هل أعلن اتحاد الشغل الحرب على وزير النقل؟
كتب الأستاذ نور الدين الغيلوفي مقالًا تحدث فيه عن حرب قائمة بين اتحاد الشغل ووزير النقل بعد أن كشف هذا الأخير عمليات فساد عديدة، ومنها إصلاح محرّكي إحدى الطائرات ومكتب “تونيسار” في فرنسا.
وعاد الغيلوفي بالتحليل لتصريح للأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي إلى إذاعة “رباط أف أم”، الذي تحدث فيه عن عديد النقاط، منها أنّ “وزير النقل أصبح جزءًا من مشاكل عديدة، ستوتّر المناخ الاجتماعي في البلاد”.
وكان وزير النقل أنور معروف، أعرب عن صدمته من وجود 50 ممثلًا عن (Tunis Air) في فرنسا، بينما (Air France)، مثلًا، لا تملك سوى ممثل واحد في كامل شمال أفريقيا.
وجاء مقال الأستاذ نور الدين الغيلوفي، كاملًا:
صرّح نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل قال:”
- على هذه الحكومة ان تعرف أن الاتحاد ماهوش عسكر كردونة وحكاية الاقتطاع ملف أُغلق نهائيا ولن يتكرر لا في ماي ولا في جوان.
- وزير النقل للأسف أصبح جزءا من مشاكل عدة ستوتر المناخ الاجتماعي في البلاد.
- لا أعرف ائتلاف الكرامة ولا أريد سماع هذا الاسم، والفقاقيع لن نكترث لها ولتصريحاتها.
- العمال ضحوا بما فيه الكفاية وبما يمليه عليهم واجبهم الوطني، فبماذا ضحت الحكومة وأباطرة المال؟
(هذا ملخَّص التصريح من صفحة الاتّحاد.. وقد صحّحتُ ما أمكن من النصّ)
تعليقنا على أقواله المتعاودة التي لا تنتهي:
يحتاج الطبّوبي، في كلّ يوم من أيّام الحجر الصحّي، إلى أن يتكلّم ليثبت وجوده.. وهل له شيء غير الكلام يعمله؟.
الجراية التي يأخذها ولا أحد يعلم بمقدارها إنّما ينالها على كمّ الكلام الذي يقوله.. وليت له عقلا راجحا يفاد منه ينطق عنه أو لسانا مستقيما مبينا يستحقّ بفضلهما أن يكون في مقام فرحات حشّاد، رحمه الله، أو حتّى في مقام مَن دونه… ولكن “النار تخلّف الرماد”…
النقطة الأولى
التي ذكرها الطبّوبي لا معنى لها إلّا ما يبدو منها من تطاوس على الحكومة تحتاح قيادة الاتّحاد إلى أن تبدوَ عليه مع كلّ حكومة من الحكومات التي جاءت بعد الثورة.. ولم نر لها من ذلك شيئا قبل هروب المخلوع من البلاد… ومنذئذ تحوّل الاتّحاد إلى مارد يبطش بكلّ من يقف في طريقه أو يذكر أحد قياداته بما يستحقّ من وصف..
أمّا ذكره لموضوع الاقتطاع فمجرّد ذريعة لتسويغ التهديد إذ الاقتطاع كان في الأصل بطلب من الاتّحاد ولا أظنّه أمضى مع الحكومة على أكثر من يوم من أجورنا إلّا أن يكون في الأمر اتفاق سريّ بين الطرفين ثمّ بدا له أن يتراجع عنه!.
النقطة الثانية
وهي بؤرة الخطاب.. وتتعلّق بوزير النقل الذي يبدو أنّه اطلّع على ملفّات فساد مفزعة صادمة حسب عبارته.. ويبدو أنّ هذه الملفّات تتعلّق أساسا بشركة الخطوط الجويّة التونسيّة التي يذكرها الأمين العام المساعد المكّلف بالإعلام سامي الطاهري دوما باسم الغزالة تمجيدا لها بحسبانها مفخرة البلاد رغم ما يتفّق عليه التونسيون من سوء سمعتها.. ومن عديد فضائحها…
قلت: يبدو أنّها ملفّات ثقيلة على صلة بقطط نقابيّة سمينة تعيث في البلاد فسادا وكلّ انكشاف لها قد يجرّ الوبال على قيادات نقابيّة تلبس لباس الملائكة لا يعرف الخطأ إليها سبيلا.. وكلّ مسؤول بوزارة النقل يقترب من تلك القطط يهيج عليه كبير الحيتان الأمينُ العامُّ نفسُه…
فالوزير لا يمكن أن يُحظى برضى المعبد النقابي إلّا متى سار بجنب حائطه حذِرًا لم يلتفت إلى ما يصنع السدنةُ.. ولا ينطق حتّى همسًا… ومن غباء الأمين العام للاتّحاد تصريحُه هذا مباشرة بعد أن قال الوزير ما قاله بشأن “صدمته” بما عرفه.
لا أظنّ أحدًا بقي يشكّ في أن اتّحاد الشغل بات بؤرة فساد… استغلّ ضعف الدولة ليعيث في البلاد لا رقيب ولا نظير.. ولا ضمير.. ومن يأتي هؤلاء بالضمير وقد ظلّوا، طويلًا، نياما في مخدع المخلوع يشربون من تحت رغوته؟.
لا تغرّنّكم خطاباتهم الطهورية.. فقد حفظوها من المخلوع ظلّ أطهر الخلق وسيّد الحقّ حتّى يوم هروبه.. وقد عرف الشعب ما عرف منه بعد هروبه…
لقد فضح الأمين العام نفسه بغبائه.. فكلّ ضغط على وزير النقل سيفهمه الشعب التونسي هذا الفهم.. الشعب لم يعد ينتظر من الوزراء إنجازًا أكبر من محاربة الفساد.. وكلّ ارتياب لقيادة الاتّحاد من تحرّك لوزير سيكون ذا صلة بملفّ من ملفات الفساد في اتّجاه دعمه (الفساد) أو دعم الحرب عليه..
النقطة الثالثة
لا يفلت الأمين العام الفرصة ليعبّر عن كونه صغيرًا عابثًا.. والصغار لا يستحقون أن يكونوا من فواعل اللحظة وإن لبسوا ثياب الكبار.. ولو كان للرجل حظّ من عقلٍ لسكت عن النقطة التي يبدو أنّها تمثّل له جرحًا ملازمًا ووجعًا ممضًّا…
يعلم السيد الأمين العام أن ائتلاف الكرامة الذي فاز بعدد محترم من مقاعد البرلمان، لم تحظ به الأطراف التي تعتبر الاتّحاد من جيوبها، إنّما فاز به بفضل خطاب تحدّيه للاتّحاد الذي أعجز الكلّ وقهر الجميع بدعوى أنّه “أقوى قوّة في البلاد”…
فجرأة ائتلاف الكرامة على الاتّحاد جعلت منه رقمًا محترمًا في المعادلة السياسية القائمة.. ورصيده من الناخبين إنّما يتكون من جمهور السّاخطين على قيادات الاتّحاد الضائقين بأدائها.. وبدل أن ينخرط هؤلاء في تصحيح أدائهم وتقويم خطابهم صونًا للمنظّمة وحفظًا لسمعتها، نراهم يهربون إلى الأمام ولا يعترفون بفساد أحد منهم كأنّهم منزَّهون عن الخطإ.. ويطلقون عياراتهم على كلّ ناقد لهم…
النقطة الرابعة
يتحدّث الأمين العام عن تضحية العمّال…
لا شكّ في أنّ الكادحين هم أكثر الناس تضحية في البلاد.. ولكن تضحيتهم إنّما هي بسبب منزلتهم بين طرفين تضافرًا على سحقهم:
الطرف الؤجِّر الذي يسرق جهودهم ويأكل عرقهم ويمنعهم حقوقهم أمام جحيم غلاء المعيشة وضعف القدرة الشرائية…
والطرف النقابي الذي يجعل منهم متاريس وقاية له ودروعًا بشرية في حربه التي لا تنتهي على الحكومات المتتابعة لفرض سطوته ودوام ابتزازه…
لقد ضحّى العمّال كثيرًا… فبماذا ضحّى السيّد الأمين العام وجمهور النقابيين المتكلّمين؟. ماذا قدّموا للبلاد وثورتها وديقراطيتها واستقرار دولتها أمام العواصف التي ينسلّ بعضها من بعضٍ؟.
أخشى أن يكتشف التونسيون يومًا أنّ منظّمة الاتّحاد العام التونسي للشغل، ببلطجية قياداتها، هي أعلى مرحلة من مراحل الاستعمار… الدولة تحكم البلاد.. ولكنّ الاتّحاد يختطف الدولة ويحتلّ البلاد.. يفعل ما يريد.. لا قانون يردعه ولا ضابط يضبطه…
وإذا نقدت شيئًا من أدائه كنتَ أنت العدوَّ العميلَ المتآمرَ وأخذوا في عدِّ ما تقبض بالعملات سهلها وصعبها”.