Site icon Barcha News

كيف تستفيد تونس من أزمة كُورونا اقتصاديًا وماليًا؟

كيف تسفيد تونس من أزمة كورونا

نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية في تونس تقريرًا أعدّه الدكتور والخبير الاقتصادي رضا شكندالي تناول فيه أزمة كورونا وتأثيرها على تونس، وكيف يمكن لتونس أن تستفيد منها اقتصاديًا وماليًا.

وهذا هو التقرير كاملًا:

 

لا يمكن للأزمة الصحية الحالية التي ضربت تونس والعالم بأسره أن تمر بسلام على بلدنا بدون وحدة وطنية تتكافل فيها كل الجهود الوطنية من قطاع عام وقطاع خاص ومجتمع مدني ولا بد أن تكون الدولة قدوة للجميع وذلك بالتعاون والتضامن بين الرئاسات الثلاث وكذلك بين الحكومة والبنك المركزي إذ لا مجال للشعارات الجوفاء في زمن الأزمة كشعار استقلالية البنك المركزي وغيره من الشعارات التي لا يمكن أن تنفع تونس في الوقت الحاضر. وإن كانت أزمة الكورونا لها تكاليفها الاقتصادية والمالية، فإنها توفر لتونس فرصا ثمينة يمكن استغلالها للتقليص من الانعكاسات السلبية لها. فما على الدولة إلا أن تحسن إدارة الأزمة وذلك بالبدء فورا في التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول الأقساط المتبقية للقرض الائتماني والتشاور مع الشقيقة الجزائر لإبرام عقود آجلة معها حول شراء كميات كافية للنفط والغاز. كما أن الدولة مطالبة بالتعاون مع البنك المركزي لدفع النمو الاقتصادي بالسياسات الجبائية والنقدية الملائمة حتى تؤمّن الموارد الذاتية لها والمبرجة في موازنة الدولة لسنة 2020.

مقدمة

 

اتسعت وتيرة تفشي وباء الكورونا في العالم واتسعت رقعته الجغرافية حيث سجلت عديد الدول إصابات جديدة . ومنذ اندلاع الوباء في أواخر السنة الماضية في الصين، أصيب ما يقارب 176 ألف شخص في العالم حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية بتاريخ 16 مارس 2020، توفي منهم  حوالي 7 آلاف مصاب. وقد شمل الوباء أكثر من 145 دولة في العالم لكنه تفشى بصورة لافتة في آسيا ب92 آلف حالة منها 80 ألف حالة في الصين تليها أوروبا ب61 ألف حالة خاصة في إيطاليا (28 ألف حالة)، اسبانيا (9 آلاف حالة)  وفرنسا (5 آلاف حالة) ثم الشرق الأوسط ب16 ألف و500 حالة خاصة في  إيران (15 ألف حالة) و أمريكا وكندا بحوالي 4 آلاف حالة ولم يشمل الفيروس في أفريقيا إلا 374 حالة فقط. وتحتل إيطاليا النسبة الأعلى من حيث نسبة الوفيات، 7.7% تليها إيران ب5.7% ثم الصين ب4% بينما لا تمثل هذه النسبة إلا 1% في بلدان أمريكا اللاتينية والكراييب. وقد تسبب هذا الوباء في تراجع كبير في النشاط الاقتصادي على الأراضي الصينية وتسبب في قيود واسعة النطاق على نقل الركاب وخاصة العمال مما أضعف إنتاجيتهم وإسهامهم في زيادة الإنتاج. وقد أدى هذا التراجع في النشاط الاقتصادي للصين الى اضطرابات في سلاسل القيمة العالمية أضعف المبادلات التجارية العالمية وتسبب في تراجع النمو في عديد الدول في العالم. كما تسبب في تراجع الطلب العالمي خاصة من المواد الأولية ومنها النفط إلى تهاوي أسعاره العالمية الى مستويات دنيا لم نرها منذ سنوات طويلة. وقد بدأ فيروس الكرونا في التفشي في تونس منذ 01 مارس بحالة واحدة تم الإعلان عنها من طرف وزارة الصحة التونسية والى يوم 16 مارس 2020 أعلن السيد رئيس الحكومة في خطابه للشعب التونسي عن 24 حالة وهذا يعني أن سرعة تفشي الفيروس القاتل في تونس هو في حدود 22% يوميا ممّا قد يزيد في حالات العدوى الى حوالي 400 في آخر شهر مارس والى أكثر من 7 آلاف حالة مع نهاية شهر أفريل وحوالي 3 ملايين حالة في أواخر شهر مايو ممّا يستوجب تضافر كل الجهود من مؤسسات وطنية لإيقاف النزيف . وإضافة الى الانعكاسات الصحية  لتفشي فيروس الكورونا على التونسيين، يتسبب هذا الفيروس في خسائر اقتصادية واجتماعية تشمل أهم الأنشطة الخدماتية والمرتبطة مباشرة بتنقل الأشخاص وكذلك بعض القطاعات المرتبطة بالأسواق العالمية، لكنه قد يمثل فرصة لتونس يمكن أن تستغلها للاستفادة من تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.

1/ الوباء يضرب النمو الاقتصادي في العالم:

 

حسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية[1]، لو ينجح العالم في القضاء تدريجيا على الكورونا خلال عام 2020، فإن النمو العالمي سيتراجع بنصف نقطة. ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فسيكون النمو العالمي إلى حد كبير أضعف. في الحالة الأولى، سيتراجع النمو الاقتصادي في العالم بنصف نقطة وفي أوروبا ب0.3 نقطة. وفي البلدان الأوروبية الثلاث، التي تمثل الشريك الأساسي لتونس، وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، فإن توقعات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تشير الى تراجع النمو في هذه البلدان ب0.1 و 0.3 و0.4 نقطة تباعا. أما في الصين، فإن التوقعات تشير الى تراجع النمو الاقتصادي بحوالي 0.8 نقطة.

وبالرغم من الاحتياطات التي اتخذتها الصين من تضييقات على تنقلات الأشخاص حال دون الاشتغال الكلي للمعامل الصينية وتسبب في تراجع الأنشطة الخدماتية وفي تراجع الإنتاج الصيني، فقد انتشر الفيروس في بادئ الأمر في كوريا ثم في إيطاليا وهو ما أجبر  الصين على غلق حدودها. ونظرا لأهمية الصين كقوة الأكثر اندماجا في سلاسل الإنتاج في العالم، فقد أدى هذا الإجراء الى تراجع النمو الاقتصادي في عديد الدول المتقدمة. وتمثل الصين القوة الضاربة في العالم، فهي تمثل تقريبا 22% من الإنتاج الصناعي في العالم و17% من الإنتاج العالمي و11% من المبادلات التجارية في العالم و7% من الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم. كما تمثل الصين 58% من الطلب العالمي للأليمنيوم و53% من الطلب العالمي للنحاس و48% من الطلب العالمي للزنك و14% من الطلب العالمي للبترول. وقد كان لخيار الصين العزلة عن العالم للتوقي من الفيروس الأثر السلبي على الطلب العالمي للسلع والخدمات وهو ما أدى الى اضطراب مباشر لسلاسل التوريد العالمية والى تراجع تدفقات سياحة الأعمال وقد أدى هذا التراجع في الطلب العالمي إلى انخفاض حاد في أسعار المواد الخام وخاصة منها الأسعار العالمية للنفط.

و بحسب التقرير ذاته، يمكن الحد من الآثار السلبية للفيروس، بتخصيص دعم إضافي للميزانية المخصصة للخدمات الصحية بالنسبة للبلدان الموبوءة، بما في ذلك الموارد الكافية لضمان العدد المناسب من الموظفين وأدوات الاختبار. كما يوصي أيضا باتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من الأثر السلبي على الفئات الاجتماعية الضعيفة، إذ يمكن استخدام برامج إعانات البطالة الجزئية لزيادة المرونة في ساعات العمل والحفاظ على الوظائف والأرباح، على الرغم من أنها لا تحمي العمال المؤقتين أو المهاجرين من خطر التسريح من العمل. ويمكن لحكومات البلدان التي تفشى فيها الوباء الدعم المباشر للأسر من خلال توفير المساعدة لها، مثل التحويلات النقدية أو التأمين ضد البطالة أو الالتزام بتغطية التكاليف الصحية. وينصح التقرير على المدى القصير بضخ سيولة كافية في النظام المالي حتى تتمكن البنوك من مساعدة الشركات وخاصة منها الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والتي تعاني من مشكلات في السيولة النقدية قصد مساعدتها على الاستمرار في تشغيل العمال وذلك بتأجيل دفع الضرائب أو سداد القروض أو تخفيض تكاليف المدخلات مثل الطاقة. وينصح التقرير كذلك باتخاذ التدابير المالية لمساعدة وكالات الأسفار وشركات النقل الجوي والبحري والنزل .

2/ من أكبر بؤر الوباء، الصين وأوروبا، هم من الشركاء الأساسيين لتونس:

 

بعد حالات الوفيات المتعددة في أوروبا من جراء تفشي وباء الكورونا، أعلنت منظمة الصحة العالمية في أواسط شهر مارس، أن أوروبا باتت البؤرة الجديدة لوباء كوفيد 19 العالمي مشيرة الى أن عدد الحالات التي تسجل فيها يوميا يفوق عدد الحالات اليومية التي سجلتها الصين خلال ذروة انتشار الوباء. وقد اتخذت الحكومات الأوروبية جملة من التدابير الوقائية لعل من أهمها تعليق جميع الرحلات الجوية مع الخارج. وأعلن الرئيس الفرنسي في خطابه ظهر يوم 16 مارس عن إغلاق الحدود مع أوروبا لمدة 30 يوما والحد بشكل كبير من تحركات المواطنين وذلك لمدة 15 يوما على الأقل، مشددا على أنه سيعاقب كل من يخل بقرار منع التنقل. كما أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حظر رحلات العطلات الخارجية والداخلية للألمان وغلق معظم المتاجر التي لا تبيع المواد الغذائية وكذلك المؤسسات الثقافية والترفيهية.

وتعتبر البلدان التي شملها وباء الكورونا المزودين الأساسيين للاقتصاد التونسي والحرفاء التقليديين له، إذ تصدر تونس إلى الإتحاد الأوروبي 73.4% من جملة صادراتها في سنة 2018 بالخصوص الى فرنسا (29.3%) وإيطاليا (15.9%) وألمانيا (12%) واسبانيا (5%) لكنها لا تصدر الى الصين شيئا يذكر (0.7%). بينما ورّدت تونس من الإتحاد الأوروبي نصف احتياجاتها من السلع (53,3%) لسنة 2018 منها 15.7% من إيطاليا و 14,3% من فرنسا و7.6% من ألمانيا. كما ورّدت تونس من الصين ما يقارب 9.5% من حاجياتها لسنة 2018. وتمثل الصين وإيطاليا لوحدهما حوالي نصف العجز التجاري لتونس سنة 2018 ب5.4 مليار دينار للصين و2.9 مليار دينار لإيطاليا على مجموع  19 مليار دينار سجّلت عام 2018.

وفي الشهرين الأولين (جانفي وفيفري)  لهذه السنة، تراجعت الصادرات ب1.5% والواردات ب2.5% مقارنة بنفس الفترة لسنة 2019. ولعل التراجع الأهم في الصادرات التونسية شمل بالخصوص فرنسا (-18.2%) وألمانيا (-4.9%) بينما سجلت الصادرات التونسية تطورا ملحوظا نحو اسبانيا (37.9%) وإيطاليا (3.4%). وقد شمل هذا التراجع للصادرات التونسية بالأساس قطاع الطاقة ب-26.1% وقطاع النسيج والملابس والجلد ب-4.1%، بينما تحسنت صادرات المواد الفلاحية والغذائية بنسبة 16.1% نتيجة للارتفاع المسجل في زيت الزيتون وبقيت صادرات قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية على حالها (0.6%). وقد تراجعت كذلك الواردات من فرنسا ب12.2% ومن إيطاليا ب15.1% خلال نفس الفترة من العام الحالي  خاصة في مواد التجهيز (-11.5%) والمواد الأولية ونصف المصنعة (-6.3%) بينما سجلت واردات الطاقة ارتفاعا ب20.3%.

3/ النمو الاقصادي في تونس معرّض للتراجع إن لم يقع تغيير السياسات الاقتصادية:

 

تعكس هذه الأرقام المسجلة خلال السنوات الماضية وخاصة خلال الشهرين الأول والثاني من هذه السنة، حساسية الاقتصاد التونسي وارتباطه مع البلدان المذكورة. ولعل الانعكاس الأهم على النمو الاقتصادي في تونس يمر عبر تراجع النمو الاقتصادي لهذه البلدان التي تفشى فيها الوباء. فتعطل النشاط الاقتصادي في الصين وفي فرنسا وفي إيطاليا وكذلك في ألمانيا أثر على احتياجات تونس من مواد التجهيز والمواد نصف المصنعة الضرورية للإنتاج في حين لم تتراجع الصادرات التونسية نحو إيطاليا وكذلك نحو اسبانيا خلال الشهرين الأولين لهذه السنة بل واصلت نسقها التصاعدي.

ويتأثر النمو الاقتصادي في تونس بتعطل محركاته الاقتصادية الثلاث بعد أزمة الكورونا. فتراجع الطلب العالمي على المنتجات التونسية وعلى خدمات السياحة من جراء تراجع النمو خاصة في أوروبا قد يؤثر سلبا، لا فقط على قطاع النزل، بل حتى على الأنشطة المرتبطة به كالنقل والمطاعم ووكالات الأسفار وغيرها. لكن اشتداد الأزمة في إيطاليا، المورد الأول لتونس من المواد الفلاحية وخاصة زيت الزيتون قد يدفعها إلى مزيد التزود من هذه المواد وبالتالي زيادة صادرات تونس منها. كما سيتأثر النمو الاقتصادي في تونس من تراجع إنتاجية العمل بعد صعوبة التنقل إلى العمل خوفا من العدوى ومن صعوبة التزود بالتجهيزات والمواد نصف المصنعة والأولية الضرورية للإنتاج وهي في غالبها مستوردة من المناطق الموبوءة. ومن القطاعات الأخرى التي قد تتضرر من جرّاء تراجع الطلب العالمي، الصناعات التصديرية وخاصة منها قطاع النسيج والملابس والجلد وقطاع مكونات السيارات وكذلك قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية وهي قطاعات تصديرية مهمة. وقد تمثل كل هذه العوامل المرتبطة بتفشي الوباء محيطا غير آمن للاستثمار ممّا قد يدفع المستثمرين في الداخل والخارج التريث والانتظار حتى تنقشع سحابة الخوف من هذا الوباء وهو ما قد يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي في تونس في قادم الأشهر. ويبقى الاستهلاك الخاص، كعادته، المنقذ الوحيد للنمو الاقتصادي في تونس، فهو وإن سيتراجع في بعض الأنشطة الخدماتية كالمطاعم والنقل العمومي والأنشطة الترفيهية، فهو سيتزايد في المواد الأخرى تحسبا لاشتداد أزمة الكورونا.

ومن الآثار السلبية الأخرى التي قد يخلّفها هذا الوباء في تونس، تراجع الموارد الجبائية من جرّاء تراجع النمو الاقتصادي مع صعوبة تعبئة الموارد الخارجية المتوجهة أساسا إلى تمويل أزمة الكورونا في الدول المتقدمة الموبوءة وتحوّل الأزمة الاقتصادية العالمية إلى أزمة مالية بعد الانهيار الكبير للأسواق المالية في العالم ممّا قد يجعل من تنفيذ موازنة الدولة لهذا العام أمرا صعبا.

4 / لكن تراجع الطلب العالمي على النفط قد يوفر فرصة ثمينة لتونس:

 

تفيد كل المؤشرات أن مستقبل أسواق النفط قد يبدو قاتما لعدة أشهر أخرى، إذ إن الزيادة المهمة في الإنتاج وما رافقها من تراجع في الطلب بسبب تفشي فيروس كورونا سيؤديان لتزايد المنافسة بين المنتجين وخاصة منهم المملكة العربية السعودية وروسيا ويدفعان الى مزيد التراجع في الأسعار العالمية للنفط. وإن كانت هذه المتغيرات لا تخدم مصلحة الدول المصدرة للنفط، فهي مفيدة للدول المورّدة ومنها تونس حيث تمثل الطاقة العائق الأكبر لإحلال التوازنات الداخلية والخارجية. فالدعم المتوجّه للمحروقات، وهو في حدود 1.9 مليار دينار، يعتبر من الأبواب الثقيلة على ميزانية الدولة لهذا العام والعجز الطاقي، والذي يمثّل لوحده حوالي 40% من العجز التجاري، يدفع البلاد إلى مزيد إهدار العملة الصعبة والحيلولة دون تحسّن قيمة الدينار التونسي ويؤدي إلى معدلات من التضخم المالي لا تتماشى والمقدرة الشرائية للمواطن التونسي.

ونظرا لفرضية ميزانية الدولة للسعر العالمي للنفط ب65 دولار للبرميل الواحد على طوال العام، وهو في حدود 35 دولار حاليا، يمكن اعتبار الأزمة الحالية التي تشهدها أسواق النفط العالمية فرصة لتونس للاستفادة منها عبر إبرام عقود آجلة خاصة مع الشقيقة الجزائر والاستفادة من القدرة المخزونية لها. واعتمادا على الصفحة 27 من ميزانية الدولة لسنة 2020 والتي تقدر ربحا ماليا ب 142 دولار لكل تراجع بدولار واحد في الأسعار العالمية للنفط، فإن تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية مع الجزائر حول هذه المسألة قد يوفر لتونس مبلغا ماليا هاما يقدر ب 4.2 مليار دينار، وهو تقريبا نفس مبلغ الدعم كاملا والمبرمج في ميزانية الدولة لهذه السنة. ويمكن للحكومة التونسية استعمال هذا المبلغ الهام لمآزرة المؤسسات والمهن الصغرى والمتوسطة والمتضررة من أزمة الكورونا.

ومن ناحية أخرى، فإن تراجع الأسعار العالمية للنفط إلى مستويات دنيا وحسن التصرف من طرف الحكومة التونسية لإبرام عقود آجلة يوفّر فرصة قد لا تتكرر للتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول تسريح الأقساط المعلّقة (السادس والسابع) وهي في حدود 1.2 مليار دولار أي ما يعادل 3.4 مليار دينار وهو ما يمثّل حوالي 40% من احتياجات تونس من الاقتراض الخارجي لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2020.

5/ ما المطلوب من الحكومة التونسية القيام به في الأيام القليلة القادمة؟

 

خلال اجتماعه برؤساء الكتل النيابية بتاريخ 16 مارس 2020،كان البرلمان التونسي سبّاقا في اقتراح جملة من الإجراءات الهامة، فعلى الصعيد البرلماني، كوّن البرلمان خلية أزمة لمتابعة الوضع الصحي وأوصى بتفعيل الدبلوماسية البرلمانية لحشد الدعم للمجهود الوطني للتوقي من الفيروس. وأوصى كذلك بإعلان حالة الطوارئ الصحية ورصد خط تمويل إضافي لوزارة الصحة. كما دعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات حازمة تتعلق بمقاومة الاحتكار وتطبيق معايير الصحة والنظافة في المساحات الكبرى وفي المتاجر وغيرها من الإجراءات الهامة. وفي اليوم نفسه، وأخذا بعين الاعتبار توصيات البرلمان التونسي، أعلن السيد رئيس الحكومة التونسي عن جملة من الإجراءات الجديدة لمكافحة تفشي فيروس الكورونا لعل من أهمها:

  • غلق الحدود الجوية والبرية لكل الرحلات التجارية ما عدى السلع والبضائع ورحلات الإجلاء.
  • منع التجمعات في الأسواق وفي الحمامات والحفلات وغيرها من فضاءات التجمهر.
  • العمل بنظام الحصة الواحدة طيلة خمس ساعات بزمنين مختلفين، مثلما أُعلن.
  • تأجيل كل التظاهرات والأنشطة الرياضية والبطولات.

وفي خطابه للشعب التونسي بتاريخ 17 مارس 2020، أعلن رئيس الجمهورية في حضر التجوال من الساعة السادسة مساءا إلى الساعة السادسة صباحا ودعا الحكومة الى مساعدة الشركات المتضررة من الأزمة إلى إعادة جدولة ديونها.

وتتعلق جل الإجراءات المعلنة من طرف الدولة التونسية بالجانب الصحي الوقائي لمساعدة وزارة الصحة على تطويق الأزمة وتفادي انتشار الفيروس بالصورة التي وقعت في إيطاليا أو إسبانيا عندما لم تتخذ السلطات الإجراءات الوقائية اللازمة في الوقت المناسب. لكن تبقى جدوى هذه الإجراءات مرتبطة بمدى التزام الشعب التونسي بها وخاصة فيما يتعلق بالحجر الذاتي وإلا فإن السلطات المعنية مطالبة بتطبيقها بقوة القانون حتى لا تخرج الأزمة الصحية عن السيطرة. ونظرا لحجم التحديات الصحية والاقتصادية، فالدولة مطالبة قبل غيرها برفع شعار الوحدة الوطنية وذلك بالتعاون والتضامن بين الرؤساء الثلاث، رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كل حسب صلاحياته الدستورية.

وإن كانت جملة الإجراءات التي اتخذتها الدولة هذه الأيام مفيدة لكنها غير كافية لتطويق الأزمة، فالدولة مطالبة كذلك بدعوة الأطباء المتقاعدين لمعاضدة زملائهم المباشرين قصد التسريع في تطويق الأزمة قبل انتشارها مع تعويض الأطباء المباشرين الذين يشتكون من أمراض مزمنة ودعوة المصحات الخاصة لتوفير الإمكانيات الطبية واللوجستية اللازمة في صورة تفشي الوباء.

وعلاوة على الإجراءات الصحية الصرفة، ونظرا للانعكاس الاقتصادي والمالي للأزمة الصحية على ميزانية الدولة أولا ثم على مختلف القطاعات الاقتصادية وعلى الشرائح الاجتماعية الهشة ثانيا، فإنه من المفيد البدء فورا في التفاوض مع صندوق النقد الدولي قصد تسريح الأقساط المتبقية من القرض الائتماني بدون شرط الترفيع في أسعار المحروقات، وهو شرط لم يعد أساسيا بالنسبة للصندوق بعد الانخفاض الملحوظ في الأسعار العالمية للنفط. كما أن الدخول في مفاوضات مباشرة مع الشقيقة الجزائر قصد إبرام عقود آجلة لشراء كميات هائلة من النفط والغاز أصبح من أوكد الإجراءات التي يجب التسريع فيها. وتبقى السياسات الجبائية والنقدية المناسبة الحل الأمثل لتنشيط محركات النمو التي تعطلت في الثلاث سنوا ت الأخيرة من جرّاء السياسات الاقتصادية العقيمة التي اتبعتها الحكومة المتخلية من زيادات متكررة في نسبة الفائدة وفي الضرائب وكذلك في فاتورة المحروقات أرهقت بها كلفة المؤسسات الاقتصادية والأفراد.

خاتمة:

فلا بد للحكومة التونسية أن تعمل جاهدة على الحفاظ على معدل النمو المقدّر في ميزانية الدولة، وهو 2.7% بالرغم من تراجع النمو في البلدان الشريكة، وذلك باستنباط السياسات الاقتصادية البديلة التي تمكّن من استرجاع محركي الاستثمار والاستهلاك الخاص بعد التراجع المنتظر في محرك التصدير على إثر تراجع الطلب العالمي خاصة في أوروبا. وبالرغم من تصاعد المخاطر المحدقة بعملية الاستثمار من تراجع في إنتاجية العمل ومن انكماش في الطلب الخارجي، إلا أن التقليص في كلفته عبر السياسة الجبائية أو النقدية يمكّن من المحافظة على نسق يساعد على تجاوز الأزمة الحالية. وفي هذا الإطار، بادر البنك المركزي التونسي يوم 17 مارس 2020 بالتخفيض ب100 نقطة في نسبة الفائدة المديرية وطالب رئيس الجمهورية، في خطابه في نفس الليلة، الحكومة إعادة جدولة الديون بالنسبة للمؤسسات التي تمر بصعوبات مالية من جراء أزمة الكورونا. لكن تبقى هذه الإجراءات محدودة الفاعلية ولا بد للبنك المركزي أن يعطي مزيدا من الدفع للاستثمار الخاص وذلك بمواصلة التخفيض في نسبة الفائدة المديرية على الأقل ب100 نقطة إضافية. كما يمكن للبنك المركزي مطالبة البنوك التجارية بتأجيل سداد أقساط القروض الشخصية والعقارية الممنوحة للأشخاص الذين أجبروا على البطالة التقنية على إثر غلق المؤسسات المشغّلة لهم إلى حين استرجاع النشاط الفعلي لهذه المؤسسات على أن تعاد جدولة الديون لهذه الشركات وخاصة الصغرى والمتوسطة منها وذلك بتأجيل سدادها لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. ونظرا للأرباح الخيالية التي حققتها البنوك التجارية على إثر الزيادات المتكررة لنسبة الفائدة المديرية وثقل مبلغ الفائدة على الاقتراض الداخلي للدولة وهو في حدود 1.9 مليار دينار في موازنة الدولة لسنة 2020، يمكن للبنك المركزي أن يطالب البنوك بتطبيق نسبة الفائدة الجديدة والمخفضة بمائتي نقطة على سندات الدولة حتى تتمكن هذه الأخيرة من تنفيذ النفقات الضرورية لإدارة الأزمة الصحية.

وعلى الدولة كذلك حسن إدارة الأزمة وذلك بتخصيص مبلغ النفقات الطارئة في ميزانية الدولة لسنة 2020، وهي في حدود 380 مليون دينار لدعم ميزانية وزارة الصحة أولا ولإرجاع فائض الضرائب المدفوعة إلى المؤسسات الاقتصادية المتضررة من الأزمة ثانيا. ولتشجيع المؤسسات الاقتصادية المتضررة من الأزمة على دفع أجور موظفيها وعمالها بالرغم من إحالتهم على البطالة الإجبارية، فالدولة مطالبة بتخصيص امتيازات جبائية لها ولمدة سنتين متتاليتين.

أ.د. رضا الشكندالي( أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية)

[1] الأفاق الاقتصادية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية – فيروس الكرونا : الاقتصاد العالمي مهدد – 02 مارس 2020

Views: 0
Exit mobile version