الاستقلال” بترجمة التقرير الأمريكي إلى اللغة العربية ونشره.
احتمال التصعيد قائم
ولفتت إلى أنه “لا يزال هناك احتمال جاد للتصعيد السريع، وربما بشكل كارثي، في الخليج من خلال سوء التقدير أو الأعمال الخبيثة التي يقوم بها المحرضون”.
وأضافت الكاتبة: “لكن باستثناء هذه السيناريوهات يبدو أن احتمالات نشوب نزاع كبير بين الولايات المتحدة وإيران في صيف 2019، والتي كان يخشاها الكثير منا منذ 6 أسابيع، قد تبددت الآن”.
وأردفت: “في بعض الأحيان، كما علمنا شرلوك هولمز، يمكنك أن تتعلم الكثير من استكشاف قصة الكلاب التي لم تنبح في الليل. وينطبق الشيء نفسه على كلاب الحرب في الخليج اليوم”.
وزادت تقول: “اعتمد مشروع (أقصى ضغط) الذي تبناه ترامب ضد إيران على تطبيق رافعتين أساسيين: الأولى الخنق السريع لاقتصاد البلاد من خلال العقوبات بما قد يؤدي إلى انفجار جراء السخط الإيراني الشعبي الذي من شأنه أن يضغط على قادة البلاد إما لتلبية مطالب واشنطن أو الإطاحة بهم. الثانية هي التهديد بضربات عسكرية منهكة على نطاق واسع، تقوم بها الولايات المتحدة إما وحدها أو بالاشتراك مع الحلفاء”.
ولفتت كوبان إلى أن نجاح كلتا الرافعتين يعتمد دعم نشط من الأطراف الأخرى، مضيفة: “نجاح العقوبات كان بحاجة إلى إقناع جميع الحكومات الأخرى. كما احتاج إلى كتلة حرجة من الشعب الإيراني تلقي باللوم في الاختناق الناجم عن العقوبات على الحكام في طهران، وليس على واشنطن”.
واستطردت: “أما نجاح التهديد العسكري فكان يقتضي انخراط أكبر عدد ممكن من الجيوش الأخرى، حتى يكون ذا مصداقية تؤكد بأن الأضرار التي تهدد إيران ستكون هائلة وغير مقبولة لحكام إيران وشعبها، وأن يكون أي ضرر مضاد تتكبده الولايات المتحدة وحلفاؤها أقل بكثير من الحد المقبول”.
العقوبات ليست مجدية
وبخصوص العقوبات المشددة، رأت الكاتبة، أن ترامب كان قادرا على استخدام هيمنة واشنطن على نظام المدفوعات الدولي، لتقييد أو إجبار شرائح واسعة من المجتمع الدولي على الامتثال لجولة جديدة من العقوبات ضد إيران”.
وتابعت: “لكن العقوبات المشددة لم تترك تأثيرا في السياسة الداخلية لإيران. هذا ليس مفاجأة لأي شخص درس آثار تعزيز النظام من العقوبات المشددة في العديد من السياقات السابقة”.
وبحسب الخبيرة، فإن “التهديد بتوجيه ضربات عسكرية ضخمة ضد إيران كان بمثابة الوهم، فبعد 4 أيام من إسقاط الإيرانيين طائرة ريبر هوك الأمريكية بدون طيار التي كانت قد دخلت مجالهم الجوي بشكل شبه مؤكد في 20 يونيو/حزيران الماضي، أمر ترامب بشن هجوم انتقامي على بعض مواقع الرادار والصواريخ الإيرانية – لكنه تراجع عن الأمر قبل فترة وجيزة من شن الضربات”.
ونوهت إلى أن “القصة الكاملة لهذا التراجع لم تحك بعد. زعم ترامب أنه فعل ذلك لأنه علم أن الغارة يمكن أن تقتل ما يصل إلى 150 إيرانيا، وهو ما اعتبره أمرا غير متناسب. ومن المحتمل أيضا أن يكون القادة العسكريون الأمريكيون، المكلفون بتنفيذ أمر الضربة، قد أبلغوا الرئيس بأن قتل ذلك العدد من أفراد الجيش الإيراني سيثير بشكل مؤكد رد فعل إيراني مضاد”.
وواصلت الكاتبة حديثها بالقول: “في الأسابيع الأولى من حملة أقصى ضغط التي قام بها ترامب ضد إيران – ومنذ أن اتخذ الخطوة المذهلة بإخراج الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة سداسية الأطراف مع إيران، في مايو/أيار 2018 – استمع هو وصديقاه مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، إلى دعم وتشجيع قويين من 3 دول في الشرق الأوسط: إسرائيل والسعودية والإمارات”.
وأردفت: “لكن مع تقدم حملة أقصى ضغط خلال أواخر يونيو/حزيران ويوليو/تموز، بدأت الدولتان الأخيرتان في الابتعاد عن موقف المواجهة القوي الذي حافظتا عليه سابقا تجاه إيران. وحتى رئيس الوزراء المتشدد في إسرائيل، بنيامين نتنياهو، تراجع بشكل كبير عن تحريضه السابق على تصعيد أمريكي أكبر ضد طهران”.
إحجام إماراتي عن إيران
وأضافت الباحثة: “من بين دول الشرق الأوسط الثلاث التي كان ترامب وبومبيو يأملان في اضطلاعها بأدوار بارزة في التحالف المناهض لإيران، كان إحجام الإمارات العربية المتحدة عن المضي قدما، بالنسبة للكثيرين، الأكثر إثارة للدهشة”.
ولفتت إلى أن “محمد بن زايد، الزعيم الفعلي في الإمارات، كان معارضا رئيسيا لمفاوضات 5+1 مع إيران، ومحرضا رئيسيا لجميع التحركات التي قام بها ترامب وفريقه لمواجهة (أو الإطاحة) بالحكام في طهران”.
وابقى بن زايد، بحسب الكاتبة، على العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين في كشوف الرواتب. كان لديه منذ فترة طويلة اتصالات شبه سرية مع العديد من الوكالات الإسرائيلية، وفي عام 2015، ساعد أيضا، وفقا لروايات عدة من المنطقة، على تمهيد الطريق إلى السلطة الذي سلكه نظيره السعودي الأصغر والأكثر شهرة محمد بن سلمان.
وأشارت إلى أن “أحد المشاريع الأولى التي قام بها الرجلان معا في مارس/آذار 2015 عندما كان بن سلمان لا يزال وزير الدفاع السعودي فقط وليس ولي العهد، كان الهجوم على نطاق واسع ضد الحوثيين في اليمن”.
ومضت الكاتبة تقول: “بشكل ملحوظ، كانت واحدة من أكبر منغصات الأميرين في مواجهة الحوثيين هي تحالفهم المزعوم مع إيران. أخذ بن سلمان زمام المبادرة في تلك العملية، معلنا أنه يتوقع النصر في 3 أسابيع. بعد أربع سنوات ونصف، وبعد الحرب التي أسفرت عن مقتل 90 ألفا من اليمنيين ونشر الكوليرا والمجاعة والدمار في جميع أنحاء البلاد، لا يزال الحوثيون في السلطة بالعاصمة صنعاء”.
الخلاف بين الحليفين
وبحسب قولها، فإن الحرب في اليمن تسببت بأكبر خلاف بين بن سلمان وبن زايد حتى الآن. في الأسابيع الأخيرة، أعلنت دولة الإمارات سحب قواتها من مناطق واسعة من جنوب اليمن، وبعد أن انسحب معظمها، دخل وكلاؤهم في معارك عديدة جنوب اليمن مع مقاتلي حركة الإصلاح المدعومة من السعودية”.
وأردفت الكاتبة: “في هذه الأثناء، في الأسابيع القليلة الماضية، تراجع الأمراء عن تصريحاتهم العلنية السابقة بالاستعداد لمحاربة إيران”.
واستطردت: “إذا كانت هناك مواجهة عسكرية أمريكية-إيرانية كبيرة في الخليج، فسيواجه العالم بأسره العديد من أوجه عدم اليقين الإستراتيجية المأساوية، خاصة أن لدى إيران شبكة من الحلفاء في جميع أنحاء المنطقة، وسيكون لديهم دافع كبير لاتخاذ إجراءات بالتنسيق معها. ولا يشمل ذلك الحوثيين فحسب (وهم قادرون على إطلاق الصواريخ على العديد من المدن وخطوط الأنابيب السعودية)، بل هناك أيضا المليشيات العديدة الموالية لإيران في العراق (الذي لا يزال يستضيف بعض القوات العسكرية الأمريكية)، والحكومة السورية (رغم أنه ليس لديها القدرة على التصرف)، وحزب الله، في مواجهة إسرائيل”.
وتابعت “كوبان” بالقول: “أشار حسن نصر الله، زعيم حزب الله، إلى بيت القصيد بقوة، عندما سأل في مقابلة أجراها في منتصف يوليو/تموز الماضي: ما الذي سيبقى من الأبراج الزجاجية في الإمارات إذا اندلعت الحرب؟”
تهديد نصر الله
ونوهت إلى أن تهديد نصر الله المبطن كان ذا مصداقية كبيرة، مضيفة “في عام 2006، عندما شنت إسرائيل هجوما حارقا على لبنان في محاولة لتدمير حزب الله، أطلق هو وقادته العسكريون بعض صواريخهم على مدن في شمال إسرائيل. بعد 33 يوما من القتال العنيف، أجبر الإسرائيليون على انسحاب مهين. منذ ذلك الحين، كان حزب الله وإسرائيل موجودين جنبا إلى جنب في حالة من الردع المتبادل للغاية”.
ومضت تقول: “في منطقة الخليج، تعد الصواريخ التي يمكن لإيران أن تصوبها إلى أبراج زجاجية أو أهداف أخرى في الإمارات أو السعودية أو البحرين أو أكثر تطوراً بكثير من تلك التي يمكن أن يصوبها حزب الله على إسرائيل”.
وأوضحت: “أثبت التحالف الغامض بين السعودية وإسرائيل والإمارات والذي أشاد به ترامب باعتباره وجودا جديدا قويا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، أنه لم يعد مستعدا لشن حرب ضد إيران بأكثر من استعداده لصنع السلام لفلسطين”.
واختتمت الكاتبة مقالها بالقول: “قد يكون هناك حريق عسكري في الخليج، رغم أن فرص ذلك تتضاءل كل يوم. ولكن سواء حدث أم لا، فإن الطريقة القبيحة والبلطجة التي تعامل بها الرئيس ترامب ومستشاروه الرئيسيون في المنطقة ألحقت أضرارا جسيمة بالكثير من الإيرانيين واليمنيين، كما أضعفت دور واشنطن في النظام الدولي بشكل كبير”.