“عاصفة السّلام” في ليبيا وأثرها على تونس
تشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية تقريرًا أعده الباحث التونسي، الدكتور محمد التومي، حول تأثير المستجدات الأخيرة في ليبيا، وأثرها على تونس.
وكانت قوات حكومة الوفاق الليبية بقيادة فائز السراج شنّت فجر السبت 18 أفريل 2020 هجومًا كاسحًا على معاقل قوات خليفة حفتر حول طرابلس، وتمكنت من استرجاع مدن مهمة صرمان وصبراطة والعجيلات وزلطن ورقدالين والعسّة بعد أن أحكمت الطوق على ميليشيات حفتر.
واختار الدكتور محمد التومي “عاصفة السلام في ليبيا: وأثرها على تونس” عنواتًا لهذا التقرير.
عاصفة السلام في ليبيا وأثرها على تونس
الدكتور محمد التومي
ملخّص:
معركة فاصلة تدور رحاها منذ صباح السبت 18/04/2020 في محيط مدينة ترهونة آخر معاقل قوات خليفة حفتر حول طرابلس، بعد استرجاع ثوار عاصفة السلام مدن مهمة صرمان وصبراطة والعجيلات وزلطن ورقدالين والعسّة. وقد أحكمت قوات حكومة الوفاق الطوق على مليشيا حفتر، ويعدّ ذلك تحوّلا كبيرا في معركة طرابلس وتغيّرا مهمّا في الصراع بإنهاء وجود حفتر بالغرب الليبي وانتقال المعارك باتّجاه الجفرة موطن الإمداد للغرب الليبي ثم سرت وخليجها النفطي. لكن باب السياسة ظل مشرّعا على الممكن السياسي نظرا لتشابك الخارطة القبليّة والإثنية في ليبيا وتعقيداتها وتحولات تحالفاتها السريعة، ظهر ذلك من خلال وفد بني وليد إلى مصراطة وإعلان الزنتان موالاتها للحكومة الشرعية مثلما فعلت غريان قبلها ويُرجح بعد سقوط ترهونة دخول كل قبائل الجنوب من التّبو بيت الطاعة.
مقدمة:
سيطرت حكومة الوفاق الليبية على ستّ مناطق متاخمة لطرابلس كانت تحت إمرة ميليشيات خليفة حفترتنضاف إليها مدينة ترهونة التي تعدّ مفصلا استراتيجيا في الصراع الليبي الليبي به ما بعده في هذه الحرب التي ظلت مفتوحة تستنزف القوى الوطنية وتنسف ما تبقى من روح التضامن الوطني والوحدة المجتمعية والمبادئ العامة التي تنصهر فيها المجموعة الوطنية أمام الملمات، والحال أن أمما تكالبت على ليبيا طمعا في ثرواتها المتكاثرة.
1/ عاصفة السلام: التحولات الميدانية في الصراع الليبي:
قد كانت عملية “عاصفة السلام” التي شنّت قوّات حكومة الوفاق الوطني الليبية، في إطار تحولات جيوسياسية لعبت فيها تركيا دورا مهما في الإمدادات العسكرية الفاعلة التي تمكنت من تحييد سلاح الجو الإماراتي والمصري المتهالك الذي روّع الليبيين الآمنين في بيوتهم. وقد اتخذت العاصفة مسارات من محاور عدّة، على تمركزات كتائب اللواء المتقاعد خليفة حفتر في منطقة الساحل الغربي، تمكّنت في بضع ساعات من بسط نفوذها على مدن تعدّ إستراتيجية وهي صرمان، صبراطة، مليتة، العجيلات، راقدالين، زلطن، الجميل، العسّة، لتلحق بها أم المدائن التي يعتمدها حفتر وهي ترهونة. والمؤكد أن قوات الوفاق سيطرت على مساحة إجمالية تقدّر ب3250 كم مربّعا. وهي منطقة ذات ثقل سكّاني كبير، تمتدّ من طرابلس إلى ممرّ راس الجدير، على الحدود مع تونس، وتكتسب أهمّيتها من انفتاحها على البحر، ومن قربها من العاصمة ووصلها بين غرب البلاد وعمقها الداخلي. وهي إلى ذلك فضاء تجاري/ اقتصادي حيوي. ويعد ضمها إلى مناطق الحكومة الليبية، في نظر مراقبين، خسارة كبرى لكتائب “عمليّة الكرامة”، ولها دلالات عدّة وتداعيات في مستويات شتّى.
وقد ساهمت قرقعة السلاح في تخويف قبائل ظلت مترددة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، من ذلك تراجع مقاتلي الزنتان عن ولائها للجنرال العجوز ومن قبلها غريان، واستعداد قبائل أخرى عن السير في ذات المسار، ولم يبق غير مدينة ترهونة، ومن ثمة تنظيف الطريق الرابطة بين تونس وطرابلس لتكون سالكة إلا من غباء بعض الساسة المتحكمين في الديبلوماسية العرجاء في تونس وقد أدت هذه الأحداث الفجئية إلى اندحار فلول المداخلة من صبراطة وهي التي تتلقى الأوامر مباشرة من الإمارات ومن ثمة زوال حلمهم في الوصول إلى تونس وإقامة إمارة مدخلية مغرقة في الولاء والطاعة للداعمين المتكاثرين على ليبيا الجريحة بفعل غباء بعض أبنائها من تركة عقود من التجهيل والتمييع والتسلط، وتبقى الخطوة الثانية بعد ترهونة وسرت، طبعا، القضاء على الدواعش المتمركزين في الجفرة، وتحرير قاعدة الوطية وخليج سرت معقل القذاذفة، لتكون الطريق بعد ذلك سالكة إلى حقول النفط ومنها إلى تحرير بنغازي مهد الثورة وشرارة الانعتاق. وبذلك يحقّ للشرفاء من التونسيين أن يطمئنوا في انتظار سقوط مليشياتهم الإعلامية الداعمة، ويحق للحفتريش أن يندبوا حظهم العاثر إلى الأبد.
لقد تمّ الهجوم بعد شهور من استقرار كتائب عملية الكرامة في المنطقة، واطمئنانها حتى دخلت في تراخ موهوم نتيجة تسليم مغلوط لأسباب القوة ووثوقية دوغمائية في سيطرتها المطلقة على الغرب الليبي تماما كما استتب لهم في الشرق واستكان. والمعلوم أن الهجوم تم بعد عام من استنزاف قوّة “الفتح المبين” على تخوم طرابلس. وفي وقت تنشغل القوى الإقليمية الداعمة لخليفة حفتر بمواجهة تحدّياتها الدّاخلية، وفي مقدّمتها معضلة فيروس كورونا المستجَد إذ ساعدت تلك المعطيات مجتمعة، ولو بشكل غير مباشر، قوّات “بركان الغضب” على كسب معركة الساحل الغربي.
والمعلوم أيضا أن الهجوم العسكري كان سريعا، دقيقا، خاطفا، مباغتا، اعتمد عنصر المفاجأة، والتنسيق بين الضربات الجوية والتقدّمات الميدانية البرّية، على نحوٍ أربك قوات عملية الكرامة التي لم تتوقع هجوما بتلك الكثافة، ولم تجد وقتا لترتيب صفوفها واستيعاب الصدمة، والرد بنجاعة على قوات “عاصفة السلام”، فبدت مشتّتة، ولم تصمد طويلا في المعارك، وتكبّدت خسائر جسيمة في العتاد والعدد. فيما فرّ آخرون نحو قاعدة الوطية الجوية، ووقع الكثير من المرتزقة أسرى في يد الثوار. ويبدو أنّ عوامل عدّة صنعت الفارق لصالح قوّة بركان الغضب، لعلّ أهمّها أنّ كتائب حفتر لم تكن على درجةٍ عاليةٍ من الجاهزية والحرفية، وذلك على خلاف ما يروّجه الإعلام الموالي لعمليّة الكرامة، ولم تكن لها عقيدة قتالية راسخة، ولا خطط إستراتيجية واضحة لإدارة المعارك على الميدان. وبدا أنّها تعاني من تقطّع خطوط الإمداد، ومن بُعد عن مقرّ القيادة المركزية، وليس لها غطاء جوّي ناجع. وعلى عكس ذلك، ظهرت قوّات “بركان الغضب” متماسكة، متكوّنة من شباب تمرّس بالقتال، لا يخشى الموت، بل يطلبه حثيثا مقدمين في الوقت الذي يتراجع فيه مقاتلوا حفتر ويتقهقر جنده. وقد أبانت قوات حكومة الوفاق على السير وفق خطة عسكرية محكمة، كما تبدوا الروح القتالية العالية لهؤلاء المقاتلين إذ هم يعتقدون أنهم يدافعون عن قضيّة الثورة وعن مدنية الدولة في مواجهة مشروع الثورة المضادة وعسكرة البلاد بالرجوع بها إلى زمن القذافي. ومهّدت قوّات سلاح الجو الطريق لتقدّم كتائب “بركان الغضب”، واستعانت خصوصا بطائرات تركية مسيّرة ساعدت في الرصد والاستطلاع وتأمين الغطاء الجوّي. كما أنّ معركة طرابلس استنزفت الخزّان البشري لكتائب حفتر، وجعلت حضورها في الساحل الغربي والجنوب باهتا. يضاف إلى ذلك أنّ انتقال قوّات حكومة الوفاق الوطني من الدفاع إلى الهجوم كان مفاجأة أربكت عناصر عمليّة الكرامة، وتمكنت من صنع الفارق لصالح قوات حكومة الوفاق.
وبنفس السرعة التي اعتمدتها قوات بركان الغضب في اجتياح المدن الست تدخل بها ترهونة أعتى المدن الخارجة عن الصفّ والموالية لحفتر. وتُعدّ ترهونة من ضمن المدن الأكبر في ليبيا مثلها مثل الزاوية وطرابلس ومصراطة وبنغازي… وهي تحوي سدس سكان البلاد وقرابة ثلث سكان طرابلس هم من التراهنة..وبذلك فإن إخضاع هذه المدينة سيمثل نقلة فعلية في طريق تحرير الوطية التي اكتفى ثوار بركان الغضب بمحاصرتها تمهيدا لاجتباحها ولكن بعد تحييد ترهونة التي يمكن أن تكون ملجأ للهاربين بصعب النفاذ إليهم دون خسائر في الأرواح .إذ مازالت ترهونه حاضنة لميليشيات اللجان الثورية ومرتزقة حفتر يحق عليها نكتة الليبيين أن التراهنة أنشأوا أول محمية للطيور في أرضهم واكتفوا بتسييجها بالأسلاك الشائكة دون أن يجعلوا لها غطاء ساترا … ومن خلال إستراتيجية دخول الثوار إلى المدينة من اتجاه واحد هو طريق غريان. يبدوا أنهم راعوا فيها النفسية الاجتماعية لسكانها…
وستكون الطريق سالكة بعد الانتصار مباشرة إلى الجفرة وسرت فالمرافئ النفطية ..ولعل الطريق حينها ستُمهّد إلى بنغازي شرارة ثورة فبراير التي دفعت الثمن من قبل فلول المرتزقة غاليا بقيادة العجوز حفتر.
إن انتهاء المرحلة الأولى من عاصفة السلام سيكون لها ما بعدها كما يصرح قادة الثوار من أمثال قنونو وكذلك القيادات السياسية مثل المشري وباشاغا والجويلي بأن المرحلة القادمة لن تقف عند حدود إقليم الجنوب بما في ذلك الجفرة بواحاتها التي تحوي جموع الدواعش الذين نقلوا إلى ليبيا بتفاهمات بين بشار والسيسي وبوساطة قذاف الدمّ المقيم في مصر والذي طالما أثنى على الدواعش واصفا إياهم ب”أنهم إخوتنا وهم خيرة شباب الوطن.. الذين يُعتمد عليهم في المُلمّات”. وقد أكد المشري بأن المرتزقة الذين يستعملهم حفتر من الجنجويد ومن عموم السودان ومن جند السيسي وشركة فاغنر الروسية وميليشيات القومجية بما في ذلك كتيبة الابراهمي ..الخ، سيلقون جزاءهم الذي يستحقون، وأكّد السراج في رسالةإلى العواصم المتآمرة إن أبناءكم الذين بعثتم بهم ليموتوا في العدوان على أرضنا سنعيدهم إلكيم في توابيت رفقة وثائقهم الثبوتية….مدرعاتكم التي بعثتم بها صارت رمادا، وما سلم منها صار في قبضتنا سنحفظها في متحف الحرب لتظل شاهدا على غدركم، ولتلعنكم الأجيال مدى الدهر، إن ذخائركم التي قتلت أبناءنا، وطائراتكم التي دمرت مدننا بغطرسة، ستحاسبكم عليها شعوبكم قبل أن يحاسبكم التاريخ أما نحن، فحتى آخر جندي سنقاتلكم، ونبشركم بأن مخططاتكم ذهبت أدراج الرياح، وأن محاولتكم لتعطيل ” عاصفة السلام ” بالهجوم على أبو قرين فشلت، واليوم نستعيد السيطرة على مدننا المخطوفة في صرمان وصبراتة،ونبشر كل الليبيين الشرفاء، أننا ماضون إلى مدننا المختطفة، لرفع الظلم عن أبنائها، وعودة مهجريها، ونبسط سلطان دولتنا على كامل ترابها وبحرها وسمائها، وستحفظ ذاكرة الوطن من مد لنا يد العون، ومن طعننا في ظهورنا ومن لا يعرف الليبيين فليقرأ التاريخ وعلى كل البغاة ، تدور الدوائروسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.
2/ التحولات السياسية بعد عاصفة السلام وارتباك المانحين لحفتر:
إنّ هذه العاصفة تأتي بعدما نسف خليفة حفتر ومن والاه كل الجهود الدولية في محاولاتهم لإيجاد حل للأزمة من مؤتمر غدامس إلى السخيرات إلى جينيف وموسكو، دون طائل. ولكنه لسوء طالعه الذي رافقه منذ هزيمة وادي الدوم فلا هو ربح المعركة ولا قبِل بسلام الشجعان، رضوخا لإرادة شعبه، وظل معتقدا أن فتح طرابلس فسحة يؤديها جنوده من شرق البلاد إلى غربها. والعجيب أن الغرب من داعميه صدّقوه وأمهلوه كما لم يمهلوا من قبله صفيّا أبدا وأوعزوا إلى خادمهم المطيع محمد بن زايد أن يمدّ له في المدد من المرتزقة والسلاح والأموال، لكن قواته أخفقت في جميع المحاور التي قاتلت فيها، و وفق التقرير الأخير للجنة الخبراء بالأمم المتحدة، فإنها تقرّ بعبثية هذا الصراع الذي لا طائل منه، وتقرّ أيضا بوجود المرتزقة من تشاد والسودان وروسيا ومصر دخلوا ليبيا بعقود من شركات أمنية إماراتية وروسية بهدف تعزيز مختلف نقاط الارتكاز التابعة لقوات حفتر في الجنوب والغرب، ولكن قوات الكرامة خسرت المعركة قبل بدايتها وظل القذافي الجديد يتعشّق ذاته الملتهبة وهو الذي لم يغادر مرتبة ضابط صف حسب تصريحات المارينز الذين آيسوا منه رغم ضيق البدائل،وقد ظلّت الجبهات مستعرة بالليل ولكنها منفتحة على المجهولفي النهار يقودها ضباط مدمنون لا يرون الواقع إلا بعين مرتخية تهوّم في قضاءات بعيدة، إضافة إلى عدم الثقة في الحاضنة الاجتماعية التي خبرت هؤلاء المرتزقة من ساكنة السجونوملّت الحرب واقتتال الليبيين دون طائل أو هدف مقنع .
من المنظور الإستراتيجي تعدمنطقة الساحل الغربي امتدادا جغرافيا حيويا محاذيا للعاصمة، وهي متنفّس اقتصادي لطرابلس، وشريان تتدفق منه الإمدادات الغذائية والمواد الاستهلاكية إلى سكّانها، وهي طريق مسترسل، يؤمّن المبادلات التجارية بين ليبيا وتونس. والمنطقة من الناحية الأمنية هي الخاصرة الغربيّة لطرابلس، وتأمينها من تأمين العاصمة بالضرورة، ولذلك بادرت قوّات “بركان الغضب” التابعة لحكومة الوفاق الوطني بتحريرها من قبضة كتائب حفتر. ولم يكن اختيار بنك الأهداف اعتباطيّا، بل كان دقيقا، ومحكوما بغاية تأمين الشريط الساحلي الغربي، وفكّ الإسار عن العاصمة.
فمن الناحية السياسية، أدّت التطوّرات الميدانية في منطقة الساحل الغربي إلى انحسار مشروع عسكرة الدولة الذي يقوده خليفة حفتر بدعم مباشر من نظام السيسي ودولة الإمارات رمز الثورة المضادة، وقد انحسر فعلا في المنطقة الغربية وهو في طور الاندثار الأبدي في انتظار القضاء المبرم على هذا الوباء في الشرق الليبي. وقد ثبت أن معظم الليبيين يرفضون استعادة النظام الشمولي الذي طالما اكتووا بناره، ومن ثمة الارتهان لهيمنة شخص أو أسرة أو قبيلة معيّنة، بل يميل جُلّهم إلى بناء نظام جمهوريديمقراطي، يضمن حقّ الاختلاف، والحرّيات، والتداول السلمي على السلطة بالارتكان إلى صندوق الاقتراع، لا إلى صندوق الذخيرة. وستدعّم كل هذه الانتصارات التي خاضتها “عاصفة السلام” موقف حكومة الوفاق في مسار التفاوض الذي تقوده الأمم المتحدة لتسوية الأزمة الليبية، وستعزّز احتمال استبعاد حفتر من مفاوضات الحلّ السياسي للصراع الدائر بين شرق ليبيا وغربها، خصوصا أن حكومة الوفاق، ومراقبين، أصبحوا يعتبرون الرجل جزءا من المشكل، لا جزءا من الحلّ، إذ في رصيده من نقض الهدنة ما يكفي لعدم الاطمئنان إليه،إضافة إلى رفضه المتكررلوقف إطلاق النار، وعدم توقيعه في جلسات التفاوض السابقة في عواصم مختلفة على مذكّرات التفاهم بين الطرفين المتنازعين لحلّ الأزمة سلميّا. بل مضى في تبنّي الخيار العسكري، والاستقواء بالأجنبي، لفرض أجندته على الاجتماع الليبي. وبدا واضحا أنّه لا يطمح إلى أن يكون جزءا من المنظومة الحاكمة. بل يريد أن يكون الحاكم العسكري لليبيا، ما يعني إعادة إنتاج ديكتاتور جديد. وفي هذا السياق، قال رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، في مقابلة صحفية “ليبيا لا تريد ديكتاتورية أخرى.. ولن أجلس بعد اليوم للتفاوض مع حفتر بعد الكوارث والجرائم التي ارتكبها بحق جميع الليبيين”.
3/ صدى عاصفة السلام في تونس وأثرها على السياسة الخارجية :
أمام هذه الانتصارات المدوّية على طول الساحل الغربي تتزايد أعداد القادمين من التونسيين من مختلف المناطق الليبية إلى معبر رأس جدير دون أن تسمح لهم السلطات التونسية بالعبور بسبب تخوفات من اندساس مقاتلين من ميليشيا البراهمي القومجية التي انتقلت من سوريا إلى الشرق الليبي الذين دفع بهم حفتر إلى الخطوط الأمامية في محاولة “فتح طرابلس” على حدّ زعمهم ..وقد تعالى صياحهم في الأسابيع الفارطة لمّا هددوا باجتياح تونس وتقتيل أهلها الآمنين، ولكنهم سرعان ما تركوا أماكنهم ليفروا إليها طلبا للحماية بعدما انكشفت عوراتهم وألقى بهم حفتر في العراء أمام زحف ثوار “عاصفة السلام” من ثوار فبراير ومن الماكثين على العهد ضد ناكثي العهد الذينقبض على بعضهم رفقة آخرين من المرتزقة الذين باعوا أنفسهم للشيطان..ومن المؤكد أن أسماء هؤلاء الإرهابيين وصلت إلى الأمن التونسي ولكن المؤكد أيضا أن جوقة الإعلام النوفمبري المتباكي على أنظمة العسكر لن تهتم بأحد أهم الخيوط في موضوع التسفير إلى المناطق الساخنة الذي طالما عقدت له البلاتوات وتنادت له جموع من المرتزقة التي تشهر اللسان والقلم حسب الطلب. إضافة إلى الضعف المستكين الذي أصاب السياسة التونسية في عمومها ونخصّ السياسة الخارجية، التي سقطت في وهدة تتجاذبها كماشة المصلحة والإيديولوجيا. ولعله لا يختلف عاقلان على ضعفٍ أصاب السياسة الخارجية نتيجة الارتجال وسوء الاختيار والتسليم بالحدّ الأدنى من الجهد الدبلوماسي، وقد لاحظنا ذلك في الملف الليبي حتى بانت أعواره بالتسليم لجماعة حفتر لتكون الجوقة متناسقة بين الخارجية والدفاع والإعلام النوفمبري ضدّ فوبيا “الإسلام السياسي” و”أبناء الغنوشي” وفق رؤية تسطيحية عرجاء تغضّ الطرف عن شرعية حكومة الوفاق التي اكتسحت حصونهم الجوفاء ولن تتوقف إلا بتحرير كل الأراضي الليبية وتصدّ الأطماع المتربصة على حدودنا الجنوبية أمام جنوح فئة من الناس باعوا شرفهم وعرضهم في سوق النخاسة، وأصبح الوطن في مهب رياح عاتية تفتح على المجهول وتفرض إعادة النظر في السياسة الخارجية ومآلاتها بعد جائحة كورونا التي قدّمت للإنسانية فرصة تراجع فيها بعض المسلمات التي أوصلت الإنسان إلى مطبات عاتية.
خاتمة:
إنّ هذه الحملة العسكرية التي تشنها حكومة الوفاق على مليشيات الجنرال العجوز الذي أوغل في دماء الليبيين دون أن يراعي فيهم إلّا ولا ذمّة قد بدأت تؤتي أكلها بعد تدخل تركيا بالإسناد الجوي الذي أربك الطرف المقابل وأحدث ميلانا سريعا لصالح الثوار ، وقد كانت الأجواء الليبية قبل ذلك حكرا على الطيران المصري والإماراتي والروسي، ولذلك فإن سقوط هذه الميليشيات كان مدوّيا وسريعا ولعل ذلك يعود إلى عدم التناغم بين مختلف الفرق الميليشياوية المنتسبة إلى جنسيات مختلفة من السودان والروس وعسكر بشار وضباط للتدريب والتوجيه من فرنسا ومن الإمارات، إضافة إلى غياب كلي للعقيدة القتالية التي تحضر في مثل هذه الملمّات والجهل المطلق لجغرافية المنطقة ..يضاف كل ذلك إلى الشراسة القتالية التي يُبديها الثوار ، وروح التضامن غير المسبوق بين مكونات المجتمع المدني الليبي والتفافهم على القيادة السياسية لحكومة الوفاق، كل تلك المسائلمجتمعة أحدثت الفارق لصالح الثوار وأعطت أكلها سريعا على كل الساحل الغربي ومكنت المقاتلين في عاصفة السلام من دربة يحتاجونها فعلا واقعا في الأيام القريبة القادمة في تعميم السلام على كل شبر من أرض ليبيا بعد قطع دابر المرتزقة الذين مثلوا معولا للهدم في بلد يجنح أهله للسلام.