Site icon Barcha News

في يومها العالمي: إذلال اللغة العربية يتسبّب في تخلّف اقتصادنا ‏

اليوم العالمي للغة العربية

اليوم 18 ديسمبر 2019 هو اليوم العالمي للغة العربية، وبهذه المناسبة فقد كتب الدكتور أحمد بوعزي، مقالًا نشره في 2016، رأينا أن نعيد نشره اليوم لأهميته، وقد اختار له العنوان التالي “إذلال اللغة العربية يتسبّب في تخلف اقتصادنا”.

ورغم مرور ثلاث سنوات على هذا المقال فإنّ الحال هو الحال، والوضع في تونس لم يتغير، فاللغة العربية كما هي، والاقتصاد التونسي يعاني من أزمة هيكلية مستمرة.

وهذا هو مقال الدكتور أحمد بوعزي:

تونس تستورد منظومة تعليمية فرنسية

 

منظومات التعليم من الابتدائي إلى العالي في أي بلد يريد المحافظة على استقلاله عادة ما تكون نتاجا للتحولات المبنية باستمرارية تأخذ بعين الاعتبار التطورات الثقافية والسياسية والتقنية والعلمية العالمية وتكون مكيّفة مع خاصياتنا لأحسن المنظومات التي يمكننا الاطلاع عليها.
لكن مع الأسف نحن في تونس اخترنا أن نستورد منظومة التعليم الفرنسية جاهزة دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخنا بل وقطعنا معه سواء أبان الحماية الفرنسية وحتى بعد الاستقلال.
ونتج عن هذه الضربة التي تلقّتها منظومتنا التعليمية أن الأجيال الجديدة فقدت ذاكرة التاريخ واعتقدت أن جنسية المعرفة فرنسية ولا يمكن استيعابها إلا باللغة الفرنسية.

التجديد واللغة الوطنية

ونتج عن هذا الاختيار أن أغلب رؤساء المؤسسات الاقتصادية – وهم نتاج المنظومة التربوية التونسية – غير قادرين على تخيّل أي إبداع محلّي يمكن استغلاله لإنتاج محلّي.
فهم لا يختارون إلا التجارة أو تركيب قطع غيار مصمّمة خارج البلاد ومستوردة دون أيّ قيمة مضافة محلية عدا اليد العاملة.
من بين مجمل المسائل المتعلقة بالاستقلال الاقتصادي هناك قاعدة تجريبية: لا يوجد لحد الآن بلد استطاع السيطرة على التكنولوجيا العالمية وأصبح قادرا على التصميم والتجديد دون أن يسيطر قبل ذلك على المفردات التقنية في لغته الوطنية لغة ثقافته وتعليمه. وبلادنا مثال لهذه القاعدة.
الدكتور أحمد بوعزي
في تونس يتلقّى التقنيون والعمال تكوينهم باللغة الفرنسية من طرف مدرّبين لا يتقنون الفرنسية بطلاقة مثل أن يقولوا« di choses » وعلى المتلقي معرفة ما يقصد به المكوّن هل يقصد شيئين أم عشرة أشياء أم أشياء بشكل عام.
جراء هذه الحالة تطوّرت عقلية «حسب التقريب» لدى الأجيال الصاعدة وهي عقلية لا يمكن معها تطوير التكنولوجيا ولا تسمح حتى بإنجاز المهام التقنية البسيطة. وهذا دون الحديث عن عدم استيعاب الفكر العلمي الناتج عن «حسب التقريب» اللغوي للمدرّسين والتلاميذ عند دراسة الرياضيات في المعاهد الثانوية باللغة الفرنسية.

استيعاب الفكر العلمي

إن بيداغوجيا الرياضيات تعتمد من جملة ما تعتمد على استعمال مجموعة من الصور تحملها اللغة المستعملة في التدريس لتقريب مفاهيم تجريدية تماما للمتلقّي.
وهذه الصور هي صالحة في البداية لعرض المفاهيم الجديدة (المجهولة) ولوضع مشهد حدسي.
هل يمكن لعاقل أن يصدّق أن أستاذا تونسيا سيلعب دوره البيداغوجي بنجاح وهو غير متمكّن من الفرنسية بطلاقة كلغة ثقافة يُجبر على استعمالها أمام تلاميذ أبناء وطنه غير متمكّنين منها عوض استعمال العربية.
ويجب أن لا نغترّ بنتائج الطلبة في الامتحانات كمؤشّر على مستواهم الحقيقي، فرغم اعتمادهم على قاعدة معلوماتية غير مسيطر عليها حصلوا عليها في الفصل يتمكّن التلامذة التونسيون من إعطاء الإجابة الصحيحة في الامتحان دون أن يكونوا فهموا أسس المسألة لأنهم تعلّموا حيلة الحصول على العلامة الجيّدة في الدروس الخصوصية وحفظوا عن ظهر قلب «سيمصلابيم» وهو التعبير المطلوب للإجابة الصحيحة، دون التمكّن من المفاهيم. والنتيجة ظاهرة بالعين المجرّدة سواء في التعليم العالي أو في ميدان العمل. كل الناس يشتكون من هذه الحالة.

التسرّب المدرسي ولخبطة اللغة

كما تجب الملاحظة من جهة أخرى أن أغلب التسرب المدرسي يقع في السنة الأولى ثانوي حيث تمرّ لغة تدريس الرياضيات من العربية إلى الفرنسية ويتحوّل مجهود التلميذ من محاولة فهم المفاهيم الرياضية إلى محاولة حفظ «سيمصلابيم».
لنمرّ من النقد الذي يظهر الجوانب السلبية لنقدّم أمثلة إيجابية. البلدان التي كانت مثلنا متخلفة أو متخلفة جدّا في ستينات القرن الماضي في ميادين البحث العلمي والتكنولوجيا والصناعة والتي استطاعت أن تبرز في بداية هذا القرن، كلها استعملت لغتها الوطنية في التكوين والتعليم: كوريا الجنوبية، إيران، تركيا، اندونيسيا، وحتى الفياتنام.

الاعتزاز باللغة الأم

مثال سلوفاكيا البلد الصغير ذو خمسة ملايين ونصف مليون ساكن والذي يملك لغة وطنية لا يتكلّمها غيره من الشعوب يلفت الانتباه لكون اللغة المستعملة في التعليم العالي هي السلوفاكية، وتوفّر الجامعة للطلبة الكتب القيّمة المنشورة في الولايات المتحدة مترجمة إلى السلوفاكية. ويتملّكنا الإعجاب والغيرة عندما نرى الجامعات السلوفاكية معترف بمستواها عالميا أحسن من الجامعات التونسية. مثال آخر يمكن أن يشحذ الهمم: الجامعة العبرية التي بعثت بالقدس سنة 1925 تدرّس كل موادّها بالعبرية بما فيها المواد الطبية وهي مرتبة بين المائة جامعة الأولى في كل التراتيب بما فيها ترتيب شنغهاي للجامعات.
نتساءل هل أن السلوفاكية والعبرية والكورية والإيرانية هي أكثر كفاءة لإدماج المعاجم التقنية من اللغة العربية؟.
في ستينات القرن الماضي كانت كوريا الجنوبية في نفس مستوى التنمية الذي كانت فيه تونس. فلنقلّد الكوريين ونحاول أن نلتحق بمستواهم الاقتصادي والبشري، لندرّس الطب باللغة التي يسيطر عليها الطلبة والتي يفهمها المرضى كما يفعلون هم هناك.

نشر الثقافة الفرنسية

فرنسا تعرض اليوم مساعدتها مشكورة لتحسين تدريس اللغة الفرنسية في معاهدنا وفي إعدادياتنا وستربح من ذلك نشر ثقافتها في الخارج وسنربح نحن سيطرة أحسن لأبنائنا على هذه اللغة. ولكي يكون مثل هذا الاتفاق مربح للطرفين يجب أن نستعمل معرفتنا للّغة الفرنسية لدراسة أشمل للمنظومة التربوية الفرنسية ولتعلّمات المواد العلمية فيها ونقلدها في تدريس المواد العلمية لتلاميذها بلغتها الوطنية ونستلهم منها تصوّرا جديدا ناجعا لتدريس العلوم في معاهدنا باللغة العربية.
في المحصّلة، هل ستصمد الحكومة التونسية للضغوط السياسية الفرنسية ذات الصبغة الاستعمارية الجديدة ولضغوط التونسيين الذين يساندون فرنسا في ذلك ويعملون على فرض إبقاء اللغة الفرنسية كلغة تدريس للمواد العلمية وللتكوين المهني؟ أعتقد أنها قادرة على ذلك لأن الشعب التونسي يضغط بدوره لتطبيق التوافق الداخلي الذي أمضت عليه كل القوى السياسية والذي حُبّر في الفصل 39 من الدستور لتعميم استعمال اللغة الوطنية في بلادنا خاصة وأن ثورة 17-14 أرجعت لنا الأمل وأصبحنا قادرين على التوق إلى الاستقلال الثقافي أساس سيادتنا الوطنية ومصدر الإبداع والتنمية وأداة فرض توازن أكثر في صداقتنا وشراكتنا مع فرنسا.
Views: 1
Exit mobile version