أخبار عربية
خطاب الطبّوبي يتأرجح بين “عاشوريّة” باهتةٍ و”خطّ حزبي مؤدلج”
أصداء….
الأستاذ زهير إسماعيل
قيادة الاتحاد هي ذلك الضعيف الذي يتقاوى لإخفاء هشاشته واهتزاز ثقته في نفسه وخوفه على دوره الوظيفي الموروث عن نظام بن علي.
هذا هو التوصيف العام وهو لا يمنع من ملاحظة تباينات بين مكونات المكتب التنفيذي. وأحيانا في مواقف الشخصيّة الواحدة. فالطبّوبي يستعيد في بعض الأحيان صدى “الروح العاشوري”، فيأخذ مسافة من “الخطّ الحزبي المؤدلج” الغالب على المكتب التنفيذي.
ويدعو إلى الحوار وتخفيف التوتّر السياسي المتصاعد والالتقاء على “مشروع وطنيّ” بمرجعيّة ديمقراطيّة لمواجهة الأزمة الماليّة الاقتصاديّة والوضع الاجتماعي المتفجّر. والخطاب الديمقراطي ودور الاتحاد في استكمال المسار الديمقراطي خطاب ضامر إن لم يكن غائبا.
ولكنّه في جانب مهمّ من خطاباته وتصريحاته ومقابلاته الصحفيّة يبدو أقرب إلى أن يكون صوتا لمجاميع إيديولوجيّة في القيادة التنفيذيّة.
التوتّر بين “الحزبيّة” و” العاشوريّة” هو سمة خطاب الأمين العام للاتّحاد. وقد يكون له صدى داخل الاتحاد.
فحين تغلب “الحزبيّة” يخرج الخطاب عن موضوعه الاجتماعيّ السياسيّ. ويصبح الطبوبي ناطقا رسميّا باسم الطاهري.
ومن مظاهر هذا أن تُخطئ القيادة في نظيرها الذي يجب التوجّه إليه بخطابها وهو الحكومة، فتتوجّه إلى أحد أحزاب ائتلافها أو إلى حزب معارض.
فلا معنى لأن يهاجم الأمين العام التقارب بين قلب تونس وائتلاف الكرامة ويصفه بالانتهازيّة ويعتبره مؤامرة على البلاد. بل إنّ التوجّه المزمع إلى البرلمان يبدو خطأ لأنّه توجّه إلى مكونات حزبيّة وكتل برلمانيّة.
وكان الأجدى التوجّه إلى القصبة سواء كانت الرسالة اجتماعية أو سياسيّة.
قد يكون هناك معنى للتوجّه إلى البرلمان إذا كانت الغاية من التحرّك دعمًا تشريعًا اجتماعيًا… وإذا كانت الرسالة سياسيّة (حوار وطني) فإنّ قرطاج أولى بالتوجّه.
فـ”الحزبيّة” في خطاب قيادة الاتحاد قرينة التغطية على الفساد، وهرسلة وزراء بسبب هويّتهم الحزبيّة، والتدخّل السافر في شؤون القضاء (ملفّ نقاببي صفاقس)…
وحين تحضر “العاشوريّة” (وإن كانت باهتة) تستعيد القيادة موضوعها ويستعيد الخطاب توازنه ومصداقيّته. وهو ما يمكن ملاحظته البارحة في حوار الأمين العام عن القضايا الاجتماعية رغم غياب التصوّر العميق للمسألة الاجتماعيّة والتحدّيات الاقتصاديّة والعلاقة بين القطاعات ودورها في التنمية وبناء الاقتصاد وتجويد العيش.
فمسألة القطاع العام ومستقبله على ضوء ما يعرفه من مشاكل هيكليّة تُطرح من قبل القيادة النقابية طرحا مغلوطا قائما على الربط الآلي بين الدعوة إلى إصلاحه ومسألة التفويت.
في حين أنّ الحقيقة هي أنّ إصلاح القطاع في المؤسسات القابلة للإصلاح سيكون ضربا للفساد المحمي نقابيّا (التفرّغ النقابي، تضخّم عدد الموظّفين، غياب الحوكمة والشفافيّة، التدخّل في التسميات والترقيات، مظالم مهنيّة).
“العاشوريّة” ليست نزعة اجتماعيّة جذريّة باتجاه العدل والحريّة بقدرما هي تعبير عن توجّه في منظّمة نقابيّة صارت بعد 56 جزءا من النظام السياسي.
وتوقّف أثرها مع نظام بن علي في شراكته الشاملة مع اليسار لتصبح المنظّمة رافدا من روافد نظامه المافيوزي وسياساته اللاوطنيّة.
ومَنْ بقي من رفاق عاشور (جراد) لم يكونوا أكثر من غطاء لسياسة الإذلال الاجتماعي (المناولة).
بعد الثورة، صار الاتحاد معقلا حزبيّا لمجاميع إيديولوجيّة همّشها الاختيار الشعبي الحر ساهمت في إجهاض التأسيس وتخريب المسار الانتقالي.
وكان للخطيّة الإيديولوجيّة في مستوى المكتب التنفيذي دور بالغ في جعل المنظّمة موضوعيّا تعبيرا من تعبيرات السيستام، والمكوّن من نظام بن علي الذي امتدّ إلى ما بعد بن علي.
ومن علامات هذا أنّ طيفا واسعا من أنصار الثورة ومعارضي الاستبداد من أحزاب وساسة وصانعي رأي وإعلاميين لا يجرؤون اليوم على نقد الاتحاد بحريّة مثلما كانوا يتهيّبون نقد نظام بن علي لتقديرات مختلفة..
وهذا من بين الأسباب المساعدة على بقاء منظّمة بحجم الاتحاد عاجزة عن الخروج من وظيفيّة سالبة ومتحوّلة رافقتها منذ عقود ولم تستطع الفكاك منها باتجاه دور رياديّ في بناء الديمقراطيّة والمواطنة الاجتماعيّة السيّدة.
Views: 0