هذا هو خليفة الغنوشي على رأس حركة النهضة
خليفة الغنوشي على رأس النهضة!
بدأ الحديث منذ مدة، وخاصة بعد أن أصبح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رئيسًا للبرلمان التونسي، من طرف بعض “الصقور” داخل حركة النهضة، عن ضرورة استقالة الغنوشي لأنه غير قادر على التوفيق بين المهمّتين.
ورغم أنّ بعض القياديين ومنهم عبد اللطيف المكي، ومحمد بن سالم، وعبد الحميد الجلاصي، أبدوا بعض “الامتعاض” وتحدثوا في وسائل إعلام عن الوضع داخل حركة النهضة، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لقياديي الح كة الذي تعودوا على الصبر والثبات اعتبارا لنضالهم ضد النظامين السابقين، حيث خرجوا عن تحفظهم المعهود، وهو ما يوحي بمؤتمر ساخن للحركة ربيع 2020، إن تمت المحافظة على الموعد الذي لم يحدد بعد للمؤتمر 11.
ونشر نصر الدين السويلمي تدوينة له في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحدث فيها عن “المنافسة كما يوجد الصراع والمناكفات والمشاحنات في حركة النهضة، مثل بقية الأحزاب ولكن دون تطاحن.
صراع ومناكفات ومشاحنات
في حركة النهضة كما كلّ الأحزاب والحركات توجد المنافسة كما يوجد الصراع والمناكفات والمشاحنات، فقط لا يوجد التطاحن بحكم اعتبارات كثيرة، لكن الحركة تشهد منذ مدة عمليّات ملاحقة، كرّ وفرّ، مدّ وجزر حالة من التجاذبات تحدث داخل أحشاء النهضة، بعض هذه المعارك الدافئة أو التي كانت دافئة تخلّى أصحابها عن التحفّظ واختاروا الاحتماء بنشر الغسيل كقوة ردع أمام صعوبة اكتساح المؤسّسة الهرم، وأمام قدرة قيدوم التنظيم على سدّ الفجوات ومنع التسلل وإبطال مفعول العمليّات الجديّة التي حاولت إحداث اختراقات لتكسير الهيمنة التي فرضتها شرعيّة الغنوشي التاريخيّة والنضاليّة.
هل يفرض الصدام أجندته؟
في الطريق نحو المؤتمر الحادي عشر تلوح سلسلة من المعارك قد تكون تحت السيطرة إذا ما ارتفعت درجة الوعي وقد تخرج تماما عن السيطرة إذا طأطأت لغة العقل وفرض الصدام أجندته. ولعلّ أبرز المعارك بعد الاسم الذي سيخلف الغنوشي، ستكون معركة الطبقات! فالجيل المؤسّس كان يفترض وفق ثقافة الحركات الإسلاميّة أن يسلّم إلى التابعين، لكن تبدو النهضة تمرّدت على هذه التقاليد، وسنرى فوق الحلبة طبقة التابعين تنازع تابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين! الكلّ يطلب رأس الهرم! الكل يطلب الكرسي الأهم! ذلك المنصب الحزبي الأكبر في النهضة وفي تونس زمن المعارضة وحتى في تونس الثورة.
سقوط منهجية تداول الأجيال
بعد تداخل الطبقات وانتهاء فكرة الأولويّة للأسبق والأقدم وبعد سقوط منهجية تداول الأجيال وإبطال مفعول التسلسل الزمني والنضالي، وبعد أن حاولت بعض الأطراف كسر رمزيّة الغنوشي حتى لا تبقى رمزيّة بعده لغير التنافس والنزول بقوة إلى القواعد والمؤسّسات المتوسطة و الدنيا لطلب ودّها، بعد كلّ ذلك أصبح لا مناص من معارك تقليديّة بين كلّ الطبقات وكلّ الشخصيّات، فهل يكون ذلك بكلّ الوسائل وتحت أي طائل وفوق الحزام وتحت الحزام؟! قد يحدث ذلك ويذهب ريح الحركة بعد أن عمّرت لنصف قرن، وقد تتعقّل مختلف الأطراف وتجنح إلى التصعيد الهادئ لهذه الشخصيّة أو تلك وتستعمل الترشيد والتوافقات بدل معارك تكسير العظم وما تعنيه من انصراف الإخوان كلّ إلى ذئبه المنفرد يهبر ما أمكنه ويشنّع بالآخر المنافس بكلّ ما أوتي من جهد وبكلّ ما دلّه عليه الجني القابع تحت الكرسي.. لكن حذاري، لا يمكن لقواعد النهضة أن تلعب دور قطيع الثعالب تراقب الأسود وهي تتناحر، وحين يغلب هذا الأسد وذاك، يشير إلى القطيع فتتبعه ثعلب تلو ثعلب تلو ثعلب تلو ثعلب تلو ذئب تلو ذئب تلو… لا لن يحدث ذلك لأن كلّ المركّب النهضاوي من سلالة واحدة غير أنّه الزهد والعفاف والإيثار.
ماذا سيحدث في المؤتمر 11 ولماذا؟
الأرجح أنّ النهضة لن تذهب إلى مؤتمرها الحادي عشر في موعده، كلّ أو جلّ المؤشرات تدلّ على ذلك، ربّما يتمّ التأجيل لأشهر وقد يُمدّد لأكثر.. الرّاجح أيضا أنّه إذا لم تتجنّب القوى الفاعلة التهافت الجمعي على رئاسة الحركة، ولم تعتمد الترقية والترشيد والمرور العاقل إلى البديل دون تحريش القواعد واستنفارها وبلا هستيريا الاصطفافات المنذرة بالتشتت، ومن ثمّ الاشتراك في صناعة زعيم بصلاحيّات أقلّ من تلك التي كانت لدى الغنوشي مع تمتين المؤسّسات والتمكين لها، إذا لم تتفق الحركة وتتوافق، وتقاربت الأنفاس وطفح العقل إلى درجة يمكن الإشارة بسهولة إلى أن” هذا هو خليفة الغنوشي” إذا لم يحدث ذلك واختارت النهضة التنافس الأعمى وما يعنيه من هستيريا وما يتخلل ذلك من الحملات الغنائمية، فالأغلب أنّ حظوظ الذين يرغبون في خلافة الغنوشي ستكون أقوى بكثير من حظوظ الذي يرغبون في إزاحة الغنوشي! والواضح أنّ أطراف حلبة النزال أو بصيغة أخفّ أطراف أروقة السباق منهم من يُكْبر الغنوشي ولا يستعجل رحيله لكنّه يتطلّع إلى ما بعد الغنوشي ويعتبر أنّه الأجدر من الذي سيأتي مكان الغنوشي وليس الأجدر من الغنوشي! فيما تعتقد شخصيّات أخرى أنّها أجدر من الغنوشي وتعلن منافسته ومناكفته وتستعجل انسحابه أو نهايته ولا يهمها إن كانت نهاية تسرّ الصديق أو تسرّ العدا، ولا تهتم إذا كان رمز الحركة الأول خرج من الباب أو من الشّباك أو من المغارة أو من خرم إبرة! المهم أن يسقط وكفى!.
هوسٌ بالمعارك مع خصوم الحركة
يبدو أنّ المناخ العامّ داخل حركة النهضة سيقبل من قيادة الحركة كلّ ما تتفق حوله و ترتئيه، المهم دون مشاغل تخدش الجسد المثقل، لأنّ القواعد في عقلها وذهنها مهووسة بالمعارك مع خصوم الحركة وبمعارك الثورة مع الثورة المضادة، وليس أسهل من تقديم أي بديل هادئ إلى قواعد لا يهمّها من يقبع خلف المقود بقدر ما يهمّها نجاح الحركة وريادتها، مع ذلك لا تبدو القواعد جاهزة للقبول بضرب أحد أكبر رموزها والعمل على إخراجه بشكل مخجل بعد رحلة نصف قرن، وبعد كلّ ذلك العطاء المتواصل المثمر.
لا لعقلية “نحن شرقيّ النهر وهم غربيّه”
لذلك قلنا ونقول وسنقول إن التحشيد للمؤتمر كمعركة فاصلة وكمحطة لتصفية الحسابات وكموعد يشبه يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، وإلى ذلك من إشارات التهديد والوعيد، لا يليق بحركة في تاريخ وعراقة النهضة، وعليه يصبح من أوكد الواجبات التخلي عن عقلية “نحن شرقي النهر وهم غربيه” ومن ثم العمل على إطلاق حوار تاريخي تدخله جميع الأطراف بمسؤوليّة وتجرد وتستعد إلى تقديم كلّ أنواع التنازلات وينتهي فيه التهديد بإسطوانة أردوغان الذي جرّح وجدّد، كما يجب أن ينتهي إغراق السوق النهضاوي بإسطوانة مهاتير الذي عاد في التسعين ليضع القطار المنحرف على السّكة وينقذ الأحداث من العبث بإرثه المجيد… فلا الغنوشي ركد حراكه حتى يؤردغوا منصبه، ولا النهضة عقرت حتى تصبح أفرغ من فؤاد أم ماليزيا.