جنازة مبارك والثورة المضادة
الدكتور رفيق عبد السلام
الجنازة التي أقيمت للرئيس المخلوع مبارك، تذكر المصريين، مثلما تذكر كل العرب والعالم اجمع، بان من يحكمون مصر اليوم، يمثلون انقلابا بأتم معنى الكلمة على ثورة 25 يناير-جانفي 2011، وكل ما تمت له بصلة. فقد بات من المسلم به ان من أولى علامات الثورة المضادة اعادة الاعتبار لرموز وقادة العهد “القديم”، وبناء سردية متخيلة عن مرحلة ما قبل الثورةً ، مع ترذيل الثورة ورجالها وكل ما تولد عنها.
هذا الأمر ليس حالة غريبة في التاريخ الحديث، فقد سبق لعائلة البوربون الملكية ان عادت للحكم في فرنسا مجددا، بعد ما يربو على ربع قرن من اندلاع الثورة وما تولد عنها من ازمات وهزات، وعلى اثر هزيمة نابليون (1814) ثم تزايد الحنين للعهد الملكي، ولكن ذلك لم يغير شيئا من مسار التاريخ المتجه صوب التخلص من الحكم الفردي المطلق ومشتقاته اليوم من العساكر المغامرين، ولو كان ذلك في سياق متعرج ومعقد من الصعود والنزول، ومن التقدم والتراجع المرحلي.
لا توجد حتميات قاطعة في التاريخ، ولكن توجد دروس وسوابق لابد ان تستخلص منها العبرة. والعاقل من اتعظ بغيره، واختصر الجهد والوقت، وفهم وجهة العصر ومزاج الشعوب.
أما الذين يستعذبون الحديث اليوم عن كوارث الربيع العربي، فعليهم ان يدركوا ان ما نراه اليوم من أزمات وحروب وسفك للدماء وخراب للعمران، فمرده محاولة الانقلاب على “الربيع العربي” والتصميم على تخريبه بكل الوسائل والحيل . المشكلة ليست في ثورات الشعوب ، بل في محاولة الانقلاب عليها والتصميم على تحريف مسارها.