نداء إلى راشد النهضة.. أليسَ فيكُمْ رجل رشيد؟
الأستاذة حياة بن يادم
كانت ولازالت حركة النهضة قيدومة الأحزاب التونسية والتي تجاوز عمرها نصف قرن، تتعرض إلى الضربات الموجعة حيث أثخنت الجراحات جسدها خلال محرقة تسعينات القرن الماضي، ومازالت ندوبها محفورة على بقايا قواعد ممن بقوا على قيد الحياة.
ورغم هبوب رياح ثورة الحرية والكرامة العظيمة، لم تشفع لهم في جبر ضرر، ولا في إيجاد شهيد مفقود تبحث عنه والدته المكلومة منذ عقود لعلها تجده في إحدى الجسور.
ورغم ذلك ومنذ انخراطها في العملية السياسية بعد الثورة، واصلت مسيرتها تحت الضغط العالي والقصف الإعلامي والتشويه الواسع، والترهيب من طرف الكيانات الفكرية السامة الاستئصالية المزروعة في وطننا، بجسد متماسك. قدمت خلالها دروسا في التضحيات والتنازل، وإيثار الوطن على الحزب. قصد إيصال انتقالنا الديمقراطي إلى بر الأمان، وضمان عزة ومناعة تونس. في حين غيرها من شركاء الوطن يعمل ليلا نهارا لبيع تونس في سوق النخاسة مقابل ملاليم نجسة.
لكن نستفيق اليوم على وقع استقالة مدوية من النوع الثقيل للقيادي والمناضل التاريخي عبد الحميد الجلاصي، أحد أوتاد هذه الحركة العريقة. استقالة تأتي في وقت و الحركة تفرض عليها معاركة داخلية وخارجية قصد اجتثاثها وترذيل نضالاتها. أتساءل لماذا الآن بالضبط قدم القيادي عبد الحميد الجلاصي استقالته على الرغم وأنه منذ مدة خرج عن صمته واتخذ القنوات الإعلامية منبرا له لمعارضة سياسة رئيس الحركة؟ هل لأن معاضديه تمّ توزيرهم (كل واحد لاهي في صحتو كل واحد لاهي في نظافتو) ويصعب الآن معهم مواصلة هذه المهمة؟.
استقالة مشفوعة ببيان رغم وجاهته، لكنه بطعم العلقم وبضربة الخنجر المسموم. وتصريحات على قارعة الإعلام ناشرة غسيل حركة كان الأولى معالجتها داخل البيت. هذه الاستقالة لم يأتها من قبل قامات نضالية يخجل التاريخ أمامهم، ارتضوا الانسحاب بهدوء دون خدش الجسم المنهك.
استقالة حمّلت مسؤولية الأزمة الموجودة داخل الحركة إلى رئيسها راشد الغنوشي، ورافضة مواصلته عملية القيادة. حيث صرح صاحب الاستقالة “50 عام من عام 69 ما ثماش اليوم لا رئيس دولة ولا حزب ولا منظمة في العالم يتم ترأسها 50 عام من نفس الشخص”. ناسيا أنه كان من بين القيادات التاريخية البارزة التي ساهمت في هذا التأبيد ولو وجد الغنوشي زعامات تضاهيه لما وصل إلى هذه المدة.
أتفق مع القيادي عبد الحميد الجلاصي، بأن راشد الغنوشي هو سبب الأزمة، ليس لنفس الأسباب الذي دفع بها، لأن زعامة الغنوشي مدة 50 عامًا تدخل الحركة و الغنوشي وعبد الحميد الجلاصي بصفته أحد القيادات التاريخية التي ساهمت في بقائه طيلة هذه المدة إلى موسوعة غينيس. لكن السبب أن الغنوشي بوصفه رئيس الحركة هو المسؤول الأول عن هذه الأزمة، على الرغم و أن كل الأطراف مخطئة بأقدار. لكن الخروج على قارعة الإعلام و نشر غسيل الحركة تعتبر “سقطة كبيرة” لا تليق بقامات أفنوا شبابهم في غياهب السجون، مثل المناضل عبد الحميد الجلاصي.
الاستقالة من النهضة ليست كفرا، لكن كيفية الخروج التي اعتمدت البيانات والتصريحات الصادمة والمؤلمة للجسد المثخن بالجراحات تركت ندوبا على ندوب الماضي التي لم تندمل بعد.
لكل ما سبق ندائي لراشد النهضة، بوصفكم رئيس الحركة، والمسؤول والمطالب الأول بحلحلة الأزمة، أوقفوا هذا النزيف ومزقوا الاستقالات ووحّدوا الصفوف وأعلنوا مصالحة شاملة تعتمد على تقييم موضوعي للمرحلة الماضية، لا لغاية المحاسبة بقدر ما هي الوقوف على الاخطاء لعدم تكرارها وإعادة البناء على أسس صحيحة. واستعينوا بحكماء ثقات يكونون فيصلا في الاختلافات، وشهداء أمام الله و التاريخ على ما يجري. لأنكم مؤتمنون على حركة رصيدها ثمنه يعجز مال قارون على سداده.
أتساءل هل كتب على جبين الحركة الشقاء زمن الشقاء و زمن الرخاء على حدّ سواء؟ .. أليس في الحركة رجل رشيد؟ .
استقالة عبد الحميد الجلاصي من حركة النهضة
ومن أسباب هذه الحركية القابلية الذاتية وتغير الموقع، فانتخابات 2011 أتاحت لنا الفرصة للانتقال من جماعة مقاومة واحتجاج الى حزب حكم في مرحلة ما بعد ثورية.
كان الرأي العام الوطني شاهدا على كثير من المخاضات، وكان الرأي العام النهضوي مشاركا أو شاهدا على عدد من السجالات الاخرى، وكانت بعض القضايا موضوع حوارات داخل نخبة الحركة، في المؤسسات أو على هامشها.
وخلال ذلك لم يكن خروجنا من السرية سهلا لاعتبارات ثقافية ونفسية (وحدة الحركة والخوف من “التنازع وذهاب الريح“)، ولاعتبارات سياسية أو سلطوية ايضا. اذ ان السرية تخدم دائما صورة ما، هي الصورة التي تتكرس نتيجة السرية في جماعة ذات خلفية دينية.
ولقد دافع كثيرون على نشر مدونة كاملة من التقييمات المتراكمة، تظهر الحركة سردية مركبة وملحمة جماعية في تنوعها وتعدد ألوانها وفي انتقال الخطأ والصواب بين مؤسساتها وقادتها، غير أن هذه الدعوة ووجهت باعتراض شديد بل هناك من دعا الى حرقها بدعوى انها كتبت في مناخات الهزيمة وان الثورة ردت عليها. ويمكن تفهم ذلك. فلئن كانت كل التقييمات تجمع على وجود اخلال في المنظومة الفكرية التي تؤثر في نظرة الجماعة إلى ذاتها والى علاقتها بالمجتمع والشركاء والسلطة وأخلال في منهج التعامل مع الآخر وأخرى في فلسفة التنظيم والتربية الا انها تجمع ايضا على وجود أخلال كبرى في نمط الحوكمة واتخاذ القرار، وتبدو النقطة الاخيرة الأكثر إحراجاً.