إدماج التربية الجنسية في البرامج التعليمية يثير جدلًا واسعًا في تونس
قرّرت وزارة التربية إدماج مادة التربية على الصحة الجنسية في البرامج التعليمية بعد عطلة الشتاء بالتعليم الابتدائي والإعدادي في 13 ولاية، على أن يتم تعميمها في بداية السنة الدراسية القادمة 2021/2020.
وأكدت وزارة التربية أنّ: “التربية الجنسية تعلّم الطفل احترام جسده والتعرف على الأجزاء الممنوع لمسها معتبرة وجود إخلال على مستوى التنشئة لأنّ الأسرة والمؤسسة التربوية لم تعلم الطفل الأجزاء المحظورة من جسده”.
وأثار قرار وزارة التربية جدلًا واسعًا في تونس، واختلف التونسيون حول إدراج مادة التربية الجنسية في البرامج التعليمية، حيث اعتبر الدكتور مصدق الجليدي أنّ: “وزير التربية مخالف للقانون، ويجب رفع شكاية به، لأنه لا يحق له تغيير أو إضافة أو حذف برامج دراسية”.
وأضاف الجليدي: :الفصل 24 من القانون التوجيهي، جويلية 2002، يسند ضبط نظام التعليم والبرامج وتوقيت الدراسة لرئيس الحكومة، بموجب أمر أو أوامر يتخذها، بينما لوزير التربية ضبط نظام التقييم والإشهاد فقط، وإذا ما أراد تغيير البرامج فعليه أن يشير بذلك على رئيس الحكومة، وليس هو من يصدر الأوامر، بل هو يصدر فقط قرارات ويأذن بإصدار مناشير في نطاق الصلوحيات التي خولها له القانون”.
الاتحاد الأوروبي والتربية الجنسية
أكدت الإعلامية جنات بن عبد الله أنه: “في الوقت الذي غرق فيه المشهد السياسي في مشاورات تشكيل الحكومة المنبثقة عن الانتخابات التشريعية الأخيرة خرجت جهات ممثلة عن الجمعية التونسية للصحة الإنجابية وصندوق الأمم المتحدة للسكان والمعهد العربي لحقوق الانسان للإعلان عن مبادرتها المتمثلة في ادراج التربية الجنسية في المناهج التربوية في تونس وتدريسها بداية من السنة التحضيرية للأطفال الذين تبلغ أعمارهم 5 سنوات الى التلاميذ الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة”.
وأضافت: “لئن يختفي أصحاب هذه المبادرة “الأولى من نوعها في العالم العربي” كما يدّعون وراء تبريرات في ظاهرها تخدم المجتمع ومنها أنّ “الشباب في حاجة إلى مده بمعلومات علمية صحيحة حول الصحة الجنسية والإنجابية والتعرف على حقوقهم وواجباتهم في هذا المجال واتخاذ القرارات الصحيحة…”، فإن الحقيقة غير ذلك وهي مدخل لتفكيك الاسرة التقليدية وتفكيك المنظومة القيمية من خلال إدراج مقاربة النوع الاجتماعي في التشريعات الوطنية”.
توصيات الاتحاد الأوروبي
وقالت رئيسة التحرير في صحيفة “الصحافة”: “هذه المبادرة تندرج ضمن توصيات الاتحاد الأوروبي التي جاءت بالقرار الصادر عن البرلمان الأوروبي بتاريخ 14 سبتمبر 2016 حول العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتونس وتحديدا بالنقطة 21 التي يدعو فيها البرلمان الأوروبي الدولة التونسية إلى إصلاح المجلة الجزائية التونسية وتحديدا الغاء المادة 230 التي تعاقب على المثلية الجنسية بالسجن من جهة، وتوصيات منظمة الأمم المتحدة بإدراج مقاربة النوع الاجتماعي في التشريعات الوطنية من جهة ثانية”.
فقد ثبتت منظمة الأمم المتحدة مقاربة النوع الاجتماعي منذ مؤتمر بيكين في سنة 1995 حيث أصبح مفهوم تمكين المرأة والجندر من المفاهيم المتداولة في مؤتمراتها لينتقل طرحها من دراسة ” المرأة والتنمية” الى دراسة “الجندر والتنمية”.
وتشكل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة اطارا قانونيا دوليا لإقرار مساواة الجندر أو المساواة بين المرأة والرجل على أساس النوع الاجتماعي عوضا عن المساواة بين المرأة والرجل بالمفهوم المتداول.
الأمم المتحدة والتربية الجنسية
وتعمل منظمة الأمم المتحدة على فرض ادماج مقاربة النوع الاجتماعي في التشريعات الوطنية وقوانينها حيث تعطي لنفسها الحق في فرض الوصاية التشريعية على الدول لتطبيق المساواة المطلقة بين الأنواع (ذكورا واناثا وشواذا) بدءا بتغيير الدساتير ثم القوانين والتشريعات ثم التطبيق ومراقبة التطبيق، وهو ما تنص عليه المادة 9 –ب من مسودة الاستنتاجات الصادرة عن الاجتماع الستين للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة المنعقد في مارس 2016 والتي تنص على : “الغاء القوانين والأحكام التمييزية في الدساتير، والتأكد من أن القوانين والسياسات غير التمييزية والمراعية لمنظور الجندر والتدابير الخاصة المؤقتة التي تعمل على استقواء النساء والفتيات مفعلة دون تأخير، مع مراقبة تنفيذها على نحو فعال”.
ولا يتوقف الأمر عند المراقبة بل تعطي الأمم المتحدة نفسها الحق في مساءلة الحكومات حول قوانينها الوطنية حيث نصت الوثيقة على: “تقوية جميع البيانات والمتابعة والمراجعة والمراقبة والمساءلة بشكل يراعي الاعتبارات الجندرية”.
والمقصود بالنوع الاجتماعي أو الجندر هو الجنس من حيث الذكورة والأنوثة من خلال الدور الاجتماعي الذي يختاره الشخص بإرادته بناء على شعوره بالانتماء لجنس معين.
التزام تونس بإدماج التربية الجنسية
التزمت الدولة التونسية بإدراج مقاربة النوع الاجتماعي في كل تشريعاتها وقوانينها وبرامجها ومخططاتها التنموية بمقتضى أمر حكومي صدر في عهد حكومة الحبيب الصيد يحمل عدد 626 لسنة 2016 مؤرخ في 25 ماي 2016 يتعلق بإحداث مجلس النظراء للمساواة وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل.
ففي فرنسا تحركت جمعيات لفضح حقيقة مثل هذه المبادرة التي أقدمت عليها السلطات الفرنسية ونذكر هنا تحديدا جمعية “فيجي – جندر” التي تم بعثها في سنة 2013 هدفها الحفاظ على هوية وخصوصية الأطفال والعمل على رفض مفهوم الجندر بكل أشكاله. وقد أعدت هذه الجمعية دليلا لاطلاع الأولياء والمربين على حقيقة أشكال تطبيق هذا المفهوم في المدارس داعية إياهم الى التحرك الفعال للتصدي لمثل هذه السياسات التي تختفي وراء الحداثة.
اننا لسنا ضد الحداثة ولا ضد التربية الجنسية وتوعية الشباب ولكن ضد المغالطات وتسميم الشعوب تحت عناوين الحداثة والديمقراطية والمساواة. كما أننا مع حماية المجتمع من هكذا شعارات التي يجب على المجتمع المدني التصدي لها وفضحها. فتونس بعد الثورة أصبحت مخترقة من قبل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بدرجة أعمق وأخطر والنتيجة يعيش المواطن التونسي على وقعها …كثيرا من الفقر …وكثيرا من البطالة… وكثيرا من التضخم … وكثيرا من اللجوء الى الاقتراض الخارجي…ليضاف الى كل هذه الأزمات أزمات مجتمعية تحركها لوبيات منظمة الأمم المتحدة في تونس بشعارات رنانة تلقي بذوي المعرفة المحدودة في قبضتها.
وزارة التربية تنفي وثيقة التربية الجنسية
نفت وزارة التربية، في بيان لها اليوم الخميس، أي علاقة لها بوثيقة يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل بعض الصفحات والمواقع حول “إدراج مادة التربية الجنسية في البرامج الرسمية”.
وقال الناطق باسم وزارة التربية محمد الحاج طيب لـ(وات) إنه تم تداول وثيقة “مفبركة” على مواقع التواصل توحي بأن وزارة التربية استلهمت بعض التجارب الأجنبية التي تتحدث عن المثلية الجنسية في مقاربة إدماج التربية على الصحة الجنسية في البرامج التعليمية في تونس.
وأكد بأن هذه التجارب لم تطرح داخل اللجان المشرفة على إعداد مرجعية في مجال التربية على الصحة الجنسية “لكونها لا تتماشى مع خصوصية المجتمع التونسي”، مشيرا إلى أن اللجان المعنية تستند في عملها إلى “معايير علمية وبيداغوجية متأصلة في منظومة القيم المجتمعية التونسية المترسخة في هويتها العربية والإسلامية”.
وجاء في بيان وزارة التربية، اليوم، أنه سيتمّ عرض هذه المرجعية التي تساهم في إعدادها خبرات تونسية مختصة في المجالات البيداغوجية والطبية والنفسية والاجتماعية، على مختلف الفاعلين التربويين ومكونات المجتمع المدني قصد مناقشتها وتطويرها.
وكانت لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية تطرقت في اجتماعها بمجلس نواب الشعب، اليوم الخميس، إلى ما تمّ تداوله حول موضوع التربية على الصحة الجنسية، وقررت مواصلة النظر والتعمق في هذا الموضوع في جلستها القادمة المقرر عقدها الخميس القادم.
التربية الجنسية خلال السنة الدراسية القادمة
كشفت مديرة المرصد الوطني للتربية بوزارة التربية، ليلى بن ساسي، يوم الاثنين الماضي، بأنه سيتم خلال صائفة 2020 تكوين المربين المتطوعين لتدريس مادة الصحة الجنسية وفق معايير علمية في 13 ولاية وذلك في اطار الاستعداد لتدريسها خلال السنة الدراسية القادمة 2020-2021.
ويهدف البرنامج الى ضمان التكوين والتثقيف الشامل للأطفال والمراهقين داخل المؤسسات التربوية بخصوص التربية الجنسية وعناصرها وفوائدها علاوة على ضمان سلامتهم الصحية والنفسية وكيفية احترام الجسد والتنمية البشرية والسلوك الجنسي والوقاية من الامراض المنقولة جنسيا بالنسبة للمراهقين والوقاية من العنف، وفق قولها.
ويأتي العمل على إدماج التربية على الصحة الجنسية في البرامج التعليمية في تونس “في ظلّ تنامي ظواهر الاعتداء والتحرش الجسدي وعملا على تحصين الناشئة من هذه المخاطر وتمكينهم من آليات الحماية الذاتية إزاء ما تكرسه وسائل الاتصال الحديثة والانترنت من سلوكات شاذة”، وفق بيان وزارة التربية الصادر اليوم.