أخبار عربية
د. محمد ضيف الله: “الزِّرْسِينْ” في سِتِيّنَات القرن الماضي
الزِّرْسِين في الستينات (1)
الدكتور محمد ضيف الله
في الزِّرْسِينْ، حُوشنا كان في وَسْط البلاد تقريبا، شَرْﭬِـي الجامع، بِينْنَا وبِينَه حُوش أولاد عبد الرَّحَمان اللّي هُمْ من عَرْشْنا. كنا نُسْكْنُوا في سِـﭬيفة بحريّة من خَشَب النّخَل، والخشب كان مملّس بالزّبس كيما يجي. باب السّـﭬِيفة اللي ما تِدْهَنْش بالكُل، معمول من صْـﭬُـص لُوح مِش ﭬَدْ بعْضْها لا في الطُّول ولا في العُرْض ولا في الغُلُظ، وباطْحِين فُوﭬها في الوسط صِفِيحَة حديد مْصَدّدة. والباب ما يِتْحَلّش للّخِّرْ، على خاطر كان وْرَاه مُحْصَال في شكل مثلث تقريبا، نحُطّوا فيه النُّوَى. والسـﭬيفة من داخل كانت مَـﭬسُومة بزُوز خَوَابِي، واحدة ع اليمِين عَالية ولُخْرَى ع اليسار وَاطْية، نتفكر أمّي كي تحُط فيها الخَلَطْ من مَزْرَعْنا الشرﭬـي مْخَلَّط بالزَّتُون، وبعد تْشِدْ ملحفتها لْسِيـﭬانْها مليح، وتدخل للخْوِيبْيَة تِرْفِسْ في التمر لِنْ يْوَلّي لَكْمُوت واحد، وكي نجُوعوا تخرّج مِنَّه باش ناكلوا. ما بين الخوابي الزوز مَحَط ذْرَاع، يْعَدّي للرُّكنة وِين الرﭬاد.
وكانت عندنا ﭬدّام السـﭬيفة، زِرِيبَة ظهراوية م الجريد تطيّب فيها أمي. نتفكر مليح، نهار عَارَكْها سيدي، عَ الغَدِي، وبعْد هُو خَشْ للسّـﭬيفة وهِي في الزريبة، بعدما جَابْ صُوتَه جَارَتْنا، حطّت أمّي الغَدِي، وكان مَرْﭬـة بطاطا، مْمَيْهَة، ﭬاتْلِي تَعَال كُول. ما زَوَّدْتِش، مدَّت لي البَطاطا تِعْرِفْنِي نحبها ياسر، ما حبّيتش نْمِد يدِي. ما كُنْتِش مْفَرِّز سبب العركة، أمَا كُنْت جَايْ عْمَاها هِي.
كان يُسكن في الحوش عْمَانا، عَمْ سيدي، الحاج عمّار، اللي مشى على كِرْعِيه للحِج، ويِحْكُوا عليه هُوَ ﭬرِيب يْعَوَّق عَ الخاطر وصل كي طُلْعُوا الحجاج العَرَفَات. الحاج عمار كانت عِنْدَه دار ﭬبْلية مِبْنِيّة م الطّوب، مقابل زِرِيبَتْنا ﭬَدْ ﭬَدْ. وشرﭬـي داره هُو، من جهة مدخل الحُوش، عنده زريبة غربية، تطيّب فيها عِيلْتَه خالتي بُوكة. ولاصـﭬـة داره من غرب دار أخرى، ﭬبلية، مبنية م الطوب زادة، دِيمَة مسكرة، هي دار خُوه عمّي مُصْبَاح بن ضيف الله، مسكّرها ع الخاطر نقَّل للكْلِيبِيَّة، ﭬبَل ما نِشْفِي أَنِي وإلا حتى ﭬبَل ما نِتّولد، ع الخاطر أعطُاته الدُّولة هِكْتَار في الكليبية اللي يسموها زادة العِمْرِي.
الكْلِيبِيَة والشُّكْرِيّة
الزرسين اللي نعرفها كانت الديار فيها مِش ياسر، وحُوش على حُوش، ما فيه كان السِّـﭬَايِفْ والزِّرَايِب، والأحْيَاش أكثرها وإلا الكُلْهَا مْلَوْذِين بالزْرُوبَة. يـﭬْول سيدي: بلاد يِحْكِم فيها عُود وﭬِيد، طِلِيـﭬة ترحّلها الكُل. الحَجَر متاع الجبل، ما كانش يدُور، ما كان ثمّ حتى حُوش مِبْنِي بيه ولاَّ بالياجور ولاَّ بالسِّيمان، وهو الجامع اللي نِتْعَدُّوا حذاه كِي نْجُوا ماشْيِين للرحبة وإلا للعين، ما كانش مْلَيَّـڨ، وكان مِبْني من رِشَاد الطْوَيْبَة اللّي هو طُوب أحمر، أكْسَح من طُوب الكليبية. أما ثمّه اللي كان يبني بطوب الكليبية، ع الخاطر ما يَقْدَرْش يْجِيب رشاد الطويبة اللي هو كِرِّيطْتَه أغلى. نتفكر زادة أن جامع الزرسين ما كانش فيه صُمْعَة، وإنما دِرْجَات لاصْـﭬين الشُّوكَة الـﭬِبْلِية الغربية، يُطلع عليها عم محمد بالغريسي باش يِذِّنْ.
الزرسين كانت فيها ثلاث رَحَابي، لَوْلَى هي الرحبة الكبيرة التي تُوﭬف فيها البُوسطة، ظَهْرَتْها الأحياش وﭬبْلَتْها الغْيِب، وكان فيها حانوت وإلا اثنين، وموجودة فيها عِين المَكِينَة، اللي يُورْدِنْ منها النساوين الكل وكان مَاهَا بارد وحِلْو. والرحبة الشرقية حذا حْيَاش عرش الرّماضنة، وفيها عين اسمها عين صالح على اسم صالح بالرّجب، مَاهَا يخرج في حلـﭬوم حديد كبير، ويـﭬبّل يِمْشي في الـﭬناجير بالدُّور يسـﭬوا بيه الجر الـﭬبْلي والغربي حتى لأم الشّوكات. ورحبة في الجهة الشرﭬية، دايرة بيها الأحياش، فيها حانوت وإلا اثنين، وفيها زاوية سيدي بن عيسى متلفتة للشرڨ ولاصـﭬها نادي الشُّعْبة متلفت للظهرة، وفُوﭬـه علم تونس.
الزِّرْسِين في الستينات (2)
كِيفْ نْـﭬُولُوا الزّرسين نْـﭬُولُوا عين الزّرسين وما أدراك، وتِسَّمَّى زادة عين الـﭬَطُّوسِيَّة، عل خاطر يـﭬُولوا اللي كِشْفَتْهَا ﭬَطُّوسَة. كانت عين واسعة، بَحَرْ، ومَاهَا يهَرْهِر على طُول. كَانَت في وَسْطها ثلاث جُوَابي كبار، تِبِنَنْ من عهد فرانصا باش يُحْصْرُوا البَلالِيع متَاعْها، وكانت كل جابية عندها اسم، المْجَينِينَة من ظَهْرَة من شَرْڨ، كانت مغطية ومايْلَة وهذاك علاش يسمُّوها زادة المْصَلِيبَة، والبْحَبِيرَة من غرب وهي زادة مْغْطْيَة، وشَرْﭬها جابية واسْعَة اسمها البِيضَا، يعُومُوا فيها الذّرّ، ويرْتَاحُوا عل حَوَاشِيها، وكان اللّي يعرف يعُوم ياسِر، يُهْبط في المِي مِشْوَار، ويخَرِّج الرَّعَّاشِي م البِلَّاعة.
أني بعُمْرِي ما عُمْت فِي عِين الزِّرْسِين، أما غْرِﭬت فيها. نتفكر كان عُمري أربعة وإلا خمسة سنين، كنت مع بَنَاوِيت خالتي الـﭬدْرِيّة في الجّرّ الظهراوي، تعدّينا عَ العِين، باش نَشِرْبُوا. دخلت من ظَهْرَة مْنِين يدخلوا الزوايل باش يشربوا، حتى وصل المِي لرُكْبَيْ، وضِرَبْت المِي عَ اليمين وع اليسار باش يَصْفَى، وتَمِّيت نْحَفِّن ونَشْرَب، نْحَفِّنْ ونَشْرَب، لِنْ رْوِيتْ، وبَعْد تلفتت التالي باش نُمْرُڨ، لـﭬيت ﭬدامي راجل لابس كِدْوَارة بِيضَا وسروال عرْبِي أبيض ولاَفْ رَاسَه بلِحْفَه بيضا، وما بَيِّنْ منَّه كان وجْهَه كالليل، جايب بهيمَهْ باش يِسْـﭬيه، ودَاخْلِين للعِين منين تَنُخْرج بالضبط، والبهيم أسود بكُلَّه حتى نسنوسته. تْرُعْت، ما فَكَّرْت كان باش نُهْرُب، وما ثمّش وين كان المِي، ﭬبّلْت ورميت روحي. غْرِﭬت. وكٍي كبرت، عرفت اللي الراجل هاذاك من غريب اللي يحُطُّوا في الزرسين في الصيف باش يـﭬطعوا نخلهم، وهو اللي منَّعْني م الموت، ونفخني باش خرَج لِي المِي من بَطْني، ورجَّع لي النفس. وإلا كان يَطْرَالِي كِيما أُخْرِين غِرْﭬُوا في عين الزرسين، ومَاتُوا.
الزرسين ثَمِّيكَا ما كانِشْ فيها بُوسْطَة ولا تَلَفُون، ولا تْرَسِيتِي، ولا صبيطار، واللي يَمْرَض إمَّا يِمْشِي لدَشْرَة البليدات للظَّهْرَة وإلا لدَشْرَة نويل لـﭬبْلَة. نِتْفَكَّر هزَّتْنِي أمّي في شلامة لنويل على كِرْعِيها، تِمْشِي وتِرْتَاح، وعُمري أربعة وإلا خمسة سنين، وكانت عْمَانا مَرَا أُخْرَى، حتّى هِي مِرِيضة. كِي جِينا مْرَوْحِين مْشِيت على كِرْعَيْ وكُنْت حفيان، وساعة ساعة الثنية نلْـﭬُوها مَغَمُومة بالرَّمْلة السَّافْيَة. نِتْفَكَّر عُصْرَتْ عَلَيْ بطني، ﭬُتْ لأمِّي، وبعِدِت عليها هِي والمَرَا، وﭬحَّمْت نِرْتَاح، فُوڨ العرڨ شَرْﭬِـي الثِّنِيَّة. وهِنْ ما ﭬَصَّنْش حْكَايَاتْهِن حتَّى كَمَّلْت. وتْعَدِّينَا، نِمْشُوا نِرْتَاحُوا.
عين الزّرسين
الزرسين ما كانش فيها خضَّار ولا زَزَّار، النّاس كانوا ياكلوا الخُضرة من غْيِبْهُم، كابو وسلك ولفت. الحريث غابتنا في الجر الظهراوي الشرﭬـي نتفكر فيها الكابو، نوعين حاذڨ وهبيل. أما اللحم ما كنا ناكلوه كان في عِيدْ وإلا في رِزِيَّة وإلا كي يجينا ضيف. في الأعياد الناس تعمل ﭬَسَّامِيَّة، وريتْهُم في الرحبة، يذبحوا الشاة، ويِفِرْشُولْها الجريد لَخِضَر باش يسلخوها فُوﭬـه، ويـﭬسموا لَحَمْها أربع طُوَابِـڨ، ويـﭬَرْعُوا باش يفرﭬوها بِينَاتهم.
الزرسين ما كان فيها كان ثلاثة وإلا أربعة حوانيت، نتفكر منهن حانوت رِشِيد في الجِيهَة الشرﭬية وكان بابه أصفر، وفيه دُكَّانَة ع اليمين ودكانة ع اليسار، وحانوت الركن وسط الرحبة، كنت نِمْشي له وحدي ونشري منه حلوى ولا بَشْكُوط، ونتفكر مرة جارتنا الشادلية جَتْ لحُوشنا وطلبت من أمّي باش تبعثني نِشْرِي لها قضية م الحانوت، وكِي رجَّعْت لها الباقي خلّيت عندي دُورُو.
الزرسين زادة، ما كانتش فيها رَوْضَة ولا كُتَّاب ولا مَكْتَب. كِي وصل عمري ستة سنين، سيدي ما بِغَاش يخَشِّشْنِي للمكتب، عل خاطر البليدات بعيدة ع الزرسين بستة وإلا سبعة كيلومتر، وأنِي وٍلْدَه الوحيد، وكان خايف عَلَيْ مِ الذِّر لَيُضُرْبُوني في الثنية. وسمع باش يحِل مكتب في الزرسين العام اللِّي بعده، ﭬال ولدي يسْتَنَّى حتّى يخسر عام ما يسالش.
باش يِبْنُوا المكتب الناس أعطت كل قَدِير وقَدْرَه، منهم سيدي عْطِي جَدْي، وبعد ما تِبْنِي قِسْم، سْمِع اللي باش يَقْبلوا فيه التلامْدَة اللي يَقْرَوْا العام هاذاك سنة أولى في البليدات، واللي باش يدخل من جديد يلزمه يمشي للبليدات، من حِينَه ﭬال نْحَوّلُوا لـﭬبلّي باش نْقَرّي وِلْدِي. وحَوَّلْنا.
——————————
“الزِّرْسٍينْ” قرية جميلة تبعد عن مدينة قبلّي، جنوب غربيّ تونس، بنحو 30 كيلومترا، تحيط بها واحات نخيل دقلة النور من كل مكان.
وتضمّ ثلاث قرى وهي الزّرْسينْ وهي الأصل والشُّكْرِيَّه والكْلِيبِيَّه.
والزِّرْسِينْ من أجمل قرى نفزاوة، وبها أجود أنواع التمور.
Views: 2