Site icon Barcha News

عبد الحميد الجلاصي: اليوم أمامنا خياراتٌ كثيرةٌ، وغدًا قد لا نملك حتى إمكانية الندم

عبد الحميد الجلاصي

كتب القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي مقالة يتحدث فيها عن النخبة السياسية وتعاملها مع نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة.

وقال الجلاصي، الذي يعتبر من بين القيادات التي خرجت في الفترة الأخيرة بانتقادات لسياسة رئيس حركة النهضة بصفة خاصة، وبرز الخلاف ليخرج إلى العلن عبر وسائل الإعلام: “اليوم أمامنا خيارات كثيرة، وغدًا قد لا نملك حتى إمكانية الندم”.

وهذه مقالة القيادي عبد الحميد الجلاصي المنشورة في “حقائق أونلاين”:

-1 يكرّرالجميع أمام الجميع أننا فهمنا درس الانتخابات الأخيرة، ولكن لا شيء يدلّ على تغيير في طريقة تعامل النخبة السياسية. وكأن الانتخابات لم تحصل. ربما لأننا لا نقرأ  الانتخابات من نفس الزاوية وبالتالي فلا نستخلص نفس الدروس. وربما أيضا لأن بَعضنا يعتبر الانتخابات قوسًا انفعاليا أغلق مباشرة بعد نهاية الدور الثاني للرئاسيات، لتعود حليمة بعدها لعاداتها القديمة في انتظار المواعيد القادمة بعد خمس سنوات، إن حصل ووقعت.
لقد كانت الانتخابات ثورة الصندوق في مسار ثوري منهك عاقب عبره الناخبون مجمل النخبة السياسية بحكامها ومعارضيها، عاقبوا الاهتمامات المتعالية وسوء ترتيب الأولويات واعتبار الشعب فضاء للاختبار ومفعولا به ينتهي دوره عشية الانتخابات، وعاقبوا منهج  المناورات والتكتيكات الصغيرة على حساب الوضوح والشفافية.
وعاقبوا سياسة حروب التموقع واعتبار الدولة مجالا لصراعات النفوذ والتمعش على حساب سياسة الرؤية والرسالة والأخلاق والبرنامج.
حكم الناخبون بالإعدام على بعض الأحزاب، وأمهلوا أخرى، ومنحوا فرصة لصنف ثالث، ومن الخطأ أن يتصور أيّ “فائز “في هذه الانتخابات صكا على بياض لأنها في أحسن الأحوال امتحانا وفترة إمهال.
لقد غرق الجميع في قراءة وتحليل عدد المقاعد المتحصل عليها، ومعها كان يفترض أن تقرأ أيضا إحجام القواعد الناخبة لنهتدي إلى حقيقة مهمة أنّ ما حصل في العمق هو إعادة توزيع للتمثيل السياسي، الكتل الناخبة الأساسية التي تشهد قدرا من الثبات، وإن كل كتلة تعبر في مخيال الناخبين عن بعد أو قيمة مضافة فإنها تمثل كتلة مصالح.
قراءة حجم الكتل الناخبة كان يفضي إلى أقدار من التفهم على أساس المساواة بين الناخبين واحترام الخيارات، في حين أن التركيز على الكتل أدى إلى استمرار حروب الطوائف الحزبية والأيديولوجية.
لقد صرح الناخبون بماذا يريدون، لاشيء أكثر مما يريده كل البشر على هذه البسيطة: إنجازا سريعا في مقومات الكرامة البشرية تداركا للتعثرات والإخفاقات التي حصلت في مسيرة السنوات التسع الماضية.
ولقد عرف الناخبون من يرفضون. ولكن لم يتضح لهم من يأتمنون.
-2 كان يفترض  أن ينطلق  الفائزون من هذه الخلاصات ومن تقدير التحديات الأجسام التي تواجه البلاد على الأصعدة المالية والاقتصادية و الاجتماعية، ثم اجتراح الهندسة الحكومية المناسبة انطلاقا من هذين المعطيين.
لكن سوء قراءة الأرقام، واستمرار مناخ المناكفات الانتخابية، وإغفال بديهيات العمل الحزبي والسياسي، كل ذلك أدى إلى إضاعة الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة حينما كانت المبادرة تعود إلى الحزب الأول.
نعتقد أن الإشكالية الأساسية هي إشكالية غياب الثقة. غياب ثقة الناخبين في مشهدهم الحزبي، وغياب الثقة بين الأحزاب وغياب الثقة أحيانا داخل الأحزاب.
وبناء الثقة هي عملية تاريخية وهي مسار يشتغل عليه من خلال بناء الشراكات التي يخرج فيها الجميع كاسبًا.
وقد بينا في مقال لنا نشر في جريدة المغرب (26جويلية 2018)تحت عنوان “في مآزق وجنايات العقل التكتيكي المناور “حدود بل مخاطر منهج التحايل والتذاكي”.
وبدلا من أن يساهم تفاوض الشوط الأول في كسر الجليد والتقليص من الريبة، فقد فاقمها لتعدد مداخل التفاوض، بل وانفلاتها أحيانا، وبتواتر الحديث حول الاشتغال على مسارات متناقضة من حيث طبيعتها من هذا الطرف أو ذاك.
-3 لئن ضاعت فرصة تشكيل حكومة الحزب الأول فإننا لم نخرج نظريا من فضاء الفرص، غير أن ذلك مشروط باستخلاص دروس الانتخابات وأيضا استخلاص دروس الأشهر الثلاثة قبل تكليف الشخصية الأقدر.
لن أجادل في جدارة المهندس إلياس الفخفاخ وتوفره على مواصفات رئيس حكومة ناجح، و لن أجادل في الصلاحيات الدستورية للسيد رئيس الجمهورية، ومع ذلك أعتقد أنه كان بإمكان السيد الرئيس اختيار شخصية أكثر قدرة لا من حيث الخصال الذاتية فحسب وإنما من الاقتدار السياسي.
كان بالإمكان تجاوز هذه الملاحظة من خلال طريقة تفاعل رئيس الحكومة المكلف الذي كان يفترض أن يخرج من جلباب المرشح الرئاسي بخياراته وبرنامجه ومن قناعات القيادي في حزب سياسي دخل المنافسة الانتخابية ولم يحصل على نتائج كبيرة لاعتبارات لن أتوقف عندها طويلا. كما كان بإمكانه أن يكون حذرا في الرسائل التي يوجهها والتي توحي بانزياح عن نص وروح دستور الجمهورية الثانية.
المدخل لم يكن موفقا، ربما نظرًا لنوعية القاعدة الانتخابية ولكن لم ينظر نظرة تكاملية للمشهد المؤسساتي أي تناغم وتكامل البرلمان والحكومة والرئاسة وإدراج برنامج الحكومة ضمن برنامج وطني أوسع يشمل أيضا إرساء الهيئات وتهدئة الجبهة البرلمانية وتجاوز الصراعات الانتخابية.
الوصفة الأنسب بشخصية رئيس حكومة مكلف أقدر هي الانطلاق من البرنامج بأولويات واضحة وتوفير أوسع حزام لها واشتراط مواصفات الكفاءة والنزاهة في أي شخصية ترشح للانضمام لفريقه مهما كانت الجهة العارضة.
-4 أسوأ المفاوضات هي مفاوضات ليّ الذراع والهروب إلى الأمام والمزايدات الإعلامية التي كانت من أحد أسباب فشل حكومة الشوط الأول.
مجددا أدعو إلى الاشتغال في الوسط لتقويته وملئه وعزل القوى غير الديمقراطية التي لا تندرج في مسار الثورة ولا تعترف بدستورها، وأدعو إلى تهدئة إعلامية من الجميع.
الحلول موجودة دائما إذا تجاوزنا الاعتبارات النفسية.
لن أدخل في نقاش فكري حول الإقصاء ومعانيه. وأنا لا أرى مناسبته لمقتضى الحال. إذ أن الإقصاء في تقديري يتعلق بممارسة الحقوق الدستورية. والمشاركة في الحكومات والدعوة إلى المشاركة فيها خيار سياسي وليس حقا أو نفيا له.
ومع ذلك أرى أنّ المطلوب في الوقت الراهن هي حكومة واسعة التمثيل (وكنت أرى نفس الرأي مباشرة بعد انتخابات 6 أكتوبر).
‎-5 من غير المناسب تغذية مناخات المغالبة التي يظن هذا الطرف أو ذاك أنه يستفيد منها ولكنها لن تكرّس إلا صورة النخبة السياسية غير المسؤولة والتي لم تستفد شيئا من درس الانتخابات.
كل خيار غير خيار حكومة الحكومة واسعة التمثيل غير مناسب، سواء في ذلك فشل الحكومة في نيل الثقة أو مرورها بأغلبية صغيرة يدفعها لا حقها في الدخول في معركة الحفاظ على الوجود بدل التركيز على الإنجاز. حينها قد نكرر مشهدا عبثيا حصل بين 2017و 2019، أو ندخل في مناكفات دستورية.
لقد كان مفيدا أن يصبح كل التونسيين فقهاء في تفسير الفصل 89 من الدستور، ومن غير المفيد أصلا أن ينتقل الصراع الى تأويل الفصول 97 و98 و99.
القادة الكبار هم الذين يتوقون من حصول الازمات و يشتمون رائحتها ولا ينشغلون كثيرا بثنائية الغالب والمغلوب.
لقد كان شعبنا حليما مع نخبته، ونرجو ألا ينفد مخزون الحلم.
Views: 0
Exit mobile version