الإمارات وعلاقتها بشركات السّلاح العالمية
نشرت صحيفة “الاستقلال” الفلسطينية، تقريرًا شاملًا عن تجارة السلاح، وعلاقة الإمارات بشركات السلاح العالمية التي تحوّلت، بحسب الموقع، إلى “مدخل تنمويّ أساسيّ، وهو ما يشير لتوجه مستدام في التأثير في محيطها الإقليمي”.
مقدمة
أولا: العلاقات الإماراتية بشركات السلاح
- أ. العلاقات بشركات السلاح في أوروبا الغربية
- ب. العلاقات بشركات السلاح الأميركية
- ج. العلاقات بشركات السلاح في أوروبا الشرقية
- د. العلاقة بمصادر السلاح الإسرائيلي
- هـ. مصادر السلاح الروسي
ثانيا: أبرز صفقات السلاح
ثالثا: أسباب التوجه
- أ. التوجه التنموي
- ب. استقلال السياسة الخارجية
- ج. الحد من الضغوط الغربية
- د. احتياجات القوات الخاصة
- هـ. شراكة الفساد
خاتمة
مقدمة
في العقد المنصرم، اتجهت دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز وضع إنتاج وتجارة السلاح، لتصبح مدخلا تنمويا أساسيا، وهو ما يشير لتوجه مستدام في التأثير في محيطها الإقليمي.
اعتمدت أبوظبي في هذا الإطار على مسارين، أولهما توطيد علاقتها بشركات السلاح العالمية، سواء بالاستثمار في هذه الشركات، أو بقيادة عملية تسويق منتجات هذه الشركات في العالم العربي.
وتمثل المسار الثاني في إعادة هيكلة القطاع الدفاعي الإماراتي. وفيما يتعلق بهذا المسار، قامت الإمارات في 2014 بدمج 16 شركة صغيرة في إطار شركة الإمارات للصناعات العسكرية “إديك”، وهي الشركة الأكبر في الإمارات في مجال تصنيع الأسلحة وتأمين الخدمات ذات الصلة.
وبجانب “إديك”، يؤدي مجلس التوازن الاقتصادي – المعروف سابقا بمكتب برنامج التوازن الاقتصادي – دورا أساسيا في حماية وتمويل مبادرات الصناعة المحلية للسلاح.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، دشنت أبوظبي شركة “إيدج” التي تهدف لتعزيز القاعدة التكنولوجية لخدمة قطاع التسليح[1].
لكن ماذا عن المسار الأول، مسار العلاقة مع شركات السلاح العالمية استثمارا وتسويقا؟.
هذه الدراسة تجيب عن هذا السؤال.
أولا: العلاقات الإماراتية بشركات السلاح
تنظم الإمارات عددا من المعارض العالمية الخاصة بالسلاح، تستخدمها في توطيد علاقات قياداتها بالشركات المنتجة للسلاح عبر العالم، ويمكن رصد هذه المعارض فيما يلي[2]:
- معرض ومؤتمر الدفاع الدولي “آيدكس”، والذي يعقد مرة كل عامين، وعقد للمرة الأولى في عام 1993. ويعد أضخم معرض دفاعي ثلاثي الخدمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
- معرض الدفاع والأمن البحري “نافدكس”، الذي يعرض أنظمة الدفاع البحري ومعدات الأمن البحري. ويتزامن انعقاد هذا المعرض مع معرض “آيدكس”.
- معرض ومؤتمر الأنظمة غير المأهولة ”يومكس”.
- معرض ومؤتمر المحاكاة والتدريب ”سيمتكس”.
وتعقد هذه المعارض بصورة دورية مرة كل عامين، بالشراكة مع القيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية. وتقوم الجهة المنظمة لهذه المعارض، وهي شركة أبوظبي الوطنية للمعارض، بتنظيم بعض المعارض الأخرى غير الدورية، مثل تنظيم شركة “آيدكس” معرض أبوظبي الدولي للقوارب في عام 2018 في “أدنيك مارينا”.
وتشترك في المعرض غالبية شركات السلاح في العالم، مثل شركات “لوكهيد مارتن”، و”وبوينج”، و”رايثون” الأميركية، و”تاليس” الفرنسية، وغيرها من الشركات التي شاركت في “آيدكس” 2019[3]، كما يزوره وفود عسكرية بعضها رفيع المستوى، حيث يبلغ مستوى التمثيل فيها منصب وزير الدفاع أو قائد الأركان[4].
غير أن سلسلة المعارض المشار إليها ليست سوى مدخل العلاقات العامة المرتبط بعلاقة الإمارات بهذا العالم. ويلي هذا المحور مستويان للتعامل، أولهما مسار العلاقات المباشرة مع هذه الشركات، وهو ما يمكن متابعته في الولايات المتحدة، وغرب أوروبا، وشرقها، بالإضافة لإسرائيل.
أ. العلاقات بشركات السلاح في أوروبا الغربية:
علاقات الإمارات بشركات السلاح الأوروبية قوية. وتستفيد أبوظبي من معارض السلاح الدولية التي تقام على أراضيها في تعزيز علاقاتها بشركات السلاح الغربية، ومن بينها السلاح الأوروبي.
ومن أهم العلاقات بالنسبة للإمارات تلك التي تربطها بمجموعة “رواج – Ruag” السويسرية، والتي قررت في عام 2015 أن تؤسس مكتبا دائما لإحدى شركاتها الفرعية “شركة رواج للمحاكاة “Ruag Simulation Company” في أبوظبي، وقررت في 2016 زيادة عدد القوة العاملة في هذا المكتب من 4 موارد بشرية إلى ما يتراوح بين 10 و15 شخصا خلال 2017. ومن المقرر أن يتخصص المكتب في التدريب على أنظمة المحاكاة[5].
ومما يشير لقوة الشركة سياسيا في سويسرا، وأهمية علاقاتها بالإمارات، أن قرار التوسع في مكتب الشركة بالإمارات جاء خلال الحظر الذي فرضته الحكومة السويسرية على صادرات السلاح إلى الإمارات بعد اكتشاف أسلحة سويسرية في مخزون سلاح إحدى الجماعات المقاتلة في سوريا، حيث أتى الإعلان عن القرار في 3 ديسمبر/كانون الأول 2016، فيما لم يرفع الحظر التدريجي كاملا عن صادرات السلاح للإمارات إلا بعد 6 أشهر من ذلك القرار.
ويبدو قرار النقل نوع من التحايل على صرامة القيود السويسرية، حيث كان من المقرر أن تكون شركة رواغ للمحاكاة “Ruag Simulation Company” مملوكة بنسبة 51% من طرف رجال أعمال محليين لم يتم الإعلان عن أسمائهم، لكن المدير التنفيذي للشركة صرح بأن الشركة الأم ستحتفظ بالسيطرة الكلية على الأمور.
وتتبع الإمارات نفس النهج مع ألمانيا فيما يتعلق بتملك حصص كبيرة من شركات فرعية عن الشركات الأمنية الأم. غير أن القيود في ألمانيا، وإن كانت شديدة الصرامة، إلا أنها ضعيفة أمام النقابات والاحتجاجات العمالية التي سبق لها أن أرغمت مستشار ألمانيا “هلموت كول” على إلغاء قراره بحظر تصدير غواصات ألمانية لدكتاتور تشيلي أوجستو بينوشيه[6]. وتحرص الإمارات على شراء حصص في رأس مال بعض شركات السلاح في ألمانيا، ومن بينها شركة “تي كا أم أس” المتخصصة في إنتاج المعدات الحربية البحرية[7].
ويشير مراقبون إلى أن ضعف المبالاة لدى الألمان فيما يخص تصدير السلاح أوصلت أسلحة من طراز “هيكلر” و”كوخ جي 3″ إلى أيدي تنظيمات إرهابية مثل تنظيم “داعش”.
ولا تقف قضية حقوق الإنسان أو المعارضة الشعبية حجر عثرة أمام تصدير السلاح الألماني، حيث أقدمت ألمانيا على تصدير أسلحتها لدول عدة تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، مثل مصر والجزائر وكولومبيا، أو دول تعاني من نزاعات داخلية، مثل نيجيريا وسوريا واليمن، وإن كانت الشركات الألمانية لا تبيع للدول التي تشهد حروبا أهلية، وإنما لدول أطراف مثل الإمارات والسعودية واليمن وتركيا[8].
وتزايد دور الإمارات في التعاطي مع شركات السلاح الألمانية بعد أن أقدمت السلطات الألمانية على حظر تصدير السلاح إلى السعودية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018[9]، وهو الحظر الذي تمدد لمرتين بعد ذلك، قبل أن يتوقف بموجب حكم للقضاء الألماني في 3 ديسمبر /كانون الأول 2019[10].
جدير بالذكر أن علاقة الإمارات بشركات السلاح الألمانية نجحت في منع تمدد الحظر، ليطال الإمارات جنبا إلى جنب مع السعودية، التي لعبت مأساة اليمن دورا كبيرا في تمديد الحظر عليها لعام كامل بدلا من 6 أشهر[11].
ومن جهة ثالثة، وفيما يتعلق بالعلاقات الإماراتية الفرنسية على مستوى التسليح، كشفت العملية التي قامت بها القوات التابعة لحكومة الوفاق الليبية – المعترف بها دوليا – على مدينة غريان في أبريل /نيسان 2019، علاقات وطيدة بين الإمارات ووزارة الدفاع الفرنسية، والتي باعت الإمارات صواريخ “جافلين”، التي سبق لها شراؤها من الولايات المتحدة في 2010، وهو ما يمثل انتهاكا للاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة، والذي يحظر حظرا صارما إعادة تصدير أو إعادة بيع أو توزيع هذا النوع من الصواريخ[12].
من الواضح أن هذه الصفقة لا تعكس علاقات مباشرة بشركات السلاح الفرنسية، لكنها تعكس ما هو أهم، ويتعلق بمستويات العلاقات بين الحكومتين، ومدى ما يمكن أن تصل إليه فيما يتعلق بتراخيص شراء السلاح.
ب. العلاقات بشركات السلاح الأميركية:
تستثمر الإمارات جزءا كبيرا من ثروتها الواسعة في قطاع الصناعات العسكرية الأميركية في إطار صفقة لتوفير الدعم الدبلوماسي والغطاء الغربي لسياسات الإمارات الإقليمية[13].
وتشير تقارير المراقبين إلى أن الوضع الملتهب في الشرق الأوسط جعل شركات السلاح الأميركية توظف وردية ثالثة لتلبية الطلب على السلاح في المنطقة[14]. وبرغم أن شركة “مبادلة” الإماراتية تستثمر نحو 100 مليار دولار في الولايات المتحدة[15]، فضلا عن 28 مليار دولار أخرى هي بقية استثمارات الإماراتيين[16]، بما فيهم 4.8 مليارات دولار تستثمرها المحفظة الحكومية الإماراتية[17]، فإن البيانات المنشورة عن وجهة هذه الاستثمارات لا تتحدث عن تفاصيل فيما يتعلق بالشركات، لكنها تشير لتوجه هذه الاستثمارات لقطاعات الصناعات التكنولوجية، والسيارات، والألومنيوم، والأغذية، والخدمات المالية والمصرفية، وبناء السفن، وقطاع النفط والغاز، وإدارة وتشغيل الموانئ البحرية، والسياحة، وتجارة الجملة والتجزئة، والتجارة الإلكترونية وتقنية المعلومات.
ويلف الغموض الاستثمارات الإماراتية في شركات السلاح، غير أن التهاون الأميركي فيما يتعلق بانتهاء صادرات السلاح الأميركية للإمارات في أيدي ميليشيات محسوبة على تنظيم القاعدة، وانتهاء صادرات صواريخ “جافلن” لفرنسا في يد المتمرد الليبي خليفة حفتر، يكشف عن حجم تأثير اللوبي الإماراتي على شركات السلاح الأميركية، وتأثير هذه الأخيرة بالتالي على دوائر القرار الأميركية.
ج. العلاقات بشركات السلاح في أوروبا الشرقية:
من أهم العلاقات الإماراتية في هذا الإطار العلاقات مع شركات السلاح الصربية. وسبق لتحقيق أجرته شبكة “البلقان” للصحافة الاستقصائية عام 2016، أن دول أوروبا الشرقية – وفي مقدمتها صربيا- صدّرت أسلحة تفوق قيمتها مليار دولار لدول الشرق الأوسط. وتعتمد صربيا على إنتاج السلاح وتصديره كمصدر للعملة الصعبة، وذلك بالنظر لمؤشرات اقتصادها الكلي التي تكشف عن هشاشة عالية جعلت وكالة “ستاندر آند بورز” للتصنيف الائتماني، التي تهتم بقياس المؤشرات على قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، تصنف صربيا عند مستوى (BB-)، وهي درجة تدل على نظرة اقتصادية متشائمة[18].
اللافت في هذا الإطار اهتمام الإمارات بالاستثمار في هذه الدولة ذات الاقتصاد الهش، حيث تستثمر الإمارات في صربيا نحو 4 مليارات دولار، تتركز غالبيتها في قطاعي السياحة والزراعة[19]، في حين يرى البعض أن هذا المسار الإماراتي يأتي لمواجهة تمدد النفوذ التركي في البلقان[20].
بعض اهتمام الإمارات بصربيا يعكس مطامع اقتصادية تخللتها شبهات فساد، كانت مثار الحديث في الصحافة الصربية والأوروبية، وبخاصة فيما يتعلق بميناء “نوفي ساد”، الذي يقع على ثاني أكبر نهر في أوروبا، نهر الدانوب، إضافة إلى قربه من تقاطع ضخم للطرق والسكك الحديدية، وهو ما يعد مركز قوة لـ”شركة موانئ دبي”، التي اشترت الميناء بسعر يصفه المراقبون بأنه يعادل نصف مقابل الانتفاع بالميناء.
ويذكر التحقيق الذي نشرته “شبكة البلقان” أنه تم نقل الآلاف من البنادق وقذائف الهاون وقاذفات الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات عن طريق خط مستحدث يمتد من دول البلقان إلى الجزيرة العربية، وبعض الدول المجاورة لسوريا[21].
ويشير باحثون إلى أن الشركة الإماراتية القابضة للبحوث المتقدمة والتقنية وقّعت مع شركة السلاح الصربية (يوجو إمبورت) المعروفة اختصارا باسم “SDPR” صفقة قيمتها 200 مليون دولار، على هامش المعرض الدولي للدفاع الذي عقد في أبوظبي في 2014.
وكشفت مصادر صربية لوسائل الإعلام أن الإمارات، التي تعد أحد أهم مستوردي التقنيات العسكرية في العالم، والتي أنفقت نحو 12 مليار دولار على منظومات التسلح في عام 2012، تهدف من هذه الاستثمارات للاقتراب من إدارة صفقات السلاح المتعلقة بمنظومة الصواريخ الصربية “ALAS” متعددة الاستخدامات، حيث يستخدم كمضاد للمدرعات ضمن مدى تأثير يصل إلى 60 كيلومترا، وقد جرى تسويقها في المعرض المذكور باعتبارها قادرة على مواجهة وتدمير أية منظومة مدرعات في العالم[22].
غير أن صربيا، التي تمتلك قطاعا تصنيعيا واسعا للسلاح، وتمتاز بمنظومة قواعد مرنة لتصدير السلاح، لم تمانع – بحسب مصرفيين صربيين – من الاستجابة لطلب الإمارات بالتعاون مع منابع السلاح الصربي، بالنظر لحاجة الشرق الأوسط للسلاح، وحاجة صربيا للدولار.
د. العلاقة بمصادر السلاح الإسرائيلي:
عدة تقارير أشارت لعلاقات متحفظة مع شركات أمنية في تل أبيب. العلاقات بين الطرفين تتجاوز علاقة الشركات الأمنية. فالتجارة البينية بينهما، وبخاصة في المجال الأمني، تجاوزت 300 مليون دولار.
وتشير التقارير إلى رجل الأعمال الإسرائيلي ماتانيا/ ماتي كوتشافي، مالك شركة “AGT” المسجلة في سويسرا، الذي باع للإمارات معدات أمنية تتراوح ما بين كاميرات مراقبة، وأسوار إلكترونية، وأجهزة استشعار متعددة الأغراض، بلغ حجم صفقاتها 800 مليون دولار[23]، كما كان رجل الأعمال نفسه وراء تزويد إسرائيل للإمارات بأحدث طائرات التجسس، بحسب الوثائق التي ظهرت إثر التسريب المعروف عالميا باسم “أوراق الجنة”، وخرج للعلن عبر “الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين”، وصحيفة “زود دويتشه تسايتونج” الألمانية في 2017[24].
وهناك تجمع شركة “CNIA” الإماراتية مع شركة “ADS” الإسرائيلية المتخصصة في أنظمة الدفاع الجوي، التي باعت للإمارات مركبات عسكرية بدون سائق، مثل تلك التي تستخدم في قمع قطاع غزة، وهي الصفقة التي فشلت نتيجة عجز “ADS” عن تأمين موافقة إدارة المبيعات بوزارة الدفاع الإسرئيلية “SIBAT“.
غير أن وثاقة العلاقات الإماراتية بالشركات الأمنية في إسرائيل تدفع الشركات لبذل جهود لتأمين الموافقات اللازمة[25]. وهي قضية بالغة الحساسية في إسرائيل التي مازالت حساسة تجاه توريد معدات عسكرية للدول العربية، وإن كانت الأخيرة تتجه للانخراط في علاقات دافئة مع تل أبيب، وهو ما تعكسه الاتهامات التي وجهت لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لمجرد تربحه من صفقة بيع الغواصات الألمانية لمصر[26].
هـ. مصادر السلاح الروسي:
على هامش معرض الدفاع الدولي في أبوظبي، وقعت الحكومة الإماراتية اتفاقية مبدئية مع شركة “روستيخ” العسكرية الروسية، للحصول على سرب من طائرات سوخوي “سو 35″، وكعادة مشتريات السلاح التي تستخدم كمدخل لتطوير علاقات تمهيدية مع شركات السلاح لتطوير التعاون المشترك، اتخذت الإمارات الصفقة كعامل محفز للوصول لاتفاق مع السلطات الروسية، وتوقيع اتفاقية تعاون بين روسيا والإمارات، لتطوير طائرة مقاتلة خفيفة من الجيل الخامس، تشارك الإمارات في تصميمها وتصنيعها.
ويعد هذا المشروع المشترك مدخلا لإعادة صياغة العلاقة بين البلدين، بحيث تطور الإمارات دورها في تسويق السلاح الروسي في المنطقتين الشرق أوسطية والإفريقية[27].
العلاقة مع روستيخ ليست الوحيدة على المسار الإماراتي الروسي، فإن ترتيبات موازية تجمع “أديك” الإمارات مع شركة “روزوبورن إيكسبورت”، علاوة على أكثر من 40 شركة تصنيع سلاح روسية، تشارك بانتظام في معرض الدفاع الدولي “آيدكس”[28].
ومن أبرز حصاد هذه العلاقات، أن قام مجلس التوازن الاقتصادي في نوفمبر /تشرين الثاني من عام 2019، بالإعلان عن شرائه 50% من أسهم “شركة مروحيات روسيا”، وتضمنت الاتفاقية بيع حصة تبلغ 50% من مكتب “BP-Technology“، وهو مكتب تصميم مخصص لصياغة حلول علمية وفنية للطائرات العمودية، بما في ذلك قطاع الطائرات بدون طيار. وقد بلغت قيمة الصفقة نحو 400 مليون يورو[29].
ثانيا: أبرز صفقات السلاح
خلال معرض الدفاع الدولي “آيدكس” الذي عقد في أبو ظبي في 17 فبراير /شباط 2019، وقعت الشركة الإماراتية “كاليدوس” مذكرة تفاهم مع شركة “جي دي سي الشرق الأوسط” لصناعة الطيران والدفاع التي تتخذ من السعودية مقرا لها، بهدف تصدير طائرتها الهجومية الخفيفة الجديدة “بي 250” إلى أسواق أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا[30]، وكذلك الحال حدث مع شركة “روستيخ” الروسية ذات الصلة الوثيقة بالدولة.
غير أن ما جرى كَشْفه عن وساطة الإمارات في صفقات السلاح الإقليمية، على محدوديته، ليس وليد اليوم، ويعود المراقبون إلى دور الإمارات في إحباط الربيع العربي، ومحاولتها استدراك الوضع في ليبيا بعد الإطاحة بنخبة “مبارك” في مصر، وهو ما دفع الإمارات للتوسط لحصول نظام القذافي على الأنظمة التي تستخدمها إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، لكي يتمكن بواسطتها من مواجهة “ثورة 17 شباط 2011”[31]، ومن ثم إطالة أمد الحرب الأهلية في ليبيا، لكي يرتبط الربيع العربي بويلات تصيب الشعوب.
وما دفع إسرائيل للموافقة، أن الصفقة لا تنطوي فقط على مواجهة الربيع العربي المرعب لتل أبيب، بل يرتبط بتطبيع مع أكثر أنظمة الممانعة، وأكثر من ذلك يعني أن إسرائيل تمكنت من إنقاذ النظام الليبي المعادي لها، وهو ما يمنح التطبيع آفاقا مستقبلية رحبة.
وتمت الصفقة بالفعل بتوسط محمد دحلان مستشار ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد بتوريد السلاح الإسرائيلي لـ”الزعيم” الليبي.
لكن الصفقة الأبكر التي جرى كشفها ترجع إلى عام 2008، وترتبط بصفقة حصول الجزائر على سفينتين حربيتين من نوع “ميكو” من المصنع الألماني “تي كا أم أس”، والتي تفاوضت عليها المستشارة أنجيلا ميركل بنفسها مع الرئيس الجزائري المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، وكانت قيمتها آنذاك تبلغ 2.2 مليار يورو، وهي الصفقة التي اشترتها شركة “أبوظبي مار” الإماراتية، وقامت بعد ذلك ببيعها للجزائر[32].
تدخلات الإمارات في المواجهات الأهلية العربية توسعت بعد سقوط مستبد ليبيا. ففي 2012، قامت الحكومة السويسرية بتعليق كل تراخيص مبيعات السلاح للإمارات، وذلك بعد ظهور قنابل سويسرية الصنع في أيدي جماعات مسلحة في سوريا، ولم ترفع هذا التعليق إلا بعد إقرار خطي من الحكومة الإماراتية بأنه – مع استثناء القنابل اليدوية المكتشفة في سوريا – فإن الإمارات لم تقم بعملية “إعادة تصدير” لأي من مشترياتها من السلاح السويسري[33].
وفي إطار المواجهات مع الربيع العربي كذلك، نشر موقع “إنتليجنس أونلاين” حول تطور حجم التجارة البينية في القطاع الأمني بين الإمارات وإسرائيل في 2011، والذي بلغ نحو 300 مليون دولار[34].
كان من أبرز صفقات السلاح التي اشترتها الإمارات والسعودية من إسرائيل، وكانت وسيطا في تسويقه لنحو 17 دولة عربية، صفقة تطبيق “بيجاسوس”.
ويستخدم التطبيق للتجسس على الهاتف المحمول، واتخذته الإمارات وسيلة للتجسس على معارضين في الداخل، ونسبت صحيفة نيويورك تايمز للإمارات قيامها بالتجسس على كل من أمير قطر ورئيس وزراء لبنان ووزير خارجية عمان[35].
وعلى مدى العامين 2017 – 2018 مسح مختبر “سيتيزن لاب” الإنترنت بحثا عن خوادم مرتبطة بهذا التطبيق، ووجد آثاره في 45 دولة من بينها 17 دولة عربية هي: الإمارات، والسعودية، ومصر، والبحرين، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وعمان، وفلسطين، وقطر، وتونس، والجزائر، واليمن. ويقول المعهد في التقرير المنشور على موقعه في سبتمبر /أيلول 2018: إنه حدد ما يبدو أنه توسع كبير في استخدام “بيجاسوس” في دول مجلس التعاون الخليجي[36].
ويشير التقرير السنوي لصادرات الصناعات العسكرية البلغارية إلى مشتريات الإمارات من السلاح البلغاري ذي الطرز العتيقة، حيث تولت الإمارات والسعودية تسويقه للقوات المتقاتلة في كل من سوريا واليمن.
ويشير تقرير استقصائي لمركز البلقان للتحقيقات الاستقصائية إلى أن المشتريات الإماراتية من بلغاريا نشاط سنوي منذ 2013.
وأشارت لمصادر بالحكومة البلغارية أنها منحت الإمارات أذونا سنوية لمشترياتها من السلاح، خلال الفترة ما بين 2012 – 2015 (عام صدور التحقيق). وطبيعي ألا تكون الأسلحة البلغارية للاستخدام في أي من الإمارات والسعودية التي تشتري السلاح البلغاري كذلك لتعيد تدويره على المناطق التي تشعل فيها المواجهات العسكرية.
ويبدو في هذا الإطار أن بلغاريا تبيع مخزون الأسلحة القديمة (السوفيتية) التي تحظى بشعبية في مناطق مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق بحسب مركز البلقان للتحقيقات الاستقصائية.
ويبدو هذا التحرك من باب الإستراتيجية المتبعة لتغذية الحروب الأهلية في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن الولايات المتحدة نفسها قامت بشراء السلاح السوفيتي من بلغاريا ضمن برنامج تدريب “قوات سوريا الديمقراطية”[37].
وفي نفس السياق، فإن بعض الفضائح المرتبطة بعلاقات الإمارات بشركات السلاح، كانت من نصيب الثورة الليبية. ففي أبريل/نيسان 2019، تحركت قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا لتشن هجوما على مدينة غريان التي يتخذها العسكري المتمرد خليفة حفتر قاعدة للهجوم على العاصمة طرابلس، وبعد الاستيلاء على المدينة، عثرت قوات “الوفاق على صواريخ فرنسية الصنع، مضادة للدبابات، من طراز “جافلين”[38]. واهتزت وزارة الدفاع الفرنسية في تبرير هذا الاكتشاف، وزعمت أنها صواريخ تالفة، قبل أن تنقح ردها بعد نحو 3 أشهر في يوليو /تموز 2019، لتفيد بأن الصواريخ كانت جزءا من معدات تستخدمها “قوات فرنسية” لمكافحة الإرهاب.
الواقعة الثانية التي جرى اكتشافها، خرجت للعلن في ديسمبر /كانون الأول 2019، حيث كشفت صحيفة “The Irish Time” الأيرلندية عن صفقة بيع سفينة حربية أيرلندية من قبل شركة إماراتية لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بعشرة أضعاف قيمتها الحقيقية، موضحة أن المتمرد “حفتر” اشترى السفينة التي باعتها إيرلندا بـ110 آلاف يورو، بمبلغ 1.35 مليون يورو.
ورغم الوساطة الإماراتية التي قد تبرر وجود فارق في السعر، فإن الصحيفة كشفت عن الشركة الهولندية التي اشترت السفينة، وأعادت بيعها لشركة إماراتية بمبلغ قدره 473 ألف يورو، وأن الشركة الإماراتية أعادت بيعها للمتمرد “حفتر” بالقيمة المذكورة، وهي صفقة فساد مفضوحة بالنظر للقيمة الأصلية للسفينة[39].
غير أن أكبر الفضائح المتعلقة بإعادة تصدير السلاح، هو ما كشفته شبكة “سي إن إن” في تحقيق لها عن انتهاء المطاف ببعض أنظمة التسليح المستوردة من الولايات المتحدة الأميركية في أيدي “تنظيم القاعدة” من جهة، وجماعة الحوثيين المسلحة المدعومة من إيران من جهة أخرى.
وحسب التحقيق، فإن السعودية والإمارات استخدمتا السلاح الأميركي، وقامت بتوزيعه على القبائل وعلى مليشيات متشددة قريبة من تنظيم القاعدة من أجل كسب ولائها[40].
ومن أبرز الصفقات كذلك، صفقة السلاح الضخمة التي وقعتها مصر مع فرنسا في العام 2015، والتي تضمنت 24 طائرة حربية من طراز “رافال”، صنع “داسو للطيران”، وفرقاطة متعددة المهام من طراز “فريمن” من تصنيع شركة “DCNS“، وصواريخ جو- جو من طراز “ميكا”، وصواريخ بحرية من طراز “سكالب”، من تصنيع شركة “MBDA“، بالإضافة لأنظمة التمويه الخاصة بطائرات “رافال” من إنتاج شركة “لاكروا”. الصفقة التي بلغت قيمتها 5.2 مليارات يورو، والتي لم يكن بمقدور مصر شراؤها، حيث تولت الإمارات تسديد قيمتها بالتعاون مع السعودية، على أن تسدد على مدار عامين[41].
الاستفادة الأساسية من هذه الصفقة تتمثل في تعميق الصلة بشركات السلاح الفرنسية، ومنحها نصيبا من كعكة التناحر في الشرق الأوسط، ما يضمن للإمارات مساندة دولة مركزية في الاتحاد الأوروبي، وكذلك يتيح لها – أيضا- الاستفادة من العضوية الدائمة لتلك الدولة بمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، في توقيت تتلاعب فيه الإمارات بمسرحين أساسيين لقرارات هذا المجلس.
ثالثا: أسباب التوجه
وثمة عدة اعتبارات تحكم توجه الإمارات لبناء هذا النمط من علاقات الشراكة مع شركات السلاح العالمية، بعضها يخص الإمارات في الداخل، وبعضها الآخر يتعلق بالمشروع الإماراتي الإقليمي. هذه الأبعاد تتمثل فيما يلي:
أ. التوجه التنموي:
ترافقت مبيعات الأسلحة الخارجية إلى بلدان الخليج مع مقتضيات تعرفها شركات السلاح ذات المبيعات الخليجية العالية باسم “بنود التوازن”، وهي البنود التي أصدرها ويرعاها “مجلس التوازن الاقتصادي”[42]، حيث تبني الإمارات أحد أبعاد رؤيتها للتنمية على قيام المتعاقدين بدعم الاقتصاد المحلي من خلال مشاريع مشتركة مع شركات محلية، واستثمارات، وتوظيف اليد العاملة المحلية. غير أن الحصيلة الاقتصادية ظلت متواضعة حتى نهاية عام 2019.
ويرى خبراء في هذا المجال أن الإمارات عمدت في الأعوام القليلة الماضية إلى تعزيز جهودها لزيادة إمكاناتها العسكرية المحلية. ويرون أن ثمة عاملين إقليميين في هذا التوجه: أولهما، أن تراجع أسعار النفط في العام 2014، أدى إلى تجدد الجهود الحكومية لإصلاح الاقتصادات الوطنية، وتنويع مصادر الدخل فيها.
وفي هذا السياق، فإن بناء صناعة عسكرية محلية لا يساهم في استحداث وظائف وحسب، بل يمكن أن يدعم أيضا التنمية الاقتصادية في المدى الطويل، مثلا في ميدان التعليم والبحوث.
ولهذا السبب يحتل تعزيز شركات الدفاع المحلية حيزا بارزا في وثيقة “الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبوظبي”. ثانيا، يتيح تدعيم قاعدة صناعية دفاعية محلية للدول الصغيرة بناء استقلاليتها الإستراتيجية، مع خفض اعتمادها على التسليح الوارد من الخارج.
وفي فبراير /شباط 2020، أعلن مجلس التوازن الاقتصادي عن إنشاء صندوق تنمية القطاعات الدفاعية والأمنية، الذي بلغ رأسماله التأسيسي 680 مليون دولار، وكان لاستثماراته الفضل في تحقق النجاحات الأبرز في القطاع الدفاعي الإماراتي، مثل إنشاء المركز العسكري المتقدم للصيانة والإصلاح والعمرة (أمرك- AMMROC)، وهو عبارة عن مشروع مشترك بين شركة الإمارات للصناعات العسكرية “إديك” وشركات “لوكهيد مارتن” و”سيكورسكي إروسبيس”.
وركز مركز “أمرك” في البداية على خدمات الصيانة العسكرية والإصلاح، لا سيما تلك المخصصة لسلاح الجو الإماراتي. ويعزز المركز تطلعاته بمرور الوقت، بصورة مطردة، وصولا إلى عرضه نسخة مسلحة جديدة عن مروحية “سيكورسكي يو إيتش 60 بلاك هوك” في يناير /كانون الثاني 2020. وتقوم شركات السلاح المشاركة في المركز بدور في التشغيل وتوريد الخبرة.
ويمكن تقويم الدعاية حول نجاح شركات مثل شركة أبوظبي لبناء السفن، أو مركز “أمرك”، كعملية تتجاوز الابتهاج بنجاح منصات محلية، حيث يراها مراقبون مدخلا للتنافس الإقليمي من أجل الفوز بمناقصات كبرى.
ب. استقلال السياسة الخارجية:
بالرغم من أن رؤى 2030 في كل من الإمارات والسعودية تتضمن الاهتمام بالصناعة العسكرية، فإن كلتا الدولتين تعتمدان على مشتريات السلاح حتى اللحظة، وهو ما وُجِهَ بتحد واضح، عندما قررت ألمانيا بصورة خاصة حظر توريد السلاح إلى السعودية، في حين بذلت الإمارات جهودا دبلوماسية وتمويلية، لمنع امتداد الحظر إليها، بعد أن تحولت ألمانيا للتركيز على الحرب في اليمن كأساس لتجديد الحظر على السعودية، التي تعد ثاني أهم زبون للسلاح الألماني. وقد بذلت دول أوروبا ضغوطا على ألمانيا للتراجع عن هذا الحظر[43].
وفي هذا السياق، ترغب الإمارات في تفادي حظر الأسلحة الذي تباشره الدول الأوربية على مبيعاتها، كما حدث سابقا، وقامت به كل من سويسرا (2015)[44]، وألمانيا (2018)[45] مع المملكة السعودية، ثم مع تركيا[46]، وهو ما يدفعها للشراكة مع شركات السلاح، ليكون لنصيب الإمارات من رأس المال في هذه الشركات ما يحول دون صدور قرار تنفيذي من الشركة بالامتثال للحظر، من دون ضغوط تباشرها هذه الشركات على الحكومات، وهو ما نجحت الإمارات بموجبه من عرقلة صدور قرارات مماثلة لحظر توريد السلاح إليها، كما نجحت في تحجيم توجه حكومات أوروبا نحو إصدار حظر مماثل، ونجحت كذلك في رفع الحظر المفروض على السعودية.
ج. الحد من الضغوط الغربية:
الشراكة مع شركات السلاح العالمية، وتسويق منتجاتها كذلك، ينتجان تأثيرا إيجابيا مهما على الأداء الدبلوماسي الإماراتي، ويجيب عن تساؤلات طرحها مراقبون كثر حول الكيفية التي تنجو بها الإمارات بعد انتهاكها الحظر المفروض على تزويد أطراف الحروب الأهلية العربية بالسلاح[47].
هذه الشراكات تجعل من شركات السلاح، التي لا تنتعش بطبيعة الحال إلا في حال ازدهار الحروب، يجعل منها شريكا للإمارات فيما تقترفه من جرائم بإغراق الأطراف المتحاربين بالسلاح الغربي، وهو ما يمثل كابحا لقدرة الحكومات الغربية على الضغط على الإمارات لوقف تسليح الأطراف المتقاتلة. وبرغم مشتريات السلاح الإماراتية من ألمانيا، فإن صفقات السلاح الفرنسية التي تسربت إلى ليبيا، دفعت فرنسا للضغط على ألمانيا لرفع حظر توريد السلاح للسعودية[48].
د. احتياجات القوات الخاصة:
كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد كلف مؤسس شركة “بلاك ووتر وورلدوايد” الأميركية بتأسيس جيش خاص من المرتزقة يتبع ولي العهد وحده. وتأسس هذا الجيش لعدة أغراض، منها السيطرة على أية تمردات في الداخل الإماراتي قد تحدث في المستقبل. وقد جند ولي عهد الإمارات المئات من المرتزقة، وبخاصة غير المسلمين من الكولومبيين وغيرهم[49].
وطبيعي أن تؤدي هذه القوات، واحتياجاتها الخاصة من التسلح إلى اتساع حاجة الإمارات لأنظمة التسليح الخفيفة وأنظمة السيطرة اللازمة، لتمكين هذا الجيش الخاص من القيام بما هو مكلف به، وهو في نفس الوقت فرصة لتعميق العلاقات مع شركات السلاح الغربية، وما ينتج عن هذه الشراكات من منافع سردناها سابقا.
هـ. شراكة الفساد:
طبيعي أن تثير عمليات الوساطة غير المبررة في مشتريات السلاح علامات استفهام عدة. وبرغم الفساد الصارخ البادي في صفقة السفينة الأيرلندية التي باعتها أيرلندا بقيمة 11 ألف يورو، واشتراها حفتر لاحقا من الإمارات بقيمة 1.35 مليون يورو[50]– قد يكون مفهوما أن تختلف أسعار المعدات العسكرية الواردة لبلد يقع تحت سقف حظر تصدير الأسلحة من جانب الأمم المتحدة، بصرف النظر عن حجم العمولة الصارخ، والذي يؤذن بحالة فساد واضحة – إلا أنه ما ليس مفهوما هو صفقة السفينتين الحربيتين الألمانيتين للجزائر.
فما الذي يدفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتفاوض بنفسها على صفقة توريد سفينتين حربيتين للجزائر في عام 2008، وبعد إنهاء التفاوض، تقوم شركة إماراتية بشرائها، ثم تعيد بيعها للجزائر، حيث بلغ مقدار الصفقة 2.2 مليار يورو[51].
ويميل المراقبون لتفسير سر هذه الوساطة بصرامة القوانين الألمانية التي قد تتساهل فيما يتعلق بمبيعات السلاح، لكنها لا تتهاون في سلامة إجراءات البيع وثمن المعدات، وهو ما أدى بالجزائر لتفضيل دخول وسيط في العملية، يتولى هو بيع السفينتين لاحقا للجزائر، وهو ما يعني حتما وجود شبهة فساد في الصفقة.
وتفيد صفقات الفساد الإمارات في بناء شبكة مصالح مع القيادات السياسية المستبدة والفاسدة، وهو ما يرسخ علاقاتها بهذه القيادات، كما أنه يمكنها من السيطرة على هذه القيادات.
خاتمة
الإمارات تعتمد على التسلح في التنمية، وهو ما يعني كونها مصدر عدم استقرار طويل الأمد في المنطقة، غير أنها تعتمد على توريط لوبيات السلاح في الدول المسيطرة على النظام الدولي من أجل دعم مشروعاتها الإقليمية، ووظيفتها الوكيلة عن الولايات المتحدة الأميركية.
شبكة العلاقات الإماراتية تعتمد على بناء شراكات مع شركات السلاح العالمية، وهي شبكة تتسم بالتنوع ما بين القوى الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، كما تتطرق لدول نامية مثل صربيا وبلغاريا، وتعتمد على إذكاء الصراعات في الشرق الأوسط، وتستخدم هذه الصراعات للعب دور المسوق للسلاح لصالح هذه الشركات.
ولا يمنع مثل هذه العلاقات مع شركات السلاح من وجود علاقات مع وزارات الدفاع في الدول الغربية كذلك، وإبرام صفقات لصالح هذه الوزارات، وهو ما تمثل في إعادة بيع الأسلحة المستهلكة كالسفينة الأيرلندية، أو مخزون السلاح المستورد كصواريخ “جافلن” الأميركية المملوكة للحكومة الفرنسية.
الإستراتيجية الهادفة لدعم صورة وقدرة الإمارات كقوة عسكرية إقليمية صاعدة تساندها دعاية عالمية تدعم هذه الإستراتيجية. هل يمكن أن تؤدي هذه الصورة في النهاية لردع الجار الإيراني، ودعم اقتصاد ما بعد النفط في الإمارات، أم تؤدي لانقلاب الأوضاع في الإقليم عبر تردي صورة الإمارات في الشارع العربي؟.
المصادر: