تقنية

الجرائم الإلكترونية: تهديد عابر للحدود يفرض مراجعة شاملة للتشريعات وحلول الوقاية

تشهد المجتمعات المعاصرة تحولاً جذرياً بفعل الثورة الرقمية التي فرضت حضور التكنولوجيا في مختلف مفاصل الحياة اليومية، سواء داخل المؤسسات الحكومية أو في القطاعات الخاصة أو حتى في التعاملات البسيطة بين الأفراد. هذا التطور التقني السريع خلق فضاءً رقمياً واسعاً وديناميكياً يتجاوب مع حاجات العصر بكفاءة، لكنه في المقابل أفرز تحديات خطيرة تمثلت في بروز أنماط جديدة من الجرائم التي تُرتكب عبر الشبكات والأجهزة، فيما بات يُعرف بالجرائم الإلكترونية.

تعريف إشكالي وصعوبة تحديد المفهوم

لا يوجد اتفاق دولي شامل حول تعريف موحد للجرائم الإلكترونية، غير أن أغلب المقاربات القانونية تعتبرها جرائم تُنفذ بواسطة الأنظمة الرقمية أو تُوجَّه ضدها. وتتمثل خصوصيتها في إمكانية تنفيذها من قبل أشخاص مجهولين أو مجموعات منظمة تعتمد على تقنيات التشفير والإخفاء، مما يجعل التحقيق فيها وإسناد المسؤوليات أمراً بالغ التعقيد مقارنة بالجرائم التقليدية.

وترتبط مصطلحات مثل « القرصنة الإلكترونية » أو « الاختراق » ارتباطاً وثيقاً بهذا المفهوم، إذ يشبّه مختصون هذا السلوك بما كان يعرف بالقرصنة البحرية، مع فارق أن الاستيلاء هنا يستهدف البيانات والمعلومات الرقمية وليس السلع المادية. وتشمل هذه الاعتداءات عمليات الوصول غير المصرح به، وسرقة البيانات الشخصية، والتلاعب بالمحتويات، والابتزاز، وتثبيت البرمجيات الخبيثة لأغراض مادية أو سياسية.

READ  The Careers in Video Games: 10 Untold Secrets to Thriving in Gaming Careers

أشكال الجريمة: من سرقة الأموال إلى التحريض والإرهاب

تتخذ الجرائم الإلكترونية أشكالاً متعددة باتت تمس مختلف المجالات الحساسة، أبرزها الاحتيال المالي عبر الأنظمة البنكية، والابتزاز القائم على تهديد الضحية بنشر معلومات خاصة، إلى جانب التشهير والتحرش وخطاب الكراهية عبر منصات التواصل الاجتماعي.

كما برزت قضايا خطيرة تتعلق بالتجنيد الإلكتروني لخدمة أغراض إرهابية، والاتجار بالبشر وغسل الأموال عبر الشبكات المعقدة، وصولاً إلى اختراق الأنظمة الرسمية لأهداف تجسسية أو سياسية. ويشير المختصون إلى أن هذه الجرائم قد تنفذ خلال ثوانٍ معدودة وتلحق أضراراً كبيرة، يصعب حصرها مادياً ومعنوياً ونفسياً.

خصائص تميزها عن الجرائم التقليدية

تتميز الجرائم الإلكترونية بخصائص فريدة أبرزها قدرتها على تجاوز الحدود الجغرافية بسهولة، مما يعقد مسارات التعاون القضائي بين الدول. كما أن الأدلة الرقمية يمكن محوها أو تشفيرها في لحظات، ما يجعل جمعها وحفظها وفق الإجراءات القانونية أمراً بالغ الحساسية.

READ  Ads Marketing Platforms Revolutionizing Digital Success: 10 Power Moves You Need Now

ويؤكد خبراء الأمن السيبراني أن الفاعلين غالباً من فئة الشباب ذوي المعرفة التقنية العالية، إلى جانب مجموعات منظمة لأهداف أيديولوجية أو مالية، مثل مجموعة « أنونيموس » التي تبرر هجماتها بالدفاع عن حرية التعبير.

الجرائم الإلكترونية
الجرائم الإلكترونية

الدوافع بين الربح السريع والدوافع السياسية

لا تنحصر الدوافع وراء هذا النوع من الجرائم في الجانب المادي فقط، بل تتجاوز ذلك إلى الانتقام الشخصي، والرغبة في الانتقام، وإثبات القدرات التقنية، وأحياناً لخدمة أجندات سياسية أو لإثارة البلبلة وزعزعة استقرار الدول. ويشكل هذا التنوع في الأهداف تحدياً إضافياً أمام أجهزة الأمن والقضاء.

تشتت الإطار القانوني في تونس

على الرغم من خطورة الظاهرة، ما يزال الإطار التشريعي التونسي، مثل عدة دول عربية، يفتقر إلى قانون موحد خاص بالجرائم الإلكترونية. وتتوزع الأحكام على نصوص متعددة، من بينها المرسوم 115 لسنة 2011 المتعلق بالإعلام والنشر، والقانون الأساسي 26 لسنة 2015 الخاص بمكافحة الإرهاب وغسل الأموال، بالإضافة إلى قانون تبادل المعطيات الإلكترونية ومجلة الاتصالات المتعلقة بحماية البيانات وخصوصية المعاملات.

READ  Leading Chief Marketing: Avoid These 10 Common Mistakes That Hurt CMOs

في المقابل، اعتمدت دول أخرى مثل فرنسا إدراج الجرائم السيبرانية في صلب القانون الجزائي، لكن هذا التطور يبقى غير كافٍ أمام سرعة تطور التكنولوجيا وتنوع أدوات الجريمة.

كيف نواجه الخطر؟

يرى مختصون أن مواجهة الجرائم الإلكترونية لم تعد مسؤولية تشريعية فقط، بل باتت تستدعي مقاربة شاملة تقوم على ثلاثة محاور رئيسية:

  • تعزيز الوعي الرقمي لدى الأفراد والمنشآت عبر برامج الوقاية والتثقيف

  • وضع أطر قانونية حديثة تتفاعل مع طبيعة الجريمة وتعتمد التعريفات التقنية المعاصرة

  • تحديث المنظومة القضائية والأمنية لتمكينها من التعامل مع الأدلة الرقمية وحمايتها

تنامي الظاهرة مع تطوّر التكنولوجيا

تؤكد المؤشرات أن الجريمة الإلكترونية ظاهرة متنامية تواكب تطور التكنولوجيا وتستغل ثغراتها، فيما يشكل الوعي والاستخدام المسؤول للإنترنت خط الدفاع الأول للمجتمع. وبينما تتسارع وتيرة التطور الرقمي، يتعيّن على التشريعات ومؤسسات إنفاذ القانون تحديث أدواتها باستمرار لمواكبة هذا المشهد، حماية للأفراد والدولة وفضائها السيادي الإلكتروني.

Vues : 0

Midou

A professional journalist and blogger who has worked in several newspapers and websites

Articles similaires

Bouton retour en haut de la page