إسقاط الغنوشي من البرلمان ثم محاكمته..
الأستاذ نصر الدين السويلمي
“الآن الى اسقاط الغنوشي من رئاسة البرلمان تمهيدا لمحاكمته” تلك تدوينة من مئات التديونات المشابهة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي منذ ليلة الأمس، تدوينات صدرت من نشطاء لكنها متجانسة مع تصريحات عديدة صدرت عن نخب سياسية، الكثير من هؤلاء النشطاء ليس لديهم من الوعي ما يكفي للفصل بين الاختلاف الفكري وبين التدمير الممنهج لرموز تونسية سيمضي عمرها ويطبق عليها التاريخ وتتحول الى الذاكرة الوطنية، لكن الكثير من أرباب الاستئصال يفعلون ذلك عن عمد وبتخطيط دقيق، يدركون أن الرجل الذي بزغ نجمه قبل نصف قرن والذي شد اليه الأضواء منذ أواخر ستينات القرن الماضي لا يمكن أن يخرج من هذه الحياة قبل أن يقع لإسمه وسمعته كما وقع لصالح بن يوسف ولزهر الشرايطي وكل الذين تركوا بصماتهم في هذا الوطن فاجتهد خصومهم من اجل تحويل منجزاتهم الى تركة ثقيلة عليهم وليس لهم، لم يعد صراعهم مع الغنوشي لحساب المستقبل المتوسط والبعيد فالعمر الإفتراضي لا يسمح بذلك، وانما يجب ان يدركوا اهدافهم الآن قبل أن يهجم الموت ويرحل الرجل، قبل أن يغيب في بطن الأرض فتفلت منهم فرصة هرسلته وإذلاله واضطراره إلى الزاوية، يبحثون له على نهاية كنهاية محمد مرسي، وإن كانوا لا يدركون ان الشهادة وسام الله الاعلى.
أحد أكثر الديناصورات المدججة بالنجاح
يدرك خصوم الغنوشي أنهم يصارعون أحد أكثر الديناصورات المدججة بالنجاح المثقلة بالأحداث الجسام ، الديناصور الذي خاض اقصى درجات المحن كما اقصى درجات المنح، يدركون ايضا انهم لا يملكون في أرشيفهم ولا في مستودعاتهم ولا في حاضرهم من يجر خلفه 50 سنة من الفعل الفاقع، و40 سنة من الهيمنة على المشهد، 30 سنة احتكر فيها الغنوشي فترينة المعارضة من 1980 الى 2010، ثم ها نحن نتحرك نحو إنهاء السنة العاشرة من السلطة ومرافقة التجربة ومداعبة وملاطفة ومراقبة خصوم الثورة. يدرك خصوم الرجل انهم حتى لو التجأوا الى الكتالوجات من الصعب الحصول على شخصية جمعت بين الإعدام والمؤبد والتهجير والمعارضة والسلطة، من الصعب ان يدخل غير الغنوشي من أبواب متفرقة متنافرة، دخل قصور آل سعود ودخل قصور العثمانيين ودخل قصور شيا-شانغ-تشو كما قصور فارس ناهيك عن ماليزيا واندونيسيا وغيرهم.، إنه يستفزهم حتى حين يحسن ينسج العلاقات بسلاسة وبلا تكلف.
يدرك خصوم الغنوشي أنه ليس من السهل تأهيل نظراء في مستوى مرجعيته النضالية والفكرية لمناطحته ، يسابقون الزمن لتهشيم مرجعية الحكم التي كونها منذ مطلع تجربة الانتقال الديمقراطي، يرهقهم بل يفزعهم أن تحصل شخصية تونسية ذات خلفية إسلامية على ثلاث مرجعيات يصعب تأليفها على شخص واحد، الفكر والنضال والسلطة!!! ثلاثية كافية ليعمل خصوم الحالة الإسلامية على تفكيك قيمة الرجل وتبضيعها ونثرها متباعدة حتى لا تجمعها عوامل الزمن!
من أجل تهشيم تاريخ الغنوشي
من أجل تهشيم تاريخ الغنوشي وإتلاف محصوله الثقيل، يتحالف الخصوم مع جلاّدهم، مع اعلام عبد الوهاب عبد الله، مع عبير موسي، مع من أطلقوا عليها لعقود اسم الرجعيات العربية، مع الثكنات، يتحالفون مع جمعية شمس ومع المداخلة! يتحالفون مع امينة فيمن ومع ربيع المدخلي، يتحالفون مع المثليين ومع السلفيين! كل التحالفات مباحة من أجل الصيد الثمين!! إنهم يطاردون الرجل بعناية، يبحثون عن لحظة مناسبة للإجهاز عليه، لا يريدون قتله وإنما يريدون سحب جميع أرصدته التاريخية عبر عملية قذرة دبروها سابقا وفشلت وعادوا الآن يرسمون خطتهم من جديد ويعرضونها على الشركاء..
لماذا يركزون كثيرا على الغنوشي في الداخل من خلال المناولة أو في الخارج من خلال المراكز الاقليمية للثورة المضادة، لماذا الغنوشي وليس غيره دائم الحضور وليمة على موائد أمراء الثورة المضادة في الخارج والأجراء في الداخل؟! الامر في غاية الوضوح، ذلك أن الرجل يعتبر العنوان الأبرز لحركة سياسية اصلاحية حافظت على نبتتها ومارست النمو منذ عودة الغنوشي إلى البلاد ولقائه سنة1969 بعبد الفتاح مورو طالب الحقوق حينها، واحميدة النيفر أستاذ التفكير الإسلامي، مرورا باللقاء التاريخي او لقاء الــ 40 قيادي او لقاء مرناڨ سنة 1972 وصولا الى مقاليد الدولة سنة 2011 وكتابة دستور البلاد سنة 2014 ومرافقة التجربة منذ الثورة الى يوم الناس هذا.
عصابات الحقد المؤدلج
إنه لمن الصعب على عصابات الحقد المؤدلج ان تُخرج رمز الحركة الإصلاحية ونبتتها الأولى وفترينتها من الباب الصغير، إن النبات الذي غرس ذات 1969 وُضع في التربة لينمو طويلا وكثيرا، ولأنها حركة متمرسة على الحياة لن يتمكنوا من دفن زعيمها بالحياة، قادرة هذه الحركة على حفظ كرامة أبنائها الذين رافقوا وتعهدوا، فما بالك بمن دسوا البذرة في التربة قبل 50 سنة تزيد، ثم إن الرجل سيكرّم في حياته وفي مماته، ثم انه وكما قال أحمد بن خنبل بيننا وبينكم يوم الجنائز، ثم إنه قيل فيما قيل ان النهضة جنوبية الهوى، ثم انه وفي ما تحدثت به الركبان، أن أشرار هذه البلاد حاولوا كثيرا وفشلوا في اقتلاع زيتونة العكــــاريت..