البوليساريو تهدّد.. فهل تكون وراء اندلاع شرارة الحرب بين الجزائر والمغرب؟
سلطت صحيفة الاستقلال في تقرير لها على الأوضاع في الصحراء الغربية في ظل المتغيرات الأخيرة في المنطقة، إلى جانب التصريحات الأخيرة للأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي الذي أكد أنّ “خيار حمل السلاح مطروح وبقوة، وأنّ الجبهة مستعدّة لخوض الحرب من أجل الوصول إلى حق تقرير المصير”.
وقالت الصحيفة إنّ كثيرين ظنّوا أنّ أزمة الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب قد هدأت كثيرا، بعد انخفاض حدة التهديدات المتبادلة بين البلدين المغاربيين على مدار أشهر من ناحية، ومن ناحية أخرى إطاحة الحراك الجزائري بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان الماضي.
إلا أنّ جبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر وتحاربها المغرب كان لها رأي آخر، فعاودت على نحو أشد ضراوة التلويح بخيار الحرب للوصول إلى حق تقرير المصير، بينما تقدم الرباط حلا بمنحها حكما ذاتيا تحت سيادتها.
فهل تبدو الجبهة المتمرسة على القتال جادة في تهديداتها، أم يفترض أنها استشعرت ضعفًا بعد الإطاحة ببوتفليقة، وإلى أي سيناريو تميل المغرب، وهل يتغير موقف الجزائر الجديدة في السير على الطريق ذاته؟.
تهديد متجدّد
في تصريحات لفضائية “الحرة” الأمريكية أكد إبراهيم غالي، الأمين العام لجبهة البوليساريو، إنّ خيار حمل السلاح مطروح وبقوة، مشددا على استعداد الجبهة لخوض الحرب “من أجل الوصول إلى حق تقرير المصير”.
وقال قبل أيام: “تعنت المغرب وعدم احترامه للشرعية الدولية في الصحراء ودوسه على قرارات المجتمع الدولي ستفرض على الشعب الصحراوي وعلى جبهة البوليساريو حمل السلاح من جديد”.
ورغم تهديده الصريح، أكد أنه “لا يهدد بالحرب التي عاشها الشعب الصحراوي وكلفته الكثير من التضحيات؛ لكن إذا كان ممرا إجباريا فسنمر من ذلك الممر حتى نصل إلى حقنا في تقرير المصير والاستقلال”.
وبشأن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمه المغرب كحل تدعمه دول كبرى في الأمم المتحدة، قال: “هذا المقترح ولد ميتا أمام قضية تصفية استعمار، التي هي مسجلة لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
المثير، أن تهديدات البوليساريو بالحرب تأتي بعد أسبوع فقط من تهديد مماثل أطلقته الجبهة احتجاجا على إطلاق السلطات المغربية مخطط تنمويا لتأهيل معبر “الكركرات” الحدودي، جنوبي البلاد.
وقالت الجبهة، في رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، إنها “تحتفظ بحقها المشروع في الرد على جميع الأعمال الاستفزازية التي يقوم بها المغرب في المنطقة العازلة (الكركرات)”.
في المقابل، أشار موقع “هسبريس” المغربي إلى “أنه على عكس ما تروج له جبهة البوليساريو، فإن منطقة الكركرات التابعة إداريا لإقليم أوسرد بجهة الداخلة وادي الذهب، تخضع لمراقبة السلطات المغربية، التي سبق أن أطلقت ورشا كبيرة لتعبيد الطريق بالمنطقة الحدودية الجنوبية”.
وكشفت الحكومة المغربية، مؤخرا، أنها تشتغل على مشروع كبير لإنشاء منصة لوجستية في منطقة الكركرات لتفادي المشاكل والخسائر الاقتصادية المرتبطة بمعبر الكركرات، الذي يعتبر بوابة البلاد نحو أفريقيا.
للمغرب أيضا تهديدات
التصعيد الأخير من قبل جبهة البوليساريو، يلقي حجرا في مياه الأزمة الراكدة منذ نحو 9 أشهر، حين سلّمت الرباط في يناير/كانون الثاني الماضي، رسالة إلى مجلس الأمن تحتج خلالها على ما قالت إنها تغييرات تقوم بها الجبهة في المنطقة العازلة.
وحذر المغرب في رسالته من أن “إقامة أي بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية -أو أيا كانت طبيعتها، للبوليساريو، من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء- تشكل عملا مؤديا إلى الحرب”.
وأوضح هلال، أن “انتهاكات البوليساريو المتكررة -التي تمتد الآن إلى مناطق عدة شرق الجدار الأمني الدفاعي في الصحراء- تهدد الأطراف الأخرى بشكل جدي، ولا تعطي أي فرصة لإعادة إطلاق العملية السياسية”.
قبلها بيوم واحد، أكد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، أن بلاده “لم ولن تسمح بتغيير المعطيات على أرض الواقع بالمنطقة العازلة (في الصحراء الغربية) خاصة ما يتعلق بتشييد بعض البنايات”.
واعتبر أن أي تغيير للمعطيات في المنطقة الذكورة بمثابة اعتداء على المغرب وسيادته الوطنية، معلنا تشجيع حزبه الحاكم (العدالة والتنمية) السلطات الرسمية “لتقوم بكل ما يلزم لإزالة هذا الاعتداء”.
وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قال إن “هناك استفزازات ومناورات. الجزائر تشجع البوليساريو على تغيير وضع هذه المنطقة العازلة التي وضعت منذ أوائل التسعينيات تحت مسؤولية الأمم المتحدة”.
سقوط بوتفليقة
في أواخر فبراير/شباط الماضي، كشف الأمين العام للبوليساريو عن فحوى رسالة تهنئة من الرئيس الجزائري، حينها، عبدالعزيز بوتفليقة، بمناسبة احتفال “الشعب الصحراوي” بالذكرى الـ43 لإعلان ما سماه الجمهورية.
وبحسب الرسالة التي نشرتها الوكالة الرسمية للجبهة، قال بوتفليقة إن “احتفال الشعب الصحراوي بالذكرى الـ43 لإعلان الجمهورية الصحراوية فرصة لاستذكار مسيرة الشعب الصحراوي المكافح الحافلة بالتضحيات والانتصارات على الصعيدين الداخلي والدولي، بفضل عزمه على استرجاع حقوقه المشروعة، تحت القيادة الرشيدة لجبهة البوليساريو”.
ويبدو مضمون الرسالة لا يشكل مفاجئة للمتابعين، حيث لا يخفى على أحد ما تقدمه الجزائر من دعم لجبهة البوليساريو، إلا أن توقيتها تزامن مع ثورة الشعب الجزائري الذي انتفض رفضا للرئيس ورموز نظامه.
وبالفعل أتت الرياح الجزائرية بما لا تشتهي سفن الجبهة، فبعد نحو شهر واحد من الرسالة أطاحت الثورة بالرئيس، لتفقد الجبهة داعمها الأول والرئيسي في نزاعها مع المغرب، وتدخل في موجة ارتباك ساهم في تضخيمها احتجاجات للصحراويين في مخيمات تندوف التي تسيطر عليها الجبهة على الحدود الجزائرية المغربية.
الاحتجاجات التي قالت تقارير إعلامية إنها تثير مخاوف قيادات البوليساريو، أتت رفضا لقرارها منع الصحراويين من مغادرة المخيم أو العودة إلا بتصريح أمني، وذلك خشية تصدير الثورة الجزائرية التي كانت على أشدها في حينه.
لم يكن هذا هو التخوف الوحيد للجبهة، بل مثّلت الإطاحة ببوتفليقة وانشغال المؤسسة العسكرية الجزائرية – داعمة الجبهة – بتطورات الأوضاع الداخلية في البلاد، هاجسا لدى قياداتها من استغلال مغربي لكل تلك الظروف أو على الأقل أن تتوه أزمتهم وسط ما تعيشه لمنطقة.
موقف الجزائر الجديدة
هذا الهاجس الذي يبدو أنه مستمر، يطرح تساؤلا في غاية الأهمية، بشأن موقف جزائر ما بعد بوتفليقة من دعم البوليساريو وصراع الصحراء مع المغرب، في ظل غياب تام لأي موقف رسمي للمسؤولين الحاليين حول الأزمة.
وبطبيعة الحال، فإن العلاقة بين الجزائر والمغرب تتناسب عكسيا مع مصالح البوليساريو، فلم تعش الجبهة فترة أكثر ازدهارا من تلك التي عاشتها في ظل رئاسة بوتفليقة للجزائر، وحالة عدائه الشديدة مع المغرب.
الآن وقد تبدلت الوجه، يبدو أن الجبهة مقبلة على أيام صعبة، في ظل الحديث عن تقارب جزائري مغربي، قد يفضي إلى فتح الحدود المغلقة، بحسب ما كشفته مصادر لصحيفة “الإندبندنت”.
ويعود تاريخ إغلاق الحدود المغربية الجزائرية إلى عام 1994، إثر تفجيرات فندق إسني بمراكش، حيث اتهمت الرباط المخابرات الجزائرية بالوقوف وراءها، تبعها فرض المغرب تأشيرة الدخول على الجزائريين من جانب واحد، لتقوم الجزائر بإغلاق حدودها وفرض التأشيرة.
المصادر كشفت أن جهة سيادية جزائرية فتحت استشارة مع أكاديميين، في شأن إعادة فتح الحدود البرية المغلقة مع المغرب، متوقعة تقدم النقاش في ظل مؤشرات “إيجابية” من المغرب.
الحراك الرياضي
تلك الأجواء الإيجابية تمت ترجمها “الحراك الرياضي”، حيث شهدت الحدود البرية الفاصلة بين البلدين احتفالات مشتركة بعد فوز المنتخب الجزائري ببطولة كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في مصر، وانتهى الأمر برسالة تهنئة رسمية من العاهل المغربي الملك محمد السادس يصف فيها تتويج الجزائر “كأنه تتويج للمغرب”.
ويرى مراقبون، أنه بخلاف الشرط الجزائري القائم منذ عقود الرابط بين فتح الحدود ونجاح المغرب في محاربة تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، فإن ملف الحدود برمته متروك للرئيس الجديد الذي سينتخبه الشعب.
وشهدت العلاقات الثنائية مسار تطبيع غير مسبوق بين عامي 2011 و2013، إذ تمكن البلدان من توقيع اتفاق يقضي بـ “تبادل الزيارات الرسمية في قطاعات الزراعة والبيئة وغيرهما”، تأهبا للجان مشتركة في المجال الأمني والسياسي، بيد أن تلك الجهود تعثرت في خريف 2013، إثر حادثة اقتحام فناء قنصلية الجزائر في الدار البيضاء وتنكيس العلم الجزائري.
وحتى تلك اللحظة التي ينتظرها الجميع بانتخاب رئيس جزائري، يبقى شعار الموقف الرسمي من قضية الصحراء ودعم جبهة البوليساريو هو التجميد، بحيث تتجنب القيادات الحالية الإدلاء بأية تصريحات أو اتخاذ مواقف تُحسب على طرف دون آخر.
قصة البوليساريو
في 1973 أُعلن تكوين “جبهة تحرير وادي الذهب والساقية الحمراء” المعروفة باسم “البوليساريو”، التي تدعو إلى استقلال منطقة الصحراء الغربية كدولة مستقلة، وقامت الجزائر بدعم الجبهة عسكريا ولوجستيا في قتالها مع القوات المغربية في نهاية السبعينيات.
أزمة المنطقة الحقيقية بدأت قبل انسحاب الاحتلال الإسباني للمنطقة في أكتوبر/ تشرين الأول 1975 حيث طالبت المغرب باسترجاع الصحراء الغربية قبل انسحاب الاحتلال منها، معتبرة أن الصحراء الغربية جزء من أراضيها.
طلبت المغرب إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للبت فيها، وقد أقرت محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية لحاكم المغرب، وكذلك بعض الروابط التي تتضمن بعض الحقوق المتعلقة بالأرض الواقعة بين موريتانيا والقبائل الصحراوية الأخرى.
كما قضت المحكمة بأن السكان الأصليين أهل الصحراء هم مالكو الأرض، وبالتالي فإنهم يتمتعون بحق تقرير المصير، غير أنه وبعد ساعات من صدور حكم المحكمة أعلن ملك المغرب حينها الحسن الثاني عن تنظيم “مسيرة خضراء” لإعادة الصحراء الغربية إلى الوطن الأم.
بعدها بأيام بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل، لينتهي الأمر في يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 بتوقيعهما وموريتانيا اتفاقية في مدريد استعاد المغرب بمقتضاها أقاليمه الجنوبية والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي أغسطس/آب 1979، تخلت موريتانيا عن جميع مطالبها بشأن نصيبها من الصحراء الغربية وتنازلت عن هذه المنطقة إلى البوليساريو، ولكن المغرب سيطرت عليها.
نزاعات مسلّحة
منذ هذا التاريخ شهدت المنطقة نزاعات مسلحة بين الطرفين، وبعد أن هزم الجيش المغربي، قوات البوليساريو بعد عناء، في عام 1980 اتجه إلى بناء جدار أمني استمر تشييده نحو 7 سنوات، يمتد على طول الحدود الجنوبية مع الجزائر.
استمرت الاشتباكات حتى عام 1991، حيث أشرفت بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة على إلزام الطرفين بوقف إطلاق النار، وكانت السنوات التالية شاهدة على أحداث دامية بين شباب جبهة البوليساريو والحكومة المغربية متمثلة في أحداث العيون عام 1999 وأحداث السمارة 2005 وأحداث كديم ازيك عام 2010.
وفي أبريل/نيسان 2007 قدمت المغرب للأمم المتحدة اقتراحا بشـأن نظـام للحكـم الذاتـي للجبهـة، وظلت المشاورات قائمة منذ هذا التاريخ دون حسم بين زيارات لمبعوثين من الأمم المتحدة واجتماعات لمجلس الأمن.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014 شدد الملك محمد السادس، في الذكرى الـ39 لإحياء انطلاق المسيرة الخضراء، على أحقية المغرب التاريخية في الصحراء الغربية.
جبهة البوليساريو ردت هي الأخرى باستعدادها للعودة إلى الكفاح المسلح، التهديد الذي تكرر في أبريل/نيسان 2016 على لسان الأمين العام للجبهة “محمد عبد العزيز” باحتمال استئناف القتال مع المغرب إذا لم تنجز بعثة الأمم المتحدة في هذه المنطقة مهمتها بالكامل.
وعلى مدار جميع المراحل والتطورات التي تشهدها الأزمة استمر دعم الجزائر لجبهة البوليساريو بدعوى “حق تقرير المصير والشرعية الأممية”، الأمر الذي لم يتقبله المغرب واعتبر ذلك ولا يزال تآمرا على وحدته الترابية.
جذور الأزمة
تاريخيًا، إنّ جذور الأزمة بين البلدين تمتد إلى عهد الاستعمار الفرنسي، حيث لم يكن هناك رسم للحدود بشكل دقيق وكامل بين البلدين المتجاورين، ولم تكن فرنسا معنية بذلك إلا بعد اكتشاف حقول من النفط ومناجم حديد في المنطقة الحدودية، حيث أعادت ترسيم الحدود وأدخلت منطقتي “الحاسي والبيض” و”كولومب بشار” ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر، حينها.
بعد استقلال الجزائر عام 1962 ومن قبله المغرب عام 1956، طالبت الرباط باسترجاع سيادتها على المنطقتين، بالإضافة إلى مناطق أخرى كانت تعود إليها قبل الاستعمار، استنادا إلى خريطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال المغربي في عام 1956.
إلا أن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندونج المنعقد في 1956.
وازداد التصعيد بالمناطق الحدودية بين البلدين في أعقاب رفض الجزائر تغيير خريطة الاستعمار، إلى أن اندلعت مناوشات تحولت إلى حرب ضروس في أكتوبر/تشرين الأول 1963، سميت بحرب الرمال.تكبد الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتنتهي هذه الحرب بتدخل منظمة الوحدة الأفريقية، التي أرست اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 20 فبراير/شباط 1964.
المصادر:
- زعيم البوليساريو يهدّد المغرب عبر قناة أمريكية: الانفصال أو الحرب
- “البوليساريو” تهدد المغرب برد حازم وتوجه رسالة إلى مجلس الأمن
- رسالة مستفزة.. بوتفليقة يدعم البوليساريو وهذا ما قاله عن الصحراء المغربية
- انتفاضة الصحراويين في تندوف تربك البوليساريو
- فتح الحدود بين المغرب والجزائر… قريباً؟