أَلَمْ يَحِنْ الوقتُ لتركيز نظامنا التربوي على اللغة الإنجليزية؟
Midou
في تدوينة لها، نشرتها في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أساءت وزير الثقافة شيراز العتيري لجزء كبير من الشعب التونسي عندما قالت: “هناك نقص كبير في التربية على الثقافة في تونس”، ودعت المثقفين والفنانين ونشطاء المجتمع المدني إلى التحرك بسرعة لمواجهة هذه الموجة، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا تدوينة الوزيرة باللغة الفرنسية، وطالبوها بالكتابة باللغة العربية، التي هي اللغة الأساسية لتونس، بحسب الدستور التونسي.
تدوينة وزيرة الثقافة، أثارت ردود فعل واسعة من المثقفين والمتعلمين، الذين يخرجون عن تعريف الوزيرة للمثقفين، أي الذين لا يفهمون اللغة الفرنسية أو الذين لا يريدون استعمالها للتواصل والتعبير، وهم بالتالي متشبثون بلغتهم الأمّ، اللغة العربية.
والواقع أنّ هذه الوزيرة، ومنذ إعلان اسمها على رأس وزارة الثقافة، رافقها لغط كبير، ورفض من قبل التونسيين، لكن رئيس الحكومة أصرّ على تسميتها.
اللغة الفرنسية أداة إقصاء في التعليم والشغل
كتب الدكتور أحمد بوعزّي، الأستاذ بالجامعة التونسية، وأحد مستشاري بلدية تونس، وهو أحد المدافعين عن اللغة العربية، تدوينة في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “في إحدى الندوات في بلدية تونس، تكلّم مقدّم المداخلة باللغة الفرنسية، فطلبت أن يتكلّم بالعربية لأنّ هناك في الندوة من لا يفهم الفرنسية.
فآغتاض أحد المستشارين، وطلب منه أن يتكلّم بأيّ لغة يحب.
انتهت المشكلة بتكلّم المحاضر بالعربية، وكان مثقّفًا يحسنها (بالنسبة لي من لا يحسن العربية من التونسيين هو غير مثقّف).
بقيت أفكّر لماذا تدخّل المستشار للدفاع عن اللغة الفرنسية، ربما لأنه يخاف أن يقع تعييره بالجهل مثل أغلبية التونسيين الذين يجهلون الفرنسية، ويُعتبر مثل كثيرين أنّ من يجهل الفرنسية ناقص وغير كفء، ويعتقد خطأً أنّ علماء العالم يتقنون الفرنسية.
ليعلم الجميع أنّ جهل اللغة الفرنسية ليس عيبًا رغم أنّ اللغة الفرنسية هي اليوم أداة إقصاء في التعليم والشغل في تونس، وليعلموا أنّ إثراء المعرفة الفردية والجماعية يمرّ عبر السيطرة على اللغة الأنكليزية وأن التبسيط العلمي وإدماج كل طاقات الشعب التونسي لتنمية البلاد لا تستوعبه الناس إلا بالعربية”.
من يجهل الفرنسية فهو فاشلٌ دراسيًا
وردّ عليه أحد أصدقائه، الافتراضيين، هيثم الصفاقسي، في صفحته، في تدوينة، قال فيها: “من يجهل الفرنسية مع نظامنا التدريسي الحالي على الأقل على مستوى القراءة هو “فاشل” دراسيًا.
نحن لا نتحدث عن زمن كانت فيه الفرنسية لغة تدرّس لفئة معينة ورمزًا لطبقة اجتماعية معينة، نحن نتحدث عن مادة تدرّس منذ التعليم الأساسي كمواد أخرى كالتاريخ والجغرافيا.. (في تونس هناك جيلٌ لم يكمل حتى تعليمه الابتدائي، يوصف اليوم بأنه غير متعلم، يتقن الفرنسية أحسن من جيل الجامعات اليوم، ولا يجب أن نختفي وراء الشوفينية فنخجل من أن نقول إنّنا أمام حالة إخفاق غير معقول لمادة تدرّس منذ الثالثة من التعليم الأساسي).
أما الاستعمال، فهذا شأن آخر وهنا لكل مقام مقال، مثلًا ليس ذنب طبيب أو غيره يُلقي محاضرةً تقنيةً بالفرنسية أنّ غيره لم يقم بتعريب جلّ المفردات التي يستعملها”.
هل يضع الانتقال الديمقراطي حدًّا لهذه العنصرية؟
وعاد الدكتور أحمد بوعزّي، من جديد، لمزيد التوضيح والتأكيد: “الفرنسية في ميادين العلم لا تصلح لشيءٍ اليوم لأنّ الأنكليزية عوضتها، وبالتالي فالذي لا يتقن الفرنسية رغم أنه تعلمها منذ الروضة هو فاشل في الامتحان وفي الانتقاء ولكنه ليس فاشلًا في المعرفة وفي الثقافة.
كون الطبيب لا يستطيع الكلام بالعربي للتونسيين الذين لم يحصلوا على الباكالوريا بينما يستطيع الكلام مع مشرّد فرنسيّ عندما يعمل في فرنسا يعني أنّ تعليمنا فاشل ومجعول لإفادة فرنسا والفرنسيين وليس لفائدة تونس.
صحيح أنّ هذه الحالة ليست ذنبه لكنها ذنبنا لأننا لم نفكّر في المواطن التونسي عند ضبط المنهاج الدراسي.
في تونس 20% أميين و15% حاصلين على الباكالوريا وبالتالي فالكلام بالفرنسية هو استفراد بفوائد السلطة وإقصاء الرعاع أو الحفتريش.
والذين لا يتوجّهون للعموم بالعربية هم لا يريدون الاختلاط بهم ولا يريدون أبناءهم ينافسون أبناءهم.
كون البعض يضع الإشهار في الفيسبوك موجّه للتوانسة بالفرنسية للوقاية من الكورونة يعني أنه لا يهمه أن يموت الحفتريش بالكورونا لأنه ليس منهم ويتوجّه لجماعته.
آمل أن يضع الانتقال الديمقراطي حدًّا لهذه العنصرية”.
عقدة فرنسا لا تفارقنا
وتفاعل حسام الدين العجلاني، فدوّن: “هل من المنطقي أن يجيد شخص الفرنسية في حين لا يجيد لغته الأصلية العربية. نحن نعاني عقدة فرنسا في كل شيء، في فرنسا يدرسون الفرنسية والأنجليزية. حسب كلامك في فرنسا من لا يتكلم الأنجليزية فهو فاشل، إذا بمنطق في التحليل هذا صحيح، لكن ليس بالنسبة للفرنسيين.
عند تنقل مكرون لمحاضرة في ألمانيا، هل يتحدث الألمانية؟.
نحن نعاني عقدة نفسية، إذ يعتقد البعض أنّ الفرنسية دليل على أنه مثقف، ويعتبرها لغة للتبجّح، بل أكثر من هذا.
حضرت الواقعة أكثر من مرة عند الخلاف بين أحد أبناء الأحياء الغنية وشخص من عامة الشعب، ينطلق في الخلاف بالعامية التونسية لينتهي بالتكلم معه وتعيره بالفرنسية كما لو يريد أن يقول أنا أفضل منك.
أتكلم الفرنسية وأكثر ثقافة منك ثمة من التونسيين من يتكلم الأنجليزية مع الألمانية أو الإسبانية أو الإيطالية وهي لغة اختيارية، لكنه لا يتكلم الفرنسية فهل هو فاشل؟.
الأنجليزية هي لغة العالم بأسره ولكنها اللغة الثانية بالنسبة لي تسبقها لغة الإشارة حتى حين لا تتقن أبجدياتها في بلد غريب تنادي شخصًا لا تتكلم أبدًا لغته تستفسر بالإشارة يفهمك ويرشدك وتدرك ضالتك. أنا مع إجبارية اللغة الأنجليزية في النظم التعليمية بتونس”.
ألم يحنْ الوقت للتركيز على الأنجليزية؟
وتساءل آخر: “ماهو موقع اللغة الفرنسية عالميًا على مستوى العلوم ؟؟. ألم يحن الوقت لإنهاء العمل بها في تونس والتركيز أكثر على اللغة الأولى عالميًا (الانكليزية) ؟؟؟”.
اعتذار على تدوينة “أُسيء فهمها”
وعادت وزيرة الثقافة شيراز العتيري، اليوم الأحد 12 أفريل 2020، في تدوينة في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” للاعتذار بعد أن رمت التونسيين بقلة الثقافة بعد أن رفضوا اختيار وزيرتهم التعبير باللغة الفرنسية، متجاهلة لغتنا الأمّ، اللغة العربية.
وكتبت الوزيرة، أو الأقرب أنّ غيرها كتب لها هذه التدوينة باللغة العربية التي ترفضها وتخيّر التواصل باللغة الفرنسية: “صباح الخير،
تفاجأتُ هذا الصباح بالأثر السّلبي الذي أحدثته تدوينة نشرتها البارحة باللغة الفرنسية على حسابي الخاص وأسيء فهمها. وإني أعبّر عن أسفي الشديد لأني لم أقصد أبدًا الإساءة بل كلّ ما في الأمر أنني وبعد يومين من الجدل حول موضوع الترخيص للمسلسلات الذي مازال في طور الدرس قبل اتخاذ القرار المناسب، عبّرتُ عن خيبة أملي من تعاليق قاسية وصلتني على الخاص، وفي تعليقات الناس حيث تواترت آراء من قبيل “ما حاجتناش بالثقافة”، وهو ما استفزني وجعلني أحثّ مكوّنات القطاع والمتدخلين فيه لبذل الجهد ليشعر التونسيون أكثر بقيمة الثقافة بفنونها السبعة في حياتهم والتي لا يمكن اختزالها في الأعمال الدرامية التلفزيونية على أهميتها.
ولكن يبدو أنّ مضمون الفكرة لم يصل إلى البعض بالمعنى الذي قصدته.
وعليه، فإنني أعتذر لكل من ساءته تدوينتي صدقًا، مع العلم أني سحبت التدوينة حالما تمّ إشعاري بسوء الفهم وبأثرها السلبي.
وأتمنى أن يكون هذا الاعتذار بدايةً جديدةً لالتزام صادق ٍلدفع الحياة الثقافية.
وربي يوفقنا لما فيه خير تونس وخير الثقافة في تونس”.