الحالة العربية (أوت/أغسطس 2019): الأوضاع في الوطن العربي وعلاقتها بالداخل والخارج
نشرت صحيفة الاستقلال تقريرٌا مفصّلًا عن الحالة العربية خلال شهر أوت/أغسطس 2019 في عديد الدول العربية من بينها السودان والجزائر وإيران والإمارات وسوريا وليبيا واليمن وتريكا وقطر ولبنان وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وهذا هو التقرير الذي أعدّه قسم البحوث بصحيفة الاستقلال كاملًا.
- احتجاجات الأبيض.
- فرح السودان: توقيع الإعلان الدستوري وأولى الخطوات باتجاه الحكم المدني.
- إعلان تشكيلة مجلس السيادة.
- الاقتصادي الخبير”حمدوك” رئيسًا للوزراء.
- محاكمة البشير، الكشف عن أموال الحلفاء الخليجيين وغياب التهم السياسية.
- الأحداث.
- تحالف بقيادة الولايات المتحدة لزيادة حجم القوات الموالية لها في سوريا.
- اتفاق تركي أمريكي لتشكيل غرفة عمليات مشتركة لتدشين منطقة آمنة في سوريا.
- وثائق تكشف تدخل النظام السوري في وقف المعونات الإنسانية للشعب السوري.
- تقرير صادر عن البنتاجون يشير لعودة تنظيم الدولة للعمل في العراق وسوريا.
- اختفاء أكثر من مائة ألف شخص كانوا رهن الاعتقال في سوريا منذ عام 2011.
- نزوح 124 ألف سوري من مناطقهم خلال عيد الأضحى.
- النظام السوري يأخذ بلدة إستراتيجية من قوات الثورة السورية في تقدم جديد.
- تطور العلاقات الإماراتية الإيرانية.
- السيناريوهات المتوقعة.
- بريطانيا تنضم إلى قوات الأمن البحري بقيادة الولايات المتحدة في الخليج.
- انضمام إسرائيل للقوات الأمريكية في الخليج العربي.
- هجوم موسع للحوثيين على السعودية.
- تركيا تفتح قاعدة عسكرية جديدة في قطر.
- الأحداث.
- حميدتي يدعم حفتر ضد حكومة الوفاق بدعم إماراتي.
- دعم لحفتر مدفوع الأجر.
- المجلس الأعلى للدولة في ليبيا يندد بالتدخل المصري.
- محطة فرنسية للتحكم بالطائرات المسيرة لفائدة حفتر.
- تراجع الدعم الأمريكي لحفتر.
- غارات إسرائيلية على العراق.
- غارات إسرائيلية على لبنان.
- غارات إسرائيلية على سوريا.
- غارات إسرائيلية على قطاع غزة.
- منهجه في الإصلاح.
- الإصلاح التربوي والاجتماعي والتعليمي.
- جهده التجديدي في التفسير.
- جهده التجديدي في الشريعة.
- علمانية واحدة وتطبيقات مختلفة.
- علمانية الصهاينة.
- العلمانيون والتحالف مع الاستبداد في مصر.
- اتفاق العلمانيين و”الإسلام السياسي” ضرورة وطنية.
يعيش العالم العربي، منذ بداية ثورات الربيع العربي، حالة شد وجذب ما بين أنظمة عسكرية ديكتاتورية، جثمت على صدره لأكثر من 7 عقود، وشعوب تتوق لتحصل على حريتها وكرامتها، وتصنع مستقبلاََ أفضل لأجيالها القادمة.
تلك الأنظمة الغاشمة وفلولها، التي لم تتحمل أن ترى رئيساََ منتخباََ لمصر يأخذ بيدها لديمقراطية حقيقية، فانقلبت عليه، ثم قتلته في محبسه، والتي تأبى في الجزائر أن تفسح الطريق لثورة الشعب أن تكتمل.
وفي سوريا التي ما وجد نظامها إلا أن يستعين بحليفته روسيا ليحرق شعبه بالطائرات والكيماوي، والسعودية التي تقتل أطفال اليمن جوعاََ وحرقاََ، وليبيا التي يحلم فيها لواءٌ سابق، صار قائد ميليشيا مرتزقة بالحكم والرئاسة، وأولاد زايد الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، بأموالهم وعتادهم.
فهل ستكون الشعوب قادرة على حسم المعركة لصالحها، وانتخاب حاكميها بكامل إرادتها، وتحقيق الديمقراطية المنشودة، وعودة الجيوش لثكناتها، أم أن محور الثورة المضادة المدعوم من السعودية والإمارات ستكون له الغلبة؟.
يرصد تقرير الحالة العربية في محور حراك الشعوب تطورات الوضع في السودان، والتي شملت التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية، الوثيقة التي يعتبرها كثيرون بداية انتقال السودان إلى الحكم المدني، وأيضاََ التطورات في الجزائر، خلال شهر أغسطس/آب 2019.
كما يتناول محور الحالة السياسية مجموعة من القضايا الهامة على الساحة العربية خلال الشهر، كان من أهمها تشكل تحالف بقيادة الولايات المتحدة لزيادة حجم القوات الموالية لها في سوريا، واتفاق تركيا وأمريكا لتدشين منطقة آمنة في الشمال السوري، وغارات إسرائيلية ضد أهداف إيرانية في العراق وسوريا ولبنان، وغارات أخرى على قطاع غزة، وتحسن العلاقات الإماراتية الإيرانية، مع رصد تطورات الحالة السياسية في كلٍ من سوريا، وليبيا، ودول الخليج العربي واليمن.
بينما ركز المحور الاقتصادي على 3 موضوعات هي السودان وانتظار مفاوضات الصندوق والبنك الدوليين، وذلك بعد أن أعلن رئيس الحكومة الجديد عبد الله حمدوك بأنه تواصل مع كل من الصندوق والبنك الدوليين بخصوص إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني، وكانت القضية الثانية هي استمرار أزمة انخفاض أسعار النفط، وكذلك مسألة الاقتصاد الجزائري وانتظار الخروج من نفق السياسة.
وتضمن المحور الفكري موضوعين مهمين يتعلقان بالفكر السياسي الإسلامي كانت أولاهما: قضية الإصلاح والتجديد عند العلامة التونسي الإمام الطاهر ابن عاشور، وثانيهما: موضوع العلمانية والإسلام والاستبداد.
محور حراك الشعوب
شهد شهر أغسطس/آب 2019 في السودان حدثًا محوريًا توّج حركة الاحتجاج السلمي للشعب السوداني ومن ورائها مسيرة المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير التي تواصلت لأشهر، وهو التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية التي يعتبرها كثيرون بداية انتقال السودان إلى الحكم المدني بعد عقود من الحكم العسكري والفساد رغم العقبات التي لا تخفى على أحد.
تلا التوقيع خطوات متسارعة لتنفيذ بنوده وترتيب تفاصيل المرحلة الانتقالية فشهد تشكيل مجلس السيادة وتوليه زمام الأمور، وتعيين رئيس الوزراء” عبد الله حمدوك”، وينتظر أن يشهد أيضًا تعيين الوزراء العشرين، كما بدأت أولى جلسات محاكمة الرئيس المخلوع عمر حسن البشير.
أما في الجزائر، فعلى العكس من السودان، يشهد الأفق السياسي انسدادًا واضحًا إذ تتعثر لجنة الحوار الوطني ولا تتقدم خطوة إلى الأمام، فيما تتجدد مظاهرات الشوارع كل أسبوع رافضة الحوار ومؤكدة على مطالبها برحيل جميع رموز نظام بوتفليقة السابق، ولا يزال الجيش هو اللاعب الأكبر في المشهد السياسي الجزائري.
أولًا: الحراك الشعبي في السودان
احتجاجات الأبيّض
في 29 يوليو/تموز 2019، كانت مدينة الأبيّض بولاية شمال كردفان السودانية مسرحًا لفصل آخر من فصول مواجهة التظاهرات بالعنف والمستمر من شهور، إذ خرج طلاب في مسيرة احتجاجًا على الغلاء وانقطاع التيار الكهربائي ونقص الخبز والوقود.
كما احتج المتظاهرون أيضًا على تقرير لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم الذي نشر قبل يومين من التظاهرة حاملًا نتائج غير مرضية على مايبدو للمحتجين، إذ خلُص إلى أن ” أفرادًا” من قوات الدعم السريع “عصوا الأوامر” بدخولهم منطقة الاعتصام، وبذلك ينفي أي مسؤولية للمجلس العسكري في هذا الفض الدموي[1].
في الأبيّض، سقط 6 مواطنين قتلى إثر تفريق الأمن للمظاهرة، من بينهم طلاب، كما سقط 62 جريحًا، فاشتعلت المظاهرات المنددة بمقتلهم صباح اليوم التالي في عدد من المدن والولايات السودانية كان جُلُّها من طلاب المدارس والجامعات ورددوا هتافات عدّة منها “قتل طالب قتل أمة”[2].
وفي الخميس الأول من أغسطس/آب تظاهر مئات آلاف السودانيين في “مليونية القصاص العادل” استجابة لدعوة من “تجمع المهنيين السودانيين” التي شهدت سقوط 4 قتلى آخرين في مدينة أم درمان[3].
وبينما اتجهت أصابع الاتهام إلى المجلس العسكري وحمله “تجمع المهنيين السودانيين” المسؤولية، شكّل المجلس لجنة لتقصي الحقائق في أحداث الأبيّض خلصت إلى أن عناصر تابعة لأجهزة عسكرية مختلفة تورطت في قمع الاحتجاج، وأنه تم اعتقالهم وتسريحهم من الخدمة، وتسليمهم إلى السلطات القضائية المدنية لمحاكمتهم واتخاذ اللازم بحقهم[4].
“فرح السودان”: توقيع الإعلان الدستوري وأولى الخطوات باتجاه الحكم المدني
في 3 أغسطس/آب، أعلن وسيط الاتحاد الإفريقي إلى السودان “محمد حسن لبات” أن المجلس العسكري الانتقالي والمعارضة اتفقا على وثيقة دستورية تمهد الطريق أمام تشكيل حكومة انتقالية، بعد أسابيع من المفاوضات المطولة التي تخللها احتجاجات شعبية وأعمال عنف في أنحاء البلاد عطلت المسار التفاوضي أكثر من مرة.[5]
كان المجلس العسكري اتفق مع المعارضة في يوليو/تموز على “الإعلان السياسي”، الذي ينص في أبرز بنوده على تشكيل مجلس للسيادة (أعلى سلطة بالبلاد)، من 11 عضواََ، 5 عسكريين يختارهم المجلس العسكري، و5 مدنيين، تختارهم قوى التغيير، يضاف إليهم شخصية مدنية يتم اختيارها بالتوافق بين الطرفين.
ويترأس أحد الأعضاء العسكريين المجلس لمدة 21 شهراََ، بداية من توقيع الاتفاق، تعقبه رئاسة أحد الأعضاء المدنيين لمدة 18 شهرا المتبقية من الفترة. على أن يتوّج هذا الاتفاق بوثيقة دستورية تضفي عليه الصبغة القانونية، لكن عقبات عدّة أرجأت التوقيع على الوثيقة والاتفاق على بنودها[6].
في 4 أغسطس/آب وقعت قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، على الإعلان الدستوري بالأحرف الأولى، وهي الخطوة التمهيدية للتوقيع النهائي على الإعلان الذي أتى تاليًا في 17 أغسطس/آب.
كان ثمة نقطتا خلاف رئيسيتان بين الجانبين في المفاوضات السابقة حسمتهما الوثيقة الدستورية، هما: دور جهاز المخابرات العامة، وقوات الدعم السريع، التي تعتبر أقوى قوة شبه عسكرية في السودان.
وكالة رويترز ذكرت أنها اطلعت على الوثيقة الدستورية وأنها – الوثيقة- قضت بأن يكون جهاز المخابرات العامة تحت إشراف مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وأن قوات الدعم السريع سوف تتبع القائد العام للقوات المسلحة في الفترة الانتقالية[7].
كما أكدت الوثيقة على عدة بنود سبق طرحها أبرزها، تحديد الفترة الانتقالية بثلاث سنوات و3 أشهر، وأن تصدر قراراتُ مجلس السيادة بالتوافق أو بأغلبية ثلثي أعضائه، وكذلك يرأس أحد الأعضاء العسكريين مجلسَ السيادة لـ 21 شهرا، بينما يرأس أحد الأعضاء المدنيين المجلسَ لمدة 18 شهراََ المتبقية، وقوى التغيير هي من تختار رئيسَ الوزراء للحكومة المدنية.
أما مجلس الوزراء فيتشكل من رئيسٍ ووزراء لا يتجاوزون العشرين من كفاءات وطنية مستقلة، يختارهم رئيسُ الوزراء من قائمة مرشحي قوى التغيير، قبل اعتمادهم من مجلس السيادة، باستثناء وزيري الدفاع والداخلية يختارهما الأعضاء العسكريون[8].
كفاءات وطنية مستقلة
نصت الوثيقة كذلك على أن يشكل المجلس التشريعي الانتقالي في فترة لا تتجاوز 90 يوما من تاريخ تأسيس مجلس السيادة. وإلى حين تشكيله، يمارس مجلسا السيادة والوزراء السلطات التشريعية.
أيضًا حددت الوثيقة عضوية قوى التغيير في المجلس التشريعي بنسبة 67%، ونسبة 33% للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان قوى التغيير، وأعادت التأكيد على تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لإجراء تحقيق في الأحداث الدامية والجرائم التي ارتكبت يوم 3 يونيو/حزيران 2019 (محاولة فض الاعتصام بالقوة ما خلف قتلى وجرحى) وغيرها.
وأخيرًا اتفق الطرفان على أن تكون جمهورية السودان دولة لا مركزية، وعلى إعادة النظر في التقسيم الجغرافي وتوزيع السلطات بين مستويات الحكم[9].
حل اليوم المنتظر، 17 أغسطس/آب، أو ما أطلق عليه السودانيون اسم “فرح السودان”، وفي قاعة الصداقة المطلة على نهر النيل في قلب العاصمة السودانية، وقّع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري توقيعًا نهائيًا يضعه موضع التنفيذ ويؤرخ لبداية صفحة جديدة من تاريخ السودان يُنتظر أن تتحول بها إلى الحكم المدني بعد عقود طويلة من الرضوخ تحت الحكم العسكري وحكومة الإنقاذ التي أفسدت البلاد وأذلتها[10].
شهد حفل التوقيع حضورًا دوليًا وإقليميا كثيفًا على مستوى قادة الدول ووزراء الخارجية، كما خرج آلاف السودانيين إلى شوارع العاصمة الخرطوم وعدد من المدن السودانية، وتجمع الآلاف بساحة الحرية، وهتفوا بشعارات الحرية والتغيير والانتصار، ورددوا أغاني الثورة وأهازيجها التي واكبت مسار الثورة[11].
إعلان تشكيلة مجلس السيادة
ومع التوقيع الرسمي على الاتفاق، بدأت الخطوات العملية لتنفيذه تجري واحدة تلو الأخرى. ففي 20 أغسطس/آب، أُعلن عن التشكيلة النهائية لمجلس السيادة، بعدما كان مقررًا الإعلان عنها 19 أغسطس/آب إلا أن قوى الحرية والتغيير طلبت من المجلس العسكري مهلة 48 ساعة لحسم مرشحيها[12]، بعد اعتراضات داخلية على بعض الأسماء، وفي 21 أغسطس/آب أدى الرئيس والأعضاء اليمين الدستورية.
جاءت تشكيلة المجلس كالتالي:
الأعضاء الذين اختارهم المجلس العسكري:
الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيساً، والأعضاء هم الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق ياسر العطا، واللواء إبراهيم جابر[13].
الأعضاء الذين اختارتهم قوى الحرية والتغيير:
- عائشة السعيد، وهي أكاديمية وناشطة حقوقية وعرفت بنشاطاتها في مجال التثقيف لتمكين المرأة السودانية، وهي أيضًا أرملة الشاعر السوداني وأستاذ الأدب المقارن الراحل محمد عبد الحي.
- حسن محمد إدريس قاضي، ويعمل مستشارََا قانونيََا، وكان مرشح نداء السودان ضمن تحالف قوى الحرية والتغيير لعضوية المجلس السيادي، وهو ممثل شرق السودان في المجلس[14].
- الصديق تاور كافي، وهو أكاديمي متخصص في الفيزياء لديه مساهمات علمية في مجال تخصصه، كما شارك في تنظيم الكثير من النشاطات الحقوقية في قضايا وقف الحرب وإحلال السلام في جبال النوبة والنيل الأزرق[15].
- محمد الفكي سليمان، وهو صحفي وناشط سياسي درس العلوم السياسية، وكان سليمان مرشح التجمع الاتحادي ضمن تحالف قوى الحرية والتغيير لعضوية مجلس السيادة.
- محمد حسن عثمان التعايشي، تعود أصوله إلى إقليم دارفور، وهو قيادي شاب سابق بحزب الأمة، ترأس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وحمل راية الإصلاح بالحزب العريق خارجًا على الطاعة قبل أن يهاجر مغضوبا عليه إلى بريطانيا.
- أما الشخصية الأخيرة التي ينبغي أن يتوافق عليها الطرفان فكانت السيدة القبطية “رجاء نيكولا عبد المسيح”، المستشارة القانونية التي تخرجت من جامعة القاهرة بالخرطوم وعملت في وزارة العدل وترقت حتى منصب مستشار عام[16].
الاقتصادي الخبير “حمدوك” رئيسًا للوزراء
بعد تسلم مجلس السيادة زمام السلطة من المجلس العسكري، أدى ” عبد الله حمدوك” اليمين الدستورية أمام رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، ورئيس القضاء المكلف عباس علي بابكر في القصر الرئاسي بالخرطوم يوم 21 أغسطس/آب ليصبح بذلك رئيس وزراء السودان في المرحلة الانتقالية والذي نال اختياره توافق المجلس العسكري مع قوى الحرية والتغيير سابقًا[17].
“حمدوك”، ولد في عام 1956 في مقاطعة جنوب كردفان، حاصل على بكالوريوس العلوم من جامعة الخرطوم ودكتوراه في الدراسات الاقتصادية من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة، ويتمتع بخبرة تتجاوز الثلاثين عامًا كخبير اقتصادي ومحلل سياسات متخصص في التنمية الاقتصادية في جميع أنحاء إفريقيا.
شغل حمدوك مناصب اقتصادية رفيعة في عدد من المؤسسات منها بنك التنمية الإفريقي ومنظمة العمل الدولية. وقد حاولت آخر حكومة للبشير تعيينه وزيرًا للمالية لكنه اعتذر عن قبول المنصب حينئذ[18].
اعتبر الكثيرون ترشيح حمدوك اختيارًا موفقًا باعتبار أن خبراته الاقتصادية وعمله في أكثر من مؤسسة مالية واقتصادية دولية إضافة تعزز السيرة الذاتية للرجل وتبعث على التفاؤل بشأن قدرته على إدارة المرحلة المقبلة وما تحمله من تركة ثقيلة وعلى الدفع بالسودان للتحول من نمط الاستهلاك إلى الإنتاج.
لكن ينتقد آخرون اختياره باعتباره غير ملامس للواقع السوداني بحكم وجوده خارج البلاد لعقود، وهي انتقادات تلقت ردًا مفاده أن الرجل لن يكون وحيدًا بس ستحيط به فرق عمل متعددة قادرة على نقل تفاصيل المشهد الواقعي بأقرب صورة ممكنة.
كما أبدى البعض تخوّفهم من أن عمل “حمدوك” في المؤسسات المالية الدولية قد يدفع به إلى اتخاذ إجراءات قاسية لإصلاحات اقتصادية تكرر سيناريو دول مثل اليونان ومصر وزامبيا فيما يتعلق بسياسة الاقتراض، تثقل كاهل الدولة بالديون ويدفع الفقراء ثمنها في النهاية[19].
في مؤتمر صحفي بعد أداء اليمين الدستورية، حدد حمدوك أولوياته في الفترة المقبلة وأشار إلى أن تلك الأولويات هي إيقاف الحرب وبناء السلام المستدام، والعمل على حل الأزمة الاقتصادية الطاحنة إذ قال:” إنه يجب التركيز على بناء اقتصاد قائم على الإنتاج لا على المعونات والهبات”، وأضاف:” إنه أصبح رئيس حكومة لكل السودانيين، كما دعا إلى إرساء نظام ديمقراطي تعددي يتفق عليه كل السودانيين”[20].
محاكمة البشير، الكشف عن أموال الحلفاء الخليجيين وغياب التهم السياسية
في 19 أغسطس/آب، بدأت أولى جلسات محاكمة البشير، بتهم تتعلق بالفساد والكسب غير المشروع واستغلال النفوذ وحيازة النقد الأجنبي بطريقة مخالفة للقانون وغيرها.
اعترف البشير خلال جلسة المحاكمة العلنية بتلقيه مبلغ 90 مليون دولار نقدًا من العائلة الحاكمة بالمملكة العربية السعودية، وخصوصًا من ولي العهد “محمد بن سلمان”[21]، كما كشف عن تسلمه دفعتين سابقتين بقيمة 35 مليون دولار و30 مليون دولار من العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي توفي عام 2015.
كما كشف أيضًا تلقيه مبلغ مليون دولار من رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، لكنه “لا يعرف أين اختفى”[22].
في هذا السياق، انتقد حقوقيون جلسة محاكمة البشير واعتبروها “صورية” بالنظر إلى أن التهم الموجهة له مالية فقط، ورأوا أن المحك الحقيقي في الأيام القادمة لإثبات نية العسكريين في محاكمته هو أن يتضمن ملف البشير اتهامات أخرى مثل انتهاك حقوق الإنسان والتطهير العرقي والإبادة الجماعية وقتل المتظاهرين والقضايا التي تمس كرامة حقوق الشعب السوداني[23].
أخيرًا، سيمثل ملف محاكمة البشير أحد أهم ملفات الفترة القادمة في السودان، كما ينتظر أيضًا الإعلان عن تشكيلة مجلس الوزراء بحلول نهاية أغسطس/آب، وفي مطلع سبتمبر/أيلول تبدأ الخطوط العريضة للصفحة الجديدة من تاريخ السودان وتفاصيل المرحلة الانتقالية بالوضوح حين ينعقد أول اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء.
وتبقى الآمال معقودة تصاحبها المخاوف من طول الفترة الانتقالية والتحدي الاقتصادي ومحاولات الانقلاب العسكري وغياب الثقة في العسكر والخوف من تعالي أصوات المعارضين للاتفاق الدستوري برمته والرافضين لحكومة حمدوك.
ثانيًا: الحراك الشعبي في الجزائر
في شهر أغسطس/آب 2019، تواصلت احتجاجات الجزائريين في الشوارع بانتظام وتكرار لم تضعف حدته رغم درجات الحرارة المرتفعة والعطل المدرسية، فالمتظاهرون ملأوا الشوارع في أيام الجمعة الأربعة على مدار الأسابيع 24[24] و25 و26 و27 منذ بدء الحراك[25].
واستمرت التظاهرات في التأكيد على مطالبها برحيل جميع رموز نظام “بوتفليقة”، وعلى غرار الأسابيع السابقة، استهدف المتظاهرون رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح خصوصًا، وكذلك “كريم يونس” الرئيس الأسبق للبرلمان، الذي عيّنته السلطات منسقََا لهيئة الوساطة والحوار الوطني المكلفة بإجراء مشاورات لتحديد شروط الانتخابات الرئاسية المقبلة والتي يرفض المحتجون أن تتولى تنظيمها السلطات الحاكمة حاليََا. كما ترددت الدعوات لعصيان مدني في تظاهرات هذا الشهر أيضًا[26].
أما على صعيد الحل السياسي للخروج من الأزمة، فلا يزال الطريق مسدودًا، إذ يواصل الشارع رفض لجنة الحوار وتركيبتها ويتهمها بالتبعية للسلطة، ومن جانب آخر تواجه اللجنة أزمة في تكوينها إثر عزوف عدد من الشخصيات.
فريق الوساطة
في مطلع الشهر دعا منسق اللجنة “كريم يونس” 23 شخصية للالتحاق بفريق الوساطة، لكن الوجوه البارزة رفضت الانخراط فيها، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، الذي أكد:” عدم ترشحه لأيّ هيئة انتقالية ولأيّ انتخاب”، وكذلك الوزير السابق طالب الإبراهيمي، الذي أكد:” أنه لا يرى جديدََا يستدعي تغيير موقفه من لجنة الحوار”، وأيضًا الحقوقي مصطفى بوشاشي إذ رأى أن “المعطيات والشروط غير متوفرة لكي يشارك في هذه اللجنة”، والحقوقي مقران آيت العربي الذي قال:” إنه لن يشارك في أي حوار تحدّد السلطة أهدافه ويرفضه الحراك”[27].
كما أن اللجنة طالبت السلطات بتنفيذ إجراءات للتهدئة لتهيئة أجواء مناسبة للحوار الوطني أهمها إطلاق معتقلي الحراك الشعبي، وتخفيف إجراءات الأمن المشددة التي تحيط بالمظاهرات، لكن قائد الأركان رفض تلك المطالب بوصفها شروطا مسبقة للحوار الوطني وإملاءات لا يمكن للسلطة أن تقبل بها[28]، الأمر الذي شكّل عقبة أخرى في وجه اللجنة المتعثرة أساسًا.
شهد هذا الشهر أيضًا اعتقال وزيرين سابقين في نظام بوتفليقة بتهم الفساد في 5 أغسطس/آب هما وزير الأشغال العامة والنقل السابق عبد الغني زعلان ووزير العمل السابق محمد الغازي[29].
وفي 16 أغسطس/آب كشفت هيئة الوساطة والحوار الوطني عن تشكيل لجنة استشارية تضم 41 من الشخصيات الوطنية، بينهم وزراء سابقون وأساتذة جامعيون وخبراء ونشطاء بالحراك الشعبي للعمل على إيجاد نهج توافقي للخروج من المأزق السياسي الذي تشهده البلاد[30]، لكن مدى فعالية هذه اللجنة يبقى محل شك بالنظر للتعقيدات التي واجهتها هيئة الحوار طوال الفترة الماضية.
محور الحالة السياسية
شهد شهر أغسطس/آب 2019 العديد من الأحداث في الحالة السياسية العربية، ففي الحالة السورية، استمر القصف الآثم للنظام السوري وحليفه الروسي على المدنيين العزل في إدلب وحماة، ما خلف أعدادََا من القتلى والجرحى، وتهجير الآلاف من السوريين من مناطقهم في اتجاه الحدود التركية، كما شملت أحداث الشهر اتفاقََا تركيََا أمريكيََا لإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، وضرب إسرائيل أهداف إيرانية في العاصمة السورية دمشق.
أما على صعيد دول الخليج العربي واليمن فهناك ما يشير إلى تراجع الإمارات عن موقفها من إيران، وشهد الشهر الإعلان عن انضمام بريطانيا وإسرائيل إلى قوات التأمين البحري الأمريكية في الخليج العربي.
ومن اللافت للنظر قيام إسرائيل هذا الشهر بتنفيذ 3 هجمات ضد أهداف إيرانية في 3 دول حليفة لإيران، هي لبنان وسوريا والعراق، مع إعلانها الانضمام لقوات التأمين البحرية في الخليج، مما ينذر باحتمال اندلاع صراع أكبر بالمنطقة.
أما على صعيد الحالة الليبية فقد حققت قوات حكومة الوفاق الوطني تقدمََا في مواجهة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما شهد الشهر قصف حفتر لعدد من الأهداف المدنية بالعاصمة طرابلس، وكذلك تم الكشف عن محطة فرنسية للتحكم في الطائرات المسيرة تعمل لخدمة حفتر، وكذلك الكشف عن دعم الجنرال “حميدتي” لحفتر بتمويل إماراتي، ومؤشرات عن تراجع أمريكي في دعم حفتر.
الثورة السورية
استمر القصف الوحشي للنظام السوري المدعوم بالقوات الروسية لمحافظتي إدلب وحماة السوريتين في الشهور الثلاثة الماضية، ما أدى لإجبار أكثر من 450 ألف مواطن سوري لهجر منازلهم في اتجاه الحدود التركية شمالََا، وذلك بحسب تقديرات منظمة أطباء بلا حدود أوائل أغسطس/آب 2019، وأضافت المنظمة أن القصف الوحشي خلف مئات القتلى وآلاف الجرحى، مؤكدة أن وتيرة القصف ازدادت في الشهر الماضي أكثر من أي وقت مضى في هذا العام[31].
كما حفل الشهر بالعديد الأحداث الهامة على الساحة السورية منها تشكل تحالف بقيادة الولايات المتحدة لزيادة حجم القوات الموالية لها في سوريا، بغرض مقاومة تنظيم الدولة، بعد ملاحظة عودة التنظيم مرة أخرى للظهور والعمل في العراق وسوريا.
كما شهد الشهر اتفاقَا تركيَا أمريكيَا لتشكيل غرفة عمليات مشتركة لتدشين منطقة آمنة في سوريا، تمكن السوريين من العودة إلى بلادهم، وكذلك قامت إسرائيل خلال شهر أغسطس/آب بغارات جوية مستهدفة أهداف إيرانية في ريف دمشق، وذلك بعد استهدافها أهداف تابعة لإيران في العراق، وإعلانها عن مشاركة القوات الأمريكية في الخليج العربي بغرض حفظ السلام مما أثار حفيظة إيران.
كما أعلن مراقبون نزوح 124 ألف سوري من مناطقهم خلال عيد الأضحى تجاه الحدود التركية الشمالية، فرارا من القصف الوحشي للنظام وحليفه الروسي، وكذلك أعلنت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان عن أن عدد المختفين في سجون النظام منذ 2011، بلغ 100 ألف شخص.
الأحداث
1. صرحت وزارة الداخلية التركية السبت 3 أغسطس/آب أن عملية مشتركة بين قوات “الجاندورما التركية” والاستخبارات الوطنية التركية صادرت نحو طن من المتفجرات كانت بحوزة تنظيم الدولة شمال سوريا، كما ألقت القبض على عدد من عناصر التنظيم كانت تخطط لدخول تركيا وشن هجمات بالمتفجرات[32].
2. قالت وزارة الخارجية الأمريكية السبت 3 أغسطس/آب، إنها ترحب بأنباء وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، وحثت على وضع حد للهجمات على المدنيين، وذلك بناءً على ما ذكرته وسائل الإعلام السورية، الأسبوع الماضي، من أن النظام السوري سيلتزم بوقف إطلاق النار طالما أن مجموعات المقاومة المسلحة سيطبقون شروط اتفاقية وقف التصعيد، التي تم التوصل إليها العام الماضي بين روسيا وتركيا[33].
3. في يوم 5 أغسطس/آب أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قرار شن عملية عسكرية في سوريا، شرق نهر الفرات، وقال:” إنه تم تحذير الولايات المتحدة وروسيا وتزويدهما بالمعلومات اللازمة، وذلك في أعقاب محادثات بين شخصيات عسكرية تركية، كوزير الدفاع خلوصي أكار، والمبعوث الأمريكي إلى روسيا جيمس جيفريز فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة المقترحة شمال سوريا”.
تركيا تحذر
حذرت تركيا منذ بداية المحادثات في يوليو/تموز 2019، من أنها ستجرى عملية عسكرية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق لإقامة المنطقة الآمنة[34]. حيث تأمل تركيا في إنشاء منطقة آمنة على مساحة 32 كيلو مترا، في شمال سوريا[35].
بينما أعلن الجيش السوري في نفس اليوم استئناف عملياته العسكرية ضمن الحملة التي تقودها روسيا في شمال غرب سوريا، والتي هجَّرت عشرات الآلاف من المدنيين وقتلت المئات، كما ألقى النظام السوري باللوم على تركيا لزعمه عدم التزامها بموجب اتفاق الهدنة[36].
بينما حذر مسئول كردي عالي المستوى من نشوب “حرب كبيرة” في حين قامت تركيا بالهجوم على القوات الكردية في شمال شرق سوريا، وذلك في حالة فشل الولايات المتحدة في منع الخطة التركية للهجوم[37].
4. أعلن الاتحاد الأوروبي يوم 6 أغسطس/آب، عن تخصيص مبلغ 127 مليون يورو، لتمويل إضافي للبرنامج الإنساني في تركيا لدعم اللاجئين، وقال “كريستوس ستيليانيدس”، مفوض المساعدات الإنسانية:” تمويلنا الجديد سيتيح لنا الوصول إلى أكثر من 1.6 مليون لاجئ، ومساعدتهم على العيش بكرامة في تركيا”[38].
5. وفي 14 أغسطس/آب أسقط الثوار طائرة حربية تابعة للنظام السوري كانت تحوم فوق محافظة إدلب[39].
6. يوم الخميس 15 أغسطس/آب لقى ما لا يقل عن 10 مدنيين مصرعهم في هجمات نفذتها قوات النظام السوري والقوات الروسية، في منطقة التصعيد في شمال سوريا، حسبما ذكرت وكالة الدفاع المدني “الخوذات البيضاء”[40].
7. وفي 15 و16 أغسطس/آب قال مراقبون محليون إن عدد قتلى الغارات المحلية على إدلب وصل إلى أكثر من 24 مدنيا، في شمال غرب سوريا في اليومين الماضيين[41].
تحالف بقيادة الولايات المتحدة لزيادة حجم القوات الموالية لها في سوريا
يخطط التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لزيادة الحجم الإجمالي للقوات السورية المدعومة أمريكيا بنسبة 10 ٪ لمنع عودة تنظيم الدولة في المناطق التي سبق تطهيرها شمال شرقي سوريا، وفقًا لتقرير المفتش العام للبنتاغون الذي صدر الثلاثاء 7 أغسطس/آب.
وقال التقرير:” إن الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية “قلل من الدعم المتاح” للقوات الشريكة السورية “في وقت تحتاج فيه قواتها إلى مزيد من التدريب والتجهيز” للرد على تنظيم الدولة”، حسب زعم التقرير[42].
وفقََا للتقرير الربع سنوي لمهمة مكافحة الإرهاب بالشرق الأوسط التابعة للجيش الأمريكي (operation inherent resolve) الذي أصدره البنتاجون، فإن تنظيم الدولة عاود الظهور في سوريا بعد أقل من 5 أشهر من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن التنظيم هُزم.
وذكر التقرير أن انبعاث تنظيم الدولة في العراق وسوريا من جديد جاء نتيجة لأن قوات الأمن العراقية، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة غير قادرة على القيام بعمليات طويلة الأمد ضد مقاتلي تنظيم تنظيم الدولة[43].
اتفاق تركي أمريكي لتشكيل غرفة عمليات مشتركة لتدشين منطقة آمنة في سوريا
اتفقت تركيا والولايات المتحدة يوم 8 أغسطس/آب على إنشاء مركز عمليات مشترك في تركيا، لتنسيق وإدارة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، وهي خطوة بدا أنها تقلل من احتمالية قيام تركيا بعمل عسكري بدا أنه وشيك في نفس المنطقة، بعد قيام الرئيس التركي بالإعلان عن عمليه عسكرية وشيكة شرق الفرات، وذلك بعد 3 أيام من المحادثات بين الوفود العسكرية للبلدين، وبعد شهور من الجمود في التفاهمات بشأن حجم المنطقة الآمنة، ومن يجب أن يقود القوات اللازمة لحمايتها.
وصرح وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو الجمعة 9 أغسطس/آب بعد الاتفاق الثنائي بأن:” حيز السلام في سوريا الذي وافقت عليه أنقرة وواشنطن هو قضية أمنية ذات أهمية حاسمة بالنسبة لتركيا”[44].
يذكر أن المنطقة المقترحة تهدف إلى تأمين قطاع من الأرض يمتد على مسافة تزيد عن 400 كيلومتر، على طول الحدود الشمالية الشرقية لسوريا مع تركيا، وتسيطر على معظمها ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تنظر إليهم أنقرة كتنظيمات إرهابية تمثل خطرََا عليها[45].
وترغب تركيا في إخراج “وحدات حماية الشعب” الكردية من المنطقة الآمنة، وسحب الأسلحة الثقيلة منهم، ومراقبة المجال الجوي، والعمل على إعادة السوريين المقيمين في تركيا إلى المنطقة الآمنة، في حين لا تبدو واشنطن في عجلة من أمرها، إذ اقتصرت التحضيرات حتى الوقت الحالي على إرسال وفد أمريكي مكوّن من 6 أشخاص، يوم 12 أغسطس/آب، إلى ولاية “شانلي أورفة” لإجراء التحضيرات الأولية، دون الإعلان عن طبيعة القوات وحجم المنطقة المزمع إنشاؤها[46].
وثائق تكشف تدخل النظام السوري في وقف المعونات الإنسانية للشعب السوري
كشفت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان (HRW) عن حصول مركز العدالة والمساءلة السوري (SJAC) على وثائق تشير إلى أن فروع المخابرات السورية تتدخل منذ فترة طويلة في توجيه ووقف المساعدات الإنسانية للسوريين في الداخل، ما يؤكد النتائج التي توصلت إليها تقارير سابقة لـ هيومن رايتس ووتش وتشاتام هاوس.
فمن خلال المقابلات مع العاملين في المجال الإنساني في سوريا ومراجعة المواد المتاحة للجمهور، وجدت هيومن رايتس ووتش أن الحكومة السورية قد طورت إطارًا سياسيًا وقانونيًا يسمح لها بتحويل موارد المساعدات، وإعادة الإعمار لتمويل أعمالها الوحشية، ومعاقبة المعارضين، واستفادة أولئك الموالين للحكومة، وإحدى الطرق التي تتبعها هي استخدام قوات الأمن للتدخل في إيصال المساعدات والتأثير عليها[47].
تقرير صادر عن البنتاجون يشير لعودة تنظيم الدولة للعمل في العراق وسوريا:
أفاد التقرير الربع السنوي للبنتاجون، المرفوع من مهمة مكافحة الإرهاب بالشرق الأوسط “OPERATION INHERENT RESOLVE“، أن تنظيم الدولة – في العراق – يحاول توسيع نفوذه على السكان في المحافظات ذات الأغلبية السنية في شمال وغرب بغداد، كما أعادت تنظيم قيادتها، وأسست ملاذََا آمنًا في المناطق الريفية ذات الأغلبية السنية.
فوفقًا للقيادة المركزية الأمريكية (USCENTCOM)، يعاود تنظيم تنظيم الدولة الصعود في سوريا، ويستمر في تعزيز صفوفه في العراق، رغم خسارته آخر بقايا “الخلافة الإقليمية” “في سوريا في مارس/آذار 2019[48].
اختفاء أكثر من مائة ألف شخص كانوا رهن الاعتقال في سوريا منذ عام 2011:
صرح مسؤول سياسي بالأمم المتحدة في 7 أغسطس/آب إن أكثر من 100 ألف شخص في سوريا قد تم احتجازهم، أو اختطافهم أو فقدهم منذ بداية الثورة السورية في 2011، حيث أدلت “روزماري ديكارلو” بهذا التصريح خلال جلسة لمجلس الأمن دعت فيها جميع الأطراف إلى الاستجابة لنداء المجلس، بالإفراج عن جميع المعتقلين بغير توجيه اتهام إليهم، وتقديم معلومات للعائلات فيما يتعلق بذويهم، كما هو مطلوب بموجب القانون الدولي.
حيث تأتي هذه المعلومات والإحصائيات من حسابات تدعمها وأكدتها لجنة التحقيق بشأن سوريا – التي أذن بها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة – ومنظمات حقوق الإنسان منذ بدء النزاع في عام 2011[49].
نزوح 124 ألف سوري من مناطقهم خلال عيد الأضحى:
أعلنت وكالة الأناضول أنها رصدت تهجير حوالي 124.000 مدني من مناطق التصعيد في شمال سوريا، خلال عطلة عيد الأضحى (10ــ 14 أغسطس/آب) ، وفقا لجمعية منسقي الاستجابة المدنية في شمال سوريا، بسبب هجمات النظام والقوات الروسية، حيث رصدت كاميرات الأناضول مئات المركبات المسافرة من الريف الجنوبي لمحافظة إدلب نحو المخيمات القريبة من الحدود السورية التركية.
وأشارت الجمعية أن غالبية النازحين والذي يبلغ عددهم حوالي (19231 أسرة)، ذهبوا إلى مخيمات عتمة ودير حسن وكفر لوسين في شمال إدلب. وأضافت أن حوالي 22000 مدني نزحوا من مدينة خان شيخون وحدها، وأن آخرين نزحوا من قرى وبلدات في ريف إدلب الجنوبي والريف الشمالي من حماة، وهي مناطق داخل منطقة التصعيد[50].
النظام السوري يأخذ بلدة إستراتيجية من قوات الثورة السورية في تقدم جديد:
في 11 أغسطس/آب سيطر النظام السوري على بلدة الهبيط ذات الأهمية الإستراتيجية في محافظة إدلب، حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، أن السيطرة على الهبيط يمثل أهم تقدم أحرزه النظام السوري في محافظة إدلب منذ بدء هجومه قبل 3 أشهر. ووصف “حزب الله اللبناني” البلدة بأنها المدخل إلى ريف إدلب الجنوبي، والطريق الرئيسي بين دمشق وحلب ومدينة خان شيخون.
وقال المرصد السوري: إن القتال الذي دار يوم السبت أسفر عن مقتل أكثر من 100 عنصر من الجانبين في الوقت الذي أطلق فيه الجيش وحلفاؤه نحو 2000 غارة جوية ومدفعية ضد قوات المعارضة المتوغلة في شمال غرب سوريا[51].
دول الخليج العربي واليمن
توالت عدد من التطورات الهامة في الأحداث خلال شهر أغسطس/آب، حيث اتخذت دولة الإمارات عدة خطوات تؤشر لتراجعها عن موقفها ضد إيران، وفي المقابل قرر قادة الحوثيين التوقف عن مهاجمة الأهداف الإماراتية البرية والبحرية، كما هاجمت قوات المجلس الانتقالي، المدعومة إماراتيََا بالسيطرة على القصر الرئاسي في العاصمة المؤقتة عدن، وطردت الحكومة الشرعية من المدينة. مما يشكك في حقيقة قرار انسحاب الإمارات من اليمن.
كما أعلنت بريطانيا الانضمام إلى قوات الأمن البحري بقيادة الولايات المتحدة في الخليج العربي، وكذلك أعلنت إسرائيل انضمامها لهذه القوات، مما أثار حفيظة إيران، وذلك بعدما قامت إيران خلال الشهر بمهاجمة أهداف إيرانية في كلا من العراق وسوريا، مما قد يؤشر لدور جديد قد تنوى أن تلعبه إسرائيل في الساحة السياسية في الشرق الأوسط الفترة القادمة. كما شهد شهر أغسطس/آب الإعلان عن نية تركيا فتح قاعدة عسكرية جديدة في دولة قطر.
تطور العلاقات الإماراتية الإيرانية
في مطلع شهر أغسطس تسببت صورة قائد حرس سواحل دولة الإمارات، الجنرال محمد الأحبابي، مصافحََا نظيره الإيراني الجنرال قاسم رجائي، خلال لقائهما في طهران، والذي تم فيه توقيع اتفاقية تعاون بشأن الأمن البحري في الخليج، بصدمات في دول الخليج العربي خاصة السعودية، والذي يمثل تحول مفاجئ في علاقة الإمارات بإيران.
واتخذت الإمارات عدة خطوات في السابق تؤشر لتراجعها عن موقفها ضد إيران، حيث أعلنت أبو ظبي عن “إعادة نشر” قواتها في اليمن، ما يعني تخفيض عدد هذه القوات. ورغم أنها تعد الشريك الرئيس للرياض في الحرب ضد الحوثيين، الموالين لإيران، ورغم أنها أعلنت أنها لم تنسحب بالكامل، وأن جميع تحركاتها يتم بالتنسيق مع الرياض، إلا أن قادة الحوثيين قرروا التوقف عن مهاجمة الأهداف الإماراتية البرية والبحرية.
بينما تظل السعودية في المقابل محل استهداف للحوثيين، مما يشير لتسويات بين الإمارات وإيران بدون تنسيق مع السعودية. إذ يبدو أن الإمارات قد خلصت إلى أن حربها في اليمن بالاشتراك مع السعوديين غير مجدية، وتضر بمصالحها الاقتصادية، ويمكن أن يخلق لها صراعات مع الكونجرس الأمريكي كما حدث مع السعودية.
كما قال الأكاديمي الإماراتي البارز عبد الخالق عبد الله يوم 3 أغسطس/آب إن الحرب في اليمن “انتهت إماراتيََا ويبقى أن تتوقف رسميََا”، وهو ما أثار تساؤلات عن التغير الحاصل في الموقف السياسي والعسكري لسلطات أبو ظبي تجاه الأزمة اليمنية، خاصة وأنها تشكل إلى جانب السعودية العمود الفقري للتحالف الذي تدخل عسكريََا بهذا البلد في مارس/آذار2015 [52].
ونشر موقع “أوريان 21″ الفرنسي مقالََا للكاتبة هيلين لاكنر سلطت فيه الضوء على النهج الجديد الذي تسير عليه الإمارات بعد إعلان رغبتها في الانسحاب من الحرب على اليمن، حيث تقول الكاتبة:” إن إعلان دولة الإمارات سحب قواتها من اليمن يخفي وراءه الرغبة في إيجاد إستراتيجية جديدة للخروج من حرب لا نهاية لها، ولا تخلو من التوترات مع حليفتها الإستراتيجية السعودية[53].
التوجه الجديد لا يعني القطيعة
خلصت الكاتبة إلى أن التوجه الجديد لأبو ظبي لا يعني القطيعة بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وولي عهد السعودية محمد بن سلمان الحاكميْن الفعليين في بلديهما، لكنه يدل على اختلافات إستراتيجية، وأن انسحاب الإمارات يهدف إلى مراجعة للسياسة السعودية.
كما ألمحت السعودية مؤخرََا، من خلال سفيرها لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، الذي شدد على عزم الرياض لإقامة علاقات تعاون كاملة بين الدول العربية وإيران، بناءََ على شرطين أساسيين: أن يكون هذا التعاون قائم على حسن الجوار، وعدم تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مع الاحترام لسيادتها.
رحبت إيران بهذه النغمة السعودية الجديدة وفقََا لتصريحات المتحدث باسم الحكومة الإيرانية على ربيعي، ويأتي هذا التوجه في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة فتح المسارات الديبلوماسية مع إيران، حيث يجري السيناتور راند بول، نيابةً عن الرئيس ترامب، محادثات مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، فضلََا عن المحادثات التي تجريها إيران مع الموقعين الأوروبيين على الصفقة النووية[54].
لكن بعد أيام من إعلان الإمارات الانسحاب من اليمن، قامت قوات المجلس الانتقالي -التي تدعو لانفصال الجنوب- والحزام الأمني، بالسيطرة على “قصر معاشيق” الرئاسي في العاصمة المؤقتة عدن، وطردت الحكومة الشرعية من المدينة، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة من الإمارات لإخلاء مسؤوليتها عن “تحرك مرتقب ومخطط له ضد حكومة عبد ربه منصور هادي”.
واتهم وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري مؤسسة الرئاسة اليمنية والمملكة العربية السعودية بالصمت إزاء انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيََا، على الحكومة اليمنية في مدينة عدن، وأضاف الميسري قائلا:” 400 عربة إماراتية يقودها مأجورون نزلت شوارع عدن، وشاركت في المواجهات، ونحن قاتلناهم بأسلحتنا البدائية”، وأقر وزير الداخلية اليمني بالهزيمة، قائلاََ:”ن بارك للإمارات بالانتصار المبين علينا، لكنها لن تكون المعركة الأخيرة”[55].
وإثر سيطرة القوات الحليفة للإمارات بالقوة المسلحة على محافظة عدن مباشرة، دعا ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد فرقاء اليمن للحوار!! وأكد أن الإمارات والسعودية تقفان معََا في خندق واحد في مواجهة القوى التي تهدد أمن دول المنطقة، وأنهما تتفقان على مطالبة الأطراف اليمنية المتنازعة بتغليب لغة الحوار والعقل ومصلحة اليمن[56].
وفي 20 أغسطس/آب قامت قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيََا باقتحام معسكر قوات الشرطة العسكرية في منطقة “الكود” بمحافظة أبين جنوب اليمن، وقصفت طائرة تابعة للتحالف السعودي الإماراتي محيط المعسكر بعد اقتحامه، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى[57].
السيناريوهات المتوقعة
يرى المحلل السياسي “ميزر الجنيد” أن التحالف أدخل اليمن عمليََا في مأزق لن يستطيع الانفكاك منه سنوات مقبلة وقد يستمر لعقود، وأن ما يحدث حاليََا في الجنوب يعكس صورة مصغرة لما يريد التحالف السعودي الإماراتي تنفيذه على الأرض.
وبشأن السيناريو المتوقع حدوثه وفقََا للجنيد، فهو محاولة السعودية والإمارات الاستمرار في تمزيق المجتمع اليمني على أساس طائفي ومناطقي لكيلا تكون هناك دولة وطنية، وتبقى تلك القوى مرتهنة كليََا لها حتى عقود مقبلة، أي بما معناه أن القرار السياسي اليمني سيصبح في محل تنازع قوى إقليمية. وبذلك فإن اليمن لن يستطيع أن يخرج من هذه المحنة إلا بالتصدي لجميع هذه المشاريع في صناعة المليشيا، طبقََا للجنيد.
ويرى “الجنيد” أن الحل يكمن في إعفاء التحالف وإخراجه من دائرة التأثير، ورسم السياسات المستقبلية والعودة إلى ما توافق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني، بعيدََا عن وصاية وسيطرة التحالف والتمسك بدور الأمم المتحدة باعتباره رهانََا جامعََا يبني على ما تحقق ويؤسس لمرحلة مقبلة.
وكذلك يرى الباحث اليمني “عاتق جار الله”، المختص في الدراسات المستقبلية أن السيناريو المرجح للفترات المقبلة هو أن يُبقي التحالف على حكومة شرعية ضعيفة ومنزوعة القرار يتم من خلالها تقسيم اليمن ليس إلى دول، وإنما إلى مناطق نفوذ عسكرية ميلشياتية، خاصة إذا لم تستشعر السعودية ذلك.
واستبعد “جار الله” أن يسيطر الانتقالي بصيغته الحالية على الجنوب، معتبرًا أن ما يجمع الأجندات السعودية الإماراتية أكثر مما يفرقها اليوم، وأيًا كانت السيناريوهات فإن اليمنيين اليوم أصبحوا بحاجة للتفكير بشكل جاد حيال تشكيل قوة وطنية شعبية متحررة، من أجل استعادة الدولة[58].
بريطانيا تنضم إلى قوات الأمن البحري بقيادة الولايات المتحدة في الخليج
أعلنت بريطانيا يوم 5 أغسطس/آب انضمامها إلى قوات التأمين البحرية بقيادة الولايات المتحدة في الخليج، لغرض حماية السفن التجارية المارة بخليج هرمز. وذلك بعد قيام الحرس الثوري الإيراني الشهر الماضي، باحتجاز الناقلة البريطانية “ستينا إمبيرو” بالقرب من مضيق هرمز، وذلك في أعقاب استيلاء بريطانيا على ناقلة نفط إيرانية بالقرب من جبل طارق، متهمة إياها بانتهاك العقوبات المفروضة على سوريا.
وبينما صرح مصدر أمني بريطاني بأن تركيز المهمة الجديدة سوف يكون حماية أمن الشحن فقط، موضحًا أن بريطانيا لن تنضم إلى العقوبات الأمريكية ضد إيران، وقال وزير الخارجية البريطاني “دومنيك راب” أن بريطانيا مازالت ملتزمة بالعمل مع إيران للحفاظ على الاتفاق النووي لعام 2015، المتفق عليه مع طهران مقابل تخفيف العقوبات، وأكد وزير الدفاع “بن والاس” للصحفيين أن بريطانيا تتطلع إلى العمل إلى جانب الولايات المتحدة وغيرها لإيجاد حل دولي للمشاكل في مضيق هرمز[59].
انضمام إسرائيل للقوات الأمريكية في الخليج العربي:
ستنضم إسرائيل إلى المهمة التي تقودها الولايات المتحدة لتأمين الممرات البحرية عند مضيق هرمز، تلك الخطوة أثارت غضب إيران، حيث كشف النقاب يوم 6 أغسطس/آب وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتز، خلال جلسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست الإسرائيلي، التي عقدت الغالبية العظمى منها خلف أبواب مغلقة. إذ أخبر كاتز اللجنة أنه أمر وزارة الخارجية الإسرائيلية بالعمل على ضم تل أبيب في المهمة التي تقودها الولايات المتحدة بعد زيارة قام بها مؤخرًا إلى الإمارات العربية المتحدة[60].
بينما حذر وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي، من أي تدخل من جانب إسرائيل في تشكيل تحالف بحري تقوده الولايات المتحدة في الخليج العربي، مصرحًا بأن ذلك :”سيزيد من انعدام الأمن” وسيكون له “عواقب وخيمة” على المنطقة[61].
هجوم موسع للحوثيين على السعودية
يوم الثلاثاء 27 أغسطس/آب، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين شن عملية هجومية واسعة باستخدام الطائرات المسيرة على قاعدة الملك خالد الجوية بخميس مشيط جنوبي السعودية، وذلك ضمن سلسلة هجمات يتحدث عنها الحوثيون خلال الأيام الأخيرة.
وقال المتحدث إن الهجوم الأخير استهدف منظومة الاتصالات العسكرية ومرابض الطائرات الحربية في قاعدة الملك خالد، من جهته قال الناطق باسم التحالف السعودي الإماراتي إنه تم اعتراض وإسقاط طائرة مسيرة أطلقها الحوثيون من صنعاء، مشيرًا إلى أن الطائرة أسقطت في المجال الجوي اليمني[62].
تركيا تفتح قاعدة عسكرية جديدة في قطر
ذكرت صحيفة “ديلي حريت التركية”، أن أنقرة ستفتتح قاعدة عسكرية جديدة، بالقرب من قاعدة طارق بن زياد العسكرية في قطر هذا الخريف. ويذكر أنه تم نشر الجنود الأتراك لأول مرة في قطر في أكتوبر 2015، في محاولة للمساهمة في السلام الإقليمي وتعزيز العلاقات الثنائية بين تركيا وقطر، وفي ديسمبر 2017، تم تسمية القاعدة العسكرية باسم القوة المشتركة بين قطر وتركيا، ومنذ أن وضعت الدول العربية المجاورة لقطر، بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر والبحرين، الدوحة تحت الحصار في يونيو/حزيران 2017، اكتسب الوجود العسكري التركي أهمية أكبر[63].
الحالة الليبية
شهد شهر أغسطس/آب عددًا من الأحداث على مستوى الحالة الليبية، حيث حققت حكومة الوفاق الوطني تقدمًا ضد قوات حفتر جنوب العاصمة طرابلس، كما أسقطت طائرة موجهة لقوات حفتر محملة بالذخيرة، كما وأسقطت طائرة إماراتية موجهة كانت تستهدف أحد المطارات بالعاصمة الليبية طرابلس.
واستمرارًا لدأب حفتر وقواته في قصف أهداف مدنية بدعوى أنها أهداف عسكرية، فقد قامت قوات حفتر بقصف حديقة الحيوانات بطرابلس، ومطار معيتيقة الدولي، وأيضًا حاولت قصف مطار مصراته الدولي بعد تحويل رحلات الطيران إليه، كما تم الكشف عن محطة فرنسية للتحكم بالطائرات المسيرة لفائدة اللواء حفتر، وعن دعم مالي إماراتي للجنرال السوداني محمد حمدان “حميدتي” لدعم حفتر ضد حكومة الوفاق.
كما شهد الشهر تنديد المجلس الأعلى في ليبيا بالتدخل المصري في ليبيا، وكذلك ما يمكن أن يشير إلى تراجع أميركي عن دعم حفتر.
الأحداث
في 4 أغسطس/آب أعلنت قوات حكومة الوفاق الليبية المدعومة دوليا إسقاط طائرة بدون طيار محملة بالذخائر قرب مدينة مصراتة، في وقت توقفت حركة الملاحة بمطار معيتيقة الدولي بعد تعرض صالة الحجاج فيه للقصف، حيث أفاد مصطفى المجعي المتحدث باسم قوات الوفاق أنه قد “تمكنت الدفاعات الجوية من إسقاط طائرة بدون طيار في ساعات الصباح الأولى في منطقة أبو قرين التي تبعد 120 كلم غرب مصراتة، حيث كانت تستعد لتنفيذ ضربات داخل المدينة”.
وأضاف أن:” الطائرة تم إسقاطها وكان على متنها 5 صواريخ موجهة”[64]. فيما طالبت السفارة الأمريكية في ليبيا بوقف الهجمات المتكررة التي تشنها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على مطار معيتيقة في العاصمة الليبية طرابلس، كما دعت إلى وقف التصعيد العسكري الجاري في ليبيا[65].
وفي 15 أغسطس/آب عاودت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر قصف مطار معيتيقة الدولي مجددًا، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخر، وفق مصدر أمني ليبي، وقال المكتب الإعلامي لمطار معيتيقة: إن هذه القذائف تسببت في إغلاق المجال الجوي للمطار إلى إشعار آخر، والتحويل إلى مطار مصراتة الدولي[66].
ومع تحويل الطيران لمطار مصراته الدولي، قامت طائرتان إماراتيتان بدون طيار بمحاولة استهداف المطار، حيث أعلن المتحدث العسكري باسم قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية محمد قنونو أن الدفاعات الأرضية أسقطت طائرة مسيرة إماراتية قصفت مطار مصراتة صباح الأحد 18 أغسطس/آب.
جاء ذلك في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك عمليةُ “بركان الغضب” التي أطلقتها حكومة الوفاق للتصدي لهجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، وأوضح البيان أن الطائرة إحدى اثنتين هاجمتا مطار مصراتة وحاولتا استهداف الطائرات والبنية التحتية للمطار.
الطائرة الإماراتية ليست الأولى التي تسقطها القوات التابعة لحكومة الوفاق، فقد أعلنت الحكومة في يونيو/حزيران الماضي عن إسقاط طائرة تحمل شعار الإمارات[67].
وفي 17 أغسطس/آب شنت القوات الجوية الليبية الشرقية، التي يقودها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، غارة على حديقة للحيوانات في العاصمة طرابلس(غرب)، بزعم أنها تُستخدم لأغراض عسكرية.
وذكر موقع عين ليبيا الإلكتروني أنه بعد استهدافهم لحديقة الحيوان، تسببت قوات حفتر في نشر الذعر بين المواطنين بجانب الأضرار المادية، وغالبا ما تقصف قوات حفتر بشكل أساسي مواقع غير عسكرية، قائلة: إن حكومة الوفاق والموالين لها يستخدمونها لأغراض عسكرية، وهو اتهام تنكره حكومة الوفاق[68].
كما أعلنت قوات حفتر مسئوليتها عن الغارات على مطار الزوارة المدني، زاعمة أنه كان يُستخدم لأغراض عسكرية، وذكرت بعثة الأمم المتحدة في بيان لها أنها أرسلت لجنة تقييم إلى المطار، وأكدت أنه منشأة مدنية[69].
فيما حققت قوات حكومة الوفاق الوطني تقدمًا في 21 أغسطس/آب في جنوب العاصمة الليبية طرابلس، واقتربت من محاصرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأكد مراسل الجزيرة أن قوات الوفاق سيطرت بعد مواجهات عنيفة على منطقة السبيعة (جنوبي طرابلس)، ما يعني قطع طريق الإمداد بين معقل قوات حفتر في ترهونة (جنوب طرابلس) والمقاتلين الذين يحاولون اقتحام العاصمة، ما قد يؤدي إلى محاصرة قوات حفتر المتحصنة داخل مطار طرابلس الدولي، وأسفرت المعارك عن مقتل 7 من قوات حكومة الوفاق و8 من قوات حفتر، بينهم قيادي[70].
حميدتي يدعم حفتر ضد حكومة الوفاق بدعم إماراتي
مطلع أغسطس/آب، حط نحو 1000 من أفراد قوات الدعم السريع السودانية التي يقودها محمد حمدان “حميدتي” نائب رئيس المجلس العسكري، الرحال في شرق ليبيا، للقتال إلى جانب قوات حفتر، ضد حكومة الوفاق.
وكشف تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني أن أعداد مقاتلي الدعم السريع قد ترتفع إلى 4 آلاف فرد في الأشهر القليلة المقبلة، وأن مستندات خاصة بدولة الإمارات التي تدعم حفتر أظهرت صدور تعليمات بنقل المقاتلين السودانيين إلى ليبيا عبر دولة إريتريا المجاورة.
ووفقًا لوثائق ممهورة بتوقيع حميدتي نيابة عن المجلس العسكري في مايو/أيار الماضي، فإن نقل تلك القوات لدعم قوات حفتر كان مقترحًا ضمن صفقة بقيمة 6 ملايين دولار بين المجلس العسكري السوداني وشركة “ديكنز آند مادسون” التابعة لعميل الاستخبارات الإسرائيلي السابق آري بن مناشي، والتي لها تاريخ بتعاملات سابقة في ليبيا.
وأفاد الموقع بأن آري بن مناشي منخرط في مساعٍ للترويج للمجلس العسكري الانتقالي في السودان بموجب عقد أبرمته الشركة الكندية ديكنز آند مادسون التي أسسها بن مناشي.
دعم لحفتر مدفوع الأجر
تنص تلك الصفقة على أن تسعى شركة ديكنز آند مادسون للحصول على تمويل للمجلس العسكري الانتقالي في السودان من “القيادة العسكرية لشرق ليبيا”، نظير تقديمه المساعدة العسكرية لقوات حفتر.
وذكر موقع ميدل إيست أن ابن مناشي أبلغه في اتصال هاتفي أن مسألة التمويل في مقابل المساعدة العسكرية الواردة في الصفقة لم تحدث بعد، لكنه أضاف أنها ممكنة فقط عندما يتولى السلطة في السودان رئيس وزراء مدني.
وتظهر وثائق أخرى منشورة على الموقع الإلكتروني لمكتب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب الأمريكي، أن مؤسسة بن مناشي قدمت خدمات علاقات عامة وترويجية للعديد من الجماعات الليبية، بما فيها قوات حفتر، وذلك منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في 2011[71].
المجلس الأعلى للدولة في ليبيا يندد بالتدخل المصري
ندد المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بما وصفه بـ “التدخل السافر للحكومة المصرية” في الشأن الليبي، في حين أبدت الأمم المتحدة رغبتها بالتوصل لوقف دائم لإطلاق النار في البلاد، واتهم المجلس الليبي، مصر بالعمل على إرباك المشهد في ليبيا، وانتهاك قرارات مجلس الأمن، بدعم أطراف ليبية وتزويدها بالسلاح.
وطالب المجلس حكومة الوفاق الوطني، ووزارة الخارجية الليبية، باتخاذ موقف قوي لوضع حد لهذه التدخلات، وأضاف المجلس الأعلى للدولة أن اعتبار الخارجية المصرية مجلس النواب المؤسسة الوحيدة المنتخبة في ليبيا، والوحيدة المناط بها التصديق على أي خريطة طريق، هو تشويه صريح للواقع، ومخالفة واضحة لكل الاتفاقيات المعترف بها من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي تنص على أن مجلس النواب في أفضل أحواله هو أحد الكيانات الثلاثة المعترف بها دوليًا.
وهذه التصريحات ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن قال المجلس إن لديه معلومات استخبارية تفيد بأن مصر وفرنسا والإمارات ترتب للتورط بشكل أكبر مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر للهجوم على العاصمة طرابلس باستخدام الطيران والأسلحة النوعية[72].
محطة فرنسية للتحكم بالطائرات المسيرة لفائدة حفتر
كشف مصدر حكومي رفيع المستوى بالمجلس الرئاسي أن فرقة عسكرية فرنسية داعمة لقوات حفتر، جهزت محطة للتحكم بالطائرات المسيرة وتركيبها في مطار ميناء السدرة النفطي شمالي البلاد، وذلك في وقت تنفي فيه باريس تقديم أي دعم عسكري لقوات حفتر.
وذكر المصدر الحكومي الليبي للجزيرة أن الفرقة العسكرية الفرنسية تتولى التحكم في تسيير حركة الطائرات المسيرة، التي تستهدف الكلية والقاعدة الجوية بمدينة مصراتة، ومواقع قوات حكومة الوفاق شرق وجنوب المدينة، وفي مناطق وسط البلاد. وقال المصدر نفسه إن الفرقة الفرنسية تقيم وسط حراسة أمنية مشددة في المنطقة السكنية بميناء رأس لانوف النفطي[73].
تراجع الدعم الأمريكي لحفتر
دعت الولايات المتحدة في 20 أغسطس/آب إلى حل سياسي للأزمة الليبية، وحذر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، نظيره المصري سامح شكري، من إطالة أمد الصراع في ليبيا.
بينما صرحت وزارة الخارجية الأمريكية في بيانها بأن بومبيو وشكري يتشاركان القلق بخصوص إطالة أمد العنف وعدم الاستقرار في ليبيا، واتفقا على الحاجة للوصول إلى حل سياسي للصراع. وتأتي هذه الخطوة كتراجع للدعم المبدئي للرئيس الأمريكي ترامب للجنرال الليبي خليفة حفتر[74].
الهجوم الإسرائيلي على الدول العربية
قامت إسرائيل خلال شهر أغسطس/آب 2019 بعدة هجمات استهدفت أهدافا موالية لإيران في عدد من الدول العربية، هي العراق وسوريا ولبنان وكذلك قطاع غزة في فلسطين المحتلة، وكذلك أعلنت عن مشاركتها في قوات التأمين البحري الأمريكية في الخليج العربي، مما يمكن أن يؤشر لسياسة إسرائيلية جديدة في الشرق الأوسط في الفترة القادمة، ونستعرض فيما يلي أهم تلك الأحداث:
غارات إسرائيلية على العراق
ذكرت جريدة النيويورك تايمز نقلا عن مسؤولين أمريكيين ومسؤول استخبارات بالشرق الأوسط، أن إسرائيل شنت ضربة واحدة على الأقل على مستودع للأسلحة في العراق. حيث نقلت الصحيفة عن مسؤول كبير بالاستخبارات في الشرق الأوسط، أن إسرائيل قصفت قاعدة تقع شمال بغداد في يوليو/تموز الماضي، وقال مسؤولان آخران إن إسرائيل شنت عدة ضربات بالعراق أواخر أغسطس/آب 2019.
في حين تعرضت 4 قواعد يستخدمها الحشد الشعبي، والذي يضم فصائل شيعية موالية لإيران ومعادية للوجود الأمريكي، إلى انفجارات غامضة خلال يوليو/تموز 2019، في وقت أظهرت أقمار صناعية إسرائيلية آثار غارة على مستودع للحشد قرب قاعدة جوية شمالي بغداد[75].
وألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسؤولية إسرائيل عن غارات شُنت مؤخرا على مواقع تابعة للحشد الشعبي في العراق. ونقل موقع “تايمز أوف إسرائيل” عن نتنياهو قوله للصحفيين خلال زيارة إلى أوكرانيا:” ليس لإيران حصانة في أي مكان”، مؤكدًا أن أيدي إسرائيل طويلة وستتحرك ضدها أينما تستدعي الحاجة.
وأشار إلى أن الإيرانيين يواصلون التهديد بالقضاء على إسرائيل ويبنون قواعد عسكرية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط لتحقيق هذا الهدف، معتبرًا أن الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 ساعد إيران على تصعيد ما وصفه بعدوانها المتزايد، وأضاف:” سنتصرف ضدهم أينما كان ذلك ضروريًا، ونحن نتصرف حاليًا بالفعل”[76].
غارات إسرائيلية على لبنان
ذكر موقع ستراتفور أن طائرتين مسيرتين تحطمتا في ظروف غير واضحة في 24 أغسطس/آب، في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث ذكرت مصادر حزب الله أن الطائرتين بدون طيار، ولها نفس العلامة التجارية للطائرات التي استخدمتها إسرائيل من قبل، ولا يعرف على وجه التحديد هل تعطلت الطائرات أم تم تعطيلها، أو تم إرسالها عن قصد.
وفي خطابه الذي ألقاه 25 أغسطس/آب، هدد رئيس حزب الله حسن نصر الله بالانتقام من إسرائيل بسبب هذه الحوادث، والتي وصفها بأنها أول هجوم على لبنان منذ الحرب الإسرائيلية مع حزب الله عام 2006، وهدد نصر الله بإسقاط أي طائرة إسرائيلية تحلق فوق لبنان في المستقبل، بينما قال الرئيس اللبناني ميشال عون أن الحادث يمثل “عمل حربي”.
فيما أبلغت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله عن هجوم إسرائيلي على القيادة العامة “للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” في سوريا، في 26 أغسطس/آب في سهل البقاع بشرق لبنان، وهي منطقة لم يكن من المعروف عن تلك الجماعة الفلسطينية المسلحة أنها تعمل بها من قبل[77]. وجاءت تلك الضربات بعد يوم من حادث تحطم الطائرتين المسيرتين.
وتحمل التوترات بين حزب الله وإسرائيل وحدها خطر اندلاع صراع مفتوح، والآن اقترنت بزيادة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران والتوترات الإسرائيلية الإيرانية، ما يزيد من فرص الصراع الإقليمي، حيث جاءت هذه الحوادث وسط عدد من الهجمات الأخرى المنسوبة إلى إسرائيل ضد أهداف مرتبطة بإيران.
وأشار موقع ستراتفور إلى أن الأنشطة الإسرائيلية تجاه لبنان تبرز نهج إسرائيل تجاه جارتها الشمالية وكذلك خصمها، ففي حين انخرطت إسرائيل مع حزب الله في مناوشات حدودية منذ عام 2006، فإن هذا هو أول حادث يشتبه ارتباطه بإسرائيل في بيروت.
تتجنب إسرائيل ضرب حزب الله مباشرة في لبنان، من أجل الخطر الذي يمكن أن يدي إليه التصعيد، حيث يمكن أن يفترض حزب الله أن أي ضربات هي مجرد موجة أولى من هجوم مفاجئ قد يؤدي إلى ضرب صواريخه الرئيسية وغيرها من البنى التحتية، ومن ثم يمكن أن تحدث ردة فعل فجائية غير محسوبة.
وأشار الموقع أن اتهامات حسن نصر الله تشير إلى أن “حزب الله اللبناني” قد أصبح ربما أكثر استعدادًا لمواجهة إسرائيل من قبل، فطالما حرص حزب الله على ألا يبدو “عدوانيًا جدًا” ضد إسرائيل بدافع مخاوفه من إثارة صراع شامل، وفي الوقت نفسه يريد الحزب ردع إسرائيل عن أي توغلات متكررة ويريد أيضًا تلبية رغبة أتباعه ومؤيديه في الانتقام من إسرائيل[78].
غارات إسرائيلية على سوريا
بعد ما أعلن عن قيام إسرائيل بضرب أهداف إيرانية في العراق، هذا الشهر، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في تطور لافت يوم 25 أغسطس/آب، شن غارات على أهداف في ريف العاصمة السورية دمشق، لإحباط ما قال إنها عملية خطط لتنفيذها الحرس الثوري الإيراني وحلفاؤه ضد إسرائيل.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، في سلسلة تغريدات: إن مقاتلات إسرائيلية شنت ضربات على عدد من الأهداف في قرية عقربا (جنوب شرقي دمشق) لإحباط هجوم ضد أهداف إسرائيلية، بواسطة طائرات مسيرة[79].
وأفاد مراسل الجزيرة: بأن الحكومة الإسرائيلية عقدت اجتماعًا طارئًا عقب القصف الإسرائيلي على مواقع جنوب دمشق، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال: –في تغريدة على تويتر- إن الجيش الإسرائيلي أحبط هجومًا إيرانيًا واسعًا، وأعلن المتحدث العسكري رونين مناليس أن إسرائيل هاجمت جوًا أهدافًا تابعةً لقوات فيلق القدس الإيراني.
من جانبه قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس: إن العملية التي شنتها إسرائيل على الأراضي السورية، كان “هدفها نقل رسالة لطهران مفادها ألاّ حصانة لها في أي مكان” [80].
غارات إسرائيلية على قطاع غزة
كما قصفت طائرات إسرائيلية في 25 أغسطس/آب منطقة تعود لكتائب القسام، في الجزء الشمالي من قطاع غزة، جاءت هذه الغارات بعد إطلاق 3 صواريخ من القطاع صوب المستوطنات الإسرائيلية، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الإطلاق[81].
المحور الاقتصادي
في الوقت الذي تتحسب فيه الاقتصاديات الدولية لمخاوف الركود المنتظر، بسبب الحرب التجارية، تعاني الاقتصاديات العربية إلى جانب ذلك مشكلاتها الداخلية، وهي مشكلات مركبة، بطبيعة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة العربية، وكذلك غياب التفكير أو التصرف الجمعي من قبل الدول العربية لمواجهة التحديات الدولية، أو تفعيل التعاون الاقتصادي بينها.
وخلال أغسطس/آب 2019، نجد أن هناك ثمة تطورات على صعيد الأحداث في السودان في إطارها الاقتصادي، بجانب ما يحدث على الساحة السياسية. وكذلك في الجزائر هناك حالة من الضبابية السياسية التي انعكست على الاقتصاد في صورة من الترقب لانتظار التغير، ولا يخفي ما لهذه الوضعية من تأثيرات سلبية اجتماعيًا واقتصاديًا.
وتبقى معضلة العرب الاقتصادية، وبخاصة في الدول النفطية، حيث يرتبط مصير هذه الدول بسعر سلعة واحدة وهي النفط، على الرغم مما يتهددها من تقلبات وإمساك القوى الدولية بمقدرات إدارة هذه السلعة. ولذلك سوف يتناول المحور الاقتصادي القضايا الثلاث المشار إليها فيما يلي:
بعد أن توصلت القوى السياسية والمجلس العسكري في السودان بشأن مجلس السيادة، الذي سيدير البلاد خلال مرحلة انتقالية، وينتظر أن تطبق حكومة عبدالله حمدوك مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تذهب لمزيد من رفع الدعم، وخصخصة مشروعات عامة، وذلك بعد أن أعلن حمدوك بأنه تواصل مع كل من الصندوق والبنك الدوليين بخصوص إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني.
كما أنه أجرى اتصالات مع دول مانحة، وكذلك تجري حكومة حمدوك محادثات مع أمريكا بشأن رفع السودان بشكل كامل من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، من أجل إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ فترة من قبل أمريكا[82].
بلا شك أن هذه الاتصالات لن تكلل بالنجاح، إلا بعد أن يتم التوصل إلى اتفاق مع الصندوق والبنك الدوليين، وللمؤسسات المالية الدولية أجندتها المعروفة، التي ستخلف نتائج شديدة السلبية على الصعيد الاجتماعي في بلد يصنف ضمن الدول الأشد فقرًا على مستوى العالم.
فما أعلنه حمدوك من احتياجات السودان المالية في الأجل القصير، قدر بنحو 10 مليارات دولار، منها 8 مليارات في شكل مساعدات، ونحو 2 مليار لدعم احتياطي النقد الأجنبي.
وفي حالة توصل السودان لهذا الاتفاق المنتظر مع صندوق النقد الدولي، سيكون الوضع السياسي والأمني عرضة لعدم الاستقرار، فالثورة السودانية انطلقت بنهاية عام 2018، بسبب الإجراءات الاقتصادية التي نفذتها حكومة البشير، وبخاصة على صعيد رفع أسعار الخبز والوقود.
ولن تكون هناك إجراءات اقتصادية يقبلها الصندوق بدون رفع الدعم الحكومي، ومهما كانت المساعدات من قبل بعض الدول، فلن تفي باحتياجات السودان في الأجلين المتوسط والطويل.
يلاحظ أن مساعدات السعودية والإمارات التي أعلن عنها في أبريل/نيسان 2019، قد أتت في مجال النفط والغذاء. وفي الأسبوع الأول من أغسطس/آب 2019، أعلنت السعودية والإمارات أنهما سيقدمان 540 ألف طن من القمح للسودان، وأنه بالفعل تم شحن 280 ألف طن، وباقي الكمية سيتم شحنها لاحقًا. كما تضمن الإعلان السعودي الإماراتي إيداع 500 مليون دولار في البنك المركزي السوداني[83].
ثمة تحديات ينتظرها السودان للإقدام على توقيع اتفاق مع الصندوق والبنك الدوليين، أولها الفاتورة السياسية الداخلية والخارجية، فلن يمر توقيع مثل هذا الاتفاق بدون تسوية بعض الملفات الداخلية، والإقليمية، وإن كانت هذه الشروط غير معلنة، ولن تدرج في اتفاق السودان مع البنك والصندوق الدوليين، وقد يكون على رأس هذه الموضوعات على الصعيد الإقليمي اندماج السودان في مخطط صفقة القرن، وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وعلى الصعيد المحلي ثمة ملفات عدة من أهمها إنهاء الصراعات الداخلية بين مختلف الفصائل التي تسعى للحكم الذاتي أو الانفصال عن السودان، فضلًا عن ملف المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.
تحديات عدّة
أما على الصعيد الاقتصادي فهناك تحديات عدة، منها صعوبة تحمل المواطن السوداني لمزيد من الإجراءات التقشفية، والتي ستفرضها أجندة الصندوق والبنك الدوليين، وكذلك مواجهة الفساد في المؤسسات الحكومية السودانية، حيث تصنف السودان ضمن أفسد 10 دول على مستوى العالم[84].
كما أن ملف الديون الخارجية، سوف يجعل السودان تقبل بإجراءات صعبة، لكي تحصل على إعفاءات من الدول الدائنة، عن متأخرات الفوائد على الديون الخارجية، والتي تزيد عن نحو 50% من قيمة الدين الخارجي والبالغ 49.9 مليار دولار بنهاية 2018 [85].
وبالاطلاع على هيكل الدين الخارجي للسودان وجد أن الدين المستحق للدول الأعضاء في نادي باريس بلغ 15.7 مليار دولار، وأن الدين المستحق للدول غير الأعضاء بنادي باريس 19.8 مليار دولار، وأن الدين المستحق للمؤسسات الإقليمية والدولية 5.7 مليار دولار.
ومن أكثر ما يتخوف منه في حالة وصول حكومة حمدوك بالسودان لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أن يتم تنفيذ مجموعة من الإصلاحات المالية والنقدية، التي ستكلف السودان اقتصاديًا واجتماعيًا، دون الوصول لإصلاح يتناول الأوضاع الإنتاجية هناك، مما يعني استمرار مشكلة السودان الاقتصادية، وسيكون الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بمثابة ترحيل للمشكلة وليس حلها.
على مدار أغسطس/آب 2019 شهدت أسعار النفط في السوق الدولية تذبذبًا ما بين الارتفاع فوق سقف الـ 60 دولارا للبرميل والهبوط تحت هذا السقف، ولكن الدول العربية النفطية لا تملك شئ تجاه هذا التذبذب.
فما هو معلن في أجواء هذه السوق الدولية، أن أسباب الهبوط والمخاوف تأتي من خلال الحرب التجارية التي أشعل جذوتها الرئيس الأمريكي ترامب تجاه الصين ودول أوروبية وغير أوروبية، ولا يعلم لهذه الحرب من نهاية، إلا أنها أصبحت أحد مهددات الاقتصاد العالمي، سواء فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي العالمي أو حركة التجارة الدولية.
وبالإضافة إلى السبب الرئيس لأزمة أسعار النفط في السوق الدولية، وهو الحرب التجارية بين أمريكا والصين على وجه التحديد، فهناك عوامل أخرى، تتمثل في البيانات التي لها تأثير واضح على حركة أسعار السوق، مثل ارتفاع أو انخفاض مخزون النفط في أمريكا، أو ما يتعلق ببعض جوانب السياسة المالية الأمريكية مثل رفع سعر الفائدة.
ومن هنا نجد أن العرب في سوق النفط في دائرة المتغير التابع وليس المتغير المستقل في معادلة سوق النفط الدولية، وحتى الخطوة التي قادتها السعودية داخل أوبك للعمل على الحد من المزيد من الانخفاض في أسعار النفط، وهي تخفيض سقف الإنتاج. أصبحت غير ذات جدوى لوجود ما يخرقها من قبل السعودية والإمارات بعد إعلانهما الاستعداد لتعويض السوق باحتياجاته عندما أحكم ترامب عقوباته الاقتصادية على إيران مطلع مايو/آيار 2019.
وحسب صندوق النقد الدولي، فإن دول الخليج النفطية، تعاني ميزانياتها العامة من خلل بسبب استمرار انخفاض سعر النفط في السوق الدولية، فوضع التعادل في ميزانيات دول الخليج يستلزم أن يصل سعر برميل النفط أعلى من 70 دولارًا في حالة السعودية، ونحو 95 دولارا في حالة البحرين، و75 دولارًا في حالة سلطنة عمان، ونحو 60 دولارًا في حالة الإمارات والكويت وقطر.
وحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2018، فإن العرب يسيطرون على احتياطيات نفطية تقدر بنحو 716 مليار برميل، وبما يمثل 49.5% من إجمالي الاحتياطيات العالمية من النفط، ويبلغ الإنتاج النفطي العربي 24 مليون برميل يوميًا، وبما يمثل 30% من الإنتاج العالمي.
أما على صعيد الغاز الطبيعي فإن العرب يمتلكون 27% من احتياطياته على الصعيد العالمي، وبما يعادل 45.7 تريليون متر مكعب، بينما يصل الإنتاج العربي من الغاز الطبيعي 579 مترًا مكعبًا في السنة، وهو ما يعادل نسبة 15.8% من حجم الإنتاج العالمي[86].
ورغم هذه الميزة التنافسية للعرب في اقتصاديات النفط، وامتلاكهم لنسبة لا يستهان بها من واحدة من أهم السلع الاستراتيجية في العصر الحالي، إلا أنهم لا يحسنون توظيفها على الصعيد القطري، حيث أصبحت الاقتصاديات النفطية العربية تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية شأنها شأن باقي الدول العربية غير النفطية.
كذلك لم يفلح العرب في توظيف النفط كسلعة إستراتيجية على الصعيد الإقليمي والدولي، بل يمكن القول بأن النفط العربي أصبح نقمًا على المنطقة العربية من حيث سعي القوى الدولية للتواجد العسكري في المنطقة لتأمين تدفقات النفط، في ظل الضعف العربي عسكريًا وأمنيًا.
وفي الأجل القصير، لا يمكن أن تشهد أوضاع النفط تحسنًا ملموسًا، ما لم تتغير أدوات الـتأثير العالمية، وبخاصة في ظل وجود الرئيس الأمريكي ترامب، والذي يرى أن العرب يمتلكون ثروة لا يستحقونها، وكذلك سياسته المتعلقة بالتجارة الدولية، والتي تساعد على استمرار هبوط أسعار النفط. ويضاف إلى ذلك غياب إستراتيجية عربية موحدة تجاه النفط وكيفية الاستفادة منه اقتصاديًا، وتوظيفه سياسيًا وإستراتيجيًا.
اقتصاد الجزائر ينتظر الخروج من نفق السياسة
لم يلح في الأفق الوصول لحل للوضع في الجزائر، فيما يتعلق بالوضع السياسي هناك، إذ لا يزال الحراك الشعبي مستمرًا، بزخمه السلمي دون وقوع حوادث عنف أو اصطدام بقوى الأمن هناك، إلا أن الأجواء المسيطرة من شيوع القبض على كثير من الرموز الاقتصادية، سواء من المسئولين الحكوميين أو رجال الأعمال، وتقديمهم للمحاكمة، يضفي بنوع من القلق على الساحة الاقتصادية.
إذ لا يعرف بعد التوجهات الاقتصادية الجديدة للدولة، نظرًا لما يمكن أن نسميه الإدارة المؤقتة للدولة في الجزائر، وإن كان العسكر هم من يديرون المشهد هناك منذ تنحي الرئيس السابق بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019.
كانت الجزائر قبل أن ينطلق حراكها الشعب مطلع عام 2019، عزمت حكومتها على الدخول في إجراءات اقتصادية تقشفية، لا تغيب عن أجندة المؤسسات الدولية (الصندوق والبنك الدوليين)، وكان ينتظر أن يتم رفع الدعم الحكومي عن العديد من السلع والخدمات، وكذلك خصخصة القطاع العام، وإعطاء مساحات أكبر للقطاع الخاص. لكن الأحداث السياسية أوقفت كل هذه الإجراءات لغياب حكومة مسئولة للقيام على هذا الأمر.
ولكن لا يزال النفط هو عصب الاقتصاد الجزائري، شأنه شأن باقي الدول العربية النفطية، فحسب البيانات الاقتصادية يمثل النفط نحو 94% من الصادرات السلعية للجزائر، كما يدر نحو 60% من الإيرادات الخاصة بميزانية الدولة.
ونتيجة هذا الوضع القائمة على النفط كمصدر شبه وحيد للاقتصاد الجزائري، فقط أثرت أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية بشكل كبير على احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، فتراجعت هذه الاحتياطيات بنهاية أبريل/نيسان 2019 إلى نحو 72.6 مليار دولار، بعد أن كان 178 مليار دولار بنهاية 2014 [87].
وثمة قضايا اقتصادية واجتماعية مهمة تصاحب الحراك في الجزائر شأنها شأن ما حدث في ثورات الربيع العربي، إذ ينتظر المجتمع الجزائري أن تفضي عمليات القبض على رموز السلطة في عهد بوتفليقة وكذلك بعض رجال الأعمال إلى معالجة صحيحة لملفات الفساد، ليقتلع من جذوره، وتعود الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة، وبخاصة أن سجل الجزائر في مكافحة الفساد غير مرضي.
أيضًا قضية البطالة من القضايا المهمة التي يوليها المجتمع الجزائري أهمية قصوى وبخاصة البطالة بين الشباب. فحسب بيانات الديوان الوطني للإحصاءات في الجزائر بلغت نسبة البطالة في يوليو/تموز 2018 نحو 12.5%[88]، بينما تصل هذه النسبة بين الشباب نحو 25%.
ومما يثير المخاوف نحو تزايد عدد العاطلين خلال المرحلة المقبلة، استمرار فترة اللا حل على الصعيد السياسي، ومد الفترة الانتقالية هناك، حيث يلاحظ أن غالبية النشاطات الاقتصادية بخلاف النفط شبه متوقفة، وبخاصة في القطاع الخاص.
المحور الفكري
يتناول المحور الفكري لشهر أغسطس/آب 2019 موضوعين مهمين:
1- العلامة الإمام الطاهر ابن عاشور وقضية الإصلاح والتجديد (بمناسبة ذكرى وفاته).
2- العلمانية والإسلام والاستبداد.
ركز الموضوع الأول على مسيرة العلامة الإمام الشيخ ابن عاشور وجهده في التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي، للإفادة من هذه الجهود في السعي لإصلاح الواقع المعاصر لهذه الأمة، فتناول تجديده على مستوى التعليم والإصلاح الاجتماعي، وتجديده على مستوى تفسير القرآن من خلال تفسيره التحرير والتنوير، ثم تجديده على مستوى الشريعة بكتابه الرائد عن مقاصد الشريعة الإسلامية.
أما موضوع العلمانية فجاء تناوله من منطلق الدعوة إلى التقارب مع اتجاه ما يعرف بـ “الإسلام السياسي”، وذلك لصالح الوطن والأمة، في مقابل الاستبداد بشتى أنواعه، وبخاصة الاستبداد العسكري في المرحلة الراهنة.
الطاهر ابن عاشور.. رائد الإصلاح والتجديد
يأتي الاهتمام بهذه الشخصية الفذة من منطلق” تتبع جهود التجديد والإصلاح في حياة الأمة المسلمة؛ للإفادة من هذه الجهود في السعي لإصلاح الواقع المعاصر لهذه الأمة، والخروج بها من حالة التخلف المشهود نحو النهوض الحضاري المنشود” [89].
يوافق 12 أغسطس/آب ذكرى وفاة العلّامة التونسي محمّد الطّاهر بن عاشور (توفي 1973)، الإمام الضليع في العلوم الشرعية واللغوية والأدبية والتاريخية [90] . وهو أحد أعلام جامع الزيتونة، ومن عظمائهم المجددين الذين قادوا حياة شعوبهم، وكان لهم الأثر الكبير في نهضة مجتمعاتهم[91].
ولد محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، الشهير بالطاهر بن عاشور، بتونس في (1296هـ = 1879م) في أسرة علمية عريقة تمتد أصولها إلى بلاد الأندلس، وتخرج في الزيتونة عام (1317هـ = 1896م)[92].
واختير للتدريس في المدرسة الصادقية سنة (1321هـ = 1900م). وكان لهذه التجربة المبكرة في التدريس بين الزيتونة – ذات المنهج التقليدي- والصادقية – ذات التعليم العصري المتطور- أثرها في حياته.
إذ فتحت وعيه على ضرورة ردم الهوة بين تيارين فكريين ما زالا في طور التكوين، ويقبلان أن يكونا خطوط انقسام ثقافي وفكري في المجتمع التونسي، وهما: تيار الأصالة الممثل في الزيتونة، وتيار المعاصرة الممثل في الصادقية، ودوَّن آراءه هذه في كتابه النفيس “أليس الصبح بقريب؟” من خلال الرؤية الحضارية التاريخية الشاملة التي تدرك التحولات العميقة التي يمر بها المجتمع الإسلامي والعالمي[93].
أحدثت آراؤه نهضة في علوم الشريعة والتفسير والتربية والتعليم والإصلاح. ورغم ذلك لم يلق الشيخ الإمام الطاهر بن عاشور تمام حقه من الاهتمام به وباجتهاداته وأفكاره الإصلاحية!![94].
منهجه في الإصلاح
الثورة على التقليد ورفض التعصب المذهبي:
يقول في كتابه القيِّم: ” أليس الصبح بقريب”، وهو يتحدث عن موضوع استغلال التراث، منتقدًا انعدام ملكة النقد لدى فقهاء عصره، واكتفائهم بالتقليد والرواية عن الأقدمين دون توضيح أو تجديد:” متى اقتصرنا في تعليماتنا على ما أسس لنا سلفنا ووقفنا عند ما حددوا، رجعنا القهقرى في التعليم والعلم، لأن اقتصارنا على ذلك لا يؤهلنا إلا للحصول على ما أسسوه وحفظ ما استنبطوه، فنحن قد غُلبنا بما فاتنا من علومهم ولو قليلا، أما متى ما جعلنا أصولهم أساسًا لنا نرتقي بالبناء عليها، فإنا لا يسوؤنا فوات جزء من تعليماتهم متى كنا قد استفدنا حظًا وافرًا قد فاتهم” [95].
الإصلاح التربوي والاجتماعي والتعليمي:
في سنة (1321 هـ = 1903 م) قام الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية بزيارته الثانية لتونس التي كانت حدثًا ثقافيًا دينيًا كبيرًا في الأوساط التونسية، والتقاه في تلك الزيارة الطاهر بن عاشور فتوطدت العلاقة بينهما، وسماه محمد عبده بـ “سفير الدعوة” في جامع الزيتونة، إذ وجدت بين الشيخين صفات مشتركة، أبرزها ميلهما إلى الإصلاح التربوي والاجتماعي الذي صاغ ابن عاشور أهم ملامحه بعد ذلك في كتابه “أصول النظام الاجتماعي في الإسلام” [96].
عين الطاهر ابن عاشور نائبا أول لدى النظارة العلمية بجامع الزيتونة سنة (1325 هـ = 1907م)؛ فبدأ في تطبيق رؤيته الإصلاحية العلمية والتربوية، وأدخل بعض الإصلاحات على الناحية التعليمية، وحرر لائحة في إصلاح التعليم وعرضها على الحكومة فنفذت بعض ما فيها، وسعى إلى إحياء بعض العلوم العربية؛ وأدرك أن الإصلاح التعليمي يجب أن ينصرف بطاقته القصوى نحو إصلاح العلوم ذاتها.
ورأى ابن عاشور أن تغيير نظام الحياة في أي من أنحاء العالم يتطلب تبدل الأفكار والقيم العقلية، ويستدعي تغيير أساليب التعليم[97]، وهو الذي كان يعتقد أن أزمة التعليم الديني تكمن في التقليد وعدم إعمال العقل والفكر، رغم أن الإسلام ذاته يحُث على البحث والاجتهاد.[98]
جهده التجديدي في التفسير:
يعد الطاهر بن عاشور من كبار مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، واحتوى تفسيره “التحرير والتنوير” على خلاصة آرائه الاجتهادية والتجديدية، إذ استمر في هذا التفسير ما يقرب من 40 عامًا، وأشار في بدايته إلى أن منهجه هو أن يقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين، تارة لها وأخرى عليها.
ولعل نظرة التجديد الإصلاحية في التفسير تتفق مع المدرسة الإصلاحية التي كان من روادها الإمام محمد عبده الذي رأى أن أفضل مفسر للقرآن الكريم هو الزمن، وهو ما يشير إلى معان تجديدية، ويتيح للأفهام والعقول المتعاقبة الغوص في معاني القرآن.
وكان لتفاعل الطاهر بن عاشور الإيجابي مع القرآن الكريم أثره البالغ في عقل الشيخ الذي اتسعت آفاقه، فأدرك مقاصد الكتاب الحكيم، وألم بأهدافه وأغراضه، مما كان سببًا في فهمه لمقاصد الشريعة الإسلامية.
كان الطاهر ابن عاشور فقيهًا مجددًا، يرفض ما يردده بعض أدعياء الفقه من أن باب الاجتهاد قد أغلق في أعقاب القرن الخامس الهجري، ولا سبيل لفتحه مرة ثانية، وكان يرى أن ارتهان المسلمين لهذه النظرة الجامدة المقلدة سيصيبهم بالتكاسل وسيعطل إعمال العقل لإيجاد الحلول لقضاياهم التي تجدُّ في حياتهم[99].
جهده التجديدي في الشريعة:
يعتبر كتابه “مقاصد الشريعة” من أفضل ما كتب في هذا الفن وضوحًا في الفكر ودقة في التعبير وسلامة في المنهج واستقصاءً للموضوع. لقد رأى الشيخ الجليل أن يؤسس علمًا جديدًا ومنهجًا محدثًا، هذا العلم هو علم مقاصد الشريعة الذي رأى أن يفصله عن علم الأصول الذي يعنى أكثر ما يعنى بالأبحاث اللغوية ودلالة الألفاظ.
أما موقفه فهو أنه “لا ينبغي الاختلاف بين العلماء بتصاريف الشريعة المحيطين بأدلتها في وجوب اعتبار مصالح هذه الأمة، ومفاسد أحوالها عندما تنزل بها النوازل، وتحدث لها النوائب، وأنه لا يترقب [العالم] حتى يجد المصالح المثبتة بالتعيين، أو الملحقة بأحكام نظائرها بالقياس”[100].
العلمانية والإسلام والاستبداد
العلمانية: لفظ جرى على الألسن – في العصور الوسطى- في الأوساط المسيحية، كاتجاه يستهدف تقويض سلطة الكنيسة السياسي لتصبح – فقط – كنيسة الله، لأن الدين هناك كان هو الأساس وقاعدة الانتماء.. لقد كان رجال الكنيسة ضد العلم وضد المعرفة، حتى تأخرت أوربا.
وعندما جاء عصر النهضة أو– الإحياء – كان الخلاص من وجهة نظر عقلاء المجتمع مرتبطًا بفصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية، ومن هنا ظهر إلى الوجود مصطلح “العلمانية”، ومقابله في اللغة العربية التفرقة والفصل بين السياسة والدين..” [101].
أما الإسلام فإن جمهور العلماء والباحثين – من مختلف الأديان – قد اتفقوا على أنه دين ودولة [102]. وأما الحضارة العربية الإسلامية فإنها – وإن اتسقت مع الروح الإسلامية الدينية – إلا إنها إبداع بشري في الأساس، أسهمت الأمة كلها؛ المسلمون من أبنائها وغير المسلمين في بنائها[103].
علمانية واحدة وتطبيقات مختلفة:
تعود إشكالية العلمانية في الوطن العربي إلى التصورات الخاطئة التي تتخذ من العلمانية شكلاً واحداً معادياً للحرية الدينية. وهي التصورات التي عززها الاستبداد، والتدين الرسمي وفساد النخب العلمانية العربية.
وتستند الانطباعات والتصوّرات حول العلمانية في العالم العربي إلى ممارسات قمعية في عددٍ من الدول العربية، تعود جذورها إلى الاستبداد السياسي لا العلمانية، وقد ساهم في تعزيز هذه التصورات فساد الكثير من النخب العلمانية العربية، وجهلها بالأدبيات السياسية العلمانية، وعلاقتها المشبوهة مع أنظمة الاستبداد في مواجهة الشعب وحريته ومن ضمنها الحرية الدينية[104].
يقول الباحث والأكاديمي جمال الشلبي في حديث خاص لـ”عربي21″، إن هناك علمانية واحدة لها تفسيرات متعددة. ويشير الشلبي إلى أن ثمة علمانية مرنة في تركيا مقابل علمانية متطرفة في فرنسا، وبينهما علمانية معتدلة في دول الشمال السويد والنرويج والدنمارك، أي أن سمة العلمانية تعتمد على التطبيق، وليس على الفكرة الأساسية للعلمانية التي توجت كـ “كلمة سر” في ظل الثورة الفرنسية في العام 1879[105].
علمانية الصهاينة:
“لن يتم فصل الدين عن الدولة في إسرائيل لأبد الآبدين”، قالها يئير لبيد، زعيم حزب “ييش عتيد”، الأكثر تمثيلا للتيار العلماني في إسرائيل. ويصرح الكاتب الصهيوني العلماني موشيه بن عطار: بأن فصل الدين عن الدولة في إسرائيل شعار أجوف، وغير واقعي، سواء على الصعيد المبدئي أو العملي، ولا يمكن قبوله، لأنه يعفينا من تحمل تبعات انتمائنا اليهودي، على حد قوله[106].
العلمانيون والتحالف مع الاستبداد في مصر
وعن تحالف العلمانيين مع العسكر لإفشال تجربة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، كتب عمرو حمزاوي[107] – وهو ليبرالي مصري- :” لم تكن الدوافع الوحيدة لتحالف النخب العلمانية (ليبرالية ويسارية) مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية للخروج على الإجراءات الديمقراطية في صيف 2013 هي فشل إدارة الرئيس الأسبق، محمد مرسي، في إخراج البلاد من أزماتها.
كذلك لم ترتبط دوافع النخب العلمانية في الانقلاب على الديمقراطية فقط، بما طرح آنذاك كفعل ضرورة لحماية مصر من خطر استبداد ديني محقق والحفاظ على هويتها الوطنية.
فالموقف المضاد للديمقراطية الذي تبنته النخب العلمانية في ذلك الصيف ثم تأييد أغلبية عناصرها لعودة السلطوية وصمتها على انتهاكات مفجعة لحقوق الإنسان، مثل وما زال ترجمة مباشرة لميراث تاريخي طويل حدد منذ القرن التاسع عشر جوهر العلاقة بين النخب العلمانية ونظم الحكم المتعاقبة، كما بينها وبين فعاليات المجتمع وعموم المواطنات والمواطنين”[108].
إلى يومنا هذا، لم يزل خوف العلمانيين من المجتمع هو المفسر الأساسي لترويجهم لمقولات غير ديمقراطية منذ 2011 وإلى اليوم.
إلى يومنا هذا، لم يزل خوف العلمانيين من عموم الناس هو محرك قوي لإطلاقهم الأحكام الاستعلائية على تفضيلات الأغلبية السياسية والانتخابية، ولاستعدادهم للتحالف مع الاستبداد والسلطوية والانقلاب على الديمقراطية نظير إسكات المواطن وتهجيره من الفضاء العام، نظير إخضاع واستتباع ما يصنفونه زيفاً كالمجتمع اللاعقلاني.
لذلك أيضاً ليس بمستغرب البتة أن تروج النخب العلمانية لمفاهيم ذات جوهر استبدادي صريح كمفاهيم الضرورة الوطنية التي تلزم بالاصطفاف خلف الحكام، وحالة الاستثناء التي تمنح الحكام رخصة شاملة للعصف بسيادة القانون وبإخضاع المجتمع والمواطن، وأولوية الدفاع عن الأمن والاستقرار وإنجاز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أي حديث عن الديمقراطية[109].
اتفاق العلمانيين و “الإسلام السياسي” ضرورة وطنية
صراع الإسلام السياسي مع التجمعات العلمانية لا يستفيد منه إلا أرباب الاستبداد، والأنظمة الشمولية التي لا ترى في الجميع إلا خصومًا يجب الخلاص منهم لتبقى لها السلطة المطلقة. ويبدو أن نتائج مأساة نتائج الصراع بين الإسلام السياسي والعلماني لم تتعلم منها تلك النخب بعد الثورة المصرية؛ التي اتحدت جميع القوى في لحظة فارقة وتكاتفت على إسقاط الاستبداد، إلا أنها اختلفت بعد ذلك سريعًا.
الصراع لم يقف عند مصر، بل امتد إلى تونس مهد الربيع العربي، إلا أن تنازل النهضة الإسلامية وإدراكها لوسائل فلول الاستبداد جعلها تقدم الحرية ومكتسبات الثورة على لذة الحكم، وهو التصرف الذي حصّن تونس ضد الانزلاق لعودة الاستبداد[110].
من جهته، مدح الدكتور عبد الرحمن سالم، أستاذ التاريخ الإسلامي في دار العلوم بجامعة القاهرة، تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، لأنها تمثل نموذجًا تطبيقيًا لِـ “العلمانية المؤمنة” التي لا تعادي الدين ولا تخاصمه، بل تقف من كل الأديان على مسافة واحدة.
وفرق الدكتور سالم في حديثه لـ “عربي21″ بين العلمانية المخاصمة للدين والمعادية له، وبين العلمانية المحايدة التي تُعنى بإدارة شؤون الحياة والدولة، مع إعطائها الحريات الكاملة لجميع الأديان والمذاهب.
ويقول د. رفيق عبد السلام :” لقد تبين لي من خلال بحثي لأطروحة الدكتوراه التي استغرقت ما يزيد عن 7 سنوات متتالية وقد نشرتها فيما بعد تحت عنوان “في العلمانية والدين والديمقراطية” إن العلمانية كانت فعلًا عبارة عن حل عملي فرضته أجواء الحروب الدينية التي شقت عموم القارة الأوروبية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ولم تكن أيديولوجيا أو منتج نظريات فلسفية جاهزة ، أي هي في أصلها محاولة للسيطرة على داء الانقسام الديني والأفكار الفتنوية التي مزقت النسيج الديني والسياسي لعموم القارة الأوروبية قبل أن تكون مشروعًا فلسفيًا أو نظريةً محددةً في الدين والعقائد وإن أخذت هذا المنحى في بعض الوجوه لاحقًا[111].
الخاتمة
تظل المنطقة العربية رهن التبعية والصراعات، وتمثّل ثورات الربيع العربي لحظة استرداد للوعي لدى الشعوب العربية، حاولت من خلالها استعادة سيادتها وتحقيق حاضر ومستقبل أفضل لها ولأجيالها القادمة، ولكن في لحظة غفلة من الشعوب، أو قل في لحظة سُكر ثوري، تسللت النخب العسكرية إلى قلب الثورات، طاعنة التغيير والإصلاح المنشود في سويداء قلبه، مدعومة بتحالف الثورة المضادة، السعودي الإماراتي، المدعوم بدوره من العدو الصهيوني الذي يهمه ألا تستنشق الشعوب العربية نسيم الحرية.
فالجهود على قدم وساق لوأد هذا الحراك، ما بين نظام يقتل شعبه بالأسلحة الكيماوية والطائرات (سوريا)، ولواء سابق، قائد ميليشيات مرتزقة يقاتل من أجل الحكم (ليبيا)، وعسكريون يلتفون على إرادة شعبهم في كل وادٍ (الجزائر)، وأنظمة سلطوية تقتل جيرانها وتدمر آمال شعوب أخرى، بأموالها وعتادها، ولم بينها وبينهم عداوة، إلا إرادة التحرر من ربقة الظلم والتبعية الغربية!! (الإمارات والسعودية).
مع التركيز من قبل المخططات الدولية على إغراق المنطقة في الديون والقروض من قبل البنك الدولي وغيره، وإشغالها بالمشكلات السياسية المزمنة حتى لا تنهض اقتصاديًا، لتستمر في دورانها في فلك التبعية الاقتصادية للغرب.
ولا يتم الاكتفاء بهذا الحد، بل تتم على قدم وساق محاولات تهميش التراث الفكري الإصلاحي في العالم العربي، حتى لا تتناقلها الأجيال، ويظل الفكر العربي رهن التبعية الغربية، غير قادر على بناء نموذج إصلاحي تجديدي، نابع من التراث العربي الأصيل، ومواكب لاحتياجات الواقع المعاصر.
وكانت صحيفة “برشة نيوز” نشرت عن صحيفة الاستقلال تقريرٌا مفصّلًا عن الحالة العربية خلال شهر جويلية/يوليو 2019 في عديد الدول العربية من بينها السودان والجزائر وسوريا واليمن وليبيا وفلسطين والخليج العربي.
المصادر