تساءل الدكتور مصدق الجليدي في استغرب: “الرئيس يطلب من البرلمان إسقاط حكومته التي شكلها مع فريقه في القصر بعناية ويعد مقابل ذلك بعدم حل البرلمان. غريبة! ما سبب ذلك؟”.
ثم يوضح: “قيل إن السبب هو انقلاب المشيشي عليه. فاش انقلب؟ في اسم أو اسمين في حكومة من 24 وزيرا؟ الله أعلم”.
ثم أكد أنّ “الرئيس ارتكب مخالفات دستورية بالجملة. فهو المنقلب أولا على رئيس الحكومة بطرطرته وسحب حق تشكيل الحكومة منه. الرئيس دستوريا ليس له الحق إلا في ترشيح وزير للدفاع وآخر للخارجية.
ثم خالف رئيس الحكومة المكلف في بعض الأسماء علنا، وراسل البرلمان بخصوص أحدهما، واستدعى الآخر لتثبيته في خطة وزير ثقافة. وهذه فضيحة.
الأكيد أن المشيشي قد تحرّج كثيرا من خروج أمر خروج الأمر من يده، للعلن. ولعله قد عبّر عن تبرّمه من ذلك. بل الأكيد أنه قد أدى زيارة لرئاسة البرلمان يطلب الدعم.
الخُطّاب على الباب
البرلمان (الغنوشي) مخطوب من الرئاستين الآن: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. ترى لمن سيعطي بنته؟ عفوا كلمته: للرئيس أم لوزيره الأول الشارع للتو في مشروع تمرد؟هل نحن إزاء سيناريو شاهد 2؟ أكيد أن التاريخ لو يعود إلى الوراء فلن تنحاز النهضة لرئيس الحكومة على حساب رئيس الجمهورية مجددا.
ولكن ما هو المقابل؟ ما هو مقابل إسقاط حكومة المشيشي؟ عدم حل البرلمان ليس ثمنا جيدا في حد ذاته، لأن استمرار حكومة الفخفاخ هو ما تخشاه النهضة وحلفاؤها.
وماذا لو أجري صلح مع الفخفاخ وأعيدت النهضة للحكومة وأدخل معها قلب تونس؟ سيكون هذا عندئذ لعب ذر، وسيكون فخا فخفاخيا. لأنه سيقضي على ما تبقى من مصداقية النهضة خاصة.
ايه…ما الحل؟ بما أن حكومة المشيشي تتجاهل تماما الأحزاب، فإن الحل هو تعهد كتابي من قيس سعيد بتسمية رئيس حكومة توافقي فورا وبتشكيل حكومة سياسية ذات برنامج اقتصادي اجتماعي يستجيب للتحديات الراهنة، وبتيسير إحداث المحكمة الدستورية وتغيير قانون الانتخابات.
إذا لم يوجد هذا، فلا حلّت ولا ربطت”.
هل تمرّ حكومة المشيشي يا غنوشي؟
من جانبها تساءلت الأستاذة حياة بن يادم عن إمكانية مصادقة البرلمان على حكومة المشيشي التي تلقى رفضًا من عديد الأحزاب التي ترى أنّ عديد الشخصيات التي اقترحت لتولّي بعض الوزارات غير كفأة وغير جديرة بأداء هذه المهمة على أحسن وجه.
وتخاف هذه الأحزاب إلى جانب عدد من المحللين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني من عدم قدرة الوزراء المقترحين على إخراج تونس من الوضعية الصعبة التي تتخبط فيها خاصة وأنّ هؤلاء “الغير متحزّبين” لن يحاسبهم أحد بينما تبقى الأحزاب بعيدة عن أية محاسبة من طرف الشعب في الانتخابات القادمة.
أزمة أم كارثة؟
وكتبت حياة بن يادم في تدوينة لها: “لا حديث اليوم في تونس إلا على الكورونا وعلى الحكومة، أسئلة كثيرة يرغب التونسيون في التعرف على وضع البلاد الآن: هل هي في أزمة أم في كارثة؟”.
وأوضحت: “أما الكورونا فأخبارها تقول إن انتشار العدوى المحلية هي أبرز سيماتها وأما طاقة البلاد لاستيعاب المصابين فهي محدودة وتصريحات وتحذيرات نصاف بن علية لم تتوقف”، مشيرة إلى أنه “فيما يخص الحكومة المرتقبة فالسؤال المطروح لدى الشعب التونسي هل ستمرّ أم لا؟”.
وأشارت إلى أنه “إن كان الجواب بلا، فالبلد في غياب تركيز المحكمة الدستورية وغموض عدة فصول في الدستور يفتح باب الاجتهادات والتأويلات حسب المصالح.
وبالوقوف عند ثغرات فصول الدستور، ليس بالضرورة الذهاب إلى انتخابات مبكرة وفي هذه الحال ستبقى الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد تراوح مكانها.
وإن ذهبنا لانتخابات مبكرة بدون تعديل القانون الانتخابي فالمشهد البرلماني المشتت لن يتغير، علاوة على التكلفة الباهظة للعملية الانتخابية في بلد يعاني أزمة اقتصادية نتيجة جائحة كورونا.
إن كان الجواب بنعم، وعلى الرغم من أنها حكومة الرئيس، لكنها لن تستطيع العمل بدون الأحزاب الوازنة في البرلمان، لأن نجاعتها لن تكون بدون تمرير القوانين.
وبما أنه بالإمكان سحب الثقة من كل وزير على حدة، فربما تكون حكومة الرئيس قبل منح الثقة لتصبح حكومة الأحزاب بعد منح الثقة”.
وشددت الأستاذة حياة بن يادم على أنّ “السياسة في تونس، هي عبارة على لعبة الشطرنج، تتطلب لمن يريد الفوز القدرة على الصبر والمناورة والنفس الطويل.
والإجابة بلا أو نعم فقط ليست الإجابة الصائبة، لأن بين الأبيض والأسود هناك مساحة شاسعة، والسياسي المحنك هو القادر على استغلالها و توظيفها”.
وعي الطبقة السياسية
وأضافتن بن يادم “نحن على أعتاب غلق العقد الأول من الثورة ونهاية مسار تثبيت الانتقال الديمقراطي، فالمعركة الأخيرة لا تحتاج لمنطق “البريكولاج” الذي عايشناه سابقا. بل تحتاج إلى وعي الطبقة السياسية للخروج نهائيا من مرحلة تثبيت الانتقال الديمقراطي، والدخول فورا إلى مرحلة الإقلاع الاقتصادي الاجتماعي، و الذي تأخر كثيرا، ومع جائحة كورونا أصبح الوضع ينذر بالخطر وبالانفجار لا قدر الله”.
واستدركت لتقول: “لكنني على ثقة وأنّ ثورة تونس ستنتصر بإذن الله، لأننا مهما اختلفنا فالتراشق بقي بفصول الدستور من جلسة سحب الثقة من رئيس البرلمان إلى منح الثقة للحكومة المرتقبة، و ليس بالرصاص والقنابل”.
واعتبرت أنّ “صورة رئيس مجلس نواب الشعب مع رئيس الدولة وصورته مع رئيس الحكومة المكلف يجعلني أقول إنّ كلمة السرّ في هذا البلد “الغنوشي”. وعليه، زعمة تتعدى الحكومة يا الغنوشي؟”.