Site icon Barcha News

جدلٌ واسعٌ حول تصريح قيس سعيّد: تونسُ كانت مَحميّةً وليست مُستعمرةً فرنسيةً

قيس سعيد

أثار تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيد لقناة فرانس24 الفرنسية، وخلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جدلًا واسعًا في تونس.

وقال سعيّد: “قانونيًا، تونس لم تكن مستعمرة فرنسية بل محميّة”.

 

ودوّن الأستاذ مصدق الجليدي في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “ليس لك الحق يا أستاذ قيس سعيد أن تفرض رأيك على السيد رئيس الجمهورية. حماية موش احتلال، وشرعية موش مشروعية، ومرضى قلوب موش مرضى أبدان، ولخرى ما نعرفش شنيه، احتفظ بيهم لنفسك. لست مخولا للتفرد بتأويل الدستور، وتأويل النص الديني، وتأويل التاريخ الوطني…من كتبوا الدستور ما زالوا أحياء، وعلماء الزيتونة ما زالوا أحياء، وبعض من عانوا ويلات الاحتلال ما زالوا أحياء والمؤرخون ما زالوا أحياء، والشواهد على جرائم فرنسا في تونس ما زالت قائمة… فلا تجمع إلى سلطة الرئيس التنفيذية، سلطة الاستئثار بالمعنى والتأويل والتفسير والتبرير. لسنا بحاجة لا لقيصر ولا لكسرى ولا حتى للخليفة عمر ولا لولاية الفقيه. نحتاج فقط رئيسا يقوم بدوره كما خوله له الدستور، ممثل رسمي للدولة وسرديتها الرسمية المجمع عليها مُواطنيا، وكما عاناها الضمير الجمعي الحي. بناء السرديات أو إعادة بنائها لا يتم على ألسن الرؤساء بما هم أفراد في الدول الديمقراطية، بل في مخابر البحث العلمي والنقاش العمومي المعروض على محكات الدّحض واختبار الرفض والقبول”.

أما أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية محمد ضيف الله، فقد كتب: “ما قاله في الندوة الصحفية مع الرئيس الفرنسي كان كافيا لمعرفة ما استمر عليه من غموض، طيلة أشهر بعد انتخابه، وها قد زادت المقابلة مع فرانس 24 لتبين ما بقي مما خفي. السياسة لا نتعلمها في العمر الثالث، والتاريخ كذلك، وهو على فكرة المعرفة الوحيدة التي كان يهتم بها الحكام القدامى.
دعنا من الأحداث والانتفاضات التي تتالت والفظاعات التي ارتكبت في حق أجيال من التونسيين الذين رفضوا أن “تحميهم” فرنسا، حتى لو تمسكنا بالنصية القانونية، اتفاقية الحماية المفروضة في 12 ماي 1881 لم تكن إلا خطوة أولى، عقبتها اتفاقية المرسى المفروضة أيضا في 8 جوان 1883 التي أصبحت فرنسا بموجبها تتحكم في كل شيء في تونس، بشرا وثروات. واضح، قيس سعيد لم يقرأ تاريخ تونس. وواضح أيضا أن التكوين في القانون والاشتغال بالسياسة كلاهما يتطلب حدا أدنى من معرفة العلوم الإنسانية والاجتماعية ومن بينها التاريخ”.
وأضاف محمد ضيف الله: “سعيد ولائحة الاعتذار..
على ضوء ما سمعناه من قيس سعيد في الحوار مع فرانس 24 حول الاعتذار، نتبين موقفه من اللائحة التي قدمت في الغرض للبرلمان يوم 9 جوان. المسألة مبدئية بالنسبة له:
1- تونس لم يقع استعمارها، وإنما كانت فقط محمية.
2- أن الاعتذار مر عليه 60 سنة؛ وبالتالي فات وقته.
3- أن الاعتذار يتم بإقامة مشاريع.
وللتذكير كذلك، في يوم 6 جوان أي قبل 3 أيام من عرض اللائحة على البرلمان، قام إمانويل ماكرون بالاتصال بقيس سعيد، “تخلله تأكيد على متانة العلاقات بين البلدين، وحرصهما على تعزيزها ودعمها في مجالات عدة”، بحسب بلاغ الرئاسة التونسية. ورغم هذه اللغة الخشبية، فما يظهر منها هو موضوع اللائحة التي تتعارض مع “متانة العلاقات بين البلدين”. ومؤدى ذلك أن ماكرون طلب من قيس سعيّد العمل على إسقاطها، ولا تعوزه الأسباب لذلك، فيكفي التذكير بأنها من ائتلاف الكرامة، ويكفي أن يستظهر بتأويلات قانونية.
وهو ما يعني أن قيس سعيد كان يوم 9 جوان في البرلمان، وكان تصويته بالضد.
تكفي الإشارة هنا إلى ما ورد في كلمته عن “تجاوز الماضي” في حضرة ماكرون خلال الندوة المشتركة، وهذا الماضي ليس سوى “الماضي الاستعماري”، وعندما نتحدث عن “تجاوز الماضي” فإن ذلك يعني تجاوز الاعتذار عن الحقبة الاستعمارية، وتلك التلميحات لم يتركها صحافي فرانس 24 تمر في المهموتة، وإنما حرص على توضيحها، بكل أبعادها. وهذا ما وقع”.
 من جانبه، كتب الأستاذ علي الشابي: “حديث المؤرخين في عام 2100…
(…) وقد كان شمال افريقيا في مطلع القرن الواحد العشرين متكونا من دول، يجمع بين شعوبها تاريخٌ وحضارةٌ وتحدياتٌ وتعاطفٌ أكثر ممّا كان يفرّق بين حُكّامها من توجّهات سياسية واختيارات ثقافية واستراتيجيات اقتصادية ونُظم حُكم. فأما تونس، بالرغم من أنها كانت سبّاقة للتحرر من براثن التخلف وللتوق نحو ما يُسمى في ذلك العهد بالحداثة وكانت منارة للعلم ونبراسا لغيرها من الشعوب من حيث الثورات ضد البايات وخاصة ضد الاستعمار الفرنسي العُنصري صاحب الجرائم ضد الإنسانية، الا انها كانت تبدو مفرطة في التسامح والتناسي والتماهي وعدم الاكتراث بتاريخها المجيد وأعلامها المُلهمين وقاداتها الافذاذ، ولا لديها معرفة سُبل طي صفحة الماضي ولو بكلمة سواء. وقد تنكّر المعاصرون لهؤلاء كما ألّه بعضُهم بعضَهم وكان اقلهم معرفة من غيره يتنصّب مجالس العلم وأكثرهم شدوذا سياسيًا يحصد ود الناس فيما ساهم علماؤها في تطوير مجالات عدة في البلاد الأوربية والأمريكية وغيرها. وقد شاعت الهرطقة في وسائل الإعلام ووُظفت الايديولوجيات للتناحر السياسي على حساب قوت المواطنين وزُج بالشباب في معارك ليس لهم منها نصيب.
وفيما يُروى أنّ رئيسًا منتخبا بأغلبية الأصوات في السنة التاسعة عشرة بعد الألفيْن من عصر الثورة الرقمية الرابعة أنداك، وهو أفضلهم لم يعرف المؤرخون الى يومنا هذا ما ذا كان فحوى برنامجه الانتخابي وماذا كان يقصد بــ “المشروع”، وقد اختلف المتخصّصون فيما كان يُسمى في ذلك العهد بعلم الاجتماع السياسي حيث كانت مجالات المعرفة مُقسمة بطريقة بدائية، كيف يصل الى سدة الحكم رئيس يقول للمستعمر المغتصب ” من يعتذر فقد اتُّهم” وان تونس كانت تحت الحماية وليست تحت نير الاستعمار، وفيما جاء في تراث ِتلكُم الحقبةِ الغامضة والحمّالة للاوجه أنّ مواقف روادها كانت في غالبيتها خارج نواميس التاريخ الانساني وأن الرئيس كان يقرأُ كل مُطالعات الرئيس الفرنسي انبهارا بشخصيته الفذة واعترافا بوجاهة مواقفه القيادية وفكره المستنير وإسهاماته الغزيرة وفهمه الثاقب لموازين القوى في دول البحر الأبيض المتوسط حتى انه أعرب عن موافقته التامة لما قاله خاصة حول دفاعه المُطلق عن مصلحة فرنسا العليا في المنطقة، وبهجته بتحقيق حُلمه ببناء مُستشفيات للمرضى وخط للسكك الحديدية يشق داخل البلاد شقّاً ولا يُرى عنه غبار، من اقصى شمالها الى اقصى جنوبها، مُصطفا وراءه، يرنو الى تحقيق شعار “الشعب يريد”.
أما الأستاذ طارق الكحلاوي، فقد قال في تدوينة له: “في موقف الرئيس قيس سعيد من لائحة الاعتذار. استمعت جيدا للحوارين بالعربية والفرنسية، ورأيي:
-ماهو خاطئ في رأيي: استحضار الفرق بين “الحماية” و”الاستعمار”، كأن لهذا تاثير على أصل المسؤولية على الجرائم، والإشارة إلى أن ستين سنة مرت على الاحتلال… وهو ما فُهم منه أن جرائم الاحتلال تسقط بالتقادم…
-ماهو صحيح في رايي: اقر بضرورة الاعتذار، وارفقه بضرورة ان يكون مرافقا مع التعويضات… وبالتالي أن لا يكون شكلا في إطار لائحة… وأن اللائحة كانت مناسبة للمناكفات السياسوية أساسا وهذا من أسباب فشلها…
الآن الغريب أن يتعرض قيس سعيد إلى الانتقاد بل التشهير لموقفه هذا من قبل أيّ شخص يدعم موقف أي طرف سياسي ساهم في إسقاط اللائحة… من حق أي كان أن يكون له موقف من اللائحة (شخصيًا ساندتها خاصة بعد التحويرات الأخيرة عليها) لكن لا يجب أن تتلون المواقف ويتم استعمالها لتصفية حسابات مع أي كان…
قيس سعيد في رأيي شخص قادم من خارج مدارج السياسة، آتٍ من مدارج الجامعات… وبصدد تعلم لغة السياسة مع لغة الديبلوماسية… في ظرف مشحون وشديد الضغط والكثافة… وهو ما يفسر تصريحاته غير الدقيقة أحيانا… ليس لأنه شيطان كما يقول البعض…”.
Views: 0
Exit mobile version