اعتبر جميع المحللين السياسيين في تونس وخارجها أنّ ترشح أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها مفاجأة، وزلزالًا سياسيًا في تونس.
ولم يختلفوا عن ترشح نبيل القروي، رجل الأعمال الذي يقبع في السجن بسبب تببيض الأموال والتهرب من الضرائب، بالرغم من وجود رئيس الحكومة الحالي، ورئيسي حكومة سابقيْن، ورئيس دولة سابق، ووزراء سابقين، ونائب رئيس البرلمان الحالي.
وإذا كان نبيل القروي يعتبر معروفًا باعتباره يظهر دائما في قناته التلفزيونية الخاصة، فقد تساءل الجميع في الداخل والخارج عن الأستاذ قيس سعيّد، من يكون؟.
ودوّن المحلل السياسي نصر الدين السويلمي تدوينة في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “قيسبوك” تحت عنوان “قيس سعيذ كما ولدته أمه..”، تعرض فيها لجوانب من آراء وأفكار الأسياذ فيس سعيّد، الرئيس التونسي المنتظر.
قيس سعيد كما ولدته أمه..
وُلد قيس سعيد في تونس وترعرع فيها ودرس فيها ومارس نشاطه السياسي بعد الثورة فيها، رجل يميل إلى الصمت، ولديه رغبة في إحداث نقلة نوعية في النمط السياسي السائد.
لم يستعمل المال السياسي مثل منافسه ولم يخادع الناس بالمؤونة ولا بمنابر إعلامية محتكرة. نجح في التحشيد دون استعمال وسائل مخلة بالأخلاق ولا جارحة للوطنية.
من ساندوا قيس، لم يأتوا من المريخ ولا هم خرجوا كالأجداث من تحت الأرض، هي قواعد وأنصار تجمعوا بعيدًا عن الإعلام الذي تحتكره طائفة معينة تستدعي أولياءها للتبييض وتستهدف أولياء الثورة بالتسويد.
هذه القواعد لم تتأثر ببرنامج قيس سعيد المفصّل بعد أن فحصته وتفاعلت معه وغربلته وأسهمت في ترقيته ثم تبنته وعلى شرطه انتخبت صاحبه! لا أبدا، إنما جاء الالتفاف حول قيس سعيد كجولة أخرى من البحث المضني الذي انطلق سنة 2011، ويتواصل إلى اليوم.
فشلٌ تبعه بحث عن البديل السياسي
ذلك هو المجتمع الذي قدم السلطة للنهضة والترويكا من أجل نقل تونس من نار بن علي إلى جنة الثورة. لم يحدث ذلك فكانت الخيبة وكان العقاب في أقصى وأقسى درجاته “التجمع من جديد وعليّ وعلى أعدائي”، فشل التجمع في تقديم الحلول وتفككت تمثيليته الكبرى.. إذا إلى البحث من جديد..
واصل الشارع بحثه لكنه بدا يعقلن خياراته، قدم بعضه إشارة بليغة حين ذهب رأسًا إلى تقديم رسالة مباشرة، قام بتصويرها ونقل حيثياتها عبر قناة نسمة، قدم له نبيل القروي المؤونة.
قدمت له شريحة واسعة الأصوات “خذ، هات” ولأنّ أخلاق نبيل وتاريخه ومواقفه لا يمكن أن ترتقي به إلى أبسط وظائف الدولة فقد واصلت طبقة الوعي في حدوده الدنيا إلى القصوى.
واصلت البحث عن البديل السياسي ولم تجنح كالأخرى إلى الكاميكاز الغذائي.. وحين داهمتها الانتخابات، كان رأيها قد استقر على تجريب ورقة قيس سعيد.
قيس سعيّد واختراق على جبهة التحشيد
وصل قيس سعيد إلى الدور الثاني بنشطاء من تونس ورموز من تونس خوّل لهم الدستور ممارسة النشاط السياسي الحر، ولا عيب في المجموعات التي أشرفت على تأهيله بل يبدو أنهم خرجوا عن المألوف الدعائي وصنعوا اختراقًا على جبهة التحشيد، ثم أنه كل الترحيب بأفكار رضا لينين إذا كانت متناغمة مع وطنية ويسارية العياشي الهمام.. وإن كان بخلاف ذلك فعليه عرض بضاعته وللشعب حرية القبول من عدمه.
لا تعوز قيس الأخلاق ولا تعوزه الوطنية ولا الصدق، وفرحنا بانتصاره على السيستام لأننا ندرك أنه سيقف على ثغرة قرطاج ولن تؤتى الثورة من جانبه، لكننا ندرك أن الصلاحيات المحدودة للرئيس ستنفع قيس أكثر مما تضرّه، لأن السياسة لا تكتفي بمؤونة الأخلاق بل تحتاج إلى الواقعية التي يفتقدها قيس، فالرجل يطرح توجهات لا يمكن بحال القفز بها للسلطة والشروع في تنزيلها، تلك طروحات تحتاج إلى تداولها من بعيد وعبر ورشات وعلى عمق عقود، هناك تطرح وتنزل وتمخّض وتخصّب وتنقى وتجرح وتعدل، ثم تأخذ وقتها في التطور نحو البزوغ أو نحو الأفول، تلك طبيعة البدائل الكبرى،وأنه لمن التهور أن نستعمل المنصات السياسية الخفيفة العابرة للمباغتة بالفكري الثقيل المثير، أضف إلى ذلك أنّ قيس يسفّه كل المنجز ويحتقر التجربة ويقدم طرحه الشخصي كبديل لكل ذلك الزخم الذي شهدته تونس منذ الخمسينات إلى اليوم، بل كبديل لما شهدته العلوم السياسية والنمط السائد في العالم، ثم هو يطرح ذلك فوق أرضية هشة، تريد التخلص من كابوس الاستقرار السياسي لتشرع في فتح حقول ألغام الاجتماعي.
قيس سعيّد والطرح المجنّح الفرديّ
لا نتعامل بجدية مع طرح قيس سعيد المجنح الفردي الذي يزدري المحصول السياسي الإنساني وليس محصول التجربة التونسية فحسب، لكننا نركن إلى انضباطه الدستوري القانوني، وعلى يقين بأنه حين تصدّه طبيعة نظام الحكم على الشروع في عملية نسف واسعة وعميقة يريدها، لن يلتجئ إلى التلاعب والالتفاف والتطويع والاختراق، نحسب أنّ أخلاق الرجل تحول بينه وذلك، لكنه قد يقتنع بضرورة التراجع التكتيكي وتبنّي بفكرة الأحزاب ولو مرحليًا، ومن ثم الاضطرار إلى تأسيس حزب قد يشكل كاسحته الدستورية نحو أفكاره النرجسية اللذيذة والمجنحة والموصولة بعالم الغيب السياسي المقطوعة عن عالم الشهادة السياسي.
تحتاج الثورة قيس سعيد ليقف على ثغرة قرطاج حين تكون في حالة حرب تتلمس بين الهدنة والهدنة بعض القوت لتنجر، كما احتاجت للبوعزيزي ليشعل ويرحل، والشهداء لتعبيد الطريق وكما احتاجت إلى شباب الثورة ليحرس والترويكا لتثبت القطار على سكته.. ثورة أكبر من الاشخاص والهيئات والأحزاب، من غرس فيها لبنة فقد حاز الشرف الوطني.. الكلّ يساهم في وضع لبنة فلبنتين فلبنات.. أما مشروع الانتقال الضخم فليس له غير الشعب، كل الشعب.