الجزائريون يتفاعلون إيجابيًا مع المناظرات السياسية في تونس
أشاد الأشقاء الجزائريون بتنظيم التونسيين لمناظرات سياسية تلفزيونية مباشرة، هي الأولى في تونس، وفي الوطن العربي. وهي فرصة للناخب التونسي حتى يتعرّف عن قرب على جميع المترشحين إلى الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها.
ورغم بعض الهنات التي لم تؤثر على السير العادي للمناظرات، إلا أنّ ما حصل في تونس يعدّ سابقة هي الأولى، ينظر إليها العالم، والوطن العربي، إلا من تعمّد التغاضي عن إبرازها، والإشادة بها.
ولأنّ الجزائريين يعيشون بداية المسار الذي كنّا عشناه منذ سنوات في تونس، إلى جانب قربنا الجغرافي والروحي، فإنّ عديد الكتاب الصحفيين الجزائريين أشادوا بما نجح في تنظيمه التونسيون، وتمنّوا أ، يروا ذلك قريبًا في الجزائر.
تفاعلُ النشطاء الجزائريين
نشرت صحيفة “الشروق” الجزائرية تقريرًا تحت عنوان “جزائريون “ينبهرون” بالمناظرة التلفزيونية لمرشحي رئاسة تونس.. “أين نحن”؟!”، جاء فيه أنّ النشطاء الجزائريين تفاعلوا مع المناظرة التلفزيونية الأولى من نوعها في الوطن العربي بين المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية، التي بثتها تسع قنوات تلفزيونية و21 محطة إذاعية محلية، إلى جانب فضائيات عربية وأجنبية، وما رافقها من احترافية ومهنية.
وأضافت “الشروق”: “كتب الصحفي عبد النور بوخمخم: “تونس تنتشي وتحتفي بقيم الحرية والديمقراطية.. المترشحون للانتخابات الرئاسية يعرضون أنفسهم على شعب حرّ سيد نفسه ليختار في مناظرة مباشرة من يحكمه.. دروس تاريخية لحكام التخلف والشمولية والفساد في بلاد العرب الخربانة تحيا تونس حرة قوية منيعة.. المجد للشعب التونسي”.
بدوره، علّق مقدم البرامج الدينية محمد مشقق، قائلًا: “تونس تصنع مستقبلها أولى المناظرات الرئاسية في تاريخ تونس انطلقت الآن، والبث على جلّ القنوات التونسية والأجنبية (العربية والعالمية)، تونس تصنع التاريخ !”.
من جانبه، غرّد “بلال”: “تونس تتدمقرط… شكرًا تونس.. مناظرة دون سب دون تجريح دون ركمجة دون تبهليل… أسئلة وأجوبة تظهر أن مستقبل تونس سيكون بمليون خير”.
مناظرات تونس.. و”مناحات” الجزائر
الإيحاءات ذهبت مباشرة، إلى استجلاب صورة الجنرال رشيد عمار، قائد الجيش التونسي الأسبق، كيف رفض أوامر بن علي في سحق المتظاهرين، وكيف كان سببًا في هذه اللوحة التونسية الجميلة من الديمقراطية والحريات..
بينما كانت السّهام لقائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح.. كما لو أنه استجاب لأوامر العصابة بسحق الحراك، أو كأنه لم يطالب بوتفليقة بالانصياع لصوت الجماهير، أو كأنه لم يدخل كل العصابة إلى السجون استجابة لصوت الشعب؟.
بينما تجاهلت تلك القراءات أيّ مقاربة بين ما قام به قائد الجيش المصري المشير طنطاوي وما يجري بالجزائر اليوم.. لصالح المسار الديمقراطي، والذي أفضى في مصر حينها لانتخاب أول رئيس مصري منذ 5 آلاف سنة، لأنها مقاربة لا تخدمهم.
الديمقراطية مسار وتدرج
أضاف الكاتب الصحفي حسان زهار: “ما فات عن مخيلة النواحات.. أنّ الديمقراطية مسار وتدرج، وأنه بعد ذهاب بن علي، لم يتوقف الشعب التونسي عند رؤية رموز النظام القديم وهي تتصدر المشهد، أمثال فؤاد لمبزع، محمد الغنوشي، والباجي قايد السبسي وغيرهم.. بل ذهب رأسًا إلى محاولة بناء نظامهم الجديد.. وتجاوز أصوات التعطيل عكس ما نقوم به نحن حاليًا.
ثم ليست الإشكالية أبدًا في المناظرات وفي الديكور وفي الواجهة الإعلامية، لقد كانت الجزائر سبّاقة لهذه المظاهر الخداعة بداية التسعينات.. وكم كنا ننتشي لرؤية المناظرات والسجالات السياسية العالية التي ينشطها أمثال عباسي مدني، سعيد سعدي، عبد الحميد مهري، نور الدين بوكروح وغيرهم.. قبل أن تنقلب الآية رأسًا على عقب، لنصبح على ما فاتنا من النادمين.
المشكلة أنّ نسبة كبيرة من الذين يسوّقون اليوم للديمقراطية التونسية، كانوا على رأس من دعموا الانقلاب على الديمقراطية الجزائرية عام 1992.. فلقد أزعجتهم وقتها أن تكون للجزائر ديمقراطيتها التي تفاخر بها العالم، ولم يكن يهمهم رؤية المناظرات التلفزيونية ولا الحملات الانتخابية، كما يروجون اليوم، وإنما كان يهمهم فقط أن تحكم الأقلية.
وللغرابة، هؤلاء وبعد أن حطموا ديمقراطية الجزائر الفتية، رأيناهم بعد ذلك، يدندنون على نفس النغمة الحالية للديمقراطية التونسية، بحلتها البورقيبية العلمانية، حتى أنّ بعضهم كانوا يطالبون باستنساخ قانون الأحوال الشخصية التونسي بحذافيره، انتصارًا لمكبوتات جنسية بحتة تجاه مفاهيم خاطئة لحرية المرأة”.
نحن لا نترفّع عن تجارب الآخرين
أكد زهار ضرورو الاعتبار، والتعلّم من تجارب الآخرين، وقال: “نحن لا نترفع عن تجارب الآخرين.. ويهمنا أن نتعلم ما يصلح حالنا.. لكن ليس بإغفال المسارات والسياقات المختلفة.. والتي سيؤدي عدم الأخذ بها إلى الوقوع في فخ المقاربات الوسخة، أو المقاربات الغبية على أقل تقدير.
تونس ليست الجزائر.. تاريخًا وموقعًا وإمكانيات بشرية واقتصادية، وتأثيرًا في العالم وفي استراتيجيات الصراع الدولي، علاوة على موضوع وجود “أقلية” في الجزائر ودورها الخطير في فرملة مسيرة التحرر الوطني والاستقواء بالخارج.
وما يسمح به لتونس قد لا يسمح به للجزائر.. تمامًا كما أنّ ما يسمح به للبنان.. قد لا يسمح به لسوريا أو مصر أو السعودية.
فرنسا الاستعمارية احتفظت بالجزائر
وأكمل مقاله: “لقد تخلت فرنسا الاستعمارية عن تونس وعن المغرب، وعن عدد كبير من الدول الإفريقية، فقط لكي تحتفظ بالجزائر، بوصفها أرضًا فرنسية وليس مجرد أرض مستعمرة.. والديمقراطية في الجزائر يعني خسارة استراتيجية لهذا المستعمر القديم، لا تقارن إطلاقًا بخسارته في حال قبوله بالديمقراطية في تونس.
والأمر ذاته ينطبق على باقي الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ووكلائها الصغار في منطقتنا العربية، حيث حرية الشعوب، خاصة التي تملك ثروات كبيرة، تشكل خطرًا على مصالحها.
لقد نالت تونس استقلالها بأقلّ الأضرار، ونالت الجزائر استقلالها بملايين الشهداء..
تونس بلد هامشيّ ؟!!!
هكذا اعتبر الكاتب الصحفي الجزائري تونس “تونس بلد هامشيّ”، أي أنه غير مهمّ للمجتمع الدوليّ، أو العالم العربيّ، هكذا يرى بالرغم من أنّ تونس عاشت الإرهاب وعاشت الاغتيالات، هل لأنها بلد هامشيّ، وقال: “دخلت تونس المنتدى الديمقراطي، أيضًا بأقلّ التكاليف سنة 2011 بعد ثورة سميت بثورة الياسمين، بينما لم يسمح للجزائر أن تدخل هذا المنتدى سنة 1992، على الرغم من أنها دفعت فاتورة ثقيلة بـ250 ألف قتيل.
وهذا يعني أنّ الصراع في تونس، هو صراعٌ على كرسي الرئاسة على بلد هامشي.. وهذا أمر مسموح به.
بينما الصراع في الجزائر.. فهو قضية سيادة وبترول وهوية ولغة وراية وحضارة.. ما يعني أنّ الأمر أكثر تعقيدًا بكثير.
وهو ما يتطلب من الجزائريين تضحيات أكبر، ونضال أطول، ووعي وإدراك أعلى”.
وتم تنظيم المناظرات السياسية التلفزيونية على مدى ثلاث جلسات بمشاركة 24 مترشحا إلى الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها.
وتغيب عن هذه المناظرات المترشحان نبيل القروي الذي يقبع في السجن، وسليم الرياحي الذي صدر في حقه قرار بالإيداع في السجن، ولكنه متواجد في فرنسا.