أخبار عربية

لن يُلدغَ الرّئيسُ من نفس الجُحرِ مرّتيْن

حكومة “الرئيسي” الأولى ..

الأستاذ الحبيب بوعجيلة

 

بعد أقل من يومين نعرف “الأقدر” الذي سيكلفه مرة أخرى رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة الثالثة بعد انتخابات 2019 .

من المتوقع أن تكون في صندوق بريد قصر قرطاج قائمة أسماء تتفاوت حظوظها في نيل ثقة الرئيس بحسب المعايير التي سيعتمدها قيس سعيد هذه المرة في اختيار رئيس الحكومة التي تواجه تحديا رئيسيا هذه المرة وهو الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي لبلد يخرج مثخنا بعد معركة الكورونا وسنوات عديدة من العطالة الاقتصادية وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي وسخونة وضع إقليمي ودولي مع طبقة سياسية اهتزت سمعتها بسبب صراعات بينية عمقت إحباط الناخب التونسي وراكمت خيبته وأضعفت إمله في إنجازات تحقق انتظاراته المادية فأصبحت العملية السياسية ومسار الانتقال في مهب الريح المهدد للتجربة التونسية برمتها.

 

المؤشرات الأولية توحي بأن الجبهة البرلمانية المتشكلة من/حول النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة قد تتقدم للرئيس بمقترحاتها مرفوقة بتأكيد موحد على إمكانية فوز أحد هذه المقترحات بأوسع مصادقة في البرلمان.

هذا السيناريو المتوقع قد يضع رئيس الجمهورية أمام “أمر واقع” إذا أراد أن يظهر كباحث عن الحل بعيدا عن أن يكون أحد عوامل الأزمة السياسية إذا اعتمد هذه المرة مقياس الأقدر وفق ما يتاح له من حزام سياسي وبرلماني.

 

هذه الجبهة البرلمانية إذا اعتمدت أسلوب الاختيار الموحد وحرصت على أن تضمن لاختيارها موافقة بل شراكة في الاختيار من المنظمات الوطنية واتحاد الشغل بالأساس وإذا تحرت في اختيارها شخصية تنال رضى الرئيس ولا تزعجه وتتميز بقدرتها على الانفتاح على الجميع وعلى امتلاك حد أدنى من الرؤية الاقتصادية وبعض القدرة السياسية فستتمكن بذلك من جعل اختياراتها “مفروضة” بطبيعة الأشياء على عقل الرئيس ووجدانه ولا نرى ساكن قرطاج سيكون من مصلحته الظهور بصورة المنفرد بالقرار والدافع إلى التأزيم وهو الذي ردّد منذ ساعات أنه ليس في صراع مع أحد ولا يريد الصدام مع أحد.

 

جبهة الحزب الأول والثاني تعتمد الآن خطاب “الوحدة الوطنية” وتركّز على سردية “الاستماع إلى انتظارات الناس المادية” وتبرز ما تراه “الرئيسي” في المرحلة وهو “الإنقاذ الاقتصادي” وبذلك ظهر خطابها في المدة الأخيرة ميالا “بذكاء اتصالي” واضح إلى خطاب “الإيجابية” بعيدًا عن احتقان الصدامية الذي بدأ يفقد القه عند الناس.

في المقابل لا تبدو الكتل البرلمانية الأخرى في وضع الاتفاق على مرشح موحد. حلفاء الحكومة المنتهية ولايتها أي التيار والشعب وتحيا لم يتوصلوا إلى اتفاقات ظاهرة بل أن تسريبات المجلس الوطني للتيار تؤكد أنّ اختياره سيكون حزبيًا ما يعني صعوبة التقائه مع اختيارات الشعب وتحيا اللذيْن يبدوان أقل حديثا ومشاركة في الصخب السياسي الإعلامي الدائر حاليا …

أما كتلة الإصلاح الوطني المتشكّلة من أحزاب متباينة فلا يتوقع أن يكون خيارها واحدًا.

 

هذه الكتل البرلمانية التي التقت على عريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان تتفق الآن في سردية الاستقطاب مع النهضة وإن كان البعض يعتبر ذلك انفاقا تكتيكيا لن يستمر طويلا إذا ما نال كل طرف ما ينتظره من هذا الاستقطاب في تحسين شروط التفاوض مع الجبهة المقابلة.

 

استقطاب هذه الكتل مع النهضة أمر طبيعي، فقد ظهرت النهضة الرابح المفترض من النهاية الدراماتيكية لحكومة الفخفاخ في مقابل ظهور تحيا والشعب والتيار أكثر المتضررين من غرق المركب الحكومي الذي لم يغادروه سريعا كما يبدو في المزاج العام الذي تريد إشاعته ماكينة الجبهة البرلمانية للقلب والنهضة.

 

مشكلة الخطاب الاستقطابي اتصاليا أنه يمكن أن يلعب دورا سلبيا في وجدان جمهور يعتبر الأزمة في صراعات الأحزاب التي تنسى مطالبه وانتظاراته فضلا عن كون الاستقطاب مع النهضة لا يربح منه دائما إلا صاحب الماكينة المقابلة تقليديا للنهضة أي حزب “المنظومة” الذي لم يتشكل لحد الآن بعد انهيار النداء التاريخي في حين تخسر باستمرار الأحزاب الصغيرة التي تتصور إمكانية الاستفادة من الاستقطاب مع الإسلاميين.

رغم هذه الصورة التبسيطية لمشهد يبدو غير متكافئ نظريا إلا أن المشهد المعقد يمكن أن يتطور حراكه في الساعات القادمة ليعيد تشكله بموازين قوة (ضعف) أخرى تذهب إلى تسويات الضرورة والإكراه ..

Views: 0

Midou

A professional journalist and blogger who has worked in several newspapers and websites

Related Articles

Leave a Reply

Back to top button