تقرير: الحالة العربية في السودان والجزائر وسوريا واليمن وليبيا والخليج في جويلية/يوليو 2019
نشرت صحيفة الاستقلال تقريرٌا مفصّلًا عن الحالة العربية خلال شهر جويلية/يوليو 2019 في عديد الدول العربية من بينها السودان والجزائر وسوريا واليمن وليبيا وفلسطين والخليج العربي.
وهذا هو التقرير الذي أعدّه قسم البحوث بصحيفة الاستقلال كاملًا.
تقرير الحالة العربية: يوليو/ تموز 2019
- خطوة في طريق المسار التفاوضي: الاتفاق السياسي
- مضمون الاتفاق
- اعتراض القوى الثورية داخل تحالف الحرية والتغيير
- أبرز نقاط الخلاف
- مفاوضات في أديس أبابا
- تقرير لجنة التحقيق ودلالة توقيت نشره
- محاولتا انقلاب
- حصاد قتلى وجرحى الغارات الروسية على إدلب
- التحولات في الأجهزة الأمنية في سوريا
- إمكانية عودة التجارة بين تركيا وسوريا
- انسحاب الإمارات من اليمن
- التحالف السعودي الإماراتي على القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال
- الخليج العربي ومضيق هرمز
- أهمية مضيق هرمز
المقدمة
جدلية باتت تشغل الجميع حول مستقبل ثورات الربيع العربي، وركوب النخب العسكرية موجة الثورة للالتفاف على الشعوب العربية وثورتها المطالبة بالتحرر من الظلم والتبعية والتخلف، لتكبت آمال التحرر والانطلاق نحو مستقبل أفضل.
بداية من مصر، ومحاولات استنساخ تجربتها في السودان والجزائر، مرورا بسوريا التي لم يجد نظام الأسد فيها غضاضة من قصف شعبه بالطائرات والأسلحة الكيماوية في سبيل البقاء!! وانتهاءً بليبيا التي يقاتل فيها لواء متقاعد (خليفة حفتر) بميليشياته حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، طمعا في السلطة.
فهل ستكون الشعوب قادرة على حسم الجولة لصالحها، وانتخاب حاكميها بكامل إرادتها، وتحقيق الديمقراطية المنشودة، وعودة الجيوش لثكناتها، أم أن محور الثورة المضادة المدعوم من السعودية والإمارات ستكون له الغلبة؟
يرصد تقرير الحالة العربية في محور حراك الشعوب تطورات الوضع في السودان، والجزائر خلال شهر يوليو/تموز 2019، كما يتناول محور الحالة السياسية مجموعة من القضايا المهمة على الساحة العربية خلال الشهر، هي هدم قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنازل في القدس المحتلة، واحتجاز الناقلة البريطانية في الخليج العربي وتداعياته، وانسحاب الإمارات من بعض مناطق اليمن، ومواصلة هجمات الحوثيين المتكررة على أهداف في عمق العربية السعودية، وهجمات حفتر على العاصمة طرابلس، وكذلك رصد الحالة السياسية في سوريا، ودول الخليج العربي وليبيا وفلسطين.
بينما ركز المحور الاقتصادي هذا الشهر على 3 موضوعات، هي الاقتصاد التونسي، ومراجعة خبراء صندوق النقد الدولي الذين صدّروا رؤية تشاؤمية حول اقتصاد تونس خلال 2019، ثم كانت القضية الثانية ما يتعلق بحصول سلطنة عمان على قرض جديد من السوق الدولية بنحو 3 مليارات دولار، واستمرار الحلقة المفرغة للعجز والديون، وأيضا ما أثير حول انتهاء مصر من التزاماتها بشأن تنفيذ كافة بنود اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، واستحقاقها للشريحة الأخيرة من قرض الصندوق بنحو 2 مليار دولار.
وتضمن المحور الفكري قضيتين مهمتين تتعلقان بالفكر السياسي الإسلامي وهما معالم المشروع الفكري للدكتور عبد الوهاب المسيري، وفرنسة التعليم في المغرب بين العلمي والسياسي.
محور حراك الشعوب
تواصل الحراك الشعبي في السودان والجزائر في يوليو/تموز 2019، إذ شهدت الساحة السودانية خطوات يمكن اعتبارها محورية باتجاه الحل السياسي وانفراجة في المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير بعد تعقدها إثر الفض الوحشي لاعتصام القيادة العامة، إذ أعلن الطرفان توصلهما لاتفاق سياسي حول ترتيبات المرحلة الانتقالية على أن يتبعه توقيع الإعلان الدستوري لتأخذ تلك الترتيبات الصبغة القانونية، لكن خلافا داخليا بين قوى الثورة حول بنود الإعلان أجّل التوقيع، وانطلقت تلك القوى في مفاوضات بأديس أبابا لمحاولة تجاوز الخلافات وبالفعل أعلنت التوصل لاتفاق في نهاية الشهر.
تبقى المرحلة المقبلة رهنا بقدرة القوى الثورية على التنسيق فيما بينها والتوحد على مطالب واحدة واضحة لدعم موقفها التفاوضي مع المجلس العسكري بخصوص الإعلان الدستوري، وبمدى جدية المجلس العسكري نفسه في اتخاذ خطوة حقيقية باتجاه الانتقال السلمي للحكم المدني الديمقراطي.
أما في الجزائر، فلم تشهد الساحة تطورا محوريا باتجاه الخروج من الأزمة الحالية، فالمظاهرات تتواصل، والرئيس المؤقت يطرح مبادرة للحل الوطني ويشكل لجنة من 6 مستقلين لا تلقى قبول الشارع ولا تلبي طموحاته بإقصاء جميع رموز النظام السابق.
أولًا: الحراك الشعبي في السودان
خرج السودانيون إلى شوارع الخرطوم بأعداد قُدِّرت بمئات الآلاف في 30 يونيو/حزيران 2019 للمرة الأولى بعد فض اعتصام القيادة العامة[1]، وبعدها استأنف المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير مفاوضاتهما المباشرة بشأن إدارة المرحلة الانتقالية بعدما توقفت لشهر كامل إثر سقوط عشرات القتلى في أحداث فض الاعتصام الدامية، وفي 5 يوليو/تموز توصل الطرفان إلى اتفاق وفق المبادرة الإثيوبية الإفريقية المشتركة بشأن تشكيل “مجلس سيادي” من المدنيين والعسكريين لإدارة البلاد لحين إجراء الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول 2022[2].
وينص اتفاق 5 يوليو/تموز 2019 على تشكيل مجلس عسكري مدني مشترك يحكم البلاد لمدة 3 سنوات مكون من 5 عسكريين و5 مدنيين، بالإضافة إلى مدني آخر يتفق عليه الطرفان[3].
خطوة في طريق المسار التفاوضي: الاتفاق السياسي
تواصلت المفاوضات ثم كُلّلت في 17 يوليو/تموز بالخطوة الأولى المتمثلة في”الاتفاق السياسي”، إذ وقّع عليه الطرفان بالأحرف الأولى من أسمائهم على أن يُستكمل بالخطوة الثانية التي تضفي عليه الصبغة القانونية وهي التوقيع على “الوثيقة الدستورية” التي تضم القضايا الجوهرية التي توصل إليها الاتفاق السياسي وتنظم العلاقات بين مؤسسات الحكم وتحدد صلاحيات كل منها في الفترة الانتقالية[4].
مضمون الاتفاق
وعن فحوى الاتفاق السياسي فقد جاء متضمنًا 6 فصول تتوزع على 22 بنداً، أهم هذه البنود هي:
- البنود الأربعة الخاصة الأولى تحت عنوان “المبادئ المرشدة” واتفق الطرفان فيها على “قدسية مبدأ السيادة الوطنية والوحدة الوطنية للسودان بكافة تنوعاته، والتعامل بمبدأ الشراكة وحسن النيّة، ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم التقليدية للشعب السوداني، وتسوية الخلافات عبر الحوار والتواصل”.
- البنود الخاصة بـ “الترتيبات الانتقالية” والتي تنص على إنشاء 3 هياكل لإدارة المرحلة الانتقالية هي “مجلس السيادة” و”مجلس الوزراء” و”مجلس السيادة”.
- مجلس السيادة: تم الاتفاق على أن يتشكل المجلس من 11 عضواً، بواقع 5 أعضاء لكل طرف، وتُضاف إلى الأعضاء العشرة شخصية مدنية يتم اختيارها بالتوافق بين الطرفين. كما اتفق الطرفان بشأن رئاسة المجلس على أن يترأسه أحد أعضاء المجلس العسكري في الـ21 شهرًا الأولى، ثم يترأس أحد الأعضاء المدنيين الثمانية عشر شهراً المتبقية، على أن يحدد مرسوم الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية صلاحيات ووظائف وسلطات مجلس السيادة.
- مجلس الوزراء: وفيما يتعلق بتشكيل مجلس الوزراء نصّت الوثيقة على أن تختار قوى ” الحرية والتغيير” رئيس الوزراء، على أن يتشكل المجلس من رئيس وعدد من الوزراء لا يتجاوز العشرين من كفاءات وطنية مستقلة بالتشاور، يختارهم رئيس الوزراء من قائمة قوى “إعلان الحرية والتغيير” ويعتمدهم مجلس السيادة، فيما عدا وزيرَي الداخلية والدفاع إذ نصّت الوثيقة على تعيينهما من جانب رئيس الوزراء بعد أن يختارهم الأعضاء العسكريون في مجلس السيادة.
- المجلس التشريعي: تمسكت “الحرية والتغيير” بنسبة 67 % من عضوية المجلس، والنسبة المتبقية للقوى الأخرى غير الموقّعة على إعلان “الحرية والتغيير”، على أن يتشكل المجلس في فترة لا تتجاوز التسعين يوماً من تاريخ تكوين مجلس السيادة، واتفق الطرفان على أن تؤجّل المناقشات بشأن تشكيله إلى ما بعد تكوين مجلسي السيادة والوزراء.
- إنشاء لجنة تحقيق: تشكل لجنة تحقيق وطنية مستقلة في أحداث العنف في 3 يونيو/ حزيران 2019، وغيرها من الأحداث والوقائع التي تمت فيها خروقات لحقوق المواطنين وكرامتهم مدنيين كانوا أو عسكريين.
- أما الفصل الخامس فأشار إلى مهام المرحلة الانتقالية، ومن أهمها”وضع السياسة والمنهج الفعال لتحقيق السلام الشامل في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالتشاور مع كافة الحركات المسلحة، وتحقيق سلام عادل وشامل يوقف الحرب نهائيا بمخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها مع الوضع في الاعتبار التمييز الإيجابي”.
- وأخيرًا، تطرق الفصل السادس إلى مسألة الدعم الخارجي تحت عنوان “المساندة الإقليمية والدولية”[5].
اعتراض القوى الثورية داخل تحالف الحرية والتغيير
كان من المقرر التوقيع على “الوثيقة الدستورية” يوم الجمعة 19 يوليو/تموز 2019 فإذا بالقوى الثورية المتمثلة في قوى الحرية والتغيير تطلب التأجيل لمزيد من المشاورات الداخلية حول عدد من نقاط الخلاف وبعض بنود الاتفاق التي انتقدتها بعض الحركات الثورية أبرزها “الجبهة الثورية” و”الحزب الشيوعي” و”شبكة الصحفيين السودانيين”.
إذ أعلنت “الجبهة الثورية”، رفضها للاتفاق لكونه “لم يتطرق إلى ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماعات التشاورية للقوى الثورية، وتجاهل أطرافا وموضوعات مهمة” وقالت في بيان إنها ليست طرفاً في الإعلان السياسي ولن توافق عليه بشكله الراهن”.
تضم هذه الجبهة عددًا من الحركات المسلحة المتحالفة مع “نداء السودان”، أحد مكونات “قوى الحرية والتغيير” في مقدمتها حركتي تحرير السودان والحركة الشعبية[6].
كما رفض الحزب الشيوعي الاتفاق، في بيان، متهمًا إياه بتكريس هيمنة العسكر والتعارض مع قرار الاتحاد الإفريقي بتسليم السلطة لحكومة مدنية، والتفافه على لجنة التحقيق المستقلة الدولية، وإعطائه شرعية للمجلس العسكري لا يستحقها، وعدم رجوع بعض قوى الحرية والتغيير في التوقيع على الاتفاق لبقية مكونات التحالف”[7].
وكذلك رفضت شبكة الصحفيين السودانيين الاتفاق قائلة إنّه يصب في الاتفاقيات القديمة ذاتها التي لم تصنع واقعاً جديداً للشعب السوداني، وأنه “يريد قطع الطريق أمام المَد الثوري من أجل الحفاظ على المُكتسبات والامتيازات التّاريخية لقلة من السودانيين على حساب أغلبية الشعب”[8].
أبرز نقاط الخلاف
يرصد محللون أبرز نقاط الاختلاف بين القوى الثورية والمجلس العسكري، وبين القوى الثورية وبعضها البعض، والتي قادت إلى تأجيل التوقيع على الوثيقة الدستورية في التالي:
- يصر المجلس العسكري على الحصانة الاستثنائية لأعضاء المجلس السيادي والتي تحصنهم ضد المساءلة القانونية ضد أية جرائم ترتكب طوال المرحلة الانتقالية، لكن قوى المعارضة ترفض هذه الحصانة خوفًا من إفلات المتورطين في مجزرة فض الاعتصام في 3 يونيو/حزيران 2019 من التحقيق والعقاب[9].
- إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، إذ أورد مشروع الإعلان الدستوري قوات الدعم السريع بصورة موازية للجيش، رغم تبعيتها للقوات المسلحة، وهو ما تتحفظ عليه قوى الحرية والتغيير. كما ترى قوى الحرية والتغيير ضرورة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات خلال الفترة الانتقالية، وأن يكون ذلك من اختصاص الحكومة المنتخبة فيما يرى العسكر أن مهمة الهيكلة تسند له حصرا[10].
- عدم إثبات الإعلان الدستوري لنسب المجلس التشريعي المتفق عليها سابقا وهي منح قوى الحرية والتغيير 67% من مقاعد البرلمان وبقية القوى السياسية الأخرى 33%، والتي تراجع عنها المجلس العسكري لاحقا[11].
- يرفض البعض كذلك صدور الوثيقة الدستورية ابتداءً في ظل غياب المؤسسات الدستورية مثل مجلسي السيادة والوزراء والمجلس التشريعي وأنه كان الأولى وكان من الأولى صدورها بعد تكوين هياكل الدولة باعتبارها مصدرًا لإصدار المراسيم[12].
- احتجاج الجبهة الثورية بحركاتها المسلحة على عدم تضمين قضايا الحرب والسلام في الاتفاق السياسي.
مفاوضات في أديس أبابا
بعد تأجيل التوقيع على الوثيقة الدستورية – والذي كان مقررًا في 22 يوليو/تموز 2019، اتفقت قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية على انتداب رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير إلى أديس أبابا للتفاوض بشأن الخلافات ومحاولة تضمين قضايا الحرب والسلام في مشروع الإعلان الدستوري بعد تجاوزها في الاتفاق السياسي[13].
وفي 24 يوليو/تموز أعلن عن توصل الطرفين لاتفاق نص على “الإسراع في تشكيل السلطة المدنية الانتقالية، وأن تكون أولى مهام السلطة المدنية الانتقالية تحقيق اتفاق سلام شامل يبدأ بإجراءات تمهيدية عاجلة تم الاتفاق عليها تعمل على خلق المناخ المؤاتي للسلام، والاتفاق على هيكل يقود قوى الحرية والتغيير طوال المرحلة الانتقالية لإنجاز مهام الثورة، وستتم إجازته بإجراءات محددة تم الاتفاق عليه (دون توضيح تلك الإجراءات)”[14].
ورغم نجاح المفاوضات واعتبار هذا الاتفاق دعمًا لموقف الثورة إذ يقوي موقف الحرية والتغيير أثناء مفاوضاتها مع المجلس العسكري، لكونها أصبحت تمثل كل الطيف الوطني من أحزاب ونقابات ومهنيين وحركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني، إلا أنه سيواجه عقبات في الداخل أقلها أن قوى التغيير أضحت ملتزمة بنقل مااتفقت عليه من جانب الجبهة الثورية ليُضمَّن في الوثيقة الدستورية التي تأجّل التوقيع عليها أكثر من مرة مع المجلس العسكري -ولا ينظر لذلك التأجيل إلا باعتباره تهديدًا للموقف الثوري – لكن المجلس العسكري لم يكن طرفا في اجتماعات أديس أبابا وربما يتخذها ذريعة للمماطلة والتسويف، كما كان المجلس قد أعلن سابقًا بأنه لن يسمح للحركات المسلحة بأي نشاط سياسي قبل التوصل إلى اتفاق سلام[15].
تقرير لجنة التحقيق ودلالة توقيت نشره
في سياق آخر، وفي 21 يوليو/تموز تسلم النائب العام السوداني عبد الله أحمد عبد الله المكلف من جانب المجلس العسكري تقريرًا للجنة التحري والتحقيق في أحداث فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم في 3 يونيو/حزيران، وكانت شكّلت بأمر من النائب العام السابق الوليد سيد أحمد محمود[16].
حمّلت قوى إعلان الحرية والتغيير سابقًا المجلس العسكري الانتقالي الحاكم مسؤولية فض الاعتصام. وأقر رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان بأن ضباطا كبارا تورطوا في فض الاعتصام، إلا أنه نفى أن تكون صدرت تعليمات بذلك من قادة المجلس.
ويرى محللون أن توقيت الإعلان عن نتائج التحقيق يثير المخاوف بأن يكون الأمر محاولة لقطع الطريق على عمل لجنة التحقيق التي ينص على تشكيلها الاتفاق السياسي خصوصًا بأن توقيت الإعلان تزامن مع تصريحات عبد الفتاح برهان حول الضباط المتورطين في فض الاعتصام وأنهم تصرفوا بشكل فرديّ دون أوامر من قادة الجيش[17].
محاولتا انقلاب
في 11 يوليو/تموز أعلن المجلس العسكري عن إحباطه لمحاولة انقلابية- هي الثالثة منذ أعلن انحيازه للثورة- دون ذكر تفاصيل كبيرة حول أسماء ورتب المشاركين ونيتهم، فيما اعتبره بعض الناشطين تذرعا للتنصل من تنفيذ اتفاق نقل السلطة للمدنيين، أو على الأقل محاولة للضغط على قوى الحرية والتغيير أثناء التفاوض على النقاط الخلافية في الإعلان الدستوري.
وفي 24 يوليو/تموز صدر بيان عن الجيش السوداني ذكر فيه مشاركة عدد من ضباط القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني برتب رفيعة في محاولة انقلابية، إلى جانب من سمّاهم “قيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني البائد” وأنهم يخضعون للتحقيق حاليًّا تمهيدًا لمحاكمتهم[18].
وتواردت الأنباء عن اعتقال عدد من القيادات العسكرية أبرزهم رئيس هيئة أركان الجيش السوداني الفريق هاشم عبد المطلب، إلى جانب بكري حسن صالح نائب الرئيس السابق عمر البشير. في حين تسلّمت قوات الدعم السريع -التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان حميدتي- مقرات هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات[19].
وفي هذا السياق، يشير خبير عسكري سوداني إلى أن “ما أدى لحملة الاعتقالات في صفوف الجيش، لم يكن انقلابًا عسكرياً، بقدر ما أنه “تمرد” داخل وحدات مفصلية وهامة بالجيش السوداني هي سلاح المدرعات والمدفعية والفرقة التاسعة المحمولة جواً، والتي تضم بداخلها نخبة من قوات المهام الخاصة عالية التدريب البدني والعسكري”. ويرى أن سبب هذا التمرد هو احتجاج ضباط الجيش على تمدد قوات الدعم السريع ونفوذها المتزايد[20].
كما تشير معلومات خاصة بشبكة “الجزيرة” إلى أن للحملة علاقة بنتائج التحقيقات في عملية فض الاعتصام وتورط شقيق الجنرال “حميدتي” فيها، وإصرار رئيس الأركان الفريق أول هاشم عبدالمطلب على الكشف عن جميع المتورطين دون استثناء.
كما تشير إلى أسباب أخرى لتزايد حدة الخلافات بين قوات الدعم السريع والجيش منها إبرام قوات الدعم السريع لصفقة دبابات روسية قوامها 100 دبابة، ما أثار احتجاج قادة أركان الجيش الذين رفضوا حصول الدعم السريع على أسلحة ثقيلة. وكذلك وجود تسريبات عن نية الجيش عزل الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من قيادة قوات الدعم السريع عبر عملية دقيقة أعدتها هيئة الاستخبارات، لكنها وصلت للفريق بشكل ما. كما تكشف عن وجود تنافس وصراع بين قيادات الجيش حول منصب وزير الدفاع خلال المرحلة الانتقالية[21].
وسواء كان الأمر محاولة انقلاب حقيقية أو تصفية حسابات داخلية في المؤسسة العسكرية، تبقى تهديدًا للفترة الانتقالية والثورة الشعبية السلمية بالانزلاق إلى العنف والصراع المسلح، وذريعة لتأخير الاتفاق الدستوري ووضع العقبات أمامه. ويبقى توقيع الاتفاق الدستوري هو الخطوة الأهم المنتظرة خلال الفترة القادمة.
ثانيًا: الحراك الشعبي في الجزائر
تواصل الحراك الشعبي هذا الشهر مؤكدًا على مطالبه وعلى رأسها رحيل جميع رموز نظام “بوتفليقة” بمن فيهم الرئيس المؤقت وحكومة نور الدين بدوي قبل إجراء أي انتخابات، مايشير إلى تواصل انسداد الأفق السياسي وعدم اقتراب الخروج من الأزمة، حتى بعدما أعلن الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح أوائل يوليو/تموز 2019 عن تكوين فريق من المستقلين يشرف على جلسات حوار لبحث ترتيبات إجراء الانتخابات الرئاسية، كما أعلن عن إجراءات للتهدئة كان أبرزها إطلاق “معتقلي الحراك الشعبي”، وفتح “وسائل الإعلام أمام مختلف الآراء السياسية”.
وبدت الاحتجاجات للأسبوع ال23 على التوالي بعد يوم واحد من الإعلان عن أسماء الشخصيات المستقلة الستة المرشحة لتولي الحوار الوطني، نذيرًا بعدم كفاية هذه المبادرة أيضا وبالعودة إلى مربع الخلافات الأول حول شرعية من يقودون الحوار الوطني، والستة المرشحون هم: كريم يونس (رئيس البرلمان بين عامي 2002 و2004)، وفتيحة بن عبو، وبوزيد لزهاري (خبيران دستوريان) وإسماعيل لالماس (خبير اقتصادي)، وعبد الوهاب بن جلول (نقابي)، وعز الدين بن عيسى (أستاذ جامعي)[22]. واستهدفت شعارات المحتجين كريم يونس بالتحديد باعتباره أحد رموز النظام السابق ورددوا “كريم يونس ارحل”[23].
لا يمكن التسرع بالحكم على رفض الحراك الكامل لهذه المبادرة وولادتها ميتة، إذ ربما يكون تضاؤل عدد المتظاهرين في الجمعة الـ 23 مقارنة بالأسابيع السابقة [24]مؤشرًا على إمكان التفاوض بشأن تلك المبادرة والقبول بها من جانب الشارع والمضي قُدمًا في إجراءات أكثر عملية نحو تنظيم الانتخابات الرئاسية لكن تبقى الأمور رهنًا بمدى ما يمكن أن يقدمه الجيش والرئيس المؤقت من إجراءات تهدئة تطمينية حقيقة في الأسابيع القادمة ومدى قدرة الحراك على الضغط لإقالة الحكومة الحالية وإشراكه في اختيار ممثلي الحوار الوطني.
في سياق آخر هذا الشهر، بدأ القضاء الجزائري النظر في قضايا فساد متهم فيها عدد من كبار المسؤولين السابقين، واحتجز عددا من رجال الأعمال والسياسيين البارزين السابقين من بينهم رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال بتهم على رأسها “تبديد المال العام”[25]، فيما بدأ خطوة لتهدئة احتجاجات الشارع.
كما جاء انتخاب المعارض الإسلامي “سليمان شنن”- رئيس كتلة “الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء” وهو التحالف البرلماني الذي يضم 3 أحزاب إسلامية معارضة- رئيسا للمجلس الشعبي الوطني في الجزائر، خلفا لرئيسه المستقيل معاذ بوشارب، مفاجأة في المشهد السياسي بسبب تمسّك النظام تاريخياً بأن يكون الرئيس من حزب السلطة “جبهة التحرير الوطني”[26]، فيما انتُقِد باعتباره محاولة للنظام لتخفيف الاحتقان وإدارة الموقف بعقد صفقة مع الإسلاميين في ظل حالة الانسداد مع قوى الحراك التي رفضت الانخراط في مبادرات السلطة للخروج من الأزمة وشددت على تنحية جميع رموز النظام السابق[27]، لكن الحدث لم يلق صدى كبيرًا عمومًا لدى المظاهرات فيما كشف عن ضعف تأثير الأحزاب السياسية على الحراك وتركيز الشارع على مطالبه، وهو ما يجعل المناورة مع السلطة والتوافق معها منفردًا في هذه اللحظات المفصلية ذو كلفة عالية لأي حزب.
محور الحالة السياسية
شهد شهر يوليو/تموز 2019 العديد من الأحداث الهامة، كان أهمها على صعيد الحالة السورية استمرار هجمات النظام السوري بدعم روسي على آخر معاقل الثورة السورية بمحافظة إدلب، وقيام بشار الأسد بتغييرات موسعة في الأجهزة الأمنية، تحت إشراف روسي، كما شهد الشهر ذاته نشر تركيا لقوات موسّعة على الحدود الشمالية لسوريا، والكلام عن إمكانية عودة التجارة بين البلدين لوضع ما قبل الحرب.
أما على صعيد دول الخليج العربي فقد شهد شهر يوليو/تموز احتجاز إيران لناقلة نفط ترفع العلم البريطاني في مياه الخليج العربي، وتلويح الإمارات بالانسحاب من بعض مناطق اليمن، وعدة هجمات بالطائرات المسيّرة للحوثيين على السعودية، وموافقة السعودية على دخول قوات أمريكية للملكة، مما يعيدنا لأجواء حرب الخليج، ويؤشر لاحتمالية اندفاع الولايات المتحدة للقيام بمواجهة مباشرة مع إيران.
أما في ليبيا فيستمر قائد الميليشيات واللواء المتقاعد خليفة حفتر في الهجوم على العاصمة طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، حيث قامت طائراته مؤخرا بقصف مركز لإيواء اللاجئين، وكذلك استمرار الهجمات والهجمات المضادة بينهما.
وفي القدس المحتلة قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم 16 منزلا في منطقة واقعة تحت سلطة “السلطة الفلسطينية”، ما أثار شجبا دوليا واسعا، وإعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي.
أولا: الثورة السورية
شهد شهر يوليو/تموز استمرار القصف العشوائي والمذابح التي يمارسها النظام السوري بمعاونة حليفه الروسي على الشعب السوري، ما نتج عنه عشرات القتلى والجرحى، كما شهد الشهر حركة موسعة قام بها رئيس النظام السوري بشار الأسد، تحت إشراف روسي، شملت تغيير معظم قيادات أجهزة الاستخبارات السورية، والعديد من المناصب العسكرية، بالإضافة إلى تعيين رؤساء جدد لمكتب الأمن الوطني وأجهزة المخابرات العامة والجوية والسياسية والجنائية، في خطوة تشير إلى محاولة النظام تحسين صورته بتغيير الوجوه سيئة السمعة، خاصة مع عودة العلاقات الديبلوماسية جزئيا بين النظام وبعض الدول العربية، وأخبار عن موافقة واشنطن على إعادة تأهيل النظام السوري مقابل خروج إيران من سوريا، حيث تؤدي العمليات الأخيرة إلى تحجيم النفوذ الإيراني بسوريا وفقا لبعض التحليلات.
الأحداث:
- شهد مطلع يوليو/تموز 2019 إطلاق الطائرات الحربية الإسرائيلية صواريخ تستهدف مواقع عسكرية سورية في حمص وضواحي دمشق، من المجال الجوي اللبناني، في هجوم أسفر عن مقتل 4 مدنيين على الأقل، وجرح 21 آخرين[28].
- وفي 6 يوليو/تموز لقى ما لا يقل عن 19 مدنياً مصرعهم، وأصيب العشرات في هجمات شنتها قوات النظام السوري، وروسيا على مناطق خفض التصعيد في شمال سوريا، في غارات جوية وقصف مدفعي استهدف بلدات كفر نابل، وخان شيخون، وغيرها في محافظة إدلب[29].
- وفي 7 يوليو/تموز زار وزير الخارجية العماني رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتعد هذه الزيارة الثانية منذ عام 2015، ومن الجدير بالذكر أن النظام العماني هو النظام الخليجي الوحيد الذي لم يقطع علاقاته بالنظام السوري، طوال فترة الثورة السورية، لكن البحرين والإمارات أعادتا مؤخرا افتتاح سفاراتيها في دمشق بعد أن كانت مغلقة منذ 2012[30].
- في 11 يوليو/تموز أسفر انفجار سيارة مفخخة عن مقتل 11 شخصًا، وإصابة كثيرين آخرين، في مدينة عفرين السورية، التي استولى عليها المتمردون المدعومون من تركيا من المقاتلين الأكراد العام الماضي.
- في 12 يوليو/تموز استهدفت غارات جوية المدن التي تسيطر عليها فصائل الثورة، في شمال غرب سوريا، ما أدى إلى توسيع نطاق القصف على آخر جيب رئيسي للمقاومة السورية، إلى المناطق التي هربت منها في معظمها[31].
- في 14 يوليو/تموز قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ما يصل إلى 20 مستشفى ومركزًا طبيًا، أصبحوا خارج الخدمة نتيجة لعدوان النظام السوري على مدينتي إدلب وحماة، آخر معاقل فصائل الثورة الرئيسية في البلاد[32].
- وفي 23 يوليو/تموز كشفت مجموعة تطلق على نفسها “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا”، عن قتل ما لا يقل عن (3988) لاجئا فلسطينيا في سوريا، بين مارس/آذار 2011 ويونيو/حزيران 2019. شمل ذلك العدد اللاجئين الفلسطينيين الذين قُتلوا في هجمات في البلد الذي مزقته الحرب، وفي السجون وأثناء رحلات الهجرة، منهم حوالي 3170 من المدنيين قضوا نتيجة القصف، والاشتباكات المتبادلة بين الجيش النظامي ومجموعات المعارضة السورية المسلحة، وتحت التعذيب في سجون ومعتقلات النظام السوري، والغرق على طريق الهجرة، والإعدامات الميدانية، والحصار ونقص الرعاية الطبية. وحوالي 817 من الضحايا هم من العسكريين التابعين للفصائل الفلسطينية الموالية للنظام والمعارضة السورية[33].
- في 21 يوليو/تموز أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الغارات الجوية قتلت ما لا يقل عن 18 شخصًا، بينهم 7 أطفال، في منطقة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون في شمال غرب سوريا[34].
حصاد قتلى وجرحى الغارات الروسية على إدلب
لقي ما لا يقل عن 544 مدنياً مصرعهم وأصيب أكثر من 2000 شخص منذ بدء الهجوم بقيادة روسيا على آخر معقل للمتمردين في شمال غرب سوريا قبل شهرين، وفقًا لجماعات حقوقية وعمال إنقاذ من بينهم 130 طفلا، نتيجة لمئات الطلعات الجوية للطائرات الروسية وجيش النظام السوري.
حيث انضمت الطائرات الروسية إلى الجيش السوري في 26 أبريل/نيسان في أكبر هجوم على أجزاء من محافظة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون، ومحافظات حماة الشمالية المجاورة، في أكبر تصعيد في الحرب بين الرئيس السوري بشار الأسد وأعدائه منذ الصيف الماضي[35].
التحولات في الأجهزة الأمنية في سوريا
شهد مطلع شهر يوليو/تموز تحولات أمنية واسعة في سوريا، شملت معظم قيادات أجهزة الاستخبارات السورية، والعديد من المناصب العسكرية، فبالإضافة إلى تعيين رؤساء جدد لمكتب الأمن الوطني وأجهزة المخابرات العامة والجوية والسياسية والجنائية، كذلك تم ترفيع عدد من الضباط في المؤسسة العسكرية إلى رتبة لواء.
تهدف هذه العمليات والتي تتم تحت إشراف الاستخبارات الروسية، على تفكيك المنظومات الموالية للجمهورية الإيرانية، والتي تعكف روسيا منذ نوفمبر/تشرين الأول 2018 عليها، حيث شهدت الفترة الممتدة بين شهري أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 2019، اتخاذ موسكو إجراءات لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، ما أدى إلى اندلاع معارك سقط فيها عشرات العناصر من الميلشيات المحسوبة على الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري من جهة، والفيلق الخامس وبعض قطاعات الجيش من جهة ثانية، فضلاً عن عمليات التصفية الجسدية التي طالت العشرات من ضباط النظام.
وتزامنت تلك الإجراءات مع تسريب موسكو معلومات عبر إعلامها الرسمي حول موافقة واشنطن وتل أبيب على إعادة تأهيل النظام مقابل صفقة تتضمن خروج إيران من سوريا، مؤكدة -عبر إعلامها الرسمي- رغبة دمشق في إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب مقابل التخلي عن إيران[36].
نشر تركيا منظومة أس 400 في الحدود مع سوريا
زادت تركيا من انتشارها العسكري على الحدود السورية منتصف الشهر، بالتزامن مع استلام الدفعة الأولى من نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع من طراز أس 400، فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة ديلي صباح التركية، تم نقل أكثر من 50 دبابة وبطارية مدفعية إلى المنطقة المحيطة بتل أبيض في سوريا، بجانب منطقة “أكاكالي” الحدودية التركية.
وتوقع عبد الله أجار، ضابط سابق في الجيش وخبير أمني، أن عمليات النشر والحركة التكتيكية على الأرض، تشير بشكل قوى للغاية إلى شن هجوم متوقع شرق الفرات، حيث أثار عدد من الحوادث في شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية قلق تركيا بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، وكان أبرزها تقارير عن أن قوات سوريا الديمقراطية تهدف إلى إنشاء ولاية منفصلة شرق نهر الفرات، حيث يذكر أن قوات سوريا الديمقراطية شاركت في اجتماعات نظمتها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، داعية مختلف القبائل العربية في شمال سوريا لدعم الاقتراح.
خلال يونيو/حزيران الماضي رفض العديد من زعماء القبائل الخطط الانفصالية، ورفضوا المشاركة في الاجتماعات، متعهدين بالولاء لدمشق أو “سوريا الموحدة” بشكل أساسي، تلا ذلك اشتباكات بين القبائل، وسخط عام، وعدم ثقة في حكم قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة[37].
يدلل على ذلك أيضا تصريح، يوم 14 يوليو/تموز، أشار فيه الرئيس التركي إلى أن بلاده: “تتابع عن كثب التطورات في مصر وتحركات السعودية والإمارات”، وألمح إلى الدعم الذي تحصل عليه الوحدات الكردية من قبل إسرائيل، حيث تم الكشف عن برنامج للموساد في الشمال السوري، يتضمن تدريب مقاتلين من وحدات حماية الشعب الكردية، واستقبال تل أبيب 20 مقاتلاً كردياً ينتمون إلى حزب “الاتحاد الديمقراطي”، ضمن البرنامج الذي يطلق عليه اسم “الموساد الكردستاني”، ويهدف إلى تعليم المدافعين عن منطقة الإدارة الكردية “روجافا” كيفية القيام بعمليات التجسس ضد القوى الإقليمية التي لها تأثير مزعزع للاستقرار في المنطقة[38].
إمكانية عودة التجارة بين تركيا وسوريا
كشف وزير التجارة التركي، رضا تونا توراغاي عن خطة تركية تتضمن إعادة حجم الصادرات إلى سوريا كما كانت في عام 2010، والتي بلغت نحو مليار و800 ألف دولار آنذاك. وأوعز توراغاي إلى نائب المدير العام للجمارك التركية يعقوب سفر، ومدير الجمارك الإقليمي خليل شاشماز، ونائب والي كلّس “عثمان أوغورلو”، بالعمل على إعادة حركة التبادل التجاري إلى معدلاتها قبل الأزمة السورية[39]
ثانيًا: دول الخليج العربي
الأحداث:
- مطلع يوليو/تموز 2019 قال بيان للتحالف الذي تقوده السعودية، إن هجوما بطائرة بدون طيار تابعة لحركة الحوثيين اليمنية، على مطار أبها السعودي، أسفر عن إصابة 9 مدنيين[40].
- في 19 يوليو/تموز، أعلنت المملكة العربية السعودية موافقتها على استقبال قوات أمريكية على أراضيها في خطوة تأتي في ظل تزايد التوترات مع إيران[41]، مما يشير لاحتمالية استخدام هذه القوات لشن هجمات على إيران.
- في 21 يوليو/تموز، أعلنت جماعة الحوثي تنفيذها هجومين ضد أهداف سعودية، وقالت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين إن مسلحي الجماعة استهدفوا عربة من طراز “بي.إم. بي” بصاروخ موجّه في “مربع الصوح” بنجران، كما استهدفوا ناقلات عسكرية محملة بالجنود السعوديين شرق جبل جحفان في جازان جنوبي البلاد، وأسفر الهجومان عن مقتل عدد من الجنود السعوديين، واستيلاء الحوثيين على كميات من الأسلحة[42].
- في 25 يوليو/تموز قالت وسائل إعلام سعودية إن 8 جنود سعوديين قتلوا في مواجهات مع الحوثيين بالحد الجنوبي للمملكة، في حين أعلنت جماعة الحوثي عن تنفيذ هجمات بطائرات مسيرة باتجاه الأراضي السعودية[43]. فيما أكد رئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي “مهدي المشاط” استعداد الجماعة لوقف الهجمات ضد دول التحالف مقابل خطوة مماثلة من التحالف السعودي الإماراتي[44].
- في 24 يوليو/تموز نقض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب 3 قرارات للكونغرس بوقف صفقات بيع أسلحة تقدّر بمليارات الدولارات إلى حلفاء للولايات المتحدة، منهم السعودية والإمارات اللتان تخوضان حربا مدمرة في اليمن[45].
انسحاب الإمارات من اليمن
أعلنت الإمارات بداية شهر يوليو/تموز 2019 خفض قواتها في مناطق عدة في اليمن ضمن خطة “إعادة انتشار” لأسباب وصفتها بـ”الإستراتيجية والتكتيكية”، كثرت على إثرها التحليلات والتكهنات حول الانسحاب وحقيقته، فيما اعتبر بعض المحللين أن الإمارات قد حققت أهدافها في اليمن وبات الانسحاب انتقال من مرحلة إلى أخرى، تدير فيها الإمارات الحالة اليمنية بالوكالة، بعد أن تمكنت الإمارات من تسليح ميليشيات موالية لها في عدة أماكن من اليمن.
وفي تحليل آخر ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية أن الانسحاب قرار إستراتيجي، اتخذه حكام أبو ظبي نتيجة التهديد بوصول الحريق إلى داخل ديارهم، ووصول الحرب إلى طريق مسدود، خاصة وأنه بات من الواضح أن واشنطن ليست جاهزة لخوض حرب مباشرة ضد إيران، ذلك مع النزيف الاقتصادي، والشعور بأن تبعات الحرب بدأت تؤثر بشكل استراتيجي على الاقتصاد القائم على التجارة والخدمات، خاصة بعد عمليات الحوثيين الأخيرة في السعودية، وظهور قدرة إيران على الضرب في العمق السعودي سواء من اليمن أو من جنوب العراق، كما أشار إلى ذلك مؤخرا تقرير عن CIA، وخصوصا بعد تكرار ضرب ناقلات النفط بالقرب من الموانئ الإماراتية[46].
وتعليقا على هذه الخطوة الإماراتية، قال الكاتب والمحلل السياسي عمر عياصرة إن أسباب الانسحاب الإماراتي من اليمن تتمثل أساسا في التخوف من نهج الحوثيين، وأن يسلكوا معهم نفس الإستراتيجية التي يتعاملون بها مع السعودية واللجوء إلى القصف بالطائرات المسيرة، وأضاف أن الإمارات تريد من خلال انسحابها بعث رسالة للحوثيين مفادها أن أبو ظبي ليست هي الطرف الذي يرفض الجلوس إلى طاولة التفاوض بل هو الطرف الآخر، مشددا على أن الإمارات أصبحت لديها قناعة بفشل الحل العسكري في اليمن.[47]
بدوره، يرى المحلل السياسي عبد الناصر المودع أن من الصعب الحديث عن انسحاب، وأن المسألة تبدو أشبه ما تكون بتقليص وجود للقوات في بعض المناطق وإعادة الانتشار في مناطق أخرى، مثل مناطق الجنوب، وتحديدا المناطق الساحلية وجزيرة سقطرى، والتي ترى الإمارات أنها أكثر أهمية لها[48].
بينما صرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن بلاده، وبقية دول التحالف، لا يقومون بمغادرة اليمن، رغم عملية إعادة الانتشار التي تنفذها القوات الإماراتية، وذكر قرقاش في مقال رأي نشر في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن بلاده ستعمل بشكل مختلف وحضورها العسكري باق في اليمن، وأنها ستواصل تقديم المشورة ومساعدات القوات اليمنية المحلية.
وقال الوزير الإماراتي على الحوثيين “أن ينظروا إلى الخطوة الإماراتية على أنها إجراء لبناء الثقة من أجل خلق زخم جديد لإنهاء الصراع”، وتابع قرقاش “لم يكن هناك نصر سهل ولن يكون هناك سلام سهل”، مؤكدا أن “الوقت الآن هو لمضاعفة التركيز على العملية السياسية[49].
الحوثيون
من جهته أشار عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين محمد البخيتي أنهم كانوا يتوقعون انتهاء التدخل العسكري في اليمن، مؤكدا انسحاب القوات الإماراتية من بعض المناطق، إلا أن الصورة ما زالت غير مكتملة وبالتالي لا يُعرف ما إن كان انسحابا جزئيا أم كليا، وطالب البخيتي بطي صفحة الماضي والعودة إلى طاولة الحوار بغية التوصل لتأسيس سلطة انتقالية تكون معنية ببسط سلطتها على جميع محافظات اليمن، مؤكدا رغبة الحوثيين في التوصل إلى سلام دائم وشامل. ونفى وجود أي اتفاق بينهم وبين أبو ظبي، مشددا على موقفهم المطالب بضرورة خروج جميع القوات الأجنبية من اليمن.[50]
بالمقابل، أبدى رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط استعداد الجماعة لوقف هجماتها الصاروخية والجوية على السعودية إذا التزم التحالف السعودي الإماراتي بالأمر نفسه، وجرى تسهيل وصول المساعدات عبر موانئ اليمن، مضيفا أن الخطوة التالية لذلك هو بدء عملية سياسية في ظل أجواء هادئة[51].
التحالف السعودي الإماراتي على القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال
اطلعت شبكة الجزيرة على تقرير للأمم المتحدة يُبقي التحالف السعودي الإماراتي، وأطراف النزاع اليمني على لائحة سوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، ويوثق قتل وتشويه 1689 طفلا خلال العام الماضي، حيث أفادت بأن الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” سلم مجلس الأمن الدولي تقريره السنوي بشأن الدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات، حيث أبقى “غوتيريش” اسم التحالف بقيادة السعودية في اليمن، على اللائحة السوداء للدول والجماعات المنتهكة لحقوق الأطفال، كما أبقى التقرير على الحزام الأمني والقوات الحكومية اليمنية وجماعة الحوثي واللجان الشعبية وتنظيم القاعدة على هذه اللائحة السوداء[52].
الخليج العربي ومضيق هرمز
الأحداث:
- في 18 يوليو/تموز أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن المدمرة الأمريكية “بوكسر” أسقطت طائرة إيرانية بدون طيار بعد أن اقتربت منها لمسافة أقل من 1000 متر، مما شكل تهديدا للمدمرة، ودفع المدمرة للقيام “بعمل دفاعي” أدى إلى “تدمير الطائرة المسيرة في الحال”، في حين نفت طهران علمها بالأمر[53].
- في 19 يوليو/تموز أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه احتجز ناقلة نفط بريطانية أثناء عبورها مضيق هرمز في طريقها من ميناء الفجيرة الإماراتي إلى ميناء الجبيل في السعودية، لانتهاكها قوانين الملاحة الدولية، يأتي ذلك بعد أسبوعين من احتجاز القوات البحرية البريطانية ناقلة النفط الإيرانية “غريس 1” قبالة جبل طارق[54].
- في 24 يوليو/تموز قال حسين دهقان مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدفاعية إن معادلة إيران في مضيق هرمز، هي إما أن ينعم الجميع بالأمن ويصدروا نفطهم وإما لا، مهددا باستهداف القواعد والسفن الأمريكية في حال اندلعت الحرب[55].
- في 24 يوليو/تموز أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى استيراد النفط لأنها أصبحت دولة مصدرة، كما أنها لا تحتاج إلى حراسة مضيق هرمز من أجل الدول الغنية دون مقابل[56].
- في 25 يوليو/تموز قال متحدث باسم الحكومة البريطانية اليوم إنه جرى تكليف قوات البحرية الملكية بمواكبة السفن التي ترفع علم بريطانيا خلال عبورها مضيق هرمز، إما فرادى أو جماعات بناء على عدد السفن المبحرة في كل يوم[57].
أهمية مضيق هرمز
- يعتبر مضيق هرمز أهم ممر عالمي للنفط، يعبره ما بين 20 و30 ناقلة نفط يوميا وهو ما يشكل 40% من تجارة النفط العالمية.
- ويكتسي أهمية إستراتيجية فائقة على مستوى صناعة الطاقة بالعالم، الذي يتدفق من خلاله نحو خمس الاستهلاك العالمي من السوائل البترولية.
- يعتبر أهم منفذ للدول العربية المطلة على الخليج العربي، وتصدّر عن طريقه نحو 90% من نفطها.
- تأتي مستوردات دول الخليج من سفن شحن تمر عبره، وخاصة تلك القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وغيرها.
- يعتبر في نظر القانون الدولي جزءا من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها.
- تخضع الملاحة فيه بالتالي لنظام الترانزيت الذي لا يفرض شروطاً على السفن طالما أن مرورها يكون سريعاً ولا يشكل تهديدا للدول الواقعة عليه.
- يتولى الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين حماية السفن التجارية في المنطقة[58].
يقع مضيق هرمز عند مخرج الخليج بين إيران وسلطنة عمان، وهو ممر إستراتيجي لحركة ناقلات النفط، وازدادت حوله التوترات في الفترة الأخيرة ففي 12 مايو /آيار2019، تعرضت 4 سفن لـ”هجوم تخريبي” بالقرب من الفجيرة، في الإمارات العربية المتحدة، وفي 14 مايو/آيار 2019، أعلنت المملكة العربية السعودية أن اثنتين من محطات ضخ النفط لديها قد تعرضتا لهجوم من قبل الحوثيين، الذين تعتبرهم بمثابة القوة الضاربة لإيران في اليمن، وردا على ضغوط الولايات المتحدة، هددت إيران بسد هذا الممر البحري. لو حدث هذا سيكون له أثر كبير على إمدادات النفط العالمية ويؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار ويزعزع استقرار الاقتصاد العالمي[59].
وصارت حماية الملاحة عبر المضيق تشكل أحد أهم التحديات بعد تصاعد التوتر خلال الأسابيع الأخيرة بين إيران وأمريكا ثم بريطانيا لاحقا، حيث تقدمت مؤخرا 3 أطراف بمبادرات لحماية الملاحة عبر المضيق كالآتي:
- المبادرة الأمريكية
اقترحت المبادرة أثناء اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي في بروكسل 27 يونيو/حزيران، وأعادت طرحه في 9 يوليو/تموز، لتشكيل تحالف دولي يتولى مهمة حماية الممرات المائية في مضيقي هرمز وباب المندب، ولكن فرنسا وألمانيا رفضتا الطلب الأميركي، وعبّرتا عن خشيتهما من احتمال جر التحالف العسكري بقيادة أمريكية نحو مواجهة مع إيران.
- المبادرة البريطانية
وجاءت المبادرة الثانية من بريطانيا بعد احتجاز إيران ناقلة نفط تابعة لها حيث أعلن وزير الخارجية “جيريمي هانت” في 22 يوليو/تموز أن بلاده تسعى لتشكيل قوة حماية بحرية أوروبية بالخليج بعدما احتجزت إيران ناقلة نفط بريطانية أثناء عبورها مضيق هرمز، مشددا في الوقت عينه على أنّ لندن لا تسعى لمواجهة مع إيران.
وقال وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” إن بلاده تعمل على تأسيس مبادرة أوروبية مع بريطانيا وألمانيا لضمان وجود مهمة لمراقبة الأمن البحري بالخليج، وقد رفضت طهران مساعي قوى أجنبية لبناء تحالفات لضمان أمن مياه الخليج[60]. فيما أفادت وزيرة الجيوش الفرنسية “فلورنس بارلي” أن بلادها وبريطانيا وألمانيا تعتزم تنسيق جهودها في الخليج، دون نشر تعزيزات عسكرية إضافية[61].
ومن جهته قال حسين دهقان مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدفاعية إن مقترح بريطانيا بتشكيل قوة أوروبية في مضيق هرمز قد يجر إلى ما ليس في الحسبان[62].
- المبادرة الإيرانية
تعهدت إيران أكثر من مرة بتأمين حماية الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز، وإن أكدت عقب خروج واشنطن من الاتفاق النووي أنها لن تسمح بمرور النفط عبره إذا منعت من تصدير نفطها[63].
ردات الفعل الإيرانية في مواجهة العقوبات الأمريكية:
حيث اتخذت إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية ردات أفعال على مستويين:
- المستوى الأول: التهديد بإغلاق مضيق هرمز، ومنع الآخرين من تصدير نفطهم، إذا ظلت هي غير قادرة على تصدير نفطها. وعلى الرغم من أن طهران نفت مسؤوليتها، فإن واشنطن تتهمها باستهداف أو محاولة استهداف ناقلات نفط في المنطقة، ترجمةً لتهديداتها الآخرين بمنعهم من تصدير نفطهم أيضًا.
- المستوى الثاني: يتصل بالتزامات إيران بنود الاتفاق النووي، إذ خرقت إيران اثنين منها. يتصل الأول بكميات اليورانيوم المخصب الذي يحق لها الاحتفاظ به بعد تخصيبه بنسبة 3.67%، إذ تقول إيران إنها شرعت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5% بعد أن كانت النسبة 3.67%، وهي التي ينص عليها الاتفاق، وفوق ذلك، لا يبدو تصاعد وتيرة استهداف الحوثيين المنشآت الحيوية السعودية، بما فيها المطارات ومنشآت نفطية، بعيدا عن التصعيد الإيراني – الغربي[64].
ثالثًا: الحالة الليبية
واصلت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجومه على طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، مواصلا قتل وتهجير الآلاف من المواطنين الليبيين، تحت دعم وغطاء من التحالف العربي السعودي الإماراتي المصري، وبمباركة إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، تحت مظلة “الحرب على الإرهاب”، تلك المظلة الفضفاضة التي صارت توجّه نحو صدور المدنيين العزل.
مارس حفتر ومن ورائه دول التحالف العربي كل يوم إرهاب الأبرياء وقتلهم وتشريدهم، بحجة محاربة الإرهاب، ولنا أن نتساءل عن ماهية هذا الإرهاب، وماذا يكون إن لم يكن قائد الميليشيات حفتر، القاتل للشعب الليبي إرهابيا؟؟ وإذا كان النظام الدولي يعطي للدولة الحديثة الحق في ممارسة العنف ضد أعدائها، فلماذا باركت الولايات المتحدة قائد الميليشيات متعددة الجنسيات “حفتر” حال استخدامه القوة ضد حكومة الوفاق، والمعترف بها دوليا من قبل الأمم المتحدة؟؟
مذبحة ضاحية تاجوراء الليبية
شهد مطلع يوليو/تموز 2019 سقوط عشرات القتلى والجرحى في قصف شنّته طائرة حربية، تابعة لقوات حفتر، على مركز للهجرة غير النظامية في ضاحية تاجوراء بالعاصمة الليبية طرابلس، حيث أعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية سقوط 40 قتيلا، و35 جريحا في القصف.
وقال المتحدث باسم طواقم الإسعاف أسامة علي إن الحصيلة أولية والعدد مرشح للارتفاع، مشيرا إلى أن 120 مهاجرا كانوا محتجزين في العنبر الذي أصيب إصابة مباشرة في الغارة، بينما يحوي المركز 610 مهاجرين من جنسيات مختلفة[65]، بينما اتهم رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا “خالد المشري” ما وصفها بـ”الدولة التي تترأس الاتحاد الإفريقي حاليا (مصر)، بالمسؤولية عن شن هجوم تاجوراء شرقي طرابلس، مطالبا بتشكيل لجنة تقصي حقائق أممية في الحادث.
وفي المقابل، أكد الناطق باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، مسؤولية قواته عن قصف مركز اللاجئين، وقال المسماري إن المكان المستهدف هو مقر لكتيبة عسكرية ومخزن للذخائر، تم قصفه عدة مرات في السابق، مشيرا إلى تنبيه قواته لعدم الاقتراب من المراكز العسكرية، على حد قوله، متهما قوات حكومة الوفاق الوطني بنقل لاجئين أفارقة إلى الموقع[66].
وفي الوقت الذي طالبت فيه حكومة الوفاق المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم، وواضح من انتهاكات قوات حفتر على خلفية هجوم تاجوراء، كما طلبت من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن توفد لجنة لتقصي الحقائق والمعاينة والتوثيق، قامت الإدارة الأمريكية بعملية عرقلة لإصدار بيان عن مجلس الأمن الدولي يدين الضربة، حيث قدمت بريطانيا مشروع بيان يدين الضربة الجوية التي اتُّهم حفتر بشنها، ويدعو إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا والعودة إلى طاولة الحوار.
وبحسب مصدر دبلوماسي أوروبي، قال أمريكيون خلال الجلسة إنهم طلبوا ضوءا أخضر من واشنطن، التي أدانت الهجوم لدى وقوعه، للموافقة على نص البيان البريطاني، لكن المحادثات انتهت من دون الحصول على موافقة الولايات المتحدة.
ويرى محللون أن العرقلة الأمريكية تظهر دعما أمريكيا لحفتر وقواته، ويأتي هذا الدعم على حساب حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا بقيادة فايز السراج، فيما يرى “جيمس دورسي” الباحث في معهد راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة إن الدعم الأمريكي لحفتر ليس أمرا مفاجئا، إنه مؤشر إلى تغيير في السياسة الأمريكية حيال ليبيا، حيث تتعامل الولايات المتحدة مع حفتر على أنه “يتصدى للإسلاميين”، وأنه يتلقى دعما من حليفتيها الرئيسيتين في المنطقة، السعودية والإمارات.
وقال “أندرياس كريغ” الباحث في “كينغز كولدج” في لندن: إن “حملة الضغوط المكثفة من قبل حفتر والإمارات خلال الشهرين الماضيين أثمرت عن إقناع البيت الأبيض بأن القوات التي يقودها حفتر قد تصبح شريكا يمكن التعامل معه، رغم الاتهامات بالتسبب بجرائم حرب”، وأضاف: إن “فكرة أن حفتر قادر على تحقيق انتصار حاسم في ليبيا لاقت صدى لدى مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون”[67].
اشتباكات بين قوات اللواء المتقاعد حفتر وحكومة الوفاق الوطني
قتل 16 عنصرا من قوات حفتر، وأصيب أكثر من 25 في اشتباكات مع قوات حكومة الوفاق الوطني، يوم 8 يوليو/تموز، بمحاور جنوب العاصمة طرابلس، بينما عادت الملاحة إلى مطار معيتيقة، حيث يقع مطار معيتيقة الدولي داخل قاعدة جوية، ويُستخدم بديلا لمطار طرابلس الدولي المتوقف عن العمل منذ عام 2014.
أفاد مصدر عسكري في حكومة الوفاق بتدمير عربة عسكرية تابعة لقوات حفتر في محور الخلة، وأضاف أن طائرة مسيرة تابعة لقوات حفتر قصفت مواقع لقوات حكومة الوفاق بالمحور ذاته في محاولة لمنع تقدمها، وأكد المصدر أن طائرة حربية تابعة للوفاق قصفت موقعا لقوات حفتر في محور المطار جنوب طرابلس[68].
كما بدأت القوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر يوم 22 يوليو/تموز بشن هجوم عنيف على تمركزات لقوات حكومة الوفاق بمناطق عين زارة والخلة ووادي الربيع جنوبي العاصمة طرابلس، وسمعت أصوات الاشتباكات بوضوح في الأحياء الجنوبية للمدينة[69]، بينما أحبطت قوات حكومة الوفاق الهجوم جنوب العاصمة طرابلس، مما أسفر عن عشرات القتلى والجرحى في صفوف الجانبين، حيث أفاد المتحدث باسم عملية “بركان الغضب” مصطفى المجعي في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية “قواتنا تمكنت اليوم من صد هجوم كبير لقوات حفتر من عدة محاور جنوب طرابلس، بعدما خططوا له منذ أيام وحددوا له ساعة صفر وقاموا بالتحشيد العسكري، لكنهم فشلوا بشكل كبير ومحبط”[70].
حصيلة هجوم حفتر على طرابلس
ذكرت منظمة الصحة العالمية في بيان لها الثلاثاء 9 يوليو/تموز أنّ 1048 شخصا لقوا مصرعهم في ليبيا منذ أبريل الماضي، بينهم 106 مدنيين. كما أوضحت أن محاولة حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية، أسفرت عن إصابة 5558 شخصا بينهم 289 مدنيا[71].
العثور على صواريخ تعود للجيش الفرنسي لدى قوات حفتر
طالبت حكومة الوفاق الليبية، باريس بتقديم إيضاحات “عاجلة”، عقب إقرار فرنسا بأن صواريخ من نوع جافلين الأمريكية الصنع، والتي عُثِر عليها في قاعدة غريان على بُعد نحو 100 كيلومتر جنوب غرب طرابلس، تعود في الواقع إلى الجيش الفرنسي الذي اشتراها من الولايات المتحدة، ما يتنافى مع ما تصرِّح به الحكومة الفرنسية في المحافل الدولية، واللقاءات الثنائية بدعم حكومة الوفاق الوطني باعتبارها الحكومة المعترف بها دوليا.
وقالت وزارة الجيوش الفرنسية بما يؤكد وجود قوات فرنسية على الأراضي الليبية، “هذه الأسلحة كانت تهدف إلى توفير الحماية الذاتية لوحدة فرنسية نشرت لغرض استطلاعي في إطار مكافحة الإرهاب”، ونفت باريس تسليمها إلى قوات حفتر، لكنها لم توضح كيف انتهت إلى أيدي هذه القوات[72].
وفي هذا السياق قرر البرلمان الفرنسي، تشكيل لجنة تحقيق مؤلفة من 30 عضوا للتحقيق في دور فرنسا بليبيا قبل وبعد الهجوم الذي شنته قوات حفتر على طرابلس، وكذلك في مدى احترام فرنسا التزاماتها الدولية هناك[73].
حفتر واقتصاد تهريب البشر والنفط والخردة
قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن حفتر أقام إمبراطورية اقتصادية في شرق ليبيا تقوم على تهريب البشر والنفط وتصدير الخردة، مشككة في صحة ادعائه أمام الغرب أنه صمام أمان أمام الهجرة غير النظامية، مؤكدة أن جيش حفتر قام تحت قيادته بوضع إستراتيجية “متوحشة” للوصول إلى مصادر جديدة للدخل.
والمفارقة الغريبة في ليبيا -كما تقول لوموند- أن جيش حفتر يسيطر على معظم حقول النفط ومحطات التصدير ولا سيما الهلال النفطي المتاخم لخليج سرت، لكنه لم يتمكن من إيقاف السيطرة على عائدات النفط من شركة النفط الوطنية والمركزية والتي تسيطر عليها طرابلس.
وقالت لوموند إن قوات حفتر تمارس شكلا من أشكال الإشراف على الهجرة غير النظامية، مشيرة إلى أن تورط اللواء المتقاعد بهذا النوع من الشبكات أمر لم يكن متوقعا بالنظر إلى السمعة التي اكتسبها في بعض العواصم الأوروبية، ولا سيما باريس التي ترى فيه حصنا ضد خطر الهجرة[74].
اختطاف قوات حفتر لنائبة وتصفية آخرين
نددت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وحكومة الوفاق الليبية باختطاف مسلحين موالين لحفتر النائبة “سهام سرقيوة” من منزلها في مدينة بنغازي، وطالبتا بالإفراج عنها، في حين عثر على جثث معتقلين ملقاة بأحد شوارع المدينة التي تنشط فيها مليشيات متنفذة.
وتعرضت سرقيوة، وهي نائبة عن مدينة بنغازي، للاختطاف يوم 17 يوليو/تموز، من قبل مجموعة مسلحة اقتحمت منزلها، بعد يوم من إدلائها بتصريحات لقناة محلية طالبت فيها بوضع حد للهجوم الذي تشنه قوات حفتر على طرابلس منذ أبريل/ نيسان الماضي، ويذكر أن الآراء السياسية للنائبة المختطفة تغيرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، حيث عبرت عن رفضها للهجوم على طرابلس، ومناهضتها الحكم العسكري السائد في الشرق الليبي، وتأييدها التوافق بين الليبيين، وكانت قبل ذلك من مؤيدي حفتر ومن بين نواب آخرين نصبوه قائدا عاما للجيش[75].
رابعًا: الحالة الفلسطينية
شهد يوم 22 يوليو/تموز اقتحام قوات كبيرة من جيش الاحتلال برفقة ما يزيد على 20 آلية قرية وادي الحمص، لتنفيذ قرار هدم بحق 11 عمارة سكنية من أصل 16 عمارة مهددة، أي ما يقارب 100 شقة سكنية، بعضها مأهول وبعضها لا يزال قيد الإنشاء، حيث تعد عملية الهدم هذه أكبر عملية هدم جماعية في القدس منذ سنوات، إذ شرد الاحتلال حتى الآن ما يقارب 24 مواطناً، وتضرر أكثر من 350 مقدسياً تم هدم شققهم غير المسكونة بعد، علما أنّ الأراضي التي تقع عليها البنايات مصنفة أراضي “أ”، وخاضعة للسلطة الفلسطينية، ولكنها تقع داخل حدود الجدار العازل.
وتبلغ مساحة أراضي القرية 3 آلاف دونم، وتعود بداية الأحداث إلى عام 2011 حيث أصدر الاحتلال قراراً يمنع البناء على نصف مساحتها تقريباً، بحجة الدواعي الأمنية، وبسبب قرب هذه الأراضي من جدار الاحتلال العازل الذي يفصل بين القرية وعدة قرى أخرى تتبع محافظة بيت لحم، الواقعة تحت السيادة الفلسطينية[76].
وفي هذا السياق طالبت روزماري دي كارلو وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية إسرائيل بوقف هدم ومصادرة مباني الفلسطينيين، وقالت المسؤولة الأممية إن الممارسات الإسرائيلية أدت إلى تهجير 90 فلسطينيا، بما في ذلك 58 طفلا، وأضافت أن المباني التي هدمت أو صادرتها السلطات الإسرائيلية بلغت 66، رغم أن أصحابها حصلوا على رخص صادرة عن الإسرائيليين، وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية أن التقييم الأولي كشف عن تأثر أكثر من 300 شخص بعمليات الهدم الإسرائيلية.
كذلك نددت العديد من الدول العربية والأوروبية بهدم إسرائيل منازل الفلسطينيين، ومن ذلك بيان مشترك لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، وصف الخطوة الإسرائيلية بأنها مخالفة للقانون الإنساني الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي.
وهيمن موضوع الهدم على الجلسة الدورية لمجلس الأمن الدولي في نيويورك الخاصة بقضايا الشرق الأوسط، إذ تساءل المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور عن جدوى المشاريع الأمريكية الموعودة للسلام في ظل سياسة الهدم الإسرائيلية.
في المقابل، دافع مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون عما سماها “قانونية” هدم المنازل، قائلا إنها بنيت دون تراخيص[77].
من جهته أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وتشكيل لجنة لتنفيذ القرار عملا بما صدر عن المجلس المركزي الفلسطيني، بسبب إصرار دولة الاحتلال على التنكر لكل الاتفاقيات المتوقعة، وما يترتب عليها من التزامات، وأوضح أن إسرائيل تقتل الفلسطينيين وتهدم بيوتهم وتصادر أراضيهم، إضافة إلى إغلاق الطرق بمئات الحواجز وبناء الجدران، وقرصنة الأموال الفلسطينية واعتداءات المستوطنين على ممتلكات الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية، كما اتهم عباس إسرائيل بممارسة سياسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين وأن الولايات المتحدة الأمريكية ترعى هذه الممارسة الإسرائيلية[78].
المحور الاقتصادي
تستمر الحالة الاقتصادية على مستوى المنطقة العربية تعاني من حالة عدم الاستقرار، وبخاصة بعد حالة الاستنفار من قبل القوى الدولية والإقليمية في المياه الإقليمية، وبخاصة حول مضيق هرمز، الذي يمثل منطقة حيوية وإستراتيجية في التجارة الدولية. ومن ثم فالحديث عن تحسن اقتصادي هنا أو هناك يفتقد إلى المصداقية، إذا ما نظرنا إليه في بعده الإستراتيجي.
ومع ذلك فثمة قضايا بارزة شهدها شهر يوليو/تموز 2019 على المستوى القطري، برز منها ما يتعلق بالاقتصاد التونسي، ومراجعة خبراء صندوق النقد الدولي، الذين صدّروا رؤية تشاؤمية حول اقتصاد تونس خلال 2019.
ثم كانت القضية الثانية ما يتعلق بحصول سلطنة عمان على قرض جديد من السوق الدولية بنحو 3 مليارات دولار، لتستمر الحلقة المفرغة للعجز والديون لحين تحسّن أسعار النفط في السوق الدولية، لتزيد عن 90 دولارا للبرميل، حتى تخرج عمان من أزمتها المالية.
أيضا تناول المحور الاقتصادي ما أثير حول انتهاء مصر من التزاماتها بشأن تنفيذ كافة بنود اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، واستحقاقها للشريحة الأخيرة من قرض الصندوق بنحو 2 مليار دولار، ولكن حديث كل من مسئولي الحكومة المصرية وخبراء صندوق النقد الدولي عن تحقيق حالة نجاح، هو بلا شك محل نظر، وبخاصة أن البنك الدولي أصدر خلال يوليو/تموز 2019 ما سماه “مرصد الاقتصاد المصري” وبيّن أن هناك تحديات كبيرة لا يزال يعاني منها الاقتصاد المصري.
رؤية تشاؤمية لاقتصاد تونس من قبل صندوق النقد
على مدار السنوات الثمانية الماضية، لم ينفك الاقتصاد التونسي من قيد تعليمات صندوق النقد الدولي، حيث خاضت تونس العديد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة، والتي انعكست على الأوضاع الاجتماعية للمواطنين هناك.
ومؤخرًا خلص تقرير لجنة الخبراء التي زارت تونس من قبل صندوق النقد الدولي في يوليو 2019، إلى أن الأجواء الإقليمية والدولية وكذلك العوامل المحلية تؤدي إلى تراجع الاقتصاد التونسي، وتوقع تقرير الخبراء بألا يزيد معدل النمو في 2019 بتونس عن 2%[79].
التقرير يرى أن الأجواء الاقتصادية العالمية متراجعة، وهذا بدوره سوف ينعكس على اقتصاد تونس، ونفس الشيء فإن الأجواء الاقتصادية للشركاء التجاريين لتونس ليست إيجابية، كما أن الأوضاع المتردية للصناعة التونسية من شأنها أن تؤدي إلى تراجع معدلات النمو. ولم يرَ التقرير شيئا إيجابيا في أداء الاقتصاد التونسي خلال المراجعة الدورية، سوى نشاط القطاع السياحي، وإن كان ذلك ليس كافيًا للوفاء باحتياجات الاقتصاد الكلي في تونس.
وفي الوقت الذي يرى فيه خبراء الصندوق أن السياسات النقدية المتبعة في النصف الأول من عام 2019 أدت إلى انخفاض معدل التضخم عند معدلات 6.8%، بعد أن كان بحدود 7.7% بنهاية عام 2018، أي أن هناك تراجعا في معدل التضخم يقدر بنحو 1% تقريبًا. ولكن يرى الخبراء ضرورة أن يتم السيطرة على عجز الموازنة وبما لا يتجاوز 3.9%، حتى يمكن السيطرة على ارتفاع معدلات الدين العام، الذي بلغ 77% من الناتج المحلي الإجمالي[80].
ويؤخذ على أجندة صندوق النقد الدولي في تونس، كما هو الحال في غيرها من الدول، أن سياسات صندوق النقد تركز على إصلاحات نقدية ومالية، بشكل رقمي، دون النظر لآثارها الاقتصادية والاجتماعية السلبية على مختلف الأنشطة الاقتصادية، أو تضرر الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لذلك أوصى تقرير الخبراء بضرورة دعم جهود الحكومة نحو الإجراءات الخاصة بالحماية الاجتماعية. وفي الغالب ما تكون هذه الإجراءات تفتقد للتمويل الكافي، لذلك لا تشمل كافة المستحقين، كما أنها توفر حماية اجتماعية تتمثل في دخول أو مساعدات زهيدة، لا تخرج المستفيدين منها من حالة الفقر، أو تضمن لهم الوصول لحياة كريمة.
عُمان تلجأ للديون الخارجية لسداد عجز الموازنة
لم تسلم بعد الدول النفطية الخليجية من الآثار السلبية لأزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، وعلى الرغم مما أعلنته سلطنة عمان وغيرها من الدول النفطية الخليجية من الاتجاه نحو إستراتيجية للتنوع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط، إلا أنه وبعد مضي نحو 5 سنوات على بداية أزمة انهيار أسعار النفط، لا يزال الاقتصاد العماني يعتمد بشكل كبير على النفط. ولكن في ظل أسعار النفط المتواضعة عند حدود 65 دولار للبرميل في أحسن التقديرات، لا تزال هذه الأسعار غير كافية لتحقق لسلطنة عمان السلامة المالية والوصول لحالة التعادل بالميزانية العامة.
وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن السعر الذي يمكن للميزانية في سلطنة عمان أن تصل معه إلى وضع التعادل (أي بدون فائض أو عجز) هو 90 دولارا للبرميل، وهي أسعار غير ممكنة في الوقت الحالي، بسبب التوجهات الدولية، وبخاصة من قبل الإدارة الأمريكية، بأن تظل أسعار النفط متدنية، بل إن الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، جعلت من أسعار النفط محلًا للصراع السياسي، فأمريكا تريد أن تخنق إيران عبر عقوبات اقتصادية على صادراتها النفطية، وكذلك تريد أمريكا أن تظل أسعار النفط متدنية للحفاظ على معدلات تضخم متواضعة في أوروبا وأمريكا.
ونظرًا لاستمرار أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، اضطرت عمان أن تلجأ إلى الاستدانة الخارجية، حيث وصل دينها الخارجي إلى نحو 40 مليار دولار بنهاية 2018[81]، وبما يمثل 50% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يواصل الدين الخارجي لسلطنة عمان ارتفاعه، نظرًا لعدم وجود مصادر جديدة للإيرادات العامة للدولة، كما أن ما يتم التفكير فيه من فرض ضريبة القيمة المضافة وغيرها، لا يعد كافيا لسد العجز بالموازنة العامة للبلاد.
ولا يلوح في الأجلين القصير والمتوسط، أن تصل سلطنة عمان وغيرها من الدول النفطية الخليجية إلى مخرجها من أزمتها المالية، إلا عن طريق الديون الخارجية، أو تسييل بعض استثماراتها فيما يسمى بالصناديق السيادية، وتعد سلطنة عمان من أفقر الدول الخليجية في مجال الصناديق السيادية.
وبالتالي ستواصل الديون الخارجية لسلطنة عمان في الارتفاع خلال الفترة القادمة، حتى ولو وصل الدين الخارجي للسلطنة إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي، كما هو الحالي في دولة البحرين، ولن يكون هناك مخرج عبر الإيرادات الذاتية، إلا إذا تحسنت أسعار النفط في السوق العالمية، وعادت الوفورات النفطية، من خلال انتظار الطفرة النفطية الرابعة، حيث كانت الطفرة الثالثة خلال الفترة (2003 – منتصف 2014)، وقطعتها انتكاسة يوليو/تموز 2014 بانهيار كبير، لازالت الدول النفطية تعاني منه.
وخلال الأيام الأخيرة من يوليو/تموز 2019 حصلت سلطنة عمان على نحو 3 مليارات دولار من السوق الدولية، بعد أن طرحت سندات خارجية بالسوق الدولية بالدولار، بأسعار فائدة تراوحت ما بين 5% و6%[82]، وهي بلا شك أسعار مرتفعة مقارنة بأسعار السندات الأمريكية التي تدور في فلك 2.5%.
نتائج تطبيق مصر لكامل اتفاقها مع صندوق النقد
أعلن صندوق النقد الدولي عبر مديره بالإنابة “ديفيد ليبتون” أن مصر أتمت برنامجها الاقتصادي بعد المراجع الخامسة التي قام بها صندوق النقد، وأن الشريحة الأخيرة من القرض جاهزة لأن تسحبها الحكومة المصرية، وأضاف ليبتون أن برنامج الإصلاح الاقتصادي بمصر حقق أهدافه، وأن مؤشرات الاقتصاد الكلي شهدت تحسنًا ملحوظًا منذ عام 2016، وساعد على نجاح البرنامج الدعم من قبل الحكومة بتبنيها سياسات جرئية[83].
وأتت تصريحات طارق عامر محافظ البنك المركزي، لتؤكد على أن قيمة الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد بحوالي 2 مليار دولار سوف يتم تحويلها لمصر في غضون أسبوع[84]. في حين أنه يلاحظ أن مصر سحبت كامل قرض صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى تراكمات كبيرة في الدين العام الخارجي حتى وصل إلى نحو 96 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول 2018، بعد أن كان بحدود 55.7 مليار دولار في يونيو/حزيران 2016.
كان البنك الدولي أعلن عن تقريره الخاص بـ “مرصد الاقتصاد المصري” قبل تصريحات صندوق النقد الدولي بنحو 10 أيام، مشيرًا إلى مجموعة من التحديات لازالت تواجه الاقتصاد المصري رغم الإجراءات الاقتصادية والسياسات التي تم تطبيقها تنفيذًا لتعليمات الصندوق، وعلى رأس هذه التحديات الأداء الضعيف للصادرات السلعية المصرية، وأنها لم تستفد من ميزة انخفاض قيمة الجنيه المصري.
أما التحدي الثاني فكان يخص أداء الصناعة المصرية، حيث وصفها المرصد بعدم الازدهار بعد تخفيض قيمة العملة المحلية أيضًا، أما التحدي الثالث فكان يتعلق بعدم ارتباط مصر بشكل جيد من حيث اللوجستيات بالأسواق الخارجية[85].
ولم تتوقف السلبيات التي رصدها “مرصد الاقتصاد المصري” على الأداء الإنتاجي سواء فيما يتعلق بالصادرات أو الصناعة، ولكن البيانات التي تضمنها المرصد أيضًا والتي تخص قيمة الإنفاق على التعليم والصحة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تظهر أنها في تراجع مقارنة بما كان عليه الوضع قبل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد، كما أنها تقل كذلك عن المعدلات التي تنص عليها مواد دستور 2014.
فالإنفاق على التعليم كنسبة من الناتج المحلي لمصر كان بحدود نسبة 3.6% في عام 2016، ولكن هذه النسبة تراجعت إلى 2.5% في عام 2018، وشهدت تقديرات موازنة 2019/2020 تراجعًا أكبر عند نسبة 2.1%. وكذلك الإنفاق على قطاع الصحة كنسبة من الناتج المحلي انخفضت حسب تقديرات موازنة 2019/2020 إلى ما يعادل نسبة 1.6%[86].
يلاحظ أن هذا التراجع يبدد المبررات التي ساقتها الحكومة المصرية وكذلك بعض مسئولي صندوق النقد الدولي، حيث كانوا يزعمون بأن تخفيضات الدعم المتتالية وبخاصة في قطاعات النفط والكهرباء والخدمات الحكومية، ستؤدي إلى تحسين الإنفاق على التعليم والصحة، وهو ما نفاه مرصد البنك الدولي.
وفي حين يتفق كل من مسئولي صندوق النقد والحكومة المصرية على نجاح تطبيق اتفاق الإجراءات الاقتصادية، وأنه حقق نتائج إيجابية، إلا أن وزير المالية المصرية د محمد معيط، أعلن منذ أسابيع قليلة عزم مصر الدخول في مفاوضات جديدة مع الصندوق للوصول إلى اتفاق جديد في أكتوبر/تشرين أول 2019[87]، ويستمر لمدة عامين، غير أن البرنامج الجديد سيكون قاصرًا على الدعم الفني من الصندوق، دون الحصول على قروض جديدة.
وحقيقة الأمر أن ذلك يعني أن الاقتصاد المصري لم يتعافَ بعد، وهذا ما أشار إلى مضمونه مرصد البنك الدولي عن الاقتصاد المصري، وكذلك لجوء مصر لاتفاق جديد، ليس أكثر من بوابة جديدة لاستمرار حصول مصر على المزيد من القروض الخارجية من الأسواق الدولية، ولكن من خلال توقيعها لاتفاق مع صندوق النقد.
وتبقى الملاحظة الأخيرة، وهي أن الإعلان عن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي عبر اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي لا يجد له المواطن المصري، أثرًا في حياته اليومية.
المحور الفكري
معالم المشروع الفكري للدكتور عبد الوهاب المسيري
يأتي الحديث عن هذا العالم المفكّر بمناسبة ذكرى وفاته (2 يوليو/تموز 2008)، نستعرض معالم مشروعه الفكري، من خلال بعض الأدبيات التي تناولته، خاصة أننا في حاجة ماسة إلى مثل هذه الشخصيات، وهذا الفكر، الذي يبصّر الأمة بطريقها، ويسهم في تكوين رؤية صحيحة عن العالم من حولنا، والتحديات التي نواجهها، وتحتاج منا فهما أعمق حتى نستطيع التعامل معها من خلال فهم ما عندنا ، وما منحنا الله به من نعمة الإيمان.
هذا التراث الهائل الذي يحتاج إلى قراءات متجددة تكون مناسبة للمرحلة الزمنية التي نعيشها، وكيف كرّم الإسلام الإنسان وأعلى قدره، في حين كانت المادية هي الغاية في الحضارة الغربية في تعاملها مع الإنسان.
ويعدّ الدكتور عبد الوهاب المسيري واحدا من المفكرين العرب المسلمين المعاصرين المميزين. حاول الراحل تقديم مشروع فكري نهضوي على غرار المفكرين العرب والمسلمين المعاصرين، ومن كان لهم موقف نقدي من الحضارة الغربية، وفلسفاتها المادية لاسيما إشكالية الحداثة الغربية محاولا بهذا النقد البنّاء أن يعيد صياغة معاني الحداثة تنظيرا وتطبيقا يتماشى مع الحضارة الإسلامية، في مقابل المشروع التغريبي الاستعماري الإمبريالي في المنطقة.
كان أوّل نقد وجّهه المسيري هو نقده للحضارة المادية الغربية وتوصيفها بالتحيّز، ويمكن أن نعدّ مفهوم “التحيز” أحد المفاهيم المركزية التي اعتمدها، المفكر عبد الوهاب المسيري في التأسيس لمشروعه الفكري[88]، الذي هو مشروع إنساني للنهضة يقابل ويعارض ويناضل مقابل المشروع الاستعماري الإمبريالي الذي تتجلى معالمه من خلال الذراع الصهيونية في هذه المنطقة[89].
فهو يكاد يكون صاحب مشروع متكامل لإعادة تأسيس العلوم الإنسانية وفق رؤية عربية إسلامية (إنسانية) بعيدا عن تراثها الضخم الواقع في أسر المركزية الغربية، أو بتعبير آخر تأسيس “حداثة إسلامية”[90].
وتكمن أهمية ما يقدمه المسيري في أنه يستند في نقده للخطاب الغربي إلى أدوات تحليلية مقاومة ومؤسسة في الوقت نفسه لمسار جديد في الخطاب المعرفي الإسلامي المعاصر، يضمن للمناهج العلمية الإسلامية استقلالا من القفص الحديدي الأكاديمي الغربي وتحررا منه، وهذا لا يعني قطيعة معرفية مطلقة مع ما أنتجته الحضارة الغربية، بل يُعَدُّ من قبيل الاستيعاب والتجاوز[91].
يقول سلمان بونعمان[92]: يعد المسيري أحد أبرز المهتمين بالقضايا المعرفية والمنهجية، حيث طور دراسة النماذج المعرفية وتعمق في دراسة الفكر الغربي والحضارة الغربية، من خلال بناء معالم منهجية إبستيمية (معرفية) في التعامل مع التراث الإنساني عموما والتراث الغربي خصوصا، تعاملا علميا ونقديا يستوعب إيجابياته ويتجاوز قصوره وسلبياته.
المسيري والمغرب وفرنسا
اكتسب المسيري خصائص لا تكاد تجتمع لأحد وقلما تتوفر للكثيرين واحدة منها. وتتمثل أهم هذه الخصائص في كونه مفكرا منهجيا بامتياز، طور النماذج التفسيرية والتحليلية سواء في أبحاثه في الصهيونية أو أبحاثه في العلمانية أو دراسته في النقد الأدبي، حيث تميزت المدرسة الفكرية المسيرية على غيرها من المدارس بإعادة التفكير في طرق التفكير السائدة بهدف تطوير الأداء التنظيري والتفسيري الذي يمكّن من إدراك الواقع بشكل أكثر تركيبا.
يلاحظ المتتبع لأعماله الإصرار على نقد المنهج وبناء المنهج، في حركة دافعة إلى الأمام عرضا للأفكار، ونزولا إلى الجذور، وغوصا في الأعماق، وتأسيسا واعيا لمفهوم التحيز، الذي لن ننهض بدونه.
فالتحيز عنده مسألة حتمية في الخطاب الإنساني، مرتبط ببنية العقل الإنساني ذاتها، فالعقل الإنساني لا يدرك الواقع مباشرة وإنما يدركه من خلال نموذج معرفي محمل بالأشواق والأوهام والذكريات والأساطير والمصالح، ولذلك تأتي أهمية كتابات المسيري محاولة واعية لفهم الآخر ونقد الذات في فهمها للآخر، ثم الارتقاء إلى مرحلة الوعي للنماذج الإدراكية وبناء تلك النماذج وتأثيرها في الواقع، وبيان موقعها في شبكة الإدراك وصلة ذلك كله بالسلوك الإنساني.
ومن ناحية أخرى، تكمن أهمية ما يقدمه في تأسيس نقده للخطاب الغربي على أدوات تحليلية مقاومة ومؤسسة لمسار جديد في الخطاب المعرفي الإسلامي المعاصر، يضمن للمناهج العلمية استقلالا من القفص الحديدي الأكاديمي الغربي وتحررا منه، وهذا لا يعني قطيعة معرفية مطلقة مع ما أنتجته الحضارة الغربية، بل يُعَدُّ من قبيل الاستيعاب والتجاوز.
لم يكن الراحل موسوعيا فقط، فإلى جانب إسهاماته الفكرية لم ينس دوره الكفاحي والنضالي، فأصبح مهموما بقضايا أمته ومهووسا بقضايا وطنه، حيث شارك بصلابة في النضال السياسي، ليمثل بذلك نموذجا للمثقف الذي يخرج من برجه العاجي ليتقدم المظاهرات الاحتجاجية، وليقود حركة التمرد السلمي في الشارع، ويجسد نموذج المثقف الذي لا يريد البقاء منعزلا عن هموم مجتمعه.
حيث كانت آخر كلمات المسيري قبل رحيله – حسب زوجته- معبّرة عن أمنياته بأن يرى تداولا للسلطة في مصر.
هكذا هو المعنى عند الدكتور عبد الوهاب المسيري ولّادًا متجددًا دائمًا متدفقا، محطما الحدود بين النضال الأكاديمي والنضال السياسي على أرض الواقع، ولاحما بذلك البعد الأكاديمي بالبعد النضالي، ومكسّرا المسافات بين عالم العواطف وعالم الأفكار، بين الذاتي والموضوعي.
رفض الفكرة المركزية الغربية
استطاع من خلال النظام الإسلامي الإنساني أن يؤسس لمعالم خطاب إسلامي جديد يتجدد وفق حاجات الأمة وضروراتها وفقه النهوض الذي يتعلق بكيانها. في صراعها الفكري من أجل تحرير الإنسان وليس من أجل تأسيس دولة فقط كما ذهبت تيارات الإسلام السياسية[93].
وتحدث المسيري عن سمات الخطاب الإسلامي الجديد الذي تحتاجه الأمة اليوم للنهضة، ومعالمه هي[94]:
- رفض فكرة المركزية الغربية.
- الرؤية المتكاملة والانفتاح للنقد.
- خطاب جذري توليدي استكشافي.
- يصدر عن رؤية معرفية شاملة.
- القدرة على الاستفادة من الحداثة الغربية.
- القدرة على إدراك أبعاد إنسانية جديدة.
- القدرة على اكتشاف الإمكانات الخلّاقة للمنظومة الإسلامية.
- تأسيس معجم حضاري متكامل ومستقل.
- إدراك المكون والبعد الحضاري للظواهر والأشياء المستحدثة.
- تأسيس رؤية إسلامية مستقلة في التنمية.
- الإيمان بالحركة والتدافع كأساس للحياة.
- إدراك مشكلات ما بعد الحداثة.
- تجاوز الإطلاقات المتناقضة والسماح بالتعددية.
- القدرة على الرؤية المتكاملة للشريعة ومقاصدها وإنزالها على الواقع المعاصر.
- القدرة على صياغة نموذج معرفي إسلامي والاحتكام إليه.
- الاهتمام بالأمة كياناً يتجاوز الدولة المركزية.
- محاولة تطوير رؤية شاملة للفنون الإسلامية.
- تجاوز المنظور الغربي في قراءة التاريخ.
خلّف المسيري وراءه تراثا فكريا وأكاديميا ونضاليا، تحتاج الأجيال الجديدة إلى استلهامه والاهتمام به وتطويره، وتحويله إلى مشروع علمي نضالي إصلاحي، وتجاوز حالة تقصير العقل الإسلامي المعاصر عن الاستفادة من جهوده واستثمارها في تطوير إستراتيجيات وبرامج عملية، والاسترشاد المؤسسي بها في بناء نظريات للتغيير والإصلاح والتجديد، واستكمال الرسالة التي حملها الرجل على عاتقه، من خلال تأسيس فضاءات لتجميع الجهود العلمية والمنهجية لدراسة وتطوير المشروع الفكري للمسيري، تنطلق منه ولا تقتصر عليه، تنفتح على عطاءاته في دراسة الفكر الإنساني والتراث المعرفي، لكن تنتقده وتتجاوزه نحو آفاق أرحب في التجديد والمعرفة، وهذه مسؤولية المؤسسات البحثية والأكاديمية والمجتمعية في احتضان الطاقات الشابة ورعايتها لإنتاج مسيريات جدد في الأمة[95].
المثقف الذي لا يترجم فكره إلى فعل لا يستحق لقب المثقف”، هكذا كتب المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري في مذكراته “رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر”[96].
“فرنسة” التعليم في المغرب بين العلمي والسياسي
في 22 يوليو/تموز 2019 أقرّ مجلس النواب بالمغرب مشروع قانون من شأنه أن يمهد الطريق لزيادة مكانة اللغة الفرنسية بالمدارس، في تحول عن التعريب الذي استمر لعشرات السنين، ما تسبّب في جدل واسع.
وتعود بداية فرنسة التعليم المغربي إلى عام 2015، عندما أصدر وزير التربية الوطنية السابق رشيد بلمختار مذكرة طالب فيها مسؤولي الوزارة الجهويين بتعميم تدريس المواد العلمية والتقنية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية.
اعتمد المغرب سياسة تعريب التعليم منذ عام 1977، لكن هذه السياسة ظلت متعثرة، وبقيت المواد العلمية والتكنولوجية والرياضيات تُدرَّس باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي بالبلاد، إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وعقب ذلك، قررت المملكة تعريب جميع المواد حتى نهاية مستوى البكالوريا، مع استمرار تدريس العلوم والاقتصاد والطب والهندسة باللغة الفرنسية في جميع الجامعات والكليات والمعاهد حتى اليوم([97]).
بين الفرنسية واللغة الرسمية
تعد اللغتان الرسميتان في المغرب هما العربية والأمازيغية. والدستور المغربي ينص في فصله الخامس على ذلك.
واقترحت الحكومة معاودة اعتماد الفرنسية لغة لتدريس العلوم والرياضيات والمواد التقنية. ودافعها في ذلك أنه من بين كل 3 أشخاص لا يكمل اثنان تعليمهما في الجامعات العامة بالمغرب لأنهما لا يتحدثان الفرنسية، بحسب أرقام وزارة التعليم. وللحد من عدم إتمام كثير من الطلاب دراستهم الجامعية وتزويد الأشخاص بالمتطلبات اللغوية اللازمة للوظائف.
وكانت هذه المواد يتم تدريسها باللغة العربية حتى المدرسة الثانوية في انفصال عن التعليم العالي الذي تهيمن عليه اللغة الفرنسية.
وأثار إقرار مشروع القانون غضب دعاة التعريب، وحتى داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، بمن فيهم الأمين العام السابق للحزب، عبد الإله بنكيران، الذي وصف إعادة إدخال لغة القوة الاستعمارية السابقة على أنها خيانة “لمبادئ الحزب”[98].
المشروع بين المؤيدين والمعارضين
المدافعون عن القانون يبررون موقفهم بأن الطالب المغربي لا يحصّل خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية مستوى كافياً من إتقان اللغة الفرنسية يؤهله لملاقاة مواد العلوم والرياضيات والتكنولوجيا التي تُدرّس في الجامعة باللغة الفرنسية حصرياً، فتكون النتيجة أن اثنين من كل 3 طلاب لا يلتحقون بالجامعة في هذه الفروع بسبب ضعفهم في اللغة الفرنسية. كذلك يتجلى انعدام التكافؤ في قدرة الطلاب من أبناء الطبقات الميسورة على إتمام التعليم الإعدادي والثانوي في مدارس البعثات الفرنسية، مما يسهّل انتسابهم إلى الفروع العلمية في الجامعة، على نقيض غالبية من الطلاب خريجي المدارس الرسمية[99] . كما تبنّى هذا الطرح أيضًا رؤساء الجامعات المغربية[100].
وأما المناهضون للقانون، فإنهم يبدأون من افتراض وطني صحيح مفاده أن الأمم يمكن أن تنجز تنميتها وتقدمها الحضاري والعلمي عن طريق اللغة الوطنية الأمّ، وأن اللغة العربية أثبتت حيوية ملموسة في استقبال العلوم والتكنولوجيا المعاصرة، وحالها في ذلك حال الكثير من اللغات الوطنية على امتداد الدول النامية.
كذلك يتساءل الرافضون عن السبب في تفضيل لغة المستعمر الفرنسي بما تنطوي عليه من حساسيات وطنية وتاريخية، وليس اللغة الإنجليزية التي باتت اليوم هي الأوسع انتشاراً واستخداماً في شتى الميادين والعلوم والتطبيقات، وعلى نحو لا يُقارن بلغة موليير[101].
النفوذ الفرنسي
وقال د. أحمد الريسوني[102]، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح المغربية، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن مصادقة لجنة برلمانية على اعتماد الفرنسية في التدريس، يؤشر على أن “النفوذ الفرنسي على المغرب وفي المغرب، ما زال متغلغلاً ومتحكماً”، ويؤشر التصويت على أن “احترام سيادة المغرب ومكانته الحضارية ومصالحه الإستراتيجية، ليس له حضور ولا اعتبار، وأن العملية الديمقراطية ما زال أثرها هامشياً وثانوياً”.
مشروع مسيّس[103]
في المقابل، قال الباحث المغربي في قضايا التعليم، الحسن حما، إن “تقدم ونهضة الأمم لا يجب أن يكون خارج منظومتها اللغوية”، معتبرًا أنّ “اللغة مدخل النهضة الحضارية ولا يمكن لبلد أن يتقدم بعيدًا عن لغته الأم”، و”المشكل أن موضوع اللغة في المغرب مسيّس بالكامل، فيما النقاش يفترض ألا يكون فيه مزايدات سياسية”.
وأشار موسى الشامي، رئيس جمعية حماية اللغة العربية بالمغرب، أن المشروع “انقلاب على المقتضيات الدستورية” و”خروج عنها وانتقاص منها، ذلك أن الوثيقة تنص على لغتين رسميتين في البلاد، هما العربية والأمازيغية” [104].
آراء علماء اللسانيات
تساءل خبير اللسانيات المغربي عبد العلي الودغيري[105]عمن له المصلحة في القضاء على اللغة العربية في المغرب.
وأكد الدكتور الودغيري في حواره مع الجزيرة نت أن هذا المشروع الذي وافق عليه البرلمان نعتبره “انتكاسة وانقلابًا على المشروع الوطني في مجال التعليم الذي حققنا فيه بعض المنجزات طيلة العقود الماضية. فبعد لأيٍ وتماطل طويلين وصراع طويل النفَس مع اللوبي الفرنكفوني وحلفائه في الداخل والخارج، استجابت الدولة بأن أقدمت خلال سبعينيات القرن الماضي على خطوة أولى في طريق تعريب المواد الدراسية التي كانت مفرنَسة منذ بداية الاستقلال، إذ تمَّ تعريب المواد الاجتماعية (التاريخ والجغرافيا) والفلسفة في كل أسلاك التعليم”.
مضيفا: “ومع بداية الثمانينيات، وبعد صراع مرير وانتظار طويل، انتقلنا إلى الخطوة الثانية بتعريب المواد العلمية الأخرى من رياضيات وهندسة وعلوم تجريبية وطبيعيات، وكان ذلك بالتدريج سنة بعد سنة، إلى أن تخرّج أولُ فوج من الحاصلين على البكالوريا (الشهادة الثانوية العامة) العلمية المعرّبة عام 1990”.
“كان يفترض أن يواصل التعريبُ طريقَه في الجامعة ومؤسسات التعليم العالي على اختلافها بشكل تدريجي وعلى مراحل وبخطى ثابتة لا رجعة فيها، ولكن الإرادة السياسية لم تكن متوفّرة لإتمام هذا المشروع كما كنا نأمل، فتوقف التعريب عند مرحلة البكالوريا”، حسب الودغيري.
واليوم، وبعد عقود وسنوات طويلة (قرابة 40 عاما مضت على تجربة تعريب المواد العلمية)، وبعد تخرّج 29 فوجًا معرّبا من حاملي البكالوريا، يأتي مشروع القانون الجديد ليعيدنا إلى المربّع الأول كما يقولون.
القانون ينص أيضًا على إلزامية تعليم الفرنسية بدءًا من مرحلة الروضة خلافًا لكل توصيات خبراء التربية والتعليم الذين ينادون بتخصيص المرحلة الابتدائية أو أغلبها لترسيخ اللغة الوطنية وتثبيتها قبل البدء في تعلّم أي لغة أجنبية.
وللعلم فإن اللغة الفرنسية التي يُراد تعميق وجودها في المجتمع المغربي، لم تعد ذات قيمة علمية مقارنةً مع الإنجليزية، فهي لغة منتهية الصلاحية من الناحية العلمية، كما يعرف الجميع.
ويضيف د. الودغيري، لا أحد يجادل في ضرورة تعلم اللغات الأجنبية والتبحر فيها، ولا أحد يقف ضد دراسة الفرنسية بالذات ولا ضد غيرها من اللغات وتعلمها باعتبارها أدوات للانفتاح على العالم وتحصيل المعرفة، ولغايات ومزايا أخرى كثيرة.
وإنما موضوع النقاش هو: هل نجمّد لغتنا العربية وهي اللغة الوطنية والرسمية المشتركة بين جميع المغاربة ونركنها جانبا، خلافا للدستور الذي هو المرجع القانوني الأعلى في البلاد، ونمنعها بالقوة القانونية من الاقتراب من المجالات العلمية والتقنية، أم نواصل دعمَ موقعها والتمكين لها حتى تكتسب ما نرجو لها من نمو وتطور وتقدم، باعتبار أن اللغة لا تنمو ولا تتطور إلا بإقحامها في كل المجالات؟
مضيفا: “إنني لا أعرف أمة ولا دولة سبق لها أن تمكَّنت من تحقيق النهضة والتنمية الشاملة لنفسها بلغة أجنبية.. أعطوني مثالا واحدا، والسبب أن اللغة ليست مجرد أداة لحمل المعارف ونقلها بكل أمانة دون أن تترك أثرها العميق في ذهن المتلقي وثقافته وسلوكه وعاداته ونمط تفكيره وتوجهه في الحياة ورؤيته للعالَم”.
الخاتمة
تظل المنطقة العربية رهن التبعية والصراعات، وتمثّل ثورات الربيع العربي لحظة استرداد للوعي لدى الشعوب العربية، حاولت من خلالها استعادة سيادتها وتحقيق حاضر ومستقبل أفضل لها ولأجيالها القادمة، ولكن في لحظة غفلة من الشعوب، أو قل في لحظة سُكر ثوري، تسللت النخب العسكرية إلى قلب الثورات، طاعنة التغيير والإصلاح المنشود في سويداء قلبه، مدعومة بتحالف الثورة المضادة، السعودي الإماراتي، المدعوم بدوره من العدو الصهيوني الذي يهمه ألا تستنشق الشعوب العربية نسيم الحرية.
فالجهود على قدم وساق لوأد هذا الحراك، ما بين نظام يقتل شعبه منذ 9 أعوام بالأسلحة الكيماوية والطائرات (سوريا)، وعسكري سابق، قائد ميليشيات مرتزقة يقاتل من أجل السلطة (ليبيا)، وخائن للأمانة والقسم العسكري، قتل رئيسه المنتخب صبرا في غياهب السجون (مصر)، وعلى طريقته يلتف العسكريون في السودان والجزائر حول الحراك الشعبي لوأده.
مع التركيز من قبل المخططات الدولية على تفريغ المنطقة من توظيف مقوماتها الاقتصادية ومن ثَم الاستمرار في دائرة التبعية الاقتصادية، بعد إضعاف اقتصاديات الشعوب، وإغراقها في الديون والقروض من قبل البنك الدولي وغيره.
ولا يتم الاكتفاء بهذا الحد، بل تتم على قدم وساق محاولات التمييع الفكري بكبت المشاريع الفكرية التجديدية في العالم العربي، وفرنجة التعليم لتظل الأمة العربية حبيسة الفكر والتوجهات الغربية، بعد أن تم اعتقالها سياسيا، وإضعافها اقتصاديا.