مخجل وحزين… ما يفعله الشابي!!!
الأستاذ نصر الدين السويلمي
ثلاثي تونسي ترك بصماته في مرحلة الانتقال الديمقراطي، وأضفى على التجربة ثلاثيّة مرصّعة بالمضامين الجميلة.
أوّلهم الغنّوشي الذي رافق التجربة طوال 10 سنوات، ورغم كلّ المعارك الطاحنة التي خاضها والهجمات المتزامنة في شكل حروب استنزاف، لم يذهب يومًا ليستجّدي مراكز القوى أو مراكز الشّغب أو مراكز الخيانة كي تدعمه، كان يدرس الأرضيّة ويتقدّم وفق قوّة حركته وفعلها في هذا السباق أو ذاك، لم يفقد الغنّوشي التوازن ولا هو أسرع به الحماس فترشّح للانتخابات الرّئاسيّة، كان يحسب جيدا، وحين يسدّد يصيب، كلّ المناصب التي طلبها وصل لها بقوّة حركته والحاضنة التّاريخيّة التي توفّرت له ولها.
أمّا المرزوقي فقد قاتل لوحده، حاول إنقاذ المؤتمر، ثمّ استعمل الإرادة كوعاء، لكن كانت لغة السّاحة مغايرة والمطلبيّة أصبحت أكثر استعجالا، كما أنّها بدت ميّالة إلى الانتقام من المجَرّب مهما كان وزنه..
ودون أيّ مراجعة للرجل وبلا سابق علم نجزم أنّ المرّزوقي لم يذهب لأيّ بؤرة ضغط أو عربدة، ولا هو استنجد بتلك العضلات التي نبتت من الحرام في عهد بن علي وتعمل كمعول اليوم لهدم التجربة.
سبق وقلنا وقالوا بأنّ الكِبر في موضعه مندوحة، ولقد تميّز المرّزوقي بأنفة يعتقد البعض أنّه بالغ فيها فاستحالت كِبرا، تلك أنفة متعالية قد ننتقدها في مواضع، لكنّها هي من حبسته على الانحناء والتسكّع من باب نقابي إلى باب إعلامي إلى باب مالي إلى باب تجمّعي يطلب التزكيات المُهينة، ويبحث عن قرطاج أخرى بشرفه ومن ثمّ شرف الثّورة التي يعتبر أحد لافتاتها الكبرى.
الكبر في المواضع المندوبة أيضا ميّزت الرّاحل الباجي قائد السبسي، صحيح أنّ الرّجل تقلّب في كلّ المناصب ولم يعد على استعداد للتضحية من أجل المناصب، وامتلك المال ولم يعد على استعداد للتضحية من أجل المال، وتقدّم به العمر ولم يعد على استعداد للتضحية من أجل عمر جديد لا يأتي وإن ألحّ، رغم ذلك كانت أنفة الرّجل وكبره عوامل مفيدة، عشنا أعمارنا نكره الحڨرة وننبذها! لكن عشقناها حين يكون ضحيّتها الضّبع النّفطي المُعقّل، لا أحد ينكر أنّ الباجي ضحك على غلام أبو ظبي وعرّاه أمام غرفة إقليميّة مدجّجة بالمال وأكثر منه بالمعلومات وأكثر منهما بجحافل القوّادة.
ثمّ إنّ الباجي لم يذهب إلى الأزّلام والحطب الأيديولوجي وسقط متاع بن علي من بؤر الاستئصال الأحمر، لا أبدا! لم يذهب لهم إنّما أتوه حبْوًا يلعقون حذاءه البلدي، ويترجّونه أن يُسقط لهم الترويكا والتجربة، فأسقط لهم الترويكا وسجّل اسمه في التجربة بينما سجّلوا هم أسماءهم في مزبلة الثّورات المضادّة.
ونحن نشاهد الشّابي يعرض نفسه على القبائل النّقابية ذات النّزعة القراصنيّة ويستجدي الرّفعة عند مخلّفات عبد الوهّاب عبد الله، ويلاحق رجال الأعمال النّافذين يطلب إعادة دمجه في الحياة السّياسيّة التي أقصى منها نفسه رغم حرص الكثير على تبجيله ثمّ بعد أن شرع في الانحدار، حرص المشهد الثّوري على انتشاله، لكنّه عضّ وخبش.. وذهب يبدّد رصيده، يعصر تاريخه ينجّره من شبهة الكرامة..
عندما يصطحب الشّابي اللّومي والعابدي وبلحاج، ثمّ لا يخجل من الظهور في المناسبات العامّة مع محسن مرزوق ما بعد “الوطيّة”، عندها لا مفرّ من تذكيره وتذكير كلّ سياسي سيأتي في الغد يجغّون ويلوك ويدلّس الكلام ويقول بأنّه اجتهد في غياب البوصلة.. بل هناك بوصلة، هناك ثلاثة كتالوجات في البلاد يمكنك اتّباعها، إمّا أن تتسلّح بالحكمة وتخوض معارك النّفس الطويل وهنا يجب أن تكون لديك خاصرة نحاسيّة قادرة على حمايتك طوال 10 سنوات من الدكّ، وإمّا أن تعتنق المبادئ وتخوض المعارك بما لديك من حلال طيّب، وإن تعثّرت مسيرتك السّياسيّة كما تعثّرت مسيرة تشرشل وغيره، لا تطمع وتذلّ بل تقف عند رصيدك تحميه بالغالي والنّفيس، وإن لم يكن هذا ولا ذاك فليس أقل من أن تستعمل قوى الفساد والكساد والاستئصال وغربان الأدلجة، من موقع قوّة، يستجدونك ولا تستجديهم! يدخلون إلى زريبتك تڨودهم وتعلّفهم، تماما كما فعل بهم الباجي، ولا يُدخلونك إلى مكتب مختطف، لتجلس كالتلميذ الخائب أمام حفيظ حفيظ….حفيض حفيض….حفيز حفيز…….. حفيظ يا نجيب!! أهكذا ينزل السّتار؟! ألا مشهدًا مُشرّفًا يختم على المشهد ويستوطن الذّاكرة…..!!!!!!!