أخبار عربية
مَنْ يستثمر في بلد السّمسرة؟
حديث هادئ في موضوع متشنج: من يستثمر في بلد السمسرة؟
الأستاذ كمال الشارني
الشغل حق واستحقاق وعنوان كرامة وإنسانية، لكن كيف تتحول الحاجة إلى الشغل إلى مزايدة سياسية شعبوية؟.
الدولة ليست مكلفة بضمان التشغيل إلا في نظام شيوعي يملك كل وسائل الإنتاج، إنما مكلفة بتوفير المناخ الذي يصنع الاستثمار الذي يأتي بالشغل، لكن نحن في نظام هرب فيه جزء كبير من رأس المال إلى الاقتصاد الموازي، فهو لا يدفع الضرائب للمجموعة الوطنية لكي تعود في شكل استثمارات عمومية ولا يوفر حتى مواطن شغل قارة.
ثمة طريقتان للشغل: الأولى وهي كونية: حسب حاجة المؤسسة وكفاءة المترشح، والثانية تونسية: بالقوة والاعتصام وتعطيل الحياة وشغل الآخرين وتحويل حياتهم إلى جحيم يومي والضغط على المعتمد والوالي وكل مسؤول دون أي سؤال عن الكفاءة طبعا. وفي هذه الحالة يظهر دائما مغامرون في السياسة لاستغلال ذلك، سواء بالوساطة في الشغل بالابتزاز أو تحريض العاطلين.
البطالة مأساة حقيقية، لكن لها حل مبدئي: وهو إعادة التكوين لاكتساب مهارة مهنية مطلوبة في سوق الشغل، ومن حق العاطل على الدولة أيضا أن توفر له منحة مؤقتة بالحد الأدنى لطلباته بشرط أن لا يرفض أي عرض تكوين أو شغل، ثم: لماذا يهرب الشباب من المبادرة الخاصة؟ إذا كان قدر التونسي أن يكون موظفا، فمن سيستثمر ويوظفه؟.
رأس المال الهارب إلى الموازي له بعض الحق، لأن الدولة لم تسع لتوفير المناخ الجاذب للاستثمار بل لتنفيره بالإدارة المركزية البيروقراطية وكثرة الشروط والأوراق وطول الإجراءات والضرائب المشطة والفوائض الفاحشة على الاقتراض، لا أحد يخير أن يدخل متاهات الإدارة والأوراق المملة والانتظار للاستثمار فيما طريق الاقتصاد الموازي مفتوحة ومحمية أحيانا منذ التحالف بين الكثير من السياسيين والمال الأسود، حيث لا تشغيل ولا ضمان اجتماعي ولا ضرائب حتى. الدولة هي التي جعلت السمسرة في الإنتاج أفضل من الإنتاج نفسه.
ثمة طريقتان لحل مشكل البطالة في تونس: إما تشغيل الجميع في المؤسسات والشركات العمومية دون مناظرات ولا كفاءة، وإما توفير مناخ جاذب للاستثمار بتسهيل الإجراءات وتوفير الحوافز وبالعدالة الجبائية والتضييق على الاقتصاد الموازي، المال موجود والرغبة في الربح الشرعي إنسانية، إلا إذا كان الموازي أكثر إغراء وكان الشرعي أكثر مشقة.
Views: 0