لأول مرة في تونس حوار وطنيّ حول قطاع الطاقة والمناجم
أطلقت تونس اليوم الخميس،بمدينة الثقافة، ولأول مرة، حوارًا وطنيًا حول قطاع ما انفكّ يثير جدلًا واسعًا في تونس، وهو قطاع الطاقة والمناجم.
وتعيش تونس حاليًا تفاقمًا للعجز الطاقي وصل إلى حوالي 50 بالمائة في أواخر 2018، ما يعني أن تونس تستورد 50 بالمائة من حاجياتها للطاقة، حسب معطيات الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، وفق وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
ويشارك في هذا الحوار، الأول من نوعه منذ ثورة 2014، حول قطاع حيوي ومثير للجدل، ممثلون عن الحكومة ومنظمات الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل ولجنة الطاقة بمجلس نواب الشعب وممثلون عن المجتمع المدني وعن المؤسسات الناشطة في قطاع الطاقة والمناجم.
ويأتي الحوار في ظرف يتطلع فيه التونسيون إلى نقلة في هذا المجال الإستراتيجي بالنسبة للاقتصاد التونسي. فحسب مسح قامت به مؤسسة “كونراد إدناور” الألمانية بالتعاون مع “سيغما كونساي”، أقرّ 95 بالمائة من المستجوبين بضرورة مراجعة الإستراتيجية الوطنية في قطاع الطاقة.
وكان المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية قد نظم ملتقى حول محور “أي مستقبل لقطاع الطاقة في تونس؟”، في ديسمبر/كانون الأول 2018، ذكر فيه ممثلو الهياكل المكلفة بالطاقة مثل الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، أن الموارد الطاقية لتونس ما انفكت تتراجع مقابل تزايد الحاجيات. وتشير المعطيات التي تم ذكرها، آنذاك، أن موارد الطاقة الأولية تراجعت بأكثر من 6 بالمائة بين 2010 و2017، أي من ,87مليون طن مكافىء نفط في 2010 إلى 8ر4 طن مكافىء نفط في 2017.
كما تعد الطاقة بالإضافة إلى قطاع المناجم من القطاعات المثيرة للجدل في جميع الأوساط الحكومية والسياسية والبرلمانية والاجتماعية. وتطفو على السطح في كل جدال حول هذا الموضوع نقاط ثلاث وهي الحوكمة وغياب الشفافية والفساد إلى جانب ضرورة مراجعة إستراتيجية الدولة في هذا المجال.
حوار وطني حول قطاع الطاقة والمناجم
ويعرف قطاع الطاقة والمناجم هزات و اضطرابات متواصلة منذ ما يقارب 9 سنوات. واستأثر قطاع الفسفاط بالجزء الأكبر من هذه الاضطرابات التي كبّدت البلاد خسائر فادحة جراء شلل الإنتاج وتوقف التصدير. فقد تراجع إنتاج الفسفاط ومشتقاته بين سنتي 2010 و2018 بنسبة 7ر5 بالمائة مما سبب خسائر قدرت ب3 مليار دينار، حسب تصريح أدلى به لــ”وات” مدير التجارة الخارجية بوزارة التجارة، خالد بن عبد الله.
ولم تخل تقارير دولية (البنك العالمي…) ووطنية (دائرة المحاسبات…) من إشارات إلى ضرورة تدعيم الحوكمة الرشيدة في قطاعي المناجم والطاقة. وقد جاءت “زوبعة ” الإقالات، في 31 أوت 2019، على مستوى وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، لتبرر شبهات الفساد وسوء التصرف التي تحوم حول القطاعين.
وكان رئيس الحكومة قد قرر، في هذا التاريخ، إقالة وزير الطاقة وأربعة مسئولين في الوزارة في قضايا “فساد إداري ومالي”.
وطالت الإقالة، آنذاك، المدير العام للمحروقات والرئيس المدير للشركة التونسية للأنشطة البترولية والمدير العام للشؤون القانونية بوزارة الطاقة. وألحقت وزارة الطاقة بوزارة الصناعة إلى اليوم.
وسيدور الحوار حول محاور الأمن الطاقي والتحكم في الطاقة وترشيدها إلى جانب قطاع المناجم وسبل تحسين مردوديته والحوكمة في هذين القطاعين، كما سيأتي على ذكر العديد من المسائل التي تهم المواطنين بدرجة أولى ومن بينها (كلفة استهلاك الكهرباء والتشغيل في شركات الفسفاط والعدالة الطاقية والطاقات المتجددة وترشيد استهلاك الطاقة)….
قطاع الطاقة والمناجم: الطاقات المتجددة هي طوق النجاة
ولئن ارتأت تونس، منذ ما قبل الثورة أن تتجه نحو الطاقات المتجددة كبديل للحد من تفاقم العجز الطاقي وفي تمش يرتكز على تنويع مصادرها وتنمية مشاريع الطاقة الشمسية بالأساس وطاقة الرياح وغيرها، فإن نتائج هذا التمشي لا تزال محتشمة وليست في مستوى التحديات التي تواجهها البلاد في ظل واقع اقتصادي متقلب وكذلك في ظل التغيرات المناخية.
فالمخطط الشمسي التونسي الذي لا يستهدف الاستغناء السريع والفجئي عن الطاقة التقليديّة الأحفورية (نفط وغاز) وإنما بلوغ نسبة 30 بالمائة في المزيج الطاقي من الطاقات المتجددة في أفق 2030 وكذلك الاستغلال الأمثل لمكامن النجاعة الطاقية، ما تزال ثماره غير بادية للعيان، حسب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني.
ويرى هؤلاء النشطاء أن موقع تونس وإمكاناتها من الطاقة الشمسية قد تجنبها هدر موارد مالية كبيرة من خلال الاستثمار في إنتاج هذه الطاقة النظيفة والمتجددة وتجهيز المساكن بالألواح الشمسية والقيام بانتقال طاقي حقيقي.
وكان الخبير في الطاقة لدى البنك العالمي، عز الدّين خلف الله، قد صرح إلى إذاعة محلية، على هامش ورشة عمل حول “تمويل مشاريع الطاقة الشمسية المركزة”، أنّه يمكن تركيز أكثر من 500 ميغاوات من الطاقة شمسية في المزيج الطاقي التونسي ما بين 2030 و2035.
وأطلقت الحكومة في 2016 خطة عمل لتسريع نسق مشاريع الطاقات المتجددة، أملتها بالخصوص ضغوطات الميزانية بسبب الدعم الطاقي، إذ تتسبب الواردات الطاقية في حوالي ثلثي عجز الميزان التجاري الذي مر من 6ر15 مليار دينار (6ر4 مليار أورو) في 2017 إلى 19 مليار دينار (6ر5 مليار أورو) العام الماضي (2018)، حسب معطيات أوردتها الغرفة التونسية الألمانية للصناعة والتجارة بداية ماي 2019.
بناء واستغلال محطات كهربائية تشتغل بالطاقة الهوائية
أضافت وكالة تونس أفريقيا للأنباء أنّ وزارة الصناعة انطلقت، منذ جانفي/يناير الماضي، في منح تراخيص للمستثمرين الخواص التونسيين والأجانب لبناء واستغلال محطات كهربائية تشتغل بالطاقة الهوائية (4 مشاريع بطاقة جملية تقدر ب 120 ميغاواط) وبالطاقة الشمسية والفوطوضوئية. وترنو تونس إلى تركيز طاقة إضافية تقدر ب1000 ميغاواط من الطاقات المتجددة الهوائية والشمسية، علما وأن 97 بالمائة من الطاقة التي تستخدمها البلاد تتأتى من مصادر أحفورية (نفط، غاز..) وهي مؤشرات على تبعية طاقية مقلقة وعدم استقلالية في هذا المجال.
إذا كانت تونس تأمل في انتقال طاقي حقيقي، فإن الصحوة البيئية التي يشهدها العالم اليوم في ظل التغيرات المناخية، وتنامي الوعي بضرورة التصدي للتلوث الناتج عن الطاقات الأحفورية، قد يساعد على تحقيق الأهداف المرسومة في هذا المجال. ومن هذا المنطلق، يمكن أن يكون الحوار الوطني حول قطاع الطاقة والمناجم بادرة تفتح الطريق نحو عملية تغيير ونقلة حقيقية، ولكنه لا يكفي وحده لإعادة هيكلة قطاعين استراتيجيين والتصدي للإخلالات وسوء التصرف الذي طالهما لعدة عقود.