أخبار عربية

الترفيع في نسبة الفائدة ومعضلة التضخم في تونس

في تدوينة له في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” انتقد الخبير الاقتصادي الدكتور رضا شكندالي قرار البنك المركزي التونسي الرفع من نسبة الفائدة المديرية.

وقال الدكتور شكندالي: “البنك المركزي يرفع نسبة الفائدة المديرية، البنوك تفرض الدولة وتحقق أرباحًا خيالية على حساب الاستثمار الخاص والاستهلاك المحركات الأساسيات للنمو، ثم نتساءل لماذا حققنا نموا ضعيفًا.

وأشار إلى أنه: “لا يرى غباء للدولة أكثر من هذا الغباء، ثم يريدون أن يقنعوننا أنهم يفعلون هذا من أجل مقاومة التضخم المالي. ههههه.

عودوا إلى مقالي المنشور في موقع مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية تحت عنوان :”الترفيع في نسبة الفائدة ومعضلة التضخم” بتاريخ 27 جوان 2018، وستفهمون كل شيء.

ارتفاع متجدد للأسعار قد يؤدي الى مزيد من الاحتقان الاجتماعي ممّا قد يهدد الاستقرار السياسي في البلاد. ونظرا للأزمة المالية الخانقة التي تعيشها الحكومة التونسية هذه الأيام، قد يقرأ هذا القرار الأخير للبنك المركزي على أنه إرضاء لصندوق النقد الدولي لتسريح الأقساط المتبقية من القرض على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الشعب والتي ستتحمل فاتورة هذا الإجراء.

ملخّص

تعتبر السياسة المرنة لسعر الصرف، التوصية الأهم لصندوق النقد الدولي والتي أدت الى الانزلاق المتسمر للدينار  التونسي، من الأسباب الرئيسية لتزايد وتيرة التضخم المالي في تونس علاوة على السياسة الجبائية التوسّعية والزيادات المتكررة لأسعار الوقود. لكن للبنك المركزي التونسي رأي آخر، فهو يعتبر أن تنامي الاستهلاك الخاص والسهولة في إسناد القروض زاد في لهيب الأسعار وسرّع في وتيرة التضخم المالي وبالتالي لجأ، تحت وصاية صندوق النقد الدولي، إلى السياسة النقدية الحذرة والتي تمكّن من السيطرة على الاستهلاك الخاص عبر الترفيع في نسبة الفائدة المديرية. لكنه نسي أو تناسى أن هذا الإجراء له انعكاسات وخيمة عل محركات النمو الثلاث، الاستثمار والاستهلاك والتصدير، وسيؤدي الى حالة من الركود الاقتصادي ومن مزيد من العاطلين عن العمل ومن ارتفاع متجدد للأسعار قد يؤدي الى مزيد من الاحتقان الاجتماعي ممّا قد يهدد الاستقرار السياسي في البلاد. ونظرا للأزمة المالية الخانقة التي تعيشها الحكومة التونسية هذه الأيام، قد يقرأ هذا القرار الأخير للبنك المركزي على أنه إرضاء لصندوق النقد الدولي لتسريح الأقساط المتبقية من القرض على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الشعب والتي ستتحمل فاتورة هذا الإجراء.

مقدمة

في اجتماعه الأخير المنعقد في 13 جوان 2018، قرر مجلس إدارة البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ب100 نقطة كاملة لتصبح 6,75٪ مقابل 5,75٪. وتعتبر هذه الزيادة الثانية خلال ثلاث أشهر فقط، حيث رفع البنك المركزي هذه النسبة ب 75 نقطة أساسية لتنتقل من 5٪ إلى 5,75 ٪ في 5 مارس 2018 أي ثلاث أسابيع فقط منذ تعيين المحافظ الجديد للبنك المركزي.  وتعتبر السياسة النقدية الحذرة، السياسة المعتمدة لدى البنك المركزي التونسي خاصة في السنوات الأخيرة حيث رفّع هذا الأخير السنة الماضية في نسبة الفائدة المديرية في مرحلة أولى ب50 نقطة في أفريل 2017 وفي مرحلة ثانية ب25 نقطة في ماي 2017. لتكون جملة الزيادات في نسبة الفائدة المديرية بنحو 250 نقطة كاملة في غضون سنة ونصف

الترفيع في نسبة الفائدة والتعهدات تجاه صندوق النقد 

يتأتى قرار البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بنقطة كاملة في إطار حزمة من الإجراءات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي. ففي إطار المراجعة الثانية لإتفاق “تسهيل الصندوق المدّد” مع الحكومة التونسية والذي تمّ بموجبه منحها قسطا من قرض يساوي 2.9 مليار دولار على أربع سنوات، قرّر صندوق النقد الدولي أن تكون المراجعات ربع سنوية بدلا من جدول المراجعات الذي كان يقوم على أساس نصف سنوي ممّا يستوجب تسريعا في نسق الإصلاحات الاقتصادية. فالبيان الأخير للمكتب التنفيذي لصندوق النقد الدولي في مارس 2018 أوصى بسبع إجراءات هامة  وهي :
–    مواصلة الترفيع في نسبة الفائدة المديرية كلما ازدادت وتيرة التضخم المالي حتى تكون نسبة الفائدة الحقيقية موجبة،
–    المواصلة في تطبيق السياسة المرنة لسعر الصرف حتى يعكس الدينار التونسي حقيقته في سوق الصرف،
–    زيادات ربع سنوية في أسعار الوقود للحد نفقات الدعم الموجه للمحروقات خاصة وأن الأسعار العالمية للطاقة في ارتفاع مستمر،
–    زيادة الإيرادات الضريبية للحد من المديونية العمومية،
–    الإنتهاء من قاعدة بيانات الأسر محدودة الدخل لتوجيه الدعم لمستحقيه،
–    تجميد أجور الموظفين للتقليص من حصتها في الناتج المحلي الإجمالي،
–    القيام بإصلاحات عادلة ومستدامة في معاشات التقاعد.
وتعتمد مقاربة صندوق النقد الدولي في محاربة التضخم المالي على السياسة النقدية الحذرة أو الإنكماشية والتي ترى أن السبب الرئيسي للتضخم المالي هو إفراط في ضخّ السيولة النقدية في الاقتصاد بدون أن يرتفع مقابل ذلك الانتاج. وهذا يعني أن الكلفة الحقيقية السالبة للقروض البنكية تغري على الإقدام على القروض المتوجهة للاستهلاك وهو مّا يدفع الى المزيد من الاستهلاك الخاص وبالتالي الى التسريع من نسق التضخم المالي. وإذ تعتبر هذه المقاربة أن السبب الرئيسي للتضخم المالي هو تزايد في الطلب الداخلي وخاصة منه الاستهلاك الخاص، فإن ضعف النمو الاقتصادي في تونس ما بعد الثورة، يبيّن أن الإشكال الحقيقي ليس في ارتفاع الاستهلاك بقدر ما هو ندرة في الانتاج نتيجة تراجع الاستثمار الخاص وتعطل الانتاج في القطاعات الحيوية كالطاقة والمناجم. وبالتالي لا يمكن للسياسة النقدية الحذرة المتبعة أن تسهم في تخفيض وتيرة التضخم المالي بل أن وجب استبدالها بسياسة تحفّز على الاستثمار الخاص واسترجاع نسق نمو الاقتصادي. وحتى وإن سلّمنا بأن التضخم المالي مردّه المستوى المرتفع لنسق الاستهلاك الخاص، فليس من السهل التقليص فيه عبر الترفيع في نسبة الفائدة خاصة وأن النسبة الحقيقية الحالية للفائدة سالبة ولا تشجع على الإدخار. ولا يمكن أن تكون النسبة الجديدة للفائدة مغرية للإدخار إلا إذا كان الترفيع فيها مشطا للغاية، ممّا يعني كلفة إضافية كبيرة للاستثمار قد يحبط عزائم المستثمرين، الا اذا انعكست هذه الزيادة كليا على أسعار البيع، عندها ستكون آثار ذلك على التضخم المالي جد وخيمة.

تبريرات  البنك المركزي التونسي 

انطلاقا من مقاربة صندوق النقد الدولي، برّر البنك المركزي التونسي إتباعه السياسة النقدية الحذرة بتواصل الضغوط التضخمية حيث استقرت نسبة التضخم المالي في مستوى مرتفع للشهر الثاني على التوالي لتبلغ 7,7٪.  في موفى شهر مايو من سنة 2018.  ومن المتوقع أن تتزايد وتيرة التضخم المالي خلال الأشهر المقبلة نظرا للعديد من العوامل الخارجية والتي من بينها :
–    الارتفاع المتوقع للأسعار العالمية للمواد الأساسية وخاصة الطاقة.،
–    توقّع ارتفاع التضخم المالي لدى أهمّ الشركاء الاقتصاديين لتونس،
–    ارتفاع أجور الموظفين بدون تحسّن على مستوى إنتاجية العمل،
–    تواصل عجز الميزان التجاري الى مستويات قياسية و
–    سرعة نسق نمو الاستهلاك والمتأتي أساسا من القطاع السياحي.
وإذا كانت الأسباب الرئيسية للتضخم المالي في تونس، كما يراها البنك المركزي في بيانه الأخير، خارجية بالأساس ، فكيف لسياسة الترفيع في نسبة الفائدة المديرية أن تحدّ منها وهي المتوجهة فقط للحد من استهلاك الأسر التونسية. فإذا أخذنا بعين الاعتبار ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأساسية مثلا، فإن انعكاس ذلك على الأسعار الداخلية للمنتجات التونسية يمرّ حتما عبر الانعكاس على تكلفة الإنتاج خاصة وأن هذا الانعكاس يتضاعف كلما تراجعت قيمة الدينار. وبالتالي فإن الترفيع في نسبة الفائدة المديرية لا يمكن له أن يساعد المؤسسات الاقتصادية على تخفيض كلفة إنتاجها بل يزيد في الطين بلّة عندما تلجأ هذه الأخيرة الى القروض البنكية لتمويل استثماراتها، فعوضا أن تسهم هذه السياسة النقدية في الحد من التضخم المالي، فإنها ستكون سببا في تسريع نسقه. ومن الأسباب الأخرى التي برّر البنك المركزي استعماله سياسة الترفيع في نسبة الفائدة، اعتقاده أن هذه السياسة ستمكّن من استعادة الاستقرار في سوق الصرف والمحافظة على قيمة الدينار التونسي بما أن نسبة الفائدة في السوق المالية أصبحت أكثر جاذبية والاستثمار الأجنبي في السوق المالية التونسية أكثر مردودية ممّا قد يؤدي الى تدفق العملة الصعبة على البلاد لإنعاش سوق الصرف واستقرار الدينار. لكن المتأمل في هيكلة السوق المالية التونسية يلاحظ الضعف الفادح لاستثمارات الحوافظ المالية والتي جعلت تونس، في وقت من الأوقات، في منأى من الأزمات المالية العالمية كأزمة الرهن العقاري لسنة 2007، فجل الاستثمارات الأجنبية لا تمر عبر السوق المالية بل تكون في شكل استثمارات مباشرة ولا علاقة لها بنسبة الفائدة في السوق المالية التونسية.

غايات الإجراء  

خصّص قانون المالية لسنة 2018 زيادة في حصة الاقتراض الداخلي من حجم ميزانية الدولة بثلاث نقاط لتستقر في حدود 23% من جملة الاقتراض العمومي إذ أصبحت الموارد الذاتية للدولة لا تفي بخلاص الأجور ونفقات الدعم واستخلاص الدين، ممّا يستوجب التقليص من حصة الدين الخارجي في موازنة الدولة. وقد يندرج هذا الترفيع في نسب الفائدة في إطار تحسين مردودية رقاع الخزينة لجعلها أكثر جاذبية للمؤسسات البنكية التونسية حتى تقدم على إقراض الدولة خاصة وأن شروط الاقتراض في السوق المالية العالمية أصبحت صعبة من جرّاء تدهور الترقيم السيادي لتونس وإدراجها في القائمات السوداء لبعض المؤسسات الدولية.

وإذا صحّت نية الحكومة في هذا المجال، فإنها بهذا الإجراء، ستحول وجهة الموارد البنكية من تمويل الاستثمار الخاص، وهو الأهم لاستحثاث نسق النمو الاقتصادي، الى تمويل عجز موازنة الدولة وما يترتب عنه من سوء استعمال لهذه الموارد والتي قد توجه الى استخلاص أجور الموظفين أو إلى تمويل نفقات لا جدوى من ورائها.

الانعكاسات الاقتصادية للترفيع  

إعتمادا على المقاربة التي يعتمدها صندوق النقد الدولي في محاربة التضخم المالي، التجأ البنك المركزيّ إلى أحد أبرز آليات السياسة النقديّة وهي الترفيع في نسبة الفائدة المديريّة، وهو السعر الذي تدفعه البنوك التجاريّة للبنك المركزي قصد الحصول على السيولة اللازمة لتحويلها الى قروض استهلاكيّة أو استثمارية بنسب فائدة لا تقل عن سعر الفائدة المديريّة للبنك المركزي.  وإذ تسهم هذه السياسة النقدية في التقليص من الاقتراض الموجّه للاستهلاك، إلّا أنها تضر بالاستثمار الخاص وبالتالي بالنمو الاقتصادي وبقدرة الاقتصاد على خلق المزيد من فرص الشغل وكذلك بالمقدرة الشرائية للمواطن التونسي وتخلق حالة من الركود التضخمي.  زيادة على ذلك، فإن الترفيع في نسبة الفائدة المديرية كلما ازدادت وتيرة التضخم المالي لا يمكن لها أن تؤدي الدور المناط بعهدتها والوصول الى نسبة تضخم مالي ب3% في غضون 2020 كما نصّ عليه تعهّد حكومة الشاهد في برنامجها الاقتصادي والاجتماعي 2017-2020 وذلك للأسباب التالية :
1.    استعمل البنك المركزي هذه السياسة النقدية خاصة في السنوات الأخيرة بدون أن تفضي الى النتائج المتوقعة ورفّع البنك المركزي نسبة الفائدة المديريّة من 3.5% في أواخر سنة 2012 إلى 6.75% في جوان 2018  أدت الى تضاعف نسبة التضخم المالي في أقل من ست سنوات حيث ارتفعت من 3.75% في يناير2013 إلى 7.7% في مايو 2018.

2.    الترفيع من نسبة الفائدة المديرية أثّر سلبا على الاستثمار الخاص حيث انخفضت نسبة الاستثمار الخاص من الناتج المحلي الإجمالي من 21.4% سنة 2010 الى ما دون 16% سنة 2017 وتقلصت نوايا الاستثمار في الصناعة ب35% وفي الخدمات ب55% في الثلاثي الأول من سنة 2018 حسب الوكالة الوطنية للصناعة والتجدد. هذا التأثير السلبي على تطوّر الاستثمارات خلق حالة أشبه بالركود الاقتصادي الناجم عن كبح نسق الدورة الاقتصاديّة وحالة من ندرة الإنتاج في سوق السلع والخدمات والتي ستؤدي الى مزيد من التضخم المالي ممّا قد يدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة يصعب الخروج منها. وبما أن التصدير، كمحرّك للنمو الاقتصادي، مرتبط أشد الارتباط بتطور نسق الاستثمار، فإن تعطل هذا الأخير سيضعف الصادرات ويغذي العجز التجاري ممّا قد يؤدي الى مزيد من تراجع قيمة الدينار وما يتبعها من تأثير مباشر على تصاعد وتيرة التضخم المالي.

3.    إذا كان القصد من الترفيع في نسبة الفائدة المديرية، كبح جماح الاقتراض والتقليل من نسبة السيولة في السوق الماليّة وبالتالي التخفيض من وتيرة القروض ومنها الموجهة للاستهلاك، فإن البيانات المتعلقة بمصادر النمو الاقتصادي في تونس تبرز أهمية الاستهلاك الخاص كمحرك أساسي قار للنمو الاقتصادي حتى في أحلك الفترات التي عاشتها تونس من جرّاء تراجع النمو في البلدان الأوروبية الشريكة. وبالتالي تكون سياسة البنك المركزي داعية إلى الانكماش الاقتصادي والذي قد يؤدي بدوره الى التسريع من نسق التضخم المالي وتواصل معدلات البطالة العالية.
4.    الترفيع في نسبة الفائدة قد يؤدي الى إرهاق كاهل الأسر التونسية المدانة بقروض لدى البنوك والتي ستجد نفسها مجبرة على دفع أقساط شهرية أعلى من ذي قبل ممّا سيقلص من المقدرة الشرائية للمواطن إذ تعتبر هذه الزيادة في حد ذاتها تضخم مالي من نوع آخر.  وقد لا تقدر الأسر التونسية على مجابهة هذا الاقتطاع الإضافي على مداخليهم ممّا قد يجبر بعضهم وخاصة منهم غير الأجراء على الامتناع عن السداد فتجد البنوك التجارية نفسها أمام أزمة سداد نحن في غنى عنها. علاوة على ذلك، فإن هذه السياسة النقدية الانكماشية ستقلص من حجم القروض المتوجهة للأسر  التونسية ومن أهمها قروض السكن ممّا سيؤثر حتما على أهم قطاع مرتبط مباشرة بالنمو الاقتصادي وهو قطاع البناء والأشغال العامة والذي يعيش حاليا أحلك فتراته بما أنه سجّل نسبة نمو سالبة في الثلاثي الأول لسنة 2018 ب-5.3%.

رفض الأطراف الفاعلة 

في بادرة فريدة من نوعها، لكنها خطيرة من حيث انعكاساتها على الاستقرار النقدي، أبدت الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية نيتها في تعليق تطبيق الزيادة في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي التونسي على قروض اقتناء وبناء مسكن والموجّهة للأسر التونسية. ويعتبر بعض الملاحظين أن هذا الرفض قد يؤدي الى بروز سلطة نقدية موازية تربك سياسات البنك المركزي التونسي وتهز ثقة البنوك التجارية تجاهه ممّا قد يدفع الى أزمة ثقة شاملة في النظام النقدي في تونس.
ومن جهة أخرى، فقد أبدى الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وهما طرفان أساسيان في الحوار الوطني وكذلك في صياغة وثيقة قرطاج 2، رفضهما للزيادة الأخيرة ب100 نقطة في نسبة الفائدة المديرية. واعتبرت المنظمة الشغيلة، في بيان لها بتاريخ 18 جوان 2018، أنّ مصادر التضخّم في تونس ليست نقدية فحسب، بل هي ناتجة عن الزيادات الأخيرة في نسب الأداء المدرجة في قانون المالية لسنة 2018 وكذلك عن الانزلاق المتسارع للدينار إضافة الى عمليات الاحتكار والتهريب وتفاقم الاقتصاد الموازي. وبيّنت أن الزيادة في نسب الفائدة من شأنه أن يعمّق الأزمة الاقتصادية الحالية ويزيد من تدهور المقدرة الشرائية للأجراء.
كما أعرب الاتحاد  التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عن استيائه الشديد  من إعلان البنك المركزي التونسي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بـ 100 نقطة أساسية كاملة واعتبر أن هذا القرار ستكون له انعكاسات سلبية على تنافسية المؤسسة الاقتصادية وعلى تمويل الاستثمار  بسبب ارتفاع كلفة  التمويل في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إجراءات لدفع الاستثمار وتشجيع بعث المشاريع وخلق فرص العمل .

خاتمة 

تعتبر السياسة النقدية الحذرة لصندوق النقد الدولي، المرجع الأساسي لسياسات البنك المركزي التونسي، الآلية العقيمة لمحاربة التضخم المالي في تونس. وقد تؤدي الى حالة من الركود الاقتصادي المتواصل تلقي بظلالها على جل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية ممّا قد يزيد من حدّة الاحتقان الاجتماعي ويهدد الاستقرار السياسي. فأسباب التضخم المالي ليست في تنامي نسق الاستهلاك الخاص بقدر ما هو ضعف في النمو الاقتصادي نتيجة لسياسات اقتصادية مرهقة للقطاع الخاص وللمقدرة الشرائية للمواطن التونسي من ترفيع في نسب الأداء ومن زيادات متكررة في أسعار الوقود وخاصة من السياسة المرنة لسعر الصرف التي يتبعها البنك المركزي. فهذا الأخير  يشعل التضخم المالي عبر سياسة الصرف التي يتبعها والتي أدت الى تراجع كبير في قيمة الدينار ويريد أن يطفئ التضخم بسياسة نقدية حذرة لا يمكن لها إلا ان تسهم في تراجع النمو الاقتصادي وبالتالي تكون سببا في مزيد من التضخم المالي وهكذا ندور في حلقة مفرغة لا تنتهي إلا بانتهاء أسبابها : مزيد من التضخم مزيد من نسبة الفائدة، فكمن يريد أن يطفئ النار التي أوقدها بصبّ المزيد من البنزين عليها. فالخطأ يكمن في ضعف التفاوض مع صندوق النقد الدولي. لصندوق النقد الدولي أن يملي شروطه حول الأهداف التي يريدها لاسترجاع قرضه لكن بدون فرض السياسات الاقتصادية لبلوغ ذلك والتي هي من مهام الحكومة وهي أدرى بشعابها. فالتفاوض مع الصندوق يجب أن ينحصر في جملة الأهداف الممكنة، لكن السياسات الاقتصادية التي تمكّن من بلوغها تترك الى الحكومة، فلكل بلد سياقاته الخاصة ولا يمكن للسياسات الاقتصادية التي يقترحها الصندوق أن تكون صالحة لكل زمان ومكان.

  الدكتور  رضا الشكندالي

Views: 0

Midou

A professional journalist and blogger who has worked in several newspapers and websites

Related Articles

Leave a Reply

Back to top button