أخبار عربية

ملفّ المبروك على قناة قرطاج +.. ملاحظات لابدّ منها

ملفّ المبروك على قناة قرطاج +.. ملاحظات لابدّ منها

الأستاذ زهير إسماعيل

 

خطوة جديدة وجيّدة أن يتناول الإعلام ملفات الفساد ويبدأ بأكبرها وهو ملفّ مروان المبروك.
ولكن تعلّمنا التجربة في نقد النصوص أنّه لا يوجد نصّ بريء. وغياب البراءة يعني هنا أنّه لكلّ نصّ غاية خيّرة كانت أم شريرة. ويزداد الحذر مع إعلام يعرف تحوّلات عسيرة، ونعرف وجوهه الصحفية ومن كان لهم دور أساسي في إجهاض تجربة التأسيس خدمة للوبيات معلومة.
وما قدّمته قناة قرطاج + البارحة نصّ جدير بالقراءة والتمعّن.
وفي هذا الصدد نورد الملاحظات التالية:
1 – الصورة التي ارتسمت لمروان المبروك عند الرأي العام هي إثراؤه غير المشروع وبناؤه امبراطورية مالية بحكم من مصاهرته لبن علي ونظامه الفاسد.
2 – عدد القضايا الكبير وتشعّب تفاصيلها القانونية والإجرائيّة ومراحل التقاضي المختلفة تمنع أغلبيّة المشاهدين من تبيّن “الحقيقة”. والخروج بسؤال: من استفاد أكثر من البرنامج؟.
3 – هناك ضيوف لا محلّ لهم من الإعراب مثل زياد لخضر. ولم يكن له من دور إلاّ الحديث الشعبوي عن أموال الشعب المنهوبة وتكييف الملف باتجاه خصم سياسي بطريقة مهزوزة.
وزياد لم يجد الوقت ليسأل معزّ بن غربيّة من قتل شكري؟ وهو يعلم أكثر من غيره أنّ معرفة الجاني سيكون مفتاحا سحريا إلى كل أقفال الفساد. ولكنّ زياد يحمل إجابة وحيدة صاغها الفساد ورعاته في الداخل والخارج.
4- من حقّنا أن نسأل: هل حضور مروان المبروك عن طريق الهاتف كان عرضيّا من وحي اللحظة أم هو مرتّب؟. ولماذا لم يُدعَ ضيفا في البرنامج منذ البداية؟.
ليس لنا إجابة جازمة ولكنّ دعوته إلى حصّة قادمة والتي بدت من وحي اللحظة تُوحي بترتيب ما. وقد يكون ما قدّم بروفة على ضوئها يكون القرار بدعوته من عدمها. وتبقى الغاية من هذه البروفة مجهولة. فيمكن أن تكون حسنة كما يمكن ألا تكون كذلك.. ونحن أميل إلى الاحتمال الثاني.
5- صورة مروان المبروك قبل البرنامج ليست هي صورته بعدها (الدوش كان جيّدا، أو هو عرف كيف يستفيد من المرء المسكوب).
فقد أشار إلى تفاصيل عدّة منها أنّه تصرّف في الأملاك المصادرة بمقتضى أحكام قضائية باتة. وعلى العكس من ذلك شدّد على أنّ ما أشار إليه وزير أملاك الدولة يتعلّق بقضايا أحكامها ليست باتّة (في الطور الابتدائي).
وملخّص الأمر أنّ كلّ ما اتهم به لا يقع خارج طائلة القانون وليس استيلاء ونهبا للمال العام، بقدرما هو مخالفات ينظر فيها القضاء.
6- أعطيت الفرصة للمحامي كورشيد ليجرّ المتفرّج إلى تفاصيل ومعجم لا يعرفه بالدقة الكافية. ونجح كورشيد في افتعال تعارض بينه وبين مروان المبروك. ولا فرق بين أن يكون هذا التعارض المفتعل طلبا للنجاة بالنفس من ملف خطير ولن تتوقّف تداعياته أو كان خدمة المبروك نفسه. فالتعارض بين المبروك والمبروك مثير.
هل يعود الأمر إلى قدرة الفساد على التغطية على فساده أم إلى أمور أخرى منها سياق البارحة على قناة قرطاج +؟.
جهتان لم تخرجا بالصورة المطلوبة: هما منظّمة “أنا يقظ” والقضاء.
وقد سعى المتّهمون بالفساد وخاصّة كورشيد إلى تتفيه عمل “أنا يقظ” الفذّ ومحاولة نعت عملها الجادّ بقلّة الخبرة والتسرّع والعجز عن فهم ملابسات التقاضي…الطفوليّة حتّى.
والجهة الثانية هي مؤسسة القضاء. وقد بدت من خلال الحوار متوترة بين التوطؤ والإنقاذ إلى الاستقلالية المطلوبة، وقد نعت كورشيد بعض الأحكام بأنّها كانت فاسدة.
الأستاذ زهير إسماعيل

 

7 – محاربة الفساد اليوم ملفّ حاسم في تجربتنا السياسيّة ومستقبلها الديمقراطي وفي مآل الائتلاف الحكومي.
وكلّما توفّرت شروطه القويّة من شخصيات وزاريّة واثقة من نفسها ومستعدّة لتحمّل المسؤولية كاملة.
ويحارب الفساد اليوم من خارج الدولة ومن داخلها. نقصد من خارج المؤسسة ومن داخلها.
ويقف عماد الدائمي محاربا فعليّا الفساد. وقد نجح في فرض هذا التوجّه بما أتيح من وسائل.
وإلى جانب هذه الحرب الفعلية التي أطلقها عماد وهو نائب وواصلها وهو ناشط في المجتمع المدني (مرصد رقابة) يوجد “إعلان حرب على الفساد” من داخل الحكومة نتلمّس خطواته الأولى الإجرائية.
وأجدني واثقا ثقة مشروطة. أعني مشروطة بالإنجاز وبأهميّة تصوّر أنّ الفساد الذي كان “بنية صلبة” في عهد الاستبداد موصول بقرار الحاكم بأمره صار بعد الثورة “بنية سائلة” امتدت إلى الاقتصاد الموازي لتتحصّن به وبتشعباته.
8- يُنتظر أن يواجه هذا الفساد السائل بمنهجيتن متكاملتين:
– ضربات لمفاصله الكبرى.
– وسياسة تجفيف منابعه بالحوكمة والرقمنة ودعم القضاء المستقل والإعلام الهادف والمسؤول وجهود المجتمع المدني وشبابه الواعد..
كلّ ذلك في إطار خطة وطنية بعيدة عن التجاذب الحزبي والسياسي.
مبروك كورشيد
هذه ملفات تحتاج إلمامًا ومعطيات دقيقة يعوزنا كثير منها كما يعوز غيرنا…ولكن ما يقدّم منها في الإعلام وفي غيره من وسائل التواصل وما يرشح من الصادقين من أهل الميدان نقرأه بحدسنا وصدقنا وبغضنا للفساد ووعينا بخطره وقدرته على التلون والاختراق وتسوية الملفات بشروطه..
ومعركة الفساد وتكييفها غير منفصلين عن الصراع السياسي بجهاته الرئيسية المعروفة. وهو ما يعني أنّه ما يزال ضمن التجاذب السياسي الحاد.
وهذا كاف ليجعل من مدى العركة قصيرا ونتائجها محدودة. فالتجاذب السياسي أحد أهمّ الشروط المفسدة لهذه الحرب النبيلة. محاربة الفساد في صلب السياسة. وتكون شروط نجاحه التي ذكرنا عنوان وطنية هذه السياسة.
ويبقى الباب مفتوحا للملاحظات بغاية التصحيح والتدقيق والتصويب والإشارة إلى مواطن الخلل والخطأ.. إن وجدت.
(هذا المقال لا يعبّر إلا عن راي كاتبه)
Views: 0
Tags
عماد الدائمي مبروك كورشيد مروان المبروك معز بن غربية منظمة أنا يقظ نصر الدين السويلمي يوسف الشاهد

Midou

صحافي وتربوي، عمل في عديد الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية منها إيلاف والعرب اليوم وإرم نيوز والشارقة 24 والتقرير وقنطرة.

Related Articles

Leave a ReplyCancel reply

Back to top button