تكوّن لدينا انطباع منذ 2014 بأنّ ثوّار 17 فبراير الذين أُجبروا على حمل السلاح في مواجهة النظام غير قابلين للهزيمة.
وقد عبّروا عن وجودهم المسلّح من خلال قوات “فجر ليبيا” و”البنيان المرصوص” التي هزمت داعش في سرت وأخرجتها منها ليحمي حفتر فلولها في المناطق التي يسيطر عليها.
وكانت قوات البنيان المرصوص تتجه إلى الهلال النفطي وبن غازي لطرد حفتر بعد أن دمّر أحياء بأكملها في بنغازي وارتكب جرائم حرب بواسطة محمود الورفلي المطلوب من قبل القضاء الدولي على أنّه محرم حرب.
ولكنّ قوات الأفريكوم حذّرتهم تحذير تهديد من التقدّم.
وقوات “بركان الغضب” التي قادت فكّ الحصار عن طرابلس وتتجه إلى شطب المرتزق حفتر والمشروع الصهيوني الفرنسي الإماراتي في ليبيا.
قوات 17 فبراير
قوات 17 فبراير غير القابلة للهزيمة هي اليوم خلاصة لسنوات من القتال الميداني بوسائل وخطط تختلف عن وسائل الجيوش التقليديّة. والتدريب الحي الذي يُكسب المقاتل قدرات وخبرات مستخلصة من الممارسة.
وتظهر الصور شبابًا حفاةً يمتلكون شجاعة أسطورية وعزمًا على فرض الحريّة والدولة المدنية بقوّة السلاح بعد أن فرضت عليهم الثورة المضادّة الصهيونية الإماراتية والمصالح الدولية المتاجرة بالثقافة الأممية ومؤسساتها (مجلس الأمن) حمل السلاح الدفاع عن أرضهم وعرضهم وحقّهم في الحريّة والكرامة الإنسانيّة.
نذكر جيّدًا الحرب العراقيّة الإيرانية التي استمرّت ثماني سنوات وكانت مدمّرة للبلدين. وخاصّة في الجانب الإيراني، فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها هم من ورط العراق عشية الثورة الإيرانية ووفّر المساعدة اللوجستية والسلاح بتمويل خليجي.
ولكن نتيجة مهمّة من نتائج الحرب هي خروج العراق بجيش مكوّن من مليون جندي على أعلى درجات التدريب والخبرة الميدانية.
وهي ليست خبرة جيوش الثكنات وإنّما خبرة حرب طاحنة فقد فيها الطرفان أكثر من مليون من كل جهة، فضلًا عن خسائر العمران وتعطّل النفط والطاقة والإنتاج. فقد كان لصواريخ الاي تسقط على المدن في الجانبين أثر الزلازل المدمّرة.
خرج العراق من خربه بأقوى جيش في المنطقة وبقيادة في حجم صدّام حسين. ولم يكن أمام الدوائر الإمبريالية سوى جرّ المنطقة إلى سياق يسمح بتدمير جيش العراق حتّى لا يجد الوقت الكافي لبسط نفوذه في الحوار الخليجي والعربي. فكانت حرب الخليج الثانية التي لم تنته إلا باحتلال بغداد عاصمة الرشيد وانطلاق مشروع تدمير العراق.
حماية الديمقراطية
في ليبيا اليوم يتوفّر هذا الشرط لبناء مؤسسة عسكرية قوية ونوعية تحمي الديمقراطيّة المرتقبة.
وأمّا الانتظار الثاني فهو أن تتحوّل ليبيا إلى قوّة اقتصاديّة إقليمية. وتملك لبيبا ثروات نفطية هائلة وثروة الحديد (في مصراتة أكبر مصنع للحديد الصلب في أفريقيا) إلى جانب ثروات فلاحية في الماشية والزراعة..
ولليبيا خبرات عالية في كل الاختصاصات هاجر أغلبها إلى أوروربا وأمريكا في نهاية السبعينيات بعد انحراف القذافي إلى إهدار ثروات البلاد وتفتيت ما ورث من موًسسات في التعليم والطب والفلاحة والثقافة، واستعاض عنها بسياسة شعبيوية فقيرة لا تخلو من سفاهة (تبديد الثروة في سياسة خارجية بلا رؤية إلا رغبات رأس السلطة).
الوصول إلى بناء هذه القوّة العسكرية المؤسسية والاقتصادية مشروط ببناء الديمقراطيّة وتحقيق مصالحة تاريخية بين مكونات ليبيا الجهوية والمناطقية والقبلية والسياسية. وأنّ مدى القتال اليوم هو شطب حفتر ومرتزقته. والبرهنة على أنّ القتال/السلاح لم يكن إلا الكره الذي يُضطَرّ إليه حين يفرض عليك الخصم سلاحًا وحيدًا لتمنع عدوانه.
أمام ثوار 17 فبراير فرصة تاريخية لبناء بلدهم وتسطير ملحمة في التحرّر الوطني من أنظمة الاستبداد سليلة المرحلة الاستعمارية.