أخبار عربية
علي العريض: لائحة الاعتذار من فرنسا جاءت في غير وقتها
رئيس الحكومة الأسبق علي العريض
بسم الله الرحمان الرحيم
لاشك أن الاحتلال هو أفظع وأبشع جريمة تسلطت على شعوب كثيرة وفي مراحل متعددة من التاريخ.وجرائم الاستعمار لا حصر لها.
ورغم تفاوت ضراوتها من محتل لآخر فإن كل احتلال يقترن بجرائم القتل وجرائم التعذيب ونهب الثروات وجرائم الاستغلال والإذلال والدوس على الكرامة.
تونس كان حظها من الاستعمار الفرنسي المباشر ثلاثة ارباع قرن (75 سنة) من 1881 الى 1956.
وحتى بعد الاستقلال خاضت بلادنا عدة معارك ضد المحتل في الجنوب وفِي الشمال كان آخرها معركة بنزرت في جويليه 1961 والتي أدت الى خروج آخر جندي فرنسي من الجمهورية التونسية في 15 أكتوبر 1963 وصار ذلك التاريخ عيدا وطنيا سنويا ـ عيد الجلاء.
بعض الدول طالبت باعتذار رسمي من الدولة التي احتلتها وحصلت عليه، وبعضها طالب ولم يحصل بعد، وبعضها لم يطالب بعد.
وهذه الدعوة ـ طلب الاعتذارـ لم تكن ولا يجب أن تكون داخلة في التجاذب السياسي أو المزايدة الحزبية لأنها مسألة كبيرة وتتعلق بالمصالح العليا للوطن وعلاقاته الخارجية وأمنه القومي، وتتعلق بالماضي والحاضر والمستقبل وبالتالي فإنّ طرحه يجب أن يكون في وقته المناسب وليس قبل أن تتهيء له الظروف والمستلزمات القانونية والسياسية.
إنّ صدق النوايا والمقاصد إذا توفرت لا يكفي وحده في مثل هذه القضايا الكبرى في السياسة الخارجية لأنه لا يعصم من خطأ التقدير السياسي ومن الزجّ بقضية جدية من هذا الحجم في أتون الصراعات الحزبية من ناحية ومزيد إشغال البلاد عن أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية وإضعاف وحدتها الوطنية التي تتعرض إلى امتحانات كبيرة وتحويل بوصلتها إلى ما يضرّ ولا ينفع.
إن طرح هذه المسالة اليوم وفي هذه المناخات والأوضاع الوطنية التونسية ـ والفرنسية ـ ودون أيّ تنسيق واتفاق بين أهم مؤسسات الدولة ـ وحتى المجتمع المدني ـ ودون إعداد قانوني وتقدير سياسي سليم لا أتوقع أن ينتج عنه غير الأضرار بمصالح تونس والتونسيين وعلاقاتنا مع الدولة والمجتمع الفرنسي والزجّ بهذه العلاقات المتعددة الأوجه في أتون المزايدات والتشويش، علمًا وأنّ فرنسا هي أول حريف لتونس وأول مزوّد لتونس وأكبر مستثمر في تونس ويقيم فيها قرابة المليون تونسي وتونسية الخ..
وفِي ضوء ما سبق وغيره فإنّي ومن منطلق الغيرة على مصالح تونس أعتبر أنّ هذه اللائحة جاءت في غير وقتها ودون توفر شروطها ولا الظروف المناسبة لها ولا تشارك مؤسسات الدولة ولاسيما رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية الخ فيها.
كما أراها مضرّة بالمصالح العليا لبلادنا في تونس وفِي فرنسا على الأقل.
وأرجو من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية القيام بما يتعين في الغرض.
كما آمل أن ينتبه أعضاء مجلس نوابنا الموقر والحكماء من أعضائه، فضلًا عن رئاسته إلى مختلف جوانب هذا الموضوع لإعفاء تونس مما هي في غنى عنه.
Views: 0