نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية، اليوم الأحد 12 أفريل 2020، تقريرًا هامًّا أعده الدكتور رضا الشكندالي، الخبير الاقتصادي والأستاذ بالجامعة التونسية، تحدث فيه عن انتشار فيروس كورونا وتأثيره على القارة الإفريقية، متسائلًا، هل أنّ انتشار أزمة كورونا يمكن أن يكون فرصة للتكامل الاقتصادي، أم أنه يمثل أزمة اقتصادية حقيقية.
وهذا هو التقرير كاملًا:
انتشار فيروس كوفيد-19 في أفريقيا، هل يمثل أزمة اقتصادية حقيقية أم فرصة للتكامل الاقتصادي؟
عندما نقارن أفريقيا بدول الإتحاد الأوروبي أو بالولايات المتحدة الأمريكية، فإن أعداد الإصابات والوفيات التي سجّلت إلى حدّ الآن لا تزال في حدود ضعيفة تجعل من أفريقيا منطقة غير موبوءة. لكن هشاشة النظم الصحية، المنهكة بتواتر الأوبئة، والظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها أفريقيا والكثافة السكانية المرتفعة، قد تساعد على انتشار فيروس كوفيد-19 وهو ما قد يؤثر سلبا على الاقتصاد الإفريقي وينهك موازنات أغلب الدول الإفريقية. وقد تؤدي هذه الانعكاسات الاقتصادية إلى خسائر مالية هامة، قد تتضاعف في قادم الأيام مع سرعة انتشار الفيروس في أفريقيا. وللحد من التداعيات الاقتصادية والمالية لهذا الوباء، بعد موجة إغلاق الحدود من طرف الدول الشريكة لإفريقيا وخاصة الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة الأمريكية، يمكن اعتبار تفعيل منطقة التجارة الحرة الإفريقية فرصة هامة لأفريقيا لتكثيف المعاملات البينية والاستعداد لتكامل اقتصادي حقيقي.
مقدمة
لا تزال إفريقيا القارة الأقل وباءا في العالم، فمعدلات انتشار الفيروس المستجد، إلى حدود 10 أبريل 2020، ضعيفة في أغلب دول المنطقة، فعدد الحالات المؤكدة لم تتجاوز 11 ألف و361 مصاب من مجموع مليون و632 ألف مصاب في العالم.
وتعتبر شمال أفريقيا، المنطقة الأكثر وباءا في أفريقيا، فهي تحتوي على 48% من جملة المصابين بالفيروس في أفريقيا وأكثر من ثلاث أرباع الوفيات فيها (76%)، تليها جنوب أفريقيا (21%) ثمّ غرب أفريقيا (17%).
وتتصدّر أفريقيا الجنوبية (1934 حالة) قائمة الدول الإفريقية من حيث عدد الإصابات بالفيروس تليها مصر (1690 حالة) والجزائر (1666 حالة) والمغرب (1374 حالة)، حيث تحتوي هذه الأربع بلدان لوحدها أكثر من نصف المصابين بالكورونا في أفريقيا (58%). وبأقل حد نجد الكامرون (661 حالة) وتونس (643 حالة).
ومن جملة 599 وفاة سجلت إلى حدّ الآن في أفريقيا، 72% منها سجّل في ثلاث دول من شمال أفريقيا، وهي الجزائر (216 وفاة)، مصر (118 وفاة) والمغرب (97 وفاة) بينما يعتبر عدد الوفيات ضعيفا في كل الدول الأخرى. لكن إذا اعتمدنا عدد الوفيات لكل مليون ساكن، فالدولة الأكثر تأثرا بالفيروس هي جزر الموريس (210 حالة وفاة لكل مليون ساكن) تليها جيبوتي (121 في المليون) ثمّ تونس (57 في المليون). لكن تبقى هذه النسبة ضعيفة جدّا مقارنة بما سجل الى حدّ الآن في إسبانيا (345 3 في المليون) أو في الولايات المتحدة (434 1 في المليون).
1/ سرعة انتشار فيروس كوفيد 19 سيؤدي إلى خسائر اقتصادية ومالية هامة:
المتتبع اليومي لحالات الإصابة بكوفيد 19، يلاحظ سرعة انتشار الفيروس في القارة السمراء. فبعد 147 حالة فقط سجلت قبل نحو أربع أسابيع، فإن هذا العدد أصبح يتعدى الثمانية آلاف حالة اليوم. هذا الانتشار السريع للوباء في أفريقيا له آثاره الاقتصادية والمالية إلى جانب الآثار الصحية وقد يهدد النمو الاقتصادي في القارة والتي تضم 6 من أسرع 10 الاقتصاديات نموًّا في العالم في عام 2020 حسب تقديرات صندوق النقد الدولي قبل أزمة الكورونا. فوفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، خسرت الدول الإفريقية منذ ظهور الفيروس المستجد وحتى بداية مارس 2020 ما يقدر بنحو 29 مليار دولار وهي تحتاج إلى أكثر من 100 مليار دولار لمواجهة انتشار الفيروس. وحسب اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، فإن انتشار الفيروس في القارة السمراء سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا البالغ 2.1 تريليون دولار بنحو 1.4% والنمو الاقتصادي للقارة سيتقلص بنحو 1.4 نقطة. وسيزيد الوباء المستجد من معدلات الفقر في القارة الإفريقية، وهي التي تضم أكبر عدد من الفقراء في العالم يقدر بأكثر من 400 مليون نسمة.
وسيؤدي انتشار فيروس كوفيد 19 إلى تعطّل التجارة الخارجية في أفريقيا، فالبلدان الأكثر وباءا في العالم، وهي الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، هم من أكبر الشركاء التجاريين للقارة الإفريقية ومن أكثر البلدان اندماجا في سلاسل القيمة العالمية. هذه الدول تأثرت بصورة كبيرة بالفيروس وانخفض معدل النمو فيها بعد أن أغلقت عديد المصانع والمطاعم والمحلات التجارية، وفرضت قيودا على الحركة أدت إلى انخفاض طلبها على السلع الخارجية وتوقف صادراتها مما يعني انخفاض الصادرات الإفريقية، بالإضافة إلى انخفاض الواردات من مواد التجهيز والمواد نصف المصنعة الضرورية للإنتاج في أفريقيا.
وقد أدت معظم الإجراءات التي اتخذتها الدول الإفريقية للتوقي من انتشار الفيروس إلى غلق المطاعم والمقاهي ودور السينما وغيرها، وهو ما سيؤثر سلبًا على الموارد الجبائية للدولة ويزيد في معدلات البطالة لدى العمال الذين تم تسريحهم من هذه الأعمال. كما سيؤثر الحظر على تنقلات الأشخاص على الاستثمارات وخاصة منها الأجنبية في القارة السمراء.
وستتأثر موازنات الدولة للبلدان المصدرة للنفط، كنيجيريا والجزائر، من انهيار الأسعار العالمية للنفط إذ تقدر اللجنة الاقتصادية لإفريقيا أن “كوفيد-19” يمكن أن يؤدي إلى خسارة الدول المصدرة للنفط في القارة لما يزيد عن 100 مليار دولار أمريكي في عام 2020 وهذا سيؤدي الى ارتفاع حجم الديون بشكل لا يمكن للحكومات الإفريقية تحمله. لكن بالنسبة للبلدان المورّدة للبترول كتونس والمغرب، فإن الانعكاس على موازنة الدولة سيكون إيجابيا وسيوفر للدولة مبالغ محترمة يمكن توجيهها إلى تمويل النفقات الإضافية للصحة .
وقد تؤدي إجراءات الحظر الجوي التي اتبعتها جل الدول الإفريقية للتوقي من انتشار الفيروس الى توقف قطاع السياحة بالكامل وهو الذي يشغل حوالي 50 مليون شخص في أفريقيا، جلهم معرَّضون لفقدان وظائفهم إذا استمرت الأزمة. كما ستسجل شركات الطيران الإفريقية خسائر كبيرة في الإيرادات نتيجة لانخفاض الحجوزات الدولية إلى إفريقيا وغلق المجال الجوي للدول الإفريقية.
وفي ظل تقييد تدفق الأشخاص عبر الحدود، ستتعطل سلاسل التوريد للمدخلات الرئيسية وسيكون من الصعب العثور على المدخلات والمعدات والآلات الرئيسية اللازمة لاستكمال مشروعات البنية التحتية. كما أن العاملين الصينيين لن يتمكنوا بسهولة من الدخول الى الأراضي الإفريقية بسبب الحظر الجوي وهو ما قد يخلق تأخيرات مكلفة وتوقف مشروعات البنية التحتية في أفريقيا، وهي مشروعات، في أغلبها تنفذها الصين، وهو ما قد يفقد عديد الأشخاص وظائفهم من جراء ذلك.
2/ المؤسسات الدولية تتوقع خسائر اقتصادية ومالية هامة:
أظهرت دراسة صادرة من الاتحاد الأفريقي في مارس 2020، أن الانتشار التدريجي لوباء كورونا سيتسبب في انكماش الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 15% وهو ما سيؤدي إلى تراجع الاقتصادي الإفريقي ب 0.8% حسب السيناريو الأكثر واقعية و ب 1.1% بالمائة حسب السيناريو المتشائم ممّا سيفقد الاقتصاد الإفريقي حوالي 20 مليون وظيفة. وبيّنت الدراسة، أن الحكومات الأفريقية قد تخسر ما يتراوح بين 20% و30% من إيراداتها المالية بسبب انتشار هذا الوباء.
وقدّرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، في مارس الماضي، هذه الخسارة بالنسبة للدول المصدرة للنفط مثل نيجيريا وأنغولا، بنحو 65 مليار دولار جراء تراجع أسعار النفط ودعت حكومات الدول الإفريقية باتخاذ التدابير اللازمة لحماية 30 مليون وظيفة في أفريقيا، خاصة في قطاعي السياحة والطيران. وقدّرت اللجنة حاجة القارة لـ10.6 مليار دولار لتغطية الزيادة غير المتوقعة في حجم الإنفاق في القطاع الصحي خاصة بالنسبة للبلدان التي تضررت من تراجع كبير في الموارد الأساسية لموازناتها قد تجعلها غير قادرة على سداد ديونها الخارجية. وقد صرّحت مديرة المكتب الإقليمي لأفريقيا في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أن فرض الإغلاق وحضر التجول والسفر للحيلولة دون تفشي الفيروس داخل الدول الإفريقية قد يفقد أفريقيا نحو 50% من إجمالي نمو الوظائف خاصة في قطاعات الطيران والخدمات والصادرات والتعدين والزراعة وقطاع الأعمال غير الرسمية.
كما أفاد البنك الإفريقي للتنمية أن انتشار الوباء في أفريقيا قد يخفّض في الناتج الداخلي الخام بنحو 22.1 مليار دولار بالنسبة للسيناريو المرجعي وبنحو 88.3 مليار دولار بالنسبة للسيناريو المتشائم، وهو ما يمثّل تراجع للنمو الاقتصادي في أفريقيا ب0.7 نقطة نمو وقد يصل هذا التراجع الى 2.8 نقطة نمو إذا واصل الفيروس انتشاره في أفريقيا وهو ما سيهدد القارة السمراء بركود اقتصادي لا مثيل له. وأفاد البنك الإفريقي للتنمية أن العجز في موازنات الدول الإفريقية سيرتفع ب 3.5 الى 4.9 نقطة وهو ما سيزيد الحاجة الى تمويل الاقتصاديات الإفريقية بمبالغ هامة قد تصل إلى 110 أو حتى 154 مليار دولار إضافية لسنة 2020، وهو ما قد يتسبب في ارتفاع الدين العمومي في أفريقيا من 1860 مليار دولار سنة 2019 الى 2000 مليار دولار أو حتى 2100 مليار دولار سنة 2020 حسب السيناريو المتشائم.
3/ الفضاء الإفريقي، فرصة للتقليص من التداعيات الاقتصادية للوباء:
تعتبر أفريقيا خبيرة في التعامل مع الفيروسات القاتلة، مثل فيروس الإيبولا الذي تفشى في الفترة (2014-2016) في ثلاث دول بالأساس (غينيا، سيراليون، ليبيريا)، وتسبب في إصابة 286 ألف شخص، وهو ما يعني أن النظم الصحية في أفريقيا اكتسبت من الخبرة ما يكفي لمحاربة انتشار فيروس كوفيد-19، وهي أحسن ممّا كانت عليه قبل خمس سنوات وقد تنفع هذه الخبرة في التقليص من سرعة الانتشار لهذا الفيروس وفي الحد من الآثار الصحية له.
ومن الحلول المقترحة للتقليص من التداعيات الاقتصادية والمالية لانتشار وباء الكورونا على الاقتصاد الإفريقي، الاستفادة من تفعيل منطقة التجارة الحرة الإفريقية بعد موجة إغلاق الحدود من طرف الدول الشريكة لإفريقيا وخاصة الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة الأمريكية. فقد كان من المقرر أن يبدأ التداول داخل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في جويلية 2020، وهو توقيت جيّد قد يساعد الدول الإفريقية للتوجّه إلى الداخل لتعزيز التجارة البينية بين الدول الإفريقية خاصة في المستحضرات الدوائية والأغذية الأساسية. فباستطاعة بعض الدول الإفريقية، كتونس، أن تبدأ في تصنيع عديد الأدوية وتصديرها الى دول افريقية أخرى وهو ما سيقوي التجارة البينية بين الدول الإفريقية ويساعد على التخفيض من كلفة الاستيراد حيث تنفق إفريقيا 16 مليار دولار سنويًّا على توريد الأدوية من الصين وأوروبا وبعض دول آسيا. ومع توقف النشاط الاقتصادي في هذه الدول الشريكة لإفريقيا والتي تأثرت بصورة كبيرة بجائحة “كوفيد-19”، فإن الفرصة سانحة أمام الدول الإفريقية القادرة على تصنيع الأدوية للنفاذ إلى الأسواق الإفريقية. والاستفادة من الأزمة.
كما يمكن اعتبار المواد الفلاحية والغذائية مجالا واسعا للتبادل التجاري بين الدول الإفريقية خاصة وأن الحجر الصحي المطلوب لمحاربة الكورونا يقتضي توفير الغذاء اللازم للعائلات وبأسعار تتماشى مع ضعف المقدرة الشرائية لأغلب الأفارقة. وبالرغم من أهمية الإنتاج الفلاحي في افريقيا، حيث ما يزيد عن 12 دولة إفريقية، بما في ذلك جنوب إفريقيا وغانا وكوت ديفوار، هي مصدر صافٍ للغذاء، لا تصدّر هذه الدول أغلب منتجاتها داخل القارة. كما يستورد عديد الدول الإفريقية احتياجاتهم الغذائية، مثل القمح والأرز والأسماك، من خارج أفريقيا، وهو ما يمثّل عبئا ماليا يزيد في مديونية هذه الدول.
خاتمة:
إن هشاشة النظم الصحية والظروف المعيشية الصعبة قد تساعد على انتشار الوباء إذ تعتبر النظم الصحية في أفريقيا الأضعف في العالم، فهي مرهقة من جراء الأوبئة المستوطنة في القارة منذ سنوات. ولا تتوفر في أفريقيا المؤشرات الصحية الدنيا لمجابهة هذا الوباء، حيث عدد الأطباء مقارنة بحجم السكان ضعيف جدا، ففي كينيا، مثلا، -وهي أكبر اقتصاد في شرق إفريقيا- طبيب واحد فقط لكل 5000 مواطن، ويصل عدد الأسرّة في غالبية دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أقل من 10 أسرّة لكل 10 آلاف ساكن.
وبالرغم من الحصة المرتفعة للشباب في القارة ، إلا أن عدد الأشخاص الذين يعانون من أمراض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لا يزال ضخما، حيث يعيش في إفريقيا حوالي 26 مليون شخص بهذا الفيروس، ويعاني أكثر من 58 مليون طفل في أفريقيا من توقف النمو بسبب سوء التغذية.
وتعتبر الظروف المعيشية صعبة في أفريقيا والكثافة السكانية جدّ مرتفعة ولا تساعد على احترام إجراءات السلامة الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية، من التباعد الاجتماعي وغسل اليدين، حيث يعيش أكثر من 400 مليون مواطن تحت خط الفقر، وهذا يعني أن الكثير من العائلات تعيش في منازل بالغة الضيق، وليست مرتبطة بشبكة المياه. كما لا تزال الإدارة في أفريقيا غير مرقّمة، بل تلجأ الى نماذج ورقية تجبر المتساكنين إلى التعامل معها بشكل مباشر وهو ما لا يساعد على التوقي من انتشار الوباء والذي يتطلب التباعد الاجتماعي.
وفي ظل حالات النزاع والإرهاب المنتشر في العديد من الدول الإفريقية خاصة في المناطق التي تسيطر عليه الجماعات المتطرّفة، يصعب على السكان الانتقال إلى مراكز الرعاية الصحية لاختبار الإصابة بالفيروس. وفي حالات أخرى، يتكدس آلاف السكان في مخيّمات هروبا من مناطق النزاع، وهو ما يمثّل بيئة خصبة لتفشي الفيروس.