أُسدل الستار يوم أمس الأربعاء 19 ماي 2021 على موسم 2020-2021 لبطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم، ومثلما كان منتظرًا أبدع لاعبو النادي الإفريقي وأبدع جمهوره الوفيّ.
في موسم ليس ككل المواسم، في موسم استثنائي بكل المقاييس، استثناء بالنسبة للاعبين، والجمهور والهيئة المديرة. وعملت منظومة الفساد التي يقودها أحد الأندية التونسية، على الإيقاع بالنادي الإفريقي، وإنزاله إلى الرابطة الثانية ليكون عبرة لكل من يتطاول على المنظومة الفاسدة.
في هذا الموسم، وما أن انتهت مرحلة الذهاب، ولم يجمع النادي الإفريقي سوى 8 نقاط من فوز وحيد و5 تعادلات، حتى تحركت منطومة الفساد بقوة، وقررت أن تكون الضحية، هذا الاسم الكبير في سماء الكرة العربية والإفريقية، من خلال إنزاله إلى الرابطة الثانية.
قرارهم هذا، والمستوى الذي بلغه النادي الإفريقي في مرحلة الذهاب، حتى أنّ الفرق النكرة تجرّأت على سيّدها وهزمته في عقر داره بينما المنظومة تراقب من قريب، لكن الجماهير تفطنت لهذا القرار الذي سيوقع بصاحب رباعية القرن.
انتفض الجمهور واستطاع أن ينجح في تغيير إدارة فاشلة، بهيئة شابة جديدة برئاسة يوسف العلمي، وبقية زملائه.
وكان القرار العاجل بعودة كوادر النادي الإفريقي، وخاصة بلال العيفة وصابر خليفة وزهير الذوادي وحمزة العقربي ومهدي الوذرفي وسيف الشرفي، إلى جانب تعيين منتصر الوحيشي مشرفا على تسيير الشؤون الفنية للنادي الإفريقي.
وبعودة الكوادر، إلى جانب منتصر الوحيشي، عاد للنادي الإفريقي بريقه وقوته، فتحسنت النتائج، وتحصل زملاء بلال العيفة خلال 13 لقاء في مرحلة الإياب على 6 انتصارات و7 تعادلات ليجمعوا 25 نقطة ويكونوا بالتالي في المرتبة الثانية بعد الترجي في الإياب.
المستوى الكبير الذي أظهره لاعبو النادي الإفريقي خلال مرحلة الإياب لم يأت من فراغ، أو بفضل حنكة المدرب الوحيشي وقوة اللاعبين وقدراتهم العالية وتركيزهم الكبير وإيمانهم بضرورة إخراج نادي الشعب من الوضعية الصعبة التي وجد فيها خلال مرحلة الذهاب، لأسباب عديدة، سنعود لها في مقال قادم.
لاعبو النادي الإفريقي، وبدون استثناء كانوا في مستوى المهمة التي أوكلت إليهم، وخاصة الكوادر، بلال وصابر وحمزة وزهير.
هؤلاء، إلى جانب بقية اللاعبين كانوا على قدر المسؤولية، واستطاعوا أن يحموا النادي الإفريقي من مؤامرة منظومة الفساد.
وعلى عكس المدرب الأول الأسعد الدريدي، الذي لم يستطع التعامل مع اللاعبين، حتى أنه لم يترك أيًّا من الخطوط الثلاثة في حالة استقرار وخاصة خطّيْ الدفاع ووسط الميدان، وكان كثير التغيير في كل مباراة بالرغم من أنّ أغلب اللاعبين كانوا يفتقدون إلى الخبرة اللازمة، فإنّ منتصر الوحيشي كان له رأي آخر.
المدرب منتصر الوحيشي عمل على إيلاء جانب الاستقرار في الخطوط الثلاثة، وخاصة خطيْ الدفاع ووسط الميدان، فكان بلال العيفة وحمزة العقربي وغازي عبد الرزاق، دائمي التواجد في خط الدفاع، بينما حافظ الوحيشي على ثالوث وسط الميدان وسام يحي وأحمد خليل وخليل القصاب، وكذلك آدم الطاوس، كمتوسط ميدان رابع في بعض المقابلات وخاصة ضد الترجي والنجم.
وأذكر مثلا كيف أنّ الأسعد الدريدي في مباراة الذهاب ضد النادي الصفاقسي بملعب الطيب المهيري، أبعد خليل القصاب إلى مركز ظهير أيمن، بينما اعتمد على وسام يحي، ولاعبيْن شابيْن لا خبرة لهما، وهما معز الحاج علي و ****** في وسط الميدان، مقابل لاعبي النادي الصفاقسي الأجنبييْن سوكاري ونابي، وهم يستفق أبدًا لإصلاح وترميم وسط الميدان، حتى نهاية المباراة بثلاثية نظيفة للنادي الصفاقسي، وهو ما يؤكد أن الدريدي لا يحسن التعامل مع مجريات المباراة ولا يحسن إدخال تغييرات خلال اللعب لأنه لا “يقرأ” المباراة جيدًا.
في الواقع لقد برز جميع اللاعبين، وقدموا مستوى طيبًا، ولكن بعضهم تميّز عن البقية، وكانوا فاعلين في تحقيق النتائج الجيدة للنادي الإفريقي في مرحلة الإياب.
بلال العيفة وراء استقرار دفاع النادي الإفريقي
أوّل هؤلاء المتميزن، قلب الدفاع بلال العيفة، فهو منذ أول مباراة له في مرحلة الإياب مع المجموعة، وبالرغم من عدم جاهزيته البدنية، فقد منح العيفة الاستقرار لخط الدفاع، وكان سدًّا منيعًا أمام جميع المهاجمين.
وحتى الخطأ الذي اعتبره البعض أنه يقف وراءه، وأقصد ضربة الجزاء التي جاءت بهدف التعادل للترجي في الدقيقة 90، فإنّ الواقع يقول إنّ غازي عبد الرزاق هو الذي غطّى على العيفة وغيّر مسار الكرة، ورغم لمس الكرة بيده بعد أن لمست رأسه وإعلان الحكم عن ضربة جزاء عدل بها الترجي (1/1) فقوانين الفيفا تقول بأنها لا تعتبر مخالفة.
بلال، هو مثال القرينته، والقوة، وحب الجمعية، وهو يعطي بلا حساب.
وسام يحي: محرار وسط ميدان النادي الإفريقي
من المتميّزين، برغم بلوغه السابعة والثلاثين، يبقى وسام بن يحي المحرار الذي يعدّل عليه منتصر الوحيشي أوتار وسط الميدان.
وسام بن يحي، يقوم بدور مهم جدا في عملية الربط بين الخطوط الثلاثة، ومتى كان في “فورمة” فإنّ النادي الإفريقي لا يجد صعوبة في تحقيق الانتصار مهما كانت قيمة المنافس.
وسام بن يحي، قائد يعمل على مساعدة اللاعبين الشبان والرفع من معنوياتهم، والنادي الإفريقي في حاجة إلى تواجده في التشكيلة الأساسية.
ولسائل أن يسأل، لماذا لم يسجل وسام، أو لماذا لم يكن حاسمًا في مدّ المهاجمين بتمريرات ثمينة ودقيقة للتسجيل، وهذا ما يفسّر الفرص القليلة التي سنحت لخط هجوم النادي الإفريقي، والسبب يعود إلى ضعف خط الدفاع في مرحلة الذهاب، وعدم أداء يس الشماخي لدوره الذي تعوّد عليه الجمهور بالرغمن تسجيله لستّة أهداف.
الحارس عاطف الدخيلي: مفتاح الأمان
بالرغم من قبوله لعديد كبير من الأهداف في مرحلة الذهاب مقارنة بالموسم الماضي 2019-2020، فإنّ الحارس عاطف الدخيلي كان متميزا واستقر أداؤه في جميع المباريات، وكان بمثابة عنصر الأمان لبقية عناصر الفريق.
الدخيلي، برغم الانتقادات التي طالته في مباراة الأولمبي الباجي، فإنه أكد مرة أخرى في لقاء الجولة الأخيرة ضد الملعب التونسي أنه الحارس الأبرز، وله مكان في التشكيلة الأساسية للمنتخب التونسي.
الحارس الدخيلي، وفي اللحظات الأخيرة من المباراة، وقف سدًّا منيعًا أمام محاولتيْن جريئتين من مهاجميْ الملعب التونسي، وهو ما أثبت من جديد أنه الأفضل والأكثر جاهزية من بين حرّاس الأندية التونسية.
أحمد خليل: قلب وسط الميدان الدفاعي
برغم من عدم انتظام أدائه في مرحلة الذهاب، فإنه باستقرار لاعبي وسط الميدان، وكذلك وجود بلال العيفة في وسط الدفاع، منح ذلك ثقة كبيرة لأحمد خليل الذي أصبح صمام الأمان وكان حاسمًا ومهمًّا وجوده في التشكيلة الأساسية في كل المقابلات
وإلى جانب أدائه الدفاعي المتميز، فقد تمكن أحمد خليل من تسجيل هدف جميل.
رودريغ كوسي: جوكير النادي الإفريقي
الجندي المجهول، أو جوكير النادي الإفريقي، البينيني رودريغ كوسي، كان مفاجأة الموسم، فإلى جانب قوته في قطع الكرات من المنافس، فإن كوسي وجد فيه النادي الإفريقي الحلّ في وسط الدفاع، فقد لعب رودريغ في وسط الدفاع وقام بدور مهمّ جدا، وكان من أبرز اللاعبين في أغلب اللقاءات.
ما يُعاب على رودريغ كوسي، ذو البنية الجسدية القوية، أنه ما إن يقطع الكرة من المنافس حتى يعيدها إليه مرة ثانية، فهو لا يعرف ما يفعل بالكرة فيتخلص منها بسرعة، وكثيرا ما يُعيدها إلى المنافس.
ولو استطاع رودريغ أن يتجاوز هذه الأخطاء فسيكون من أفضل عناصر وسط الميدان في النادي الإفريقي.
حمزة العقربي: المدافع الذي كذّب كل الانتظارات
الكثير من الملاحظين لم يكن ينتظر مستوى متميزا من المدافع ظهير العقربي الذي كثرت أخطاؤه في الموسم الماضي.
العقربي، ومن أول مباراة لعبها، أظهر أنه جاهز على المستوى النفسي والمعنوي برغم النقص البدني.
وقد تمكن العقربي، فعلًا، من تقديم أداء متميز، وكان جاهزا في كل المقابلات لتقديم المساعدة لزملائه.
وإلى جانب دوره الدفاعي، يتميز العقربي بدور هجومي بارز في كل المقابلات. وكان وراء الانتصار الهام الذي تحقق في المنستير بالذات ضد الاتحاد المنستيري بتسجيله لهدف الانتصار.
وبالتالي فإن حمزة العقربي كان من أفضل العناصر التي ساهمت في حصول النادي الإفريقي على نتائج جيدة جدا خلال مرحلة الإياب.
صابر خليفة: خبرة وهدفان حاسمان
صابر خليفة، كان من أبرز العناصر التي ساهمت في تميز النادي الإفريقي خلال مرحلة الإياب.
وإلى جانب دوره الهجومي، وحركته الدائمة بين مدافعي الفرق المنافسة، فقد تمكن من تسجيل هدفين جميليْن وحاسميْن، كيف لا وقد أعاد الاطمئنان إلى الجماهير بتسجيله هدف التعادل ضد النجم الساحلي.
صابر خليفة، وجوده وحده، دون أن يسجل الأهداف، يمثل رعبًا، ومشكلًا لكل المدافعين الذين قد يفكرون في دعم خطوطهم الأمامية لتسجيل الأهداف.
وكان صابر وراء ضربة الجزاء التي جلبت الانتصار للنادي الإفريقي ضد الملعب التونسي وذلك بعد أن أرغم المدافع على ارتكاب الخطأ.
ولولا التقدم في السن، لسجل صابر خليفة 3 أو 4 أهداف أخرى، ولزاحم على ترتيب الهدافين.
زهير الذوادي: الخبرة تكفي وحدها أحيانًا
مثل بلال وصابر وحمزة، فإن زهير الذوادي عاد وقدم المساعدة لزملائه في مرحلة الإياب.
وتمكن زهير من تسجيل هدف جميل من مخالفة مباشرة ضد الأولمبي الباجي.
وقدم تمريرة حاسمة ودقيقة ليس الشماخي الذي سجل هدف النادي الإفريقي ضد الترجي.
ودعّم كثيرا بقية اللاعبين الشبان، ورفع من معنوياتهم في موصم صعب.
يس الشماخي: كان بالإمكان أحسن ممّا كان
هداف النادي الإفريقي بـ 6 أهداف، يس الشماخي، قدم مستوى طيبًا في الجملة.
ورفم تسجيله لستة أهداف، فكان الجمهور يطالبه بأكثر من ذلك، لا لشيء إلا أنه يعرف أنّ الشماخي لديه من الإمكانيات والفنيات ما يسمح له بأن يكون أحسن لاعب في الدوري التونسي.
صحيح أنّ المستوى العام للنادي خلال مرحلة الذهاب كان هزيلا، لكن في مرحلة الإياب بقي الشماخي شبه معزول باعتبار أنّ الفرص والإمداد الهجومي من عناصر وسط الميدان كان قليلًا.
الشماخي ذو فنيات عالية، ولذلك فإنّه عليه توظيفها أمام المرمى وتسجيل الأهداف. ولو تمكن من تسجيل تلك الفرصة الثمينة ضد الأولمبي الباجي لكان النادي الإفريقي في وضعية مريحة قبل مباراة الجولة الأخيرة ضد الملعب التونسي.
الأكيد، أنّ يس الشماخي بمزيد من العمل أمام المرمى، وبوجود لاعبين متمزين كمتوسطي ميدان هجومي، سيكون بإمكانه التألق والتسجيل.
موسم صعب، واستثنائي، مرّ على النادي الإفريقي، بلاعبيه ومسيريه، وجماهيره، يجب أن يكون عبرة لإصلاح الأخطاء التي حصلت .
وجمع النادي الإفريقي على 33 نقطة، وحصل على المرتبة السابعة، في موسم ينتظر الجمهور أن ينساه إلى الأبد.