هل تنتهي “حرب البسوس” وتتوقف المناكفات الإيديولوجية بين حركتيْ النهضة والشعب؟
كتب الأستاذ الأمين بوعزيزي تدوينة عاد من خلالها على المناكفات الإيديولوجية والسجالات السياسية بين قايادات حركتي النهضة (إسلامية) والشعب (قومية).
ولئن أبدى ارتياحه لما دار بين سالم السوداني وسالم لبيض، القياديين في الحركتين، من خلال تدوينات متبادلة، أعادت إلى ذكريات الجامعة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
وبدا الدكتور الأمين اليوعزيزي شديد الإيمان بضرورة “إنهاء حرب البسوس”، حيث قال: “لكني مازلت على يقين يتحدى أن لا مستقبل دون إنهاء حرب البسوس بين هذين المكونين في جسم أمة مضطهدة مستباحة كيانيا واقتصاديا وثقافيا ورمزيا”.
وهذه تدوبنة الدكتور الأمين البوعزيزي:
دارت مؤخرا ملاسنات حادة بين مكوّنٓيْن سياسيين تكاد تعصف باستمرار الحكومة التي يرأسها إلياس الفخفاخ.
مكونين من ذوي المرجعيات الأيديولوجية العميقة امتدادا في التاريخ والجغرافيا التي يصح فيها توصيف السرديات الكبرى، القوميون (حركة الشعب) والاسلاميون (حركة النهضة).
لن أركز على ما يكتبه ويقوله السياسيون منهم الغارقون في أوحال المناكفات الأيديولوجية المُفوتة وكل حزب بما لديهم فرحون (لأنهم يستحقون منا الشفقة) عوضا عن الجدل المعرفي السياسي. وسأهتم فقط بنصين/تدوينتين للنائبين الدكتور سالم الأبيض عن حركة الشعب والدكتور محسن السوداني عن حركة النهضة
نص الدكتور سالم الأبيض سجال سياسي يذكرنا بثمانينيات القرن الماضي في الساحة الحمراء وحجرة سقراط برحاب الجامعة التونسية التي احتضنت تيارات أيديولوجية سياسية متنافية. ما يلفت الانتباه أن نصه اليوم لم يخرج من غبار تلك المعارك (مضامين وأسلوب) رغما أنه منذ أكثر من عقدين باحثا وأستاذا جامعيا في إختصاص علم الاجتماع الذي يسلح ربابنته بمناهج ونظربات معرفة وعقل بارد لا يتنكر للالتزام السباسي بل ينضجه ويخرجه من الخطاب والزغاريد الأيديولوحية نحو الفكر والاشتباك المعرفي الذي يرفد معارك السياسة ويخرجها من أنفاق الشموليات المتنافية.
أما نص الدكتور محسن السوداني فقد نأى عن السجال والتنافي باحثا عن نقاط الالتقاء بين التيارين/السرديتين. في غير شيطنة لرموز الطرف المقابل بل معترفا بصدقهم مترحما عليهم، فقط يعيب عليهم غيبة الحرية التي نسفت كل شيء. مدافعا عن زعيم حركته وقائدها الفكري في مواجهة الترذيل والتخوين التي اعتبرها سردية بوليسية لنظم مستبدة يرددها من يفترض أنهم مناضلو حرية.
وهي كلها نقاط تحسب له مناضلا سياسيا وباحثا جامعيا في الفلسفة. فقط ما أعيبه عليه تفاخره بعقود محنة السجن غامزا كون زميله سالم الأبيض كان ساعتها في الجامعة وما يعنيه الغمز من طعن في نضاليته ورفاقه القوميين!!!
وهو أمر يستحق منا تعقيبا. إذا ليس السجن وحده مختبر النضالية فإذا ما استثنينا القيادات والرموز التي تم الزج بهم في الزنازين فإن العشرات والمئات وربما الٱلاف ذهبوا ضحية “الصيد بالكركارة” التي تعتمدها النظم الفاشية. ومثالنا نظام بنعلي وحركة النهضة في عشرية الرعب.
في حين مثل جيل سالم الأبيض في صفوف القوميين حلقة سياسية حاولت أن تضع جدا لنهج الحوار بالسلاح مع النظام، فبعد تصفية الشهيد صالح بن يوسف ورفاقه المحسوبين على الخط العروبي داخل الحركة الوطنية الدستورية وتصفية من بقي حيا منهم في ستينات القرن الماضي ولاحقا فيما عرف بالجبهة القومية لتحرير تونس عام 80 من القرن الماضي. كان قرار الأجيال الجديدة العمل السياسي الاعدادي (وهذا حديث يطول). انخرط بموجبه القوميون اشتباكا سياسيا في الجامعات والنقابات والهيئات والجمعيات وعرف مناضلوهم التجنيد والاعتقالات والطرد من العمل والحرمان منه كما سائر التيارات، ربما ما يميز جيل القوميين الذي انتمى له سالم الأبيض أنهم لم يطرحوا على أنفسهم افتكاك السلطة في تونس انسجاما مع فلسفة الاعداد التي أصبحوا يلتزمون بها. انحرفت لاحقا أقلية منهم كما سائر التيارات السياسية لكنهم لم يناشدوا ولم يزينوا الباطل… حتى كانت ملحمة الحوض المنجمي التي كانوا فاعلين فيها كما مناضلي اليسار، وملحمة سبعطاش التي كانوا أبطالا فيها دون منّ ولا تفاخر. ولعل الشهيد القائد محمد البراهمي كان الوحيد الذي ترك العاصمة وعاد إلى سيدي بوزيد لقيادة التمرد المواطني الاجتماعي…
فبلاش مزايدة يرحمكم الله.
كتب سالم الأبيض نصه نصرة لأخيه في البرلمان فأتى خطابه يطلب ثأرا، وكتب محسن السوداني يطفئ الحرائق وينشد مشتركات وكلمة سواء. وهو لعمري تفوق أخلاقي لا مجرد فارق أخلاقي!
سالم أخي الروحي الذي أحب، وأختلف معه بلا أدنى مجاملة في فهم ثورات المواطنة مسارات ومحنة ومهمات.
ومحسن التقيته مرة واحدة تصافحنا كأننا نعرف بعضنا منذ عقود، لطيف وعميق ومتواضع، لذلك أفتخر به صديقا يمكن البناء معه.
ما يثير فيّ الرغبة في القيء التعليقات أسفل نصي سالم ومحسن، مجزرة مقززة!!!!
لكني مازلت على يقين يتحدى أن لا مستقبل دون إنهاء حرب البسوس بين هذين المكونين في جسم أمة مضطهدة مستباحة كيانيا واقتصاديا وثقافيا ورمزيا.