شاهد التونسيون، كما العرب في كل مكان، على القنوات التلفزيونية، الليلة البارحة، مناظرة تعقد لأول مرة في الدول العربية والإفريقية، بين المترشّحيْن للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، بين كل من الأستاذ قيس سعيّد، ونبيل القروي.
في هذه المناظرة الرئاسية، تمكن الأستاذ قيس سعيّد أو “قاضي البصرة” من سحق نبيل القروي أو “الجنتلمان”.
وتعدّدت التعليقات على ما حصل خلال المناظرة التلفزيونية، التي أظهرت الفارق الكبير بين أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، والمترشح الثاني نبيل القروي، على مستوى طرح الأفكار والقدرة على التواصل.
ودوّن الأستاذ مصباح شنيب في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تحت عنوان “المناظرة”، جاء فيها:
أول مناظرة رئاسية في بلاد العرب
بدءًا ينبغي علينا نحن معشر التونسيين أن نشعر بالفخر لمجرد عقد أول مناظرة في بلاد العرب بين مترشحين للرئاسة، وهذا يعزز ريادتنا في أكثر من مجال على مستوى الإقليم العربي والإفريقي.
على مستوى الشكل، نحن لا نختلف في شيء عن أعتى الديمقراطيات رغم حداثة عهدنا بالديمقراطية نظامًا سياسيًا لم يكتشف العقل البشري إلى الآن أفضل منه.
في الأصل، لا بدّ من التوقف إزاء بعض التفاصيل في علاقة بالمترشحين ومسار الحوار بينهما.
المناظرة الرئاسية والمستوى الفيزيائي
من الوجهة الفيزيائية، لاح قيس سعيّد رصينًا، وقورًا، شامخًا إلى حدّ الإفراط في ذلك، فهو أشبه ما يكون بقاضي البصرة كما وصفه العبقري الجاحظ، أي بعبارة أخرى لم يغادر سمته الجامعية وهيبته العلمية.
أما نبيل القروي فكان أشبه بالجنتلمان، مجسمًا لحضور مستوفى من حيث المظهر العام، تعززه حيوية حركية، بما يعني تنفيذه لوصايا الاتّصاليين.
وفي الحقيقة هذه الملاحظات الشكلية ليست حاسمة في فصل المقال بين الرجلين فقديما قيل “تكلم حتى أراك”، وهنا يحصل الفارق.
قيس سعيّد السّيل الهادر
على صعيد التدفق اللغوي، يبدو قيس سعيّد كالسيل الهادر بلغته العربية السكولانية ” Scolastique ” ونبرته العالية التي تذكرنا بمشاهير المذيعين في إذاعة BBC مثل ماجد سرحان وجميل عازر وغيرهم .. وقيس سعيّد في كل ذلك لم يبرح كرسي الأستاذ.
أما نبيل القروي فلاذ بالدراجة التونسية، وللدارجة بلاغتها، لكنه لم يكن له منها نصيب، فأضاع كثيرًا من وقته باحثًا عن مألوف القول فهربت المعاني وعجز عن القبض على الكثير منها.
وبما أنه لا وجود لفكر خارج اللغة، فقد اختفت أفكار كثيرة كان يودّ إبلاغها فخانه لسانه.
مضمون المناظرة الرئاسية
في المضمون، تبدو رؤية القروي شديدة الصلة بالحداثة، لكنه لم يتوفق إلى تقديمها للنظارة بشكل منسجم، بينما توفق قيس سعيد -رغم الهدر اللغوي- إلى بلورة مفاهيم عديدة واختار دائمًا مداخل قانونية لتعزيز رؤيته للمسائل المطروحة.
وأعتقد أنّ قيس سعيّد بطرحه لرؤاه غير النمطية لم يتوفق إلى فكّ الغموض الذي يكتنفها. ولعل ذلك عائد إلى ضيق الوقت .. وهو مطالب بتفسيرها للتونسيين لأنّ الكثير منهم لم يفهموا إلى الآن كيف سيتم تطبيقها في الواقع.
بدا لي قيس سعيد مترفّعًا عن منافسه فهو لم يوجّه إليه أسئلة، ولم يتفاعل معه، ولم يكن حتى ينظر إليه.
مفارقة أخرى لا بدّ من التوقف عندها، ولعلها هي التي قضت بأن تكون المناظرة كما كانت، فالرجلان كلاهما لا يعرف عنهما اشتغالهما بالسياسة عدا ما قام به القروي من إسهام في إيصال المرحوم الباجي إلى سدّة السلطة.
ويصعب أن نبحث عن نقاط تشابه بين الرجلين، فنبيل تاجرٌ ومضاربٌ وقنّاصُ فرص، بينما سعيّد أستاذ جامعي لم يبرح نشاطه الحرم الجامعي.
وهذا ما يفسر بلاغة المدرس واعتماده على حكاية الأمثال التي ختم بها المناظرة موجهًا لطمة عنيفة إلى منافسه. فالعصفور الطليق لن يعود إلى القفص، وقد ذاق طعم الحرية، وكذا الشعب لن يمدّ يديه إلى القيد بعد أن ظفر بالحرية، ولن يلتفت إلى فتات ما يوزّعه القروي عليه من حبّات المقرونة.
المعركة الرئاسية غير محسومة
المحامي عبد الواحد اليحياوي، أكد أنه “لئن تبدو الطريق مفتوحةً في الدور الثاني أمام قيس سعيد إلا أنّ الحذر يفرض نفسه، فالقروي يظلّ قادرًا على إحداث المفاجآت بسبب إمكانياته الاتصالية والمادية وإمكانية نزول النظام القديم بأمواله وشعبه وعسسه إلى الميدان لترجيج كفته..
غالبية مساندية لن يهتموا بعقده مع العميل الصهيوني لأنّ ذلك يعتبر بالنسبة إليهم ترفًا سياسيًا .. والبعض الآخر سيصوتون له ضد المحيطين ومساندي قيس سعيد الذين يعتقدون أنهم يهددون مصالحهم ونمط حياتهم..
بالنسبة للمتردّدين، المناظرة التلفزية ستكون حاسمة والقروي قد يكسبها بسبب معارفه الاتصالية وقدرته على اللعب على غرائز الناس بعكس قيس سعيد المباشر وذي الخطاب الأكاديمي البارد..
إذن لا يجب الاستهانة بالمعركة بعد أن كسّر القروي حاجز الوجود في السجن.. وبعض فريق حملته سيصوّرون خروجه منه انتصارًا وبطولةً..
اليقظة والتحشيد ليوم الانتخاب كمعركة حاسمة ضد القديم، الطريق الوحيدة لتحقيق الانتصار..