عن نساء العلوي اللّاتي لا تُعشق…
الأستاذ نصر الدين السويلمي
كتب الأديب والسّياسي عبد اللّطيف العلوي تدوينة جاء فيها :
“الأحزاب ليست أديانا فتُعتَنقْ، ولا نساء فتُعشَقْ!
الأحزاب مجرّد وسائل لتحقيق غايات وأهداف وطنيّة، مثل الإدارات العموميّة تماما أوالشركات الّتي تقدّم خدمات عامّة للنّاس.
لا يفترض بي أن أعشق الصّوناد مثلا أو الأوناس أو الستاغ وأتعصّب لها لمجرّد أنّني أعتقد أنّها تقوم بواجبها على النّحو الأكمل! وكذلك الشّأن بالنّسبة إلى الأحزاب أو التّنظيمات السياسية الأخرى بما فيها، بل وأوّلها ائتلاف الكرامة.
الأحزاب وسائل ومطايا لخدمة النّاس فلا تجعلوها معابد وزوايا يتبرّك بها المريدون ويقدّمون لها القرابين ويتّخذون منها تمائم للوقاية من الحسد والعين وضربة الشّمس.
نحن في ائتلاف_الكرامة لن نحترم أبدا من يتعامل معنا بنفس عقليّة الفيراج أو التّقديس، فيبالغ في تصوير بطولاتنا كأنّنا خارجون من كتب الملاحم، أو يدافع عنّا بالباطل، أو يدّعي لنا العصمة ويرى كلّ رأي فينا حربا علينا.
نحن لا نطلب إلاّ الاحترام، والاحترام عند من يفهم ويعي، هو أعلى وأبقى وأكبر بكثير من التّقديس.
هذا بيان للنّاس.”
في العموم لا غبار يعفّر كلام العلوي، مشكلته الاستثناء، تلك تدوينة لا تُسحب ولا تَنسحب أبدا ودوما وعلى كلّ الأحزاب، تلك وصفة الطبّ العامّ وليس طبّ الاخّتصاص، فالأحزاب كما قال العلوي أو ما يقارب من كلامه هي أوعية، قد تفرّغ هذا في ذاك وتنقص من هنا وتضيف إلى هناك، قد تشطب وقد ترسكل وقد تقفل للصيانة وقد تطول الصيانة فتنخرط في الفناء…
نعتقد ذلك ونقول بمذهب العلوي حين تأتي الأحزاب من قريب أو تُبعث من رحم الشموليّة والبطش وينبت لحمها من دماء الشّعوب وعرق الغلابة، أو حين تكون من طينة الأحزاب الإداريّة التي قامت على مهمّة حتّمتها المناخات السّياسيّة أو الاقتصاديّة أو ساقتها مهمة قذرة الى المشهد.. ينطبق ما قاله العلوي على الكثير بل على الغالبيّة، وخاصّة غالبيّة المكوّن الحزبي الذي عايش الانتقالات الديمقراطيّة في مراحلها التجريبيّة الشّاقة والمزاجيّة والتي كثّر القلق ارتباكها.
لكن أبدا لا ينسحب ذلك على الأحزاب القادمة من بعيد.. من العمق.. التي تكلّفت على أصحابها الكثير..! الكثير من الدّماء والأحزان والدّموع والتضحيات، الكثير من القبور والكثير من الأحلام التي طحنتها مكينة القمع بالجملة والتفصيل.. تلك لم تعد من جنس الأحزاب التقليديّة التي رأس مالها الناس والجدران والقراطيس والمطبعة والانترنت وبعض الفة بين المكوّن البشري! إلى جانب موارد ماديّة أخرى كثرت أو قلّت… بل أصبحت باحة لها حرمتها بعدما نمت ذاكرتها وارتقت إلى مستوى المتاحف المدججة المتحرّكة، هناك يصعب أن تسقط المعادلة العلويّة على مطمور الثّروة وجداريّة التضحيات، فمع كثرة الدّم والألم تتحوّل جداريّات بعض الأحزاب إلى لوحة ثريّة ثمينة تمكّنت من عقد صفقة مع الحياة لمّا عقدت هدنة مع سنن الفناء، تلك جداريّة يتجاذبها الوفاء المعتّق، حتى أنّها تصنّف النسيان ضمن الجرائم ضدّ الإنسانيّة، وتصنّف محاولة التجاهل ضمن قانون مكافحة الإرهاب.
مع أحزاب الاستثناء المرصّعة بالذّاكرة يصبح العشق من المحصّلات، لأنّ العاشق كان قد طلّق الأمن وطلّق رغد العيش وطلّق شبابه وطلّق بيت الأسّرة وطلّق حضن الأم وطلّق الحريّة.. بل منهم من طلّق الحياة.. طلّق كلّ شيء، ولم تطْلقه الزنازن إلّا بعد أن قطعت عليه خطوط الإمداد، وأحرقت مراكب عودته، فكان أن حوّلته إلى عاشق محترف.. قاتل غرام متجوّل.. عندما يستند على عقده الرّابع والخامس والسّادس والسّابع.. ويلتفت فلا يجد غير بقع الدّم وبقايا دخّان المحرقة، حينها سينغمس في العشق الصوفيّ المتداخل وكأنّها نهاية معركة دامية بين الحلّاج والجيلاني وبشر الحافي..
لا دخل لابن تيّمية فيها من قريب ولا من بعيد.. فالأرواح المحلّقة مع طيور الخطاف عادة ما تتجنّب استفتاء أسير القلعة الحازم.. وكأنّه العشق يهمس إلينا ذات فجر ارتخى فيه النّسيم بين يدي خصلة رذاذ مجروحة انسلت حديثا من شَعر المطر الكث.. كأنّه يحرّضنا.. يلقّننا، أيّها العشّاق: لا تصدّقوا عقلانيّات عبد اللّطيف العلوي، بل صدّقوا نفحات جلال الدّين الرّومي، انصرفوا الآن عن ابن داداه وأنصتوا إلى ابن الرّومي “جلال” حين ينتشي فيهمس في جوف الهوى ” استمع إلى صوت النّاي كيف يبث آلام الحنين يقول: مُذ قُطعت من الغاب وأنا أحنُ إلى أصلي” ثمّ حتى إذا عادت العقلنة تتطفّل على العشق الثّائر، عالجها الرّومي بضربة قاصمة حاسمة: “الوداع لا يقع إلّا لمن يعشق بعينيّه، أمّا ذاك الذي يحبّ بروحه وقلبه فلا ثمّة انفصال أبدا.”
Views: 0