أخبار عربية

الدكتور المرزوقي: في ضرورة إعلان هدنة الكورونا

كتب الدكتور والرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي تدوينة حول جائحة الكورونا تحت عنوان “في ضرورة إعلان هدنة الكورونا” نشرها في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

وكتب الدكتور المرزوقي: ”

1-

سنة 1945 والحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء، نظّمت بريطانيا انتخابات تشريعية شهدت هزيمة ونستون تشرشل رئيس الحكومة طيلة الحرب.

لم يفهم العالم يومها كيف يظهر الشعب البريطاني نكران الجميل للزعيم الذي أنقذ بريطانيا وقادها نحو النصر في أصعب حرب عرفتها.

نعلم اليوم أن جزءا كبيرا من الشعب البريطاني -وأساسا الطبقة الشغيلة-كان يكره تشرشل ممثل الارستقراطية، لكن عندما أصبح مصير كل البريطانيين على المحكّ، نسي الناس كل خلافاتهم وتحلقوا حول رجل كان هو الآخر في مستوى الحدث حيث شرّك زعيم المعارضة في كل قرارات الحرب والسلام،

لكن بعد انتهاء هدنة الحرب عادت كل الأطراف السياسية لصراعاتها دون رحمة أو شفقة ومن ثمة نتيجة الانتخابات.

 

هذا هو الدرس الذي يجب ألا ننساه: عندما يكون مصير شعب بأكمله على المحكّ، توضع كل الأحقاد والضغائن والخلافات جانبا إلى أن تنتهي الازمة الوجودية ولا بأس بعدها من العودة إلى خلافاتنا المحببة وإلا بماذا سنشغل وقتنا ونثبت ذواتنا إن حرمنا لذة الصراع؟.

2-

في كل مفترقات الطريق واللحظات الحرجة في حياة الأفراد والشعوب يجب أن يلقي الانسان السؤال الوحيد الجدير بالإلقاء: ماذا يتطلبه الوضع لا يهمّ ما أحبّ وما أكره.

الرد اليوم ونحن في حرب حقيقية ضد عدو خطير يهدد حياتنا واقتصادنا بكيفية غير مسبوقة:

 

-هدنة كورونا تشمل المجال السياسي والاجتماعي والإعلامي يلتزم بها كل تونسي مسؤول واع بالأخطار التي تهددنا جميعا.

 

– تعليق كل الخلافات بخصوص الصلاحيات والتسميات والمشاريع التي ستضع التونسيين في مواجهة بعضهم البعض إلى إعلان المنظمة العالمية للصحة انتهاء الجائحة.

 

– تفعيل مجلس الأمن القومي كالسلطة الوحيدة المخولة لقيادة الحرب بتنسيق كامل من السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الحكومة والسيد رئيس مجلس النواب مع الوزارات المعنية أي وزراء الصحة والاقتصاد والعلاقات الخارجية والدفاع والداخلية (ولم لا إشراك المعارضة في الاجتماعات وممثلو كبرى منظمات المجتمع المدني).

 

-اعتبار مجلس الأمن القومي نفسه في حالة انعقاد متواصل مع اجتماعات على الأقل أسبوعية لاتخاذ خطة وطنية ومتابعة كل خطواتها خاصة معركة ” ذراعك يا علاف ” التي ستنشب قريبا بين كل الشعوب للحصول على اللقاح عند توفره.

 

– تفعيل لجنة علمية قارة تضم خيرة الخبراء لا فقط في الميدان الصحي وإنما في الميدان الاقتصادي والإعلامي والنفسي-المعنوي وربط عملها بعمل لجنة مواجهة الكوارث الطبيعية-التي أحدثتها حال وصولي لقرطاج-لمتابعة الأوضاع محليا وإقليميا وعالميا وتغذية مجلس الأمن القومي بالمعطيات المحيّنة لأخذ أصوب القرارات والتأقلم السريع مع وضع بالغ التعقيد والديناميكية.

3-

ملاحظة للذين قد يحاولون ترذيل الفكرة وترحيلها إلى مستويات ” ما ك شديت آش عملت ”؟ وماذا وراء هذه التدوينة من نوايا مبيتة ومشاريع مخفية؟ الخ،

أقول: أن تدير ظهرك لهموم الصراع من أجل السلطة لا يعني أن تدير ظهرك لهمو الوطن من أجل البقاء.

 

أذكّر: أنتم أيضا ركاب باخرة اسمها تونس تعصف بها الرياح وتهددها بالغرق …وداخلها المشاحنات العبثية على قدم وساق بين الركاب والأخطر داخل قمرة القيادة.

 

كونوا جزءا من الهدنة لأنه لا يوجد غرق درجة أولى.

4-

أخيرا لتفادي حرج متأخر لمن سيتهمونني أنني أكتب هذا الكلام من إقامتي المريحة في باريس،

 

أقول: أكتب من بيتي في سوسة وقد عدت للوطن بعد زيارة لبنتيّ وأحفادي وقد شاءت ظروف الحياة أن يعيشوا مثل مليون تونسي في الخارج.
على فكرة هل أنتم مثلي: غاضبون طول الوقت من الوطن لكن ما أن تغادرونه حتى تخططون للعودة إليه من أول يوم تنتظرون بفارغ الصبر لحظة الرجوع؟.

 

يا لها من علاقة بنيناها مع أرضنا: لا نطيق العيش فيها ولا نستطيع العيش خارجها.

 

نعم سيأتي يوم يكفّ فيه الصراع داخلنا فيعود الوطن كما حلمته دوما الأرض التي نهرب إليها لا الأرض التي نهرب منها.

 

للأسبوعين المقبلين سأكون في بيتي لأنني ملزم بالحجر القانوني وبعدها مرحبا بأصدقائي توحشتكم كثيرا.

ولا بدّ لليل ان ينجلي”.

Views: 6

Midou

A professional journalist and blogger who has worked in several newspapers and websites

Related Articles

Leave a Reply

Back to top button