أخبار عربية

الأحزاب التونسية: بين الظلم والمسؤولية عن أخطائها

ذكّر الدكتور عبد اللطيف المكي، وزير الصحة السابق تدوينة اختار لها “الأحزاب التونسية: بين الظلم والمسؤولية عن أخطائها”، عنوانًا، أكد من خلالها، بالمسار التاريخي لتأسيس الأحزاب التونسية، والصعوبات التي حدّت من مدى إسهامها في تنمية تونس.
ودعا المكي الأحزاب إلى “التضامن والتقارب والعمل على أرضية المشترك الوطني والتناصح في الإختلافات بأسلوب بناء ويحترم ذوات الآخرين، بعيدًا عن التطاحن”.
وختم المكي تدوينته بالقول: “لن تنجح الديمقراطية بدون أحزاب حقيقة”.
وقال المكي في بداية تدوينته: “الأحزاب هي أطر جماعية تتكون على أساس قناعات فكرية سياسية واجتماعية واقتصادية واستراتيجية تسعى إلى قيادة البلاد ومعالجة مشاكلها ودفعها الى التقدم وتعمل على تحشيد الجماهير حولها وتكوين الإطارات القيادية للبلاد على كل المستويات، قيادات تجمع بين القدرة السياسية والمعرفية”.
وأضاف “سمعنا ونسمع منذ سنين أحاديث تقييمية للأحزاب التونسية من حيث طبيعتها وبرامجها وقياداتها و أدائها وهو حديث مطلوب وضروري ويدخل في صلب العملية السياسية والديمقراطية”.
وأكد على أنّ “ما أريد إضافته هنا هو محاولة التنسيب والتذكير بالمنهجيات الضرورية حتى يكون الحديث أقرب ما يكون إلى الموضوعية والواقعية وبالتالي يساهم في تطويرها وتحسين أدائها بما يصب في مصلحة البلاد وقضاياها”.
وأشار إلى أنّ “هذه الإضافة المحتملة تتم أساسًا من خلال الإجابة على السؤال التالي:
هل نشأت الأحزاب التونسية في ظروف طبيعية وهل أخذت الوقت الكافي وهل هناك ما يكفي من الظروف القانونية والمادية ما يكفي ليكون أداؤها أفضل؟”.
وبيّن أنّ “الأحزاب التونسية نشأت في البداية في ظروف غير طبيعية سواء قبل الثورة أو بعدها. فقبل الثورة استهدف النظام القائم الأحزاب والتيارات السياسية فألغاها مثل الحزب الشيوعي و صوت الطالب الزيتوني و اليوسفيين وطارد منخرطيها وشوهها بل صادر حتى إرادة المنظمات الوطنية الكبرى والحقها بالديوان السياسي.
لم يسلم من ذلك الضغط حتى الحزب الحاكم فحدثت فيه انشقاقات لمجموعات وأفراد أبرزها حركتا الوحدة الشعبية والديمقراطيين الاشتراكيين وحسيب بن عمار وراضية الحداد وتمت محاكمات لبعض أطرافه ومطاردتهم.
لقد حاول محمد مزالي رحمه الله أن يتدارك بعض الشئ داخل الحزب وخارجه واعترف ببعض الأحزاب ووسع هامش الحرية الإعلامية والسياسية لكن صراع مراكز القوى داخل الحزب الحاكم والدولة وكذلك الأزمة الإقتصادية و الاجتماعية أديا إلى سقوط بورقيبة ومجيئ بن على الذي رغم تبشيره بالحريات فقد أرسى نظاما دكتاتوريا استهدف الأحزاب عبر قمع من استعصى وتدجين البقية عبر القمع الناعم بالامتيازات لرموز معينة والتدخل في شؤون الأحزاب رغم أنها كان العديد منها ذي مصداقية وتاريخ محترم مثل الديمقراطيين الاشتراكيين والوحدة الشعبية وحركة التجديد سليلة الحزب الشيوعي فكان مآلها الاندثار و الانحلال والضعف بعد الثورة وحتى التجمع الحزب الحاكم لم ينج من الاندثار والتشتت لأنه لم يكن حزبا حاكما بل حزب الحكم الملحق بالقصر وبأجهزة الدولة خاصة أجهزة القمع.
هذه الظروف لم تسمح للأحزاب بالتمدد والانتشار واكتساب تقاليد وبلورة رؤى ثابتة فقد كانت منشغلة بمحاولة الحفاظ على كيانها وممارسة الاعتراض على قمع الحريات ولم تتهيأ للحكم كما يجب إذ لم تكن معارضة في نظام ديمقراطي بل في ظل نظام استبدادي مما جعل دورها أقرب إلى المقاومة منه إلى المعارضة وهو دور مرهق ومكلف ولا يهيء الأحزاب للحكم أو المعارضة من داخل الدولة ولولا لحظة الوعي التي مرت بها عدة أحزاب سنة 2005 والمتمثلة أساسا في التقارب على أساس المطالب السياسية الديمقراطية وتحييد العنصر الاستراتيجي لتشكيل جبهة 18 اكتوبر في مقدمتها الحزب الديمقراطي التقدمي والنهضة وحزب العمال وبعض القوى الحقوقية لاندثرت عديد الأحزاب وانتهى حتى دور المقاومة.
بعد الثورة توفرت الحرية ولكن لم يتوفر الوقت الكافي لتتشكل الأحزاب على أسس متينة لتتطور من وضعية وعقلية المقاومة إلى عقلية الحكم كما أن الحرية ساعدت على التشظي والمغامرة فوصل عدد الأحزاب اليوم إلى 226 حزبا، فمجرد النظر إلى القانون الانتخابي يبرز مدى الحرص على تشتيت الأحزاب وإضعاف قدرتها على الحكم بحجة منع الهيمنة في نظام برلماني يقتضي تقوية دور الأحزاب.
إلى جانب عدم توفر الوقت فلم تتوفر الظروف فقانون الأحزاب لا يساعد على التسيير الديمقراطي المؤسساتي كما لا يحمي الأحزاب من اختراق اللوبيات الداخلية والخارجية عبر المال وذلك بتوفير التمويل العموميل للأحزاب ذات التمثيلية البرلمانية كثمن للحوكمة الرشيدة وحماية الأمن القومي.
ينضاف إلى هذا حجم التركة الاقتصادية والاجتماعية غير الهين و الذي دفع إلى معالجات هروبية إلى الأمام لاشتراء السلم الاجتماعي عوض المعالجات التنموية الحقيقية فضلا عن تعطل الإنتاج الاستراتيجي، و رغم أنّ جزءًا هاما من هذا هو بسبب انخرام الوضع العام وعدم القدرة على تطبيق القانون وتضخم فعل القوى الخفية عبر جزء من المنظومة الإعلامية والمالية والمنظماتية فإن كل هذا الرصيد السلبي يقع تحميله إلى الأحزاب دون تنسيب.
إن الغاية من هذا التذكير ليس الدفاع عن براءة الأحزاب من المسؤولية، فهي موجودة بأقدار، بل كل غايتي هو دعوة الأحزاب إلى استخلاص الدرس الكبير ألا وهو أن الخلاص لا يكمن في استمرار التطاحن في ما بينها بناءً على تغليب الاختلافات التاريخية والحالية بل في التضامن والتقارب والعمل على أرضية المشترك الوطني والتناصح في الاختلافات بأسلوب بناء ويحترم ذوات الآخرين.
أعتقد أنّ الأحزاب التونسية بدأت تستخلص هذا الدرس وليس صعبا عليها مستقبلا أن تدخل في ديناميكية جديدة إيجابية.
لن تنجح الديمقراطية بدون أحزاب حقيقة”.
Views: 0

Midou

A professional journalist and blogger who has worked in several newspapers and websites

Related Articles

Leave a Reply

Back to top button