عادت الانقسامات صلب الحكومة في الفترة الأخيرة لتظهر من جديد، خاصة بين مكوّنينْ رئيسييْن وهما حركة النهضة وحركة الشعب، إلى جانب الاختلافات بين حركة النهضة ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ.
الواقع أنّ هذا الإشكال عاد عندما انتقد النائب في البرلمان عن حركة الشعب هيثم المكي بشدّة رئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وردّ عليه رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري، لكنّ الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، حيث عاد الأمين العام لحركة النهضة زهير المغزاوي في تصريحات إذاعية ليتّهم البحيري بأنه “كذّاب وبلعوط”.
ولم يتوقّف المغزاوي، بل قال إنّ وزير الصحة عبد اللطيف المكّي لم يكن لينجح لولا العلماء المحيطين به.
وهذا الموقف لم يثر استغراب النهضويين فقط بل كثيرًا من التونسيين الذين لاموا المغزاوي على موقفه هذا، خاصة وأنّ المكّي يؤكد الجميع، حتى من خارج تونس، أنه نجح وبامتياز في قيادة وزارة الصحة في جائحة الكورونا، وكان من أهمّ العناصر التي جنّبت تونس خسائر كبيرة.
أما اتهامه بأنه نجح بفضل العلماء الذين جمعهم حوله، فهذه نقطة إيجابية تحسب له، لا عليه، فلو كان وزيرًا فاشلًا ما كان ليضع العلماء بجانبه، وعمل في إطار فريق عمل، تمكن من قيادة المرحلة بنجاح.
ولو كان المكّي فاشلًا، لكان أقصى الخبراء والعلماء، واحتفظ لنفسه باتخاذ القرارات، وساعتها، لن يحقّق مثل هذا النجاح.
حكومة المجهول
كتب الأستاذ عبد الواحد اليحياوي تدوينة حول حكومة الفخفاخ، جاء فيها أنّ: “المعركة القادمة التي قد تطيح بهذه الحكومة هي معركة توسيع حزامها السياسي وقد بدأت نذر هذه المعركة خلال اليومين الفارطين..
الصراع أساسًا بين الفخفاخ وحركة النهضة، حيث اندلع سباق ضدّ الساعة لتحديد الطرف الملتحق.
الفخفاخ يريد توسيع حكومته إلى الكتلة المنشقّة عن قلب تونس برئاسة المليكي لتقوية حصته داخلها وليكون له كتلة داخل البرلمان مما يحدث نوعًا من التوازن بينه وبين بقية مكونات الائتلاف الحكومي بما في ذلك التيار والشعب”.
وأضاف اليحياوي: “من الجهة الأخرى حركة النهضة تضغط في اتجاه تشريك قلب تونس بحثا عن توازن مع بقية الائتلاف الحكومي حيث تشعر أنها في مواجهة تحالف بين الفخفاخ والتيار والشعب وتحيا تونس وان وجود كتلة قلب تونس سيجعلها أكثر نفوذا داخل الحكومة.
الصعوبات التي تعترض الطرفين هي عدم الوصول إلى اتفاق بين الفخفاخ وكتلة المليكي لكثرة الحسابات والمتدخلين.
ومن الجهة الأخرى، تواصل انقسام كتلة قلب تونس وهو ما يفسّر محاولة التدخل التشريعي لحمايتها بتغيير النظام الداخلي للمجلس لجعل الاستقالة من الحزب استقالة آلية من البرلمان.
هذه الحكومة مقبلة على معارك مريرة وعبرها على المجهول”.
حركة الشعب تستثمر في المعارك الهامشية
كتب عضو حركة النهضة، الأستاذ فتحي العيادي تدوينة في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قال: “لم يكد ينتهي النقاش حول تصريحات نائب الشعب المكي حول رئيس المجلس الأستاذ راشد الغنوشي، حتى انطلق مجددا خطاب من نحسبه من عقلاء حركة الشعب الأستاذ زهير المغزاوي متحاملًا على صديقه في مجلس نواب الشعب الأستاذ نورالدين البحيري وعلى حركة النهضة ووزرائها”.
وتساءل العيادي: “هل هو ألم النجاح الذي تحققه حركة النهضة ووجع اليأس من تحجيم دورها أم هو انخراط في أجندة التحريض عليها واستهدافها.
فلقد انطلقت “ميسرة” الاستثمار في سبّ النهضة وشتمها وقياداتها والتحريض عليها بكل ما تجود به القلوب الحاقدة من دعوات للقتل والمحاصرة.
أعجب ممن يركب قطار الديمقرطية ولا يستطيع التعايش مع غيره، حتى وإن أجلسوه في قاطرة القيادة، يظلّ دائمًا متبرّمًا قلقًا من غيره، لو استطاع أن يقذف به من النافذة لفعل، ولو استطاع أن يجعله في آخر عربة لفعل، ولربما أيضًا فكّ رباط العربة ببقية القطار.
ما هكذا تقاد الشعوب وما هكذا تُبنى الأوطان، الوطن ثمرة تعاون كل المخلصين الصادقين، بناؤه يعلو على أكتاف الصّابرين المحتسبين الذين لا تشغلهم المعارك الهامشية على وضع كل حجر في مكانه.
صحيح، كيف للبناء أن يعلو وغيرنا يهدم؟. ولكن صحيح أيضا أنّ إرادة البناء أقوى وأمضى من إرادة الهدم ومن أراد أن يكون في ركب البنائين نال شرف هذا الوطن وشرفه تضحيات شهدائه والمناضلين الذين حفظوه رغم كل المحن”.
دعوة للتعقّل
ودعا العيادي إلى التعقّل، وقال: “دعوة مجدّدة للعقل إن كنتم تريدون خير هذا الوطن، دعوة للتّعايش لبناء وطن يشهد لنا لا علينا، دعوة للتعاون حتى لا يألم فقير ولا يضجر شباب معطّل على العمل من تجاذباتنا السياسية، دعوة للوعي حتى نعبر هذا الزمن الصعب لنفتح أفقًا أرحب لشعبنا الذي يعزّ على ضعافه أحيانًا الظفر بخبز ساخن وقليل من زيت زيتونه”.