أخبار عربية

خواطرُ مُبدعٍ: يومٌ رمضانيٌّ في حياةِ البدوِ البسيطةِ

عاد الأستاذ المبدع مصباح شنيب ليؤكد تشبثه بماضيه المفعم بذكريات الطفولة المشبّعة بحياة البدو، وطرق عيشهم.

ذكريات يعود إليها من حين إلى آخر ليسلّط عيها أضواء مفعمة بما اكتسبه من تاريخ طويل، طوال سنوات الدراسة والعمل، بعيدًا عن حياة البدويين، في حلّهم وترحالهم.

وهذه تدوينة الأستاذ مصباح شنيب: 

ذكريات مستعادة من زمن بعيد

 

على وجه أرض شبه قاحلة ترتفع خيمة مفردة بها قليل من الزاد وأواني طبخ محدودة لا تصلح إلا لإحضار أطعمة معدودة وأمامها مراح يسع بضع شويهات عجفاوات في بيئة أغلب أيامها جدب يجلو قشرة أرض شهباء لا شية فيها.
تعمّر الخيمة أسرة قوامها أفراد أربعة أبوان وطفلان، الأب وأكبر الولدين يرعيان الشويهات ويتخيران لها بعض المواضع التي عفت فيها الرياح عن عشيبات يابسات وبقايا هشيم من حصاد قديم.
الأم جهدها موزع بين رعاية الابن الأصغر وإعداد إفطار رمضان، وهو لا يعدو أن يكون وجبة من رقاق الخبز، يُطهى على صفيح من الحديد، ومرق به قطع صغيرة من البطاطا وخضر قليلة.
والأهم من هذا كله إحضار كل لوازم الشاي من برّاد وكؤوس صغيرة الحجم وسكر وأوراق التاي الأخضر وتنظيف الكانون بإزالة ما رسب فيه من رماد الليلة المنقضية، ثم إشعال النار قبيل الغروب حتى يتمّ الحصول على قدر كاف من الجمر يكون كافيًا لطهي الشاي الذي يوضع على النار قبيل موعد الإفطار حتى يكون جاهزا مع حلول المغرب.
الشاي فاكهة البدو لا يقبلون بتأخر ميعاده فهو العنصر الذي يتعين ألّا يغيب عن مائدة الإفطار البسيطة بساطة حياة البدو.
عندما تدنو الشمس من مغيبها، يسوق الأب وابنه الأكبر الشويهات إلى مراحها فتتشكل في صورة خيط هندي مستقيم وتتجه صوب معلفها مثيرة غبارًا كثيفًا.
إعداد الطعام
ولا تشذّ عن ذلك إلّا بعض رؤوس الماعز التي يتولى الأب رميها بعصاه حتى تنسجم مع بقية القطيع، وكثيرًا ما تنال هذه العنزات النصيب الأوفر من الشتم بفعل ما تسببه للرعاة من مشقة في ملاحقتها حتى لا تنقطع عن مسارالقطيع فتستفرد بها الذئاب.
لحظة الغروب تكتسي أهمية بالغة إذ يتعيّن على الجميع متابعة رحلة الشمس في غيابها عن البسيطة لتقدير توقيت الإفطار في غياب امتلاك الساعات الميكانيكية في ذلك الزمن.
ساعة الإفطار يسود الخيمة هدوء تامّ لا تقطعه إلا حركات الأكل وصبّ الشاي في الكؤوس وتذوّقه في كل مرة للتثبت من استوائه للترشف، وحركة اجترار الأغنام لما خزنته من مرعاها خلال النهار.
ويسدل الليل ستاره على المكان، فيغمره بظلمة داكنة لا تضيئها إلا ألسنة النار التي يتجدد إشعالها حينًا بعد آخر للتدفئة وتوفير الجمر لطهي الشاي مؤثث السهرة، ومعالج أوجاع الرأس بما يضخّه من سكر في الدم بعد صوم يوم كامل.
Views: 1

Midou

A professional journalist and blogger who has worked in several newspapers and websites

Related Articles

Leave a Reply

Back to top button